Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"برلمان رقمي" في الجزائر لمواجهة تغيب النواب

جلسات مرئية لتسهيل التواصل بين الأطراف المعنية في مناقشة التشريعات وطرح الأسئلة ومساءلة الحكومة

يستمر الوضع كما هو في انتظار ما تسفر عنه الخطوات المتخذة هذه المرة (موقع البرلمان الجزائري)

ملخص

هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ رئاسة البرلمان إجراءات لتجاوز مشكلات تتجدد مع كل دورة برلمانية، وآخرها إقرار خصومات في أجور ومنح النواب المتغيبين، وحرمانهم من المناصب المهمة بالمجلس ومن امتيازات السفر والمهام الدبلوماسية، غير أنها لم تجدِ نفعاً.

مع اقتراب موعد انطلاق الدورة الرابعة لبرلمان الجزائر تجدد الحديث عن الغيابات المتكررة للنواب وسبل مواجهة الظاهرة التي باتت تحرج القائمين على الهيئة التشريعية، كما تثير قلق الشارع الذي يفقد الثقة في ممثليه، غير أن إجراءات تُحضر من أجل تحسين أداء البرلمان من حيث التشريع والرقابة.

إجراءات رقمية

يتوجه المجلس الشعبي الوطني الغرفة السفلى أو الثانية للبرلمان الجزائري نحو اعتماد تقنيات الرقمنة لأول مرة، في محاولة للتخلص من مشكلة الغياب المتكرر للنواب التي جعلت من الهيئة التشريعية هيكلاً بلا روح، إذ باتت غالبية الكراسي شاغرة في مشهد لا يترجم العقد المعنوي الذي يربط المواطن بممثله.

وفي سياق العمل على تحسين الأداء التشريعي والرقابي وضمان سير المناقشات بكفاءة أكبر، وتعزيز التواصل بين النواب والأطراف المعنية، أدخلت رئاسة البرلمان تقنية جديدة تتمثل في عقد الجلسات المرئية التي تبطل تبريرات النواب في الغياب، وتمنح سهولة في التواصل في ما بين كل الأطراف المعنية من الحكومة إلى المؤسسات الرسمية والبرلمان، كما تجعل مناقشة النصوص التشريعية ومختلف القضايا والملفات المدرجة في جدول أعمال المجلس، وأيضاً طرح الأسئلة على الوزراء ومساءلة الحكومة، أمراً في المتناول بصورة شفافة وديمقراطية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ رئاسة البرلمان إجراءات لتجاوز مشكلات تتجدد مع كل دورة برلمانية، وآخرها إقرار خصومات في أجور ومنح النواب المتغيبين، وحرمانهم من المناصب المهمة بالمجلس، ومن امتيازات السفر والمهام الدبلوماسية، غير أنها لم تجدِ نفعاً، ويستمر الوضع كما هو إلى وقت غير معلوم في انتظار ما تسفر عنه الخطوات المتخذة هذه المرة.

أسباب تغيب النواب

تعليقاً على ظاهرة التغيب وما يُحضر له لمواجهة المشكلة، يعتقد النائب علي محمد ربيج أن رقمنة البرلمان وإدخال تقنيات التصويت الإلكتروني والمشاركة من طريق الفيديو السمعي البصري، وكذا استعمال مختلف الوسائل التكنولوجية كلها خطوات تسهل عمل النائب وتمنح مزيداً من الشفافية في ما يتعلق بمسألة التصويت، مشيراً إلى أن مساحة الجزائر الهائلة تمنع في بعض الأحيان النائب من التنقل إلى المجلس من أجل المناقشة والتصويت، بالتالي فإن استعمال المدخلات المرئية يسمح للنائب بالمشاركة في الجلسات.

أما في ما يتعلق بغيابات النواب، فيعد ربيج أنه ليس لها علاقة بالجانب التكنولوجي أو الرقمنة، موضحاً "أنها ظاهرة ليست مرتبطة بالبرلمان الجزائري فقط، وإنما موجودة في كل برلمانات العالم"، ومضيفاً أن هناك أسباباً عدة تدفع النائب في بعض الأحيان إلى الغياب، فهو مثلاً مطلوب منه أن يكون حاضراً في جلسات المناقشة والتصويت، ومطالب كذلك بالوجود في الولاية أو المنطقة التي يمثلها، على اعتبار أنه يدافع ويمثل المواطن أمام مختلف مؤسسات الدولة. ومن غير الممكن أن يحضر طول الدورة البرلمانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع أن الظاهرة كذلك لها أسباب أخرى مثل التأخر في إصدار النظام الداخلي للبرلمان، "فنحن نطالب بضرورة الإفراج عنه"، مبرزاً أن هذا الأخير من شأنه وضع الآليات والوسائل التي يمكن من خلالها تحفيز النائب على الحضور ومناقشة القوانين والمشاريع، وفي المقابل إنزال العقوبات على المتخلفين من دون مبرر.

ويواصل النائب، "بخصوص التواصل مع أعضاء الحكومة، فإن المسألة تحتاج إلى قرار سياسي، وإلى تفهم من قبل النواب وأعضاء الحكومة، فلا يستطيع الوزير أن يمضي كل يوم في استقبال النواب، ولا يستطيع النائب أيضاً أن يعقد جلسات مع الطاقم الوزاري كل أسبوع"، موضحاً أنه "من الناحية العملية الأمر صعب جداً، لكن في الأقل توجد طرق عدة لتسهيل عملية التواصل وإيصال انشغالات المواطنين والمؤسسات والشركات والجالية بالخارج والطلبة والمجتمع المدني.

وأوضح أن "النائب ما هو إلا حلقة وصل بين هذه الأطراف والمسؤولين، وإعادة الثقة للمواطن في مؤسسات دولته مهمة الجميع، بعد أن تضررت وضاعت بسبب الأخطاء والانحرافات والتجاوزات والبيروقراطية والرشوة والفساد المالي والسياسي، غير أن المطلوب منا نحن النواب بذل جهد مضاعف، كوننا مؤسسة تشريعية وهيئة تمثل صوت الشعب، ثم إن النائب في المخيال الجزائري سارق وشخصية لا تحترم القانون وتبحث عن تحقيق مصالحها الضيقة، لذا حان الوقت لتصحيح هذه النظرة".

تحسين الأداء وتقليل التصادمات

من جانبه أوضح نائب رئيس البرلمان الجزائري عبدالرزاق تواتي، أن اللجان البرلمانية ستقوم بتطبيق تقنيات الرقمنة بهدف تحسين أدائها في الجوانب الرقابية والتشريعية، إضافة إلى تعزيز سرعة التواصل مع الطاقم الوزاري للإجابة عن استفسارات وانشغالات النواب بصفة أكثر فاعلية.

وقال، إن الخطوة تأتي في إطار تعزيز الشفافية والكفاءة داخل "المجلس الشعبي الوطني"، إذ ستُحسن عملية تحليل البيانات وتُسهل الوصول إلى المعلومات المهمة المتعلقة بمشاريع القوانين ومختلف القضايا المطروحة للنقاش، مشيراً إلى أنها تمنح القدرة على متابعة ومراقبة الأداء الحكومي بشكل أكثر دقة وسرعة، بما يسهم في رفع مستوى التنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما تسمح الرقمنة بتوثيق كل الأنشطة البرلمانية بصورة إلكترونية، مما يسهل الأرشفة والمراجعة المستقبلية، ويقلل من الاعتماد على الوثائق الورقية التقليدية.

وأبرز تواتي أن هذا التحول الرقمي داخل الهيئة التشريعية سيعزز من مشاركة النواب في اتخاذ القرارات المستندة إلى معلومات محدثة، ويتيح لهم تقديم اقتراحات وتوصيات أكثر دقة وفعالية، مضيفاً أن مشكلة الغيابات، سواء بالنسبة إلى النواب أو أعضاء الحكومة التي طالما شكلت نقطة خلاف وتسببت في عدد من الأحيان في حدوث مناوشات بين الطرفين، يبدو أن اعتماد مثل هذه التقنيات سيقلل منها ويمنح العمل التشريعي دفعة قوية، إذ يمكن للبرلماني الموجود في جنوب البلاد التواصل مع الطاقم الحكومي ومتابعة النقاش من بعد، وحتى المشاركة في تعديل مشاريع القوانين من خلال الاطلاع على سير النقاش وتقديم اقتراحاته إلكترونياً عبر التطبيقات الجديدة التي وضعها البرلمان تحت تصرف النواب والجهاز التنفيذي.

الخطوة توسع الظاهرة

بحسب المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية أحمد بركاني، فإن النائب يشكل المفتاح الرئيس لتحريك السلطة التشريعية من خلال الأدوار الرئيسة المنوطة به، سواء على المستوى الوطني باعتباره ممثلاً للأمة أو عبر دوره المحلي بصفته منتخباً عن منطقته التي أوصلته إلى المقعد النيابي، مبرزاً أن النائب مطالب بأداء برلماني يدفع بالمؤسسة التشريعية إلى الأمام لتجسيد استقلالها، لكن ميدانياً يلاحظ أن ظاهرة الغياب ألقت بظلالها على هذه الهيئة، وقد باتت مقاعد البرلمان شاغرة أثناء جلسات المناقشات والتصويت، وهذا كله يرجع إلى سيطرة السلطة التنفيذية، إضافة إلى غياب نصوص قانونية رادعة تجبر الأعضاء على الحضور.

 

 

ويعتقد بركاني أن اعتماد الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة لا يسهم في مواجهة ظاهرة تغيب النواب فقط، بل يدفع إلى تعميمها وتوسيعها، إذ إن النواب يجدون أنفسهم غير مجبرين على حضور مختلف الجلسات في ظل وجود بديل يتمثل في المشاركة البعدية أو من طريق الفيديو، وقال إنه أمام غياب الوازع المهني أولاً ثم تجاهل الردع القانوني ثانياً، تبقى مسألة غيابات النواب المتكررة تتسبب في نفور الشعب من ممارسة السياسة والمشاركة في صناعة القرار وبناء بلاده، وذلك جراء فقدانه الثقة في ممثليه وتوسع الهوة بينه وبين مؤسسات الدولة.

وختم بأنه "حان الوقت لإعادة الاعتبار للنشاط البرلماني بشكل يمنح المؤسسة التشريعية هيبة يبدو أنها فقدتها منذ النظام السابق".

رئيس البرلمان "قلق"

وكان فبراير (شباط) الماضي شهد فتح ملف النظام الداخلي للبرلمان من طرف رئيسه إبراهيم بوغالي الذي قال لدى افتتاحه جلسة خصصت لمناقشة المشروع، إن مراجعته تعد محطة متميزة في مسار إصلاح المؤسسات الدستورية، وترقية العمل الديمقراطي بالهيئة التشريعية، مبرزاً ضرورة إحداث هذه المراجعة للاستجابة لمستلزمات وطبيعة العمل التشريعي والرقابي في ظل الأحكام الدستورية الجديدة التي خولت للمجلس دوراً وصلاحيات مهمة ينبغي تحديد إجراءاتها ضمن أحكام هذا النظام الداخلي.

وأشار إلى مبدأ المبادرة باقتراح القوانين التي أصبحت متاحة لكل نائب، بعدما كانت تتطلب نصاباً قانونياً معيناً من النواب، إلى جانب توسيع مجالات التشريع وإقرار آليات رقابة جديدة تتيح للنواب متابعة الأداء الحكومي بما يحقق المصلحة العامة والعليا للوطن، داعياً "النواب إلى معالجة مسألة الحصانة البرلمانية بما يتماشى مع الأحكام الجديدة للدستور نصاً وروحاً، إلى جانب ضرورة ضبط ظاهرة الغياب التي استفحلت في الآونة الأخيرة".

كما طلب من النواب تحديد إجراءات ممارسة الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة بدقة، وإجراءات تشكيل البعثات الاستعلامية الموقتة، وكيفيات إخطار المحكمة الدستورية، وسد الفراغات التي أفرزتها الممارسة البرلمانية السابقة، وكذا تكريس الآليات الكفيلة بالارتقاء بالعمل التشريعي والرقابي بما يعزز مكانة المجلس الوطني الشعبي بين الهيئات الدستورية، من دون تجاوز الحدود المرسومة أو الإخلال بالتوازن الذي وضعه المؤسس الدستوري بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي