Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انطلاق حملة انتخابات برلمان كردستان العراق وفق نظام جديد

ميزان القوى مرهون بنسبة المصوتين وهواجس من استمرار مقاطعة الناخبين

مسعود بارزاني يلقي كلمة في افتتاح حملته الدعائية لانتخابات كردستان   (إعلام الحزب الديمقراطي الكردستاني)

ملخص

يبلغ عدد المرشحين 1191 ضمن 136 قائمة تضم مختلف المتنافسين من القوى والتحالفات بمن فيهم المستقلون، بينهم 368 امرأة و38 مرشحا من الأقليات التي لها مقعدان في أربيل ومثلهما في السليمانية ومقعد في دهوك.

انطلقت الحملة الدعائية لانتخابات برلمان إقليم كردستان العراق المقرر إجراؤها في الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في خطوة تكتسب أهمية كبيرة على إثر تحديات سياسية واقتصادية تعصف بالكيان الكردي وسط محاذير من استمرار نسبة مقاطعة الناخبين، فيما تطمح قوى المعارضة إلى انتزاع مقاعد من الحزبين، مستغلة تراجع شعبيتهما على وقع صراعاتهما الثنائية وإخفاقات حكومتهما الائتلافية.

وتحمل هذه الانتخابات التي تأجلت أربع مرات منذ موعدها القانوني في أكتوبر 2022 أهمية في ظل توترات سياسية وأزمة اقتصادية مزمنة، وتراجع سلطة الإقليم التي كانت تتمتع بصلاحيات شبه مستقلة عن بغداد منذ عام 1991، على إثر قرارات قضائية اتحادية حرمته من تصدير نفطه وألزمته تسليم إيراداته النفطية وغيرها، وأفضت إلى حل برلمانه مع فرض نظام انتخابي جديد وحل مفوضية الانتخابات الكردية، إلى جانب سلسلة من أحكام كانت اعتبرتها حكومة أربيل استهدافاً "سياسياً" يهدف إلى تقويض الإقليم.

إشراف اتحادي

ويأمل الأكراد في أن تحدث هذه الانتخابات تحولاً لاجتياز حال الفراغ التشريعي والقانوني السائدة والعبور نحو مرحلة جديدة تمهد لإعادة رسم المعادلة السياسية ووضعها على مسار جديد في إدارة العلاقة مع السلطة الاتحادية. 

ويكمن اختلاف الانتخابات عن سابقاتها في اعتماد نظام الدوائر المتعددة للمرة الأولى بدلاً من الدائرة الواحدة بموجب قرار من المحكمة الاتحادية، مع تقليص عدد مقاعد البرلمان من 111 إلى 100 مقعد، فضلاً عن تقليص عدد مقاعد "كوتا" الأقليات من 10 إلى خمسة مقاعد ضمن المئة مقعد، ناهيك عن حصر الإشراف على العملية الانتخابية بالمفوضية العليا المستقلة المعتمدة لدى السلطة الاتحادية، بعد أن خضع سجل الناخبين إلى تنقيح من الأسماء المكررة والمتوفين كثيراً ما كان محل انتقاد شديد من قبل معظم القوى السياسية والأطراف المعنية.  

ويقَسّم النظام الانتخابي الجديد الإقليم إلى أربع دوائر، اثنتان منها في محافظتي أربيل 38 مقعداً ودهوك 25 مقعداً، الواقعتين في نطاق نفوذ الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني الذي يقود الحكومة، ودائرتان في نطاق نفوذ شريكه الرئيس "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني في محافظة السليمانية 38 مقعداً ومنطقة حلبجة ثلاثة مقاعد.

ويخوض الحزبان منذ أسابيع حرباً إعلامية محمومة ترتكز على إرث الخلافات وأسباب الانتكاسات وتداعياتها، بلغت حد نشوب مشادة حادة في اجتماع الحكومة الأربعاء الماضي بين رئيس الوزراء مسرور بارزاني عن "الديمقراطي" ونائبه قوباد طالباني عن "الاتحاد"، بحسب تسريبات تداولتها وسائل الإعلام.

ودار الخلاف حول تبني الأخير شعاراً انتخابياً مبهماً ودعواته إلى تصحيح مسار الحكم و"إنهاء التفرد"، وفي المقابل دعا زعيم "الديمقراطي" مسعود بارزاني مرشحي حزبه في افتتاح حملة حزبه الدعائية إلى "تبني حملة هادئة بعيدة من العنف وتجنب الانجرار في المهاترات مع الأشخاص عديمي المسؤولية لأن عدم الرد على هؤلاء يعتبر رداً بحد ذاته"، وقال إن "اللسان الطويل دلالة على اليد القصيرة".

توزيع جديد للمقاعد

يبلغ عدد الذين يحق لهم التصويت نحو 2 مليون و900 ألف شخص، بينهم 215 ألف ناخب ضمن الاقتراع الخاص، من المسجلة أسماؤهم في النظام البيومتري من مجموع عدد سكان الإقليم الذي يزيد على 6 ملايين نسمة، فيما يبلغ عدد المرشحين 1191 ضمن 136 قائمة تضم مختلف المتنافسين من القوى والتحالفات بمن فيهم المستقلون، بينهم 368 امرأة و38 مرشحاً من الأقليات التي لها مقعدان في أربيل ومثلهما في السليمانية ومقعد في دهوك، علماً أن مفوضية الانتخابات خصصت 1431 مركزاً وأكثر من 6300 محطة اقتراع في عموم محافظات الإقليم.

 

وسيشارك في عملية المراقبة نحو 159 مراقباً دولياً و207 مراقبين محليين، إضافة إلى أكثر من 5 آلاف مراقب يمثلون وكلاء للقوى السياسية.

ويستبعد أن يكون لعنصر المفاجأة وقع في النتائج في إحداث تغير لافت في المعادلة السياسية القائمة، باستثناء إمكان تحقيق قوى معارضة تشكلت حديثاً بعض المكاسب، نظراً إلى تشتت مواقف مجمل القوى المعارضة وإخفاقها في تشكيل تحالف مؤثر، مقابل تمتع الحزبين بعناصر وآلية تؤمن إدامة البقاء على رأس هرم السلطة من خلال تقاسمهما للموارد وإدارة الأجهزة والمؤسسات الحكومية.

انحسار للفجوة

ووفق المعطيات، فإن القوى التقليدية الحاكمة ستحافظ على مواقعها في صدارة النتائج، في مقدمتها حزب بارزاني يليه حزب طالباني، باختلاف في أن التوقعات ترجح إخفاق الأول هذه المرة في الفوز بما يزيد على نصف عدد المقاعد، مما يضعه أمام خيار استقطاب قوى فائزة أخرى قبل خوضه مفاوضات تشكيل الحكومة مع الفائز الثاني التي يرجح أن تكون شاقة في ظل احتمالات خوض حزب الاتحاد صراعاً لانتزاع أحد المنصبين الرئيسين وهما رئاسة الحكومة والإقليم من منافسه الديمقراطي.

كما تذهب المؤشرات الأولية بحسب مراقبين ومنظمات ومراكز معنية إلى احتمال أن يتقلص فارق المقاعد بين الحزبين الحاكمين من 24 إلى نحو 10 مقاعد أو أكثر بقليل، ذلك أن حزب بارزاني كان يحوز في الدورة السابقة على 45 مقعداً يضاف إليها 11 مقعداً من مقاعد الأقليات التي كانت تحسب ضمن ثقله النيابي لتمركز سكانها في مناطق نفوذ الحزب، فيما كان نصيب نظيره "الاتحاد" 21 مقعداً.

وتستند هذه المؤشرات إلى الخفض الذي طرأ على المجموع الكلي لمقاعد البرلمان ومقاعد الأقليات وفق النظام الانتخابي الجديد، يضاف إلى ذلك إمكان خسارة الحزب لمقاعد أخرى بفعل تراجع أدائه السياسي والحكومي في إدارة الأزمات، وخسارته لمقاعد في حكومتي نينوى وكركوك لمصلحة نظيره "الاتحاد".

نفوذ ضامن

في المقابل عمل حزب طالباني على استعادة بعض من ثقله عبر إعادة ترميم سلسلة التصدعات والانشقاقات التي طاولت قيادته من خلال فرض قرار مركزي تحت قيادة زعيمه بافل نجل مؤسس الحزب الراحل جلال طالباني، وكذلك الدخول في تحالف مع القوى الشيعية الحاكمة في بغداد للحد من نفوذ غريمه الشريك في حكم الإقليم حزب بارزاني، وعلى رغم صعوبة إمكان منافسته للأخير لكنه سيحتفظ بمكانته كلاعب أساس في الحكومة المقبلة.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى النقيض من الحزبين، تواجه حركة "التغيير" المشاركة في حكومة الحزبين احتمالات خسارة موقعها كقوة ثالثة عندما حققت صعوداً مفاجئاً عام 2009 بعد وقت قصير من تأسيسها كأكبر قوة معارضة على يد زعيمها الراحل نوشيروان مصطفى عقب انشقاقه عن حزب طالباني، قبل أن تتهاوى شعبيتها بصورة لافتة بعد وفاة زعيمها ومن ثم مشاركتها في الحكومة، إذ إنها خرجت خالية الوفاض من الانتخابات الاتحادية عام 2021، وما أصابها لاحقاً من انشقاقات بين قياداتها وانضمام كثير منهم إلى الحزبين الحاكمين.

معارضة مشتتة

أما في ساحة المعارضة، فإن حراك "الجيل الجديد" بزعامة شاسوار عبدالواحد يطمح إلى إحراز المرتبة الثالثة، وعلى رغم أنه لم يسلم أيضاً من الانشقاقات في صفوف نوابه وقادته، فإنه حقق صعوداً متدرجاً منذ تأسيسه عام 2017 عندما أعلن من دون تحفظ رفضه لخوض الاستفتاء على الانفصال، وتمكن من الفوز بثمانية مقاعد في انتخابات الإقليم عام 2018 ومن ثم حقق قفزة عندما فاز بتسعة مقاعد في البرلمان الاتحادي خلال انتخابات 2021.

لكن الحراك سيواجه صعوبات في استقطاب مزيد من الأصوات الناقمة بعد ظهور منافسين جدد، مثل "جبهة الشعب" التي أسسها أخيراً لاهور شيخ جنكي بعد انشقاقه عن حزب طالبان، إذ إنه يحظى بشعبية لا يستهان بها، وكذلك تشكيل "جبهة الموقف" بقيادة النائب السابق علي حمه صالح المعروف بانتقاداته الحادة للسلطة و"الكشف عن ملفات الفساد".

 في حين يتوقع ألا تتمكن القوى الإسلامية المعارضة "الاتحاد الإسلامي" ذو التوجه الإخواني بزعامة صلاح الدين بهاء الدين و"جماعة العدل" بزعامة علي بابير من تجاوز عتبة ثقلها النيابي السابق بعدد مقاعد لم تتجاوز 12 مقعداً.

المشاركة طوق نجاة

وتبقى الورقة الوحيدة المتاحة أمام المعارضة لتحقيق نتائج مرضية في التعويل على فرضية ارتفاع نسبة مشاركة الناخبين التي لم تتجاوز في آخر انتخابات نسبة 35 في المئة، نظراً إلى صعود نسبة مقاطعة الأصوات الناقمة على القوى السياسية.

 

 وفي هذا الصدد يعتقد الباحث السياسي بروا ستار بأن استمرار المقاطعة سيبقي الحال على ما هي عليه "ما دام أنه كانت لنا أمثلة في تجارب كثير من الدول المتقدمة وما أفرزته من نتائج سيئة، وقد أجرينا أخيراً دراسات معززة ببيانات ومعلومات تضمنت أمثلة على عمليات المقاطعة، وتثبت كيف أن معظم نتائجها صبت في مصلحة القوى الحاكمة ووضعت القوى المعارضة على الهامش، وما خلفته من خيبة أمل كبيرة".

ويوضح ستار أن "شريحة واسعة من الناخبين ربما لا تدرك أنها عندما تتخذ خيار المقاطعة في رد فعل على سوء استخدام السلطة من قبل القوى الحاكمة بحجة عدم وجود بديل، فإن ذلك في النهاية سيخدم قوى السلطة، ذلك أنها ستفوز بعدد كبير من المقاعد من خلال أصوات قليلة".   

انقسامات المصوتين

وتنقسم توجهات الناخبين الأكراد على مجموعات تشكل عاملاً محورياً في رسم ملامح رصيد القوى والخريطة المقبلة للعملية السياسية، ويضع الكاتب والباحث برزو إسماعيل الناخبين في فئات عدة أبرزها "فئة الأصوات الثابتة، تلك التي حسمت قرارها لمصلحة القوى الحاكمة لارتباط مصالحها بصورة مباشرة مع السلطة، يضاف إليها أولئك الذين لديهم امتيازات حزبية محدودة، وكذلك الخاضعين للموروث السياسي والحزبي لأسلافهم والواقعين تحت تأثير الديماغوجية، وهناك قسم آخر مغتر به للحصول على مكاسب نفعية موقتة"، وأردف "كما نجد الأصوات غير المهتمة بشؤون إدارة الدولة، ويخضع مزاجها لتوجهات العشيرة وصلة القرابة ويوالون بالمطلق زعيماً بعينه".

ويضيف إسماعيل أن "هناك فئة يمكن تسميتها ’اليائسين‘ الذين فقدوا ثقتهم وأملهم بمجمل القوى السياسية في أن تكون الانتخابات حلاً، بعضهم يرغب في التصويت ويتعاملون بوعي تجنباً لتكرار خطأهم السابق، تضاف إليهم تلك الفئة التي لم تشارك قط في الانتخابات لكنها في نفس حبيسة النقد والتذمر، ونجد فئة أخرى يمكن وصفها بالشجاعة غير الواقعة تحت تأثير الحصول على مكاسب شخصية ولا ترتبط مصالحها بالقوى السياسية والسلطة".

ولفت إلى أن "نسبة مشاركة المصوتين في الانتخابات السابقة لم تتجاوز 27 في المئة، أي إن 73 في المئة قد قاطعت في تعبير عن رفضها للنظام السائد، وهذا بحد ذاته خطأ كارثي لأنها لو شاركت لكان ميزان القوى مختلفاً اليوم لأنه في الحقيقة من يحكم اليوم هي الأقلية". 

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات