Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكاتبة نجمة إدريس تنسج حكايات كويتية في "كنفاه"

قصص تتأمل تناقضات الزمن وأحوال الاغتراب بين الداخل والخارج

إمرأة كويتية بريشة ابتسام العصفور (صفحة الرسامة - فيسبوك)

ملخص

تتنوع تجربة الكاتبة الكويتية نجمة إدريس بين الشعر الذي عرفت به على امتداد مسيرتها الإبداعية، حتى توجهت إلى السرد وكتبت روايات مثل "حدائقهن المعلقة" و"سيرة الغائب" وسواهما ، وجديدها مجموعة قصصية بعنوان "كانفاه"، تترواوح بين الواقعية والبعد التاريخي.

تطرق الكاتبة نجمة إدريس باباً جديداً تمثل في مجموعة قصصية عنوانها "كنفاه"، والمقصود بها فن التطريز على النسيج المتضمن رسوماً ملونة، وهو عنوان إحدى قصص المجموعة القصصية الصادرة حديثاً عن منشورات صوفيا في الكويت.

تضم  المجموعة عدداً من النصوص القصيرة المتماثلة في حجمها تقريباً، المتنوعة في شخوصها بصورة لافتة. ويُقدم أبطال القصص نماذج تمثلها أمهات من الطبقة الوسطى، أو أبناء وبنات، ومراهقات أحياناً، أو من طبقات فقيرة من خارج المجتمع الكويتي، وبعضها يعيش خارج الكويت ويعاني الاغتراب. ولا تقتصر الشخصيات على الجنسية الكويتية، فهناك أيضاً شخصيات تعبر عن مجتمعات أخرى مثل لبنان على سبيل المثال وغيره. أبرز ما يلفت الانتباه أن المونولوغ أو السرد الخاص بكل شخصية، يبدو مقنعاً من خلال الصوت السردي الخاص به، على رغم التراوح الشديد بين طبيعة الشخصيات التي تتناولها القصص، وأيضاً على اختلاف الضمير المستخدم بين الغائب والمتكلم.

أما المشترك الذي يجمع غالبية هذه النماذج، فيتمثل في معاناة أصحاب الأصوات السردية من الأسى. لكنه أسى شفيف مضمر وغير معلن في معظم الوقت، ولكن يتم التعرف إليه إما من همسات سردية خافتة يعاني أصحابها في صمت، أو خلال تداعيات الراوي أو الراوية. ويشترك أبطال القصص أيضاً في محاولاتهم المضنية للبحث عن السعادة، أو معاناتهم إحساساً مقيتاً باليأس من أثر تجارب قاسية اختبروها في الماضي، فسببت مرارات ما عاد من الممكن إصلاح أثرها.

حالة فنية

ولئن كانت ثمة مفارقة تنتهي بها كل قصة يعقبها الإحساس الذي قد يصل إلى القارئ من كل قصة باعتبارها حالة فنية ينتج منها أثر عاطفي له خصوصية تتعلق بالقصة، فإن قراءة النصوص كلها يمنح فكرة عامة عن صورة كبيرة لجزء أو هامش من المجتمع الكويتي، مقدم في شذرات. لكن هذه التعاسات المشتركة لا يتم التعبير عنها بأي تكلف أو حتى بنبرة غاضبة، بل بنبرة هادئة تكشف عن صراع مستتر بين رفض الماضي أو الواقع، وبين الأمل في مسحة من الهدوء قد يصالح بها الفرد ما بقي له من حياة.

تتعرض بعض القصص لمفارقات القدر ودوره في الكشف عن خبائث النفوس التي لا تتمكن من فهم الحكمة من المعنى الحقيقي للحياة، كما في قصة "عواشة" مثلاً وتتناول حكاية فتاة "خبلة"، أي غير متزنة عقلياً، تحظى بفرصة للزواج، لا تحظى بها أخريات أكثر جمالاً وأكمل عقلاً، ولكن ينقصهن فهم المعنى الحقيقي للجمال الباطني. لكن الكاتبة نجمة إدريس، وهي تحقن القصص بالسرد الذي يتكئ على الحكاية، تقدم جوانب فلسفية أو مفارقات إنسانية أو التفاتات غاية في الحساسية من خلال الحبكات. وبراعتها تكمن في ميل القصص إلى مساحة سردية مكثفة، لكنها تمنح المعنى المقصود فنياً وفكرياً بسخاء. تمنح قفلات غالبية القصص مفارقة تؤكد معنى كامناً أو تكشف عنه، خصوصاً القصص التي تتناول مواضيع مثل الاكتئاب، أو الاغتراب عن المجتمع أو الحنين.

ثمة قصة تجعل من الأم التي تدفن همومها في غزل "الكنفاه" نموذجاً رمزياً لما قد ترثه الابنة من أمها حتى لو بدت أنها ترفضه، وإلا تكرر مصيرها، بينما السلوكيات التي تتحرك باللاوعي تكشف عن أن إرث السلالة حتمي، حتى لو كان ميراثاً في التعاسة أو السلبية أو غير ذلك. وهناك قصة تتناول مثلاً ما قد تتعرض له طبقة العمالة غير العربية من قهر أو تجارب قاسية لأنها تعمل لدى شخصيات غير متوازنة نفسياً. وتلقي الضوء بالتالي على شريحتين تبدوان كضحية وجلاد، بينما يمكن في العمق أن ترى الطرفين ضحيتي ظروف قاهرة.

تتنوع مواضيع القصص عموماً، فتراوح ما بين تناول علاقات الزوج بالزوجة وأثرها الممتد على الأبناء، أو الاكتئاب وما يترك من يأس ولا مبالاة واغتراب. وثمة قصة "بطن الحوت" مثلاً التي تتناول فكرة الوحدة في الزمن المعاصر، في زمن الفردية التي تبتلع شباب العصر الجديد، بعيداً من قيم قديمة كانت الأسرة أو العائلة هي قوامها. تبدأ القصص في غالبيتها من اليومي العادي المكرر، ولكن سرعان ما يبدو أن هذا العادي مجرد مظهر لما يمور في الأعماق من مشاعر عميقة ومعقدة. فثمة قصص تتأمل فكرة الزمن، وآثار الزمن على الإنسان المعاصر، وربما الحالات العمرية المختلفة وصورها التي تتباين بين مرحلة عمرية وأخرى. كما تعرض محاولات تصالح الإنسان مع ذاته أو سخطه على ما وفرت له الأقدار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هناك قصة مقسمة إلى فصول عدة بعنوان "فريج"، وهي كلمة تعني الحي باللهجة العامية، وهي أطول قصص المجموعة وتعود لزمن ما قبل النفط، فكانت الحارات ضيقة والبيوت متلاصقة فيكاد الجيران يسمعون أنفاس بعضهم بعضاً، والحياة بسيطة ومتقشفة وبدائية، وفيها تركيز هائل على التراث المحلي من خلال إضاءة شكل الحياة في الفريج. هذه القصة التي يأتي موقعها في الثلث الثاني من المجموعة تقريباً يمكن اعتبارها قصة تربط بين عصرين أو بين جيلين، جيل عاش الحياة المتقشفة البدائية بكل قسوتها وصعوباتها وفطريتها وأيضاً بكل ما فيها من سيادة كما في سبل العلاجات الطبية الشعبية أو البدائية، وبين الجيل المعاصر الذي نشأ على الرفاهية ومظاهر الحداثة، ومع ذلك فهو يواجه أزمات اجتماعية عدة، بعضها يتعلق بوضع المرأة، أو طبيعة العلاقات بين أبناء البيت الواحد، والمشكلات الزوجية والاكتئاب والاغتراب والإحساس الرهيب بالوحدة كما في قصة "بطن الحوت" مثلاً.

ثمة قصة واحدة بين قصص المجموعة عنوانها "هي التي تكلم الأشجار"، تبدو مختلفة عن بقية القصص بسبب طابعها التأملي، الشديد الشعرية الذي يخلق ويتأمل علاقة الإنسان بالطبيعة في آفاق ملتبسة بين الحلم والواقع.

تمتلك إدريس الكاتبة لغة سرد جميلة عرفت بها في معظم أعمالها بما في ذلك دراساتها النقدية، لغة فصيحة بليغة تناسب النصوص. واستعانت في قصة "فريج" التي تعود فيها للتراث المحلي بالمفردات المحلية التي تستخدم ليس فقط في اللهجة الكويتية الدارجة، بل في الدارجة الخاصة بذلك الزمن البعيد، مما أكد هوية المكان الذي صورته القصص، والنماذج البشرية التي استعانت بها لترسم تلك اللوحة السردية لزمن كانت له خصوصيته.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة