Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعركة من أجل مجموعة "بريكس"

لماذا سيشكل مستقبل الكتلة النظام العالمي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث في منتدى "بريكس" الذي استضافته سانت بطرسبورغ في يوليو 2024 (فاليري شريفولين/ رويترز)

ملخص

ستعقد مجموعة "بريكس" في كازان الروسية، برئاسة الرئيس بوتين، قمة تعكس تعزيز دور المجموعة في تشكيل النظام العالمي الجديد وسط التوترات الجيوسياسية. وبينما تسعى كل من روسيا والصين إلى توسيع نفوذهما، تواجه المجموعة تحديات داخلية بسبب اختلاف مواقف أعضائها الرئيسيين مثل البرازيل والهند، مما قد يؤثر في تماسك المجموعة في المستقبل.

في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ستجتمع مجموعة البلدان المعروفة باسم "بريكس" في مدينة كازان الروسية في قمتها السنوية. ومن المقرر أن يكون الاجتماع لحظة انتصار لمستضيفه، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سيترأس هذا التجمع لكتلة تتزايد حجماً حتى وهو يتابع حربه الوحشية في أوكرانيا. يأتي اسم المجموعة من الأحرف الأولى لأسماء أعضائها الخمسة الأوائل – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا – لكنها نمت الآن لتشمل مصر وإثيوبيا وإيران ودولة الإمارات العربية المتحدة. وتشارك السعودية أيضاً في أنشطة المجموعة، لكنها لم تنضم إليها رسمياً. وتمثل هذه البلدان الـ10 مجتمعة 35.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي محتسباً بتعادل القوة الشرائية (أكثر من الـ30.3 في المئة التي تعود لـ"مجموعة الدول السبع") و45 في المئة من سكان العالم (تمثل "مجموعة الدول السبع" أقل من 10 في المئة منهم). وفي الأعوام المقبلة، من المرجح أن تتوسع مجموعة "بريكس" أكثر، إذ أعرب أكثر من 40 بلداً عن اهتمامها بالانضمام إليها، بما في ذلك قوى ناشئة مثل إندونيسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سيتمكّن بوتين من الزعم أن روسيا، على رغم الجهود الفضلى التي يبذلها الغرب لعزلها بعد غزوها الشامل لأوكرانيا، ليست بعيدة كل البعد من أن تكون منبوذة دولياً فحسب، بل هي الآن أيضاً عضو محوري في مجموعة ديناميكية ستشكل مستقبل النظام الدولي. وهذه الرسالة ليست مجرد مواقف خطابية، كما أنها ليست مجرد شهادة على دبلوماسية الكرملين الماهرة في التعامل مع البلدان غير الغربية أو على مشاركة تلك البلدان البراغماتية المدفوعة بمصالح ذاتية مع روسيا.

وبما أن الولايات المتحدة وحلفاءها أقل قدرة على تشكيل النظام العالمي من جانب واحد، تسعى بلدان عدة إلى تعزيز استقلاليتها من خلال التودد إلى مراكز قوة بديلة. وبسبب عدم القدرة أو عدم الرغبة في الانضمام إلى النوادي الحصرية الخاصة بالولايات المتحدة وشركائها الصغار، مثل "مجموعة الدول السبع" أو التكتلات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، وإحباطها المتزايد من المؤسسات المالية العالمية التي تدعمها الولايات المتحدة، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تحرص هذه البلدان على توسيع خياراتها وإقامة علاقات مع مبادرات ومنظمات غير أميركية. وتبرز مجموعة "بريكس" بين هذه المبادرات باعتبارها الأكثر أهمية ودلالة وربما أثراً.

منذ تأسيس المجموعة، قبل 15 عاماً، يتوقع كثير من المحللين الغربيين زوالها. كانت دولها الأعضاء مختلفة جداً عن بعضها بعضاً، وكثيراً ما كانت على تضاد حول مسائل متنوعة، وهي دول مشتتة في أنحاء العالم كله – لم تمثل المجموعة وصفة لشراكة ذات مغزى. لكن مجموعة "بريكس" صمدت. وحتى في أعقاب الزلزال الجيوسياسي العالمي الذي أطلقه الغزو الروسي لأوكرانيا والتوترات المتزايدة عمقاً بين الصين والولايات المتحدة خلال الأعوام الأخيرة، ازداد الاهتمام بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"، إذ ترى بلدان نامية عدة أن التجمع وسيلة مفيدة للتعامل مع تحديات السنوات المقبلة.

لكن على رغم جاذبيته، يجب على هذا النادي التعامل مع صدع داخلي. يريد بعض أعضائه، وعلى رأسهم الصين وروسيا، وضع التجمع في مواجهة الغرب والنظام العالمي الذي صاغته الولايات المتحدة، ذلك أن إضافة إيران، الخصم اللدود للولايات المتحدة، لن تؤدي إلا إلى تعميق الشعور بأن المجموعة تصطف الآن على جانب من جانبي معركة جيوسياسية أكبر. وثمة دول أعضاء أخرى، لا سيما البرازيل والهند، لا تشارك في هذا الطموح. هي تريد، بدلاً من ذلك، استخدام مجموعة "بريكس" لإضفاء الطابع الديمقراطي على النظام القائم وتشجيع إصلاحه، والمساعدة في توجيه العالم بعيداً من الأحادية القطبية التي نشأت في حقبة ما بعد الحرب الباردة وتتلاشى منذئذ باتجاه تعددية قطبية أكثر واقعية فيمكن للبلدان أن تتحرك بين التكتلات التي تقودها الولايات المتحدة وتلك التي تقودها الصين. وهذه المعركة بين الدول المعادية للغرب والدول غير المنحازة ستشكل مستقبل "بريكس" – مع عواقب مهمة على النظام العالمي نفسه.

مزيج من إعداد الكرملين

تأتي قمة مجموعة "بريكس" في كازان بعد أعوام من الجهود الدبلوماسية التي بذلها الكرملين لتحويل مجموعة وضع لها اسمها للمرة الأولى محللون لدى "غولدمان ساكس" إلى منظمة عالمية ذات مقاربة استباقية. وفي 2006، نظمت روسيا الاجتماع الأول لوزراء خارجية الدول المعروفة معاً باسم "بريك" [البرازيل وروسيا والهند والصين] في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي يونيو (حزيران) 2009، استضاف الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف زعماء البرازيل والصين والهند في قمة افتتاحية في يكاترينبرغ. وعام 2010، أضافت المجموعة إلى عضويتها جنوب أفريقيا، ليكتمل اسمها كما هو معروف اليوم.

قبل 15 عاماً، أثارت الأزمة المالية العالمية التي نشأت في الولايات المتحدة الاهتمام بـ"بريك"، ذلك أن فشل المنظمين الأميركيين في منع الأزمة وعدم الكفاءة المكشوف الذي شاب مؤسسات "بريتون وودز"، ناهيك عن النمو المذهل المستدام للصين في حين كانت الاقتصادات الغربية تعاني، حفز الدعوات إلى إعادة توزيع القوة الاقتصادية العالمية والمسؤولية بعيداً من الغرب لتشمل العالم النامي. وكانت "بريكس" النادي الأكثر تمثيلاً للتعبير عن هذا الشعور. لكن في ذلك الوقت، عملت موسكو وشركاؤها إلى حد كبير لتحسين النظام القائم، وليس نسفه. لقد أعلنت مجموعة "بريكس" عن بنك التنمية الجديد عام 2014 لاستكمال المؤسسات الدولية القائمة وإنشاء شبكة أمان مالي توفر السيولة إذا واجه أي من أعضائها صعوبات قريبة الأجل. وكان المقصود منه أن يكمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لا أن ينافسهما.

ورأت روسيا هدفاً وقيمة أكبر في "بريكس" بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 والحرب في شرق أوكرانيا وفي ظل العقوبات الغربية المنسقة ضد روسيا التي أعقبت ذلك. لقد صورت روسيا قمة "بريكس" التي استضافتها عام 2015 بوصفها علامة على أنها ليست دولة معزولة، وأن المجموعة يمكن أن تكون بمثابة بديل لـ"مجموعة الدول السبع" – مجموعة الدول الثماني سابقاً، فور طرد روسيا منها. وينمو بصورة أكثر وضوحاً شعور الكرملين بأن "بريكس" تمتلك القدرة على أن تكون ملاذاً من الهيمنة الطاغية للولايات المتحدة منذ غزو أوكرانيا عام 2022.

الاهتمام بالانضمام إلى "بريكس" ازداد بصورة كبيرة خلال الأعوام الأخيرة.

تسمح علاقات روسيا مع زميلتيها العضوين في "بريكس" الصين والهند للنظام بالصمود في وجه حملة العقوبات الغربية. لكن العقوبات الأميركية على روسيا لا تزال تؤثر في تلك البلدان التي لا تنوي معاقبة الكرملين على الحرب في أوكرانيا. فقد أجبرت الضغوط الأميركية كثيراً من المصارف الصينية، مثلاً، على إنهاء المعاملات مع المصارف الروسية هذا العام، مما أدى إلى تعطيل برامج الدفع وزيادة كلف المعاملات للمستوردين الروس. وانتاب موسكو قلق عندما اكتشفت أن مجموعة أدوات واشنطن لا تؤثر فقط في المدفوعات بالدولار الأميركي، بل حتى في المدفوعات باليوان الصيني. وتنطبق هذه القيود العقابية أيضاً على بنك التنمية الجديد الذي كانت روسيا تأمل في أن يكون مصدراً للتمويل في حين تغلق العقوبات الغربية سبلاً أخرى لكن مصرف "بريكس" جمّد المشاريع المقررة في روسيا كلها.

وعلى رغم هذه التعقيدات، لا تزال "بريكس" تؤدي دوراً رئيساً في الاستراتيجية الروسية الكبرى المتطورة. فقبل فبراير (شباط) 2022، كانت موسكو تأمل في قيام نظام متعدد الأقطاب يمكن لروسيا من خلاله موازنة العلاقات مع أقوى بلدين، الصين والولايات المتحدة. لقد حطمت الحرب في أوكرانيا ما تبقى من براغماتية في السياسة الخارجية للكرملين. وبما أن بوتين يعتبر الحرب جزءاً من مواجهة أوسع مع الغرب، يسعى الآن إلى تقويض مواقف الولايات المتحدة حيثما استطاع – بما في ذلك من خلال تقويض الجوانب المختلفة للمؤسسات العالمية الحالية والمساعدة في تعزيز تحدي الصين للهيمنة الأميركية. وهذا النهج مرئي في مجالات متعددة، بما في ذلك مشاركة روسيا تكنولوجيات عسكرية متقدمة مع الصين وإيران وكوريا الشمالية وعملها لتدمير نظام العقوبات الأممية المفروضة على بيونغ يانغ وترويجها الدائب لبرامج الدفع التي يمكن أن تتجاوز الأدوات الخاضعة للسيطرة الغربية. ولخّص بوتين جدول أعمال رئاسة روسيا لـ"بريكس" في تصريحات أدلى بها في يوليو (تموز) الماضي في إطار "عملية مؤلمة" للإطاحة "بالاستعمار الكلاسيكي" المعتمد من النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، داعياً إلى إنهاء "احتكار" واشنطن لوضع القواعد.

وفي هذه المعركة ضد "الاحتكار" الغربي، حدد بوتين الحملة الأكثر أهمية بأنها السعي إلى إضعاف هيمنة الدولار على المعاملات المالية الدولية. وهذا التركيز هو نتيجة مباشرة لتجربة روسيا مع العقوبات الغربية. وتأمل روسيا في أن تتمكن من بناء نظام مدفوعات وبنية تحتية مالية مقاومة للعقوبات من خلال "بريكس"، يشملان الدول الأعضاء. قد تكون الولايات المتحدة قادرة على الضغط على البلدان الشريكة لروسيا واحداً تلو الآخر، لكن ذلك سيكون أصعب بكثير أو حتى مستحيلاً إذا انضمت هذه البلدان إلى نظام بديل يضم شركاء مهمين للولايات المتحدة، مثل البرازيل والهند والسعودية. وكان القرار الذي اتخذه بنك التنمية الجديد بتعليق المشاريع الجارية في روسيا بمثابة تذكير قوي بأن "بريكس" تحتاج إلى مزيد من التطور للحد من هشاشة أعضائها أمام العقوبات الغربية.

الصين تتولى القيادة

قد تكون روسيا رأس الحربة الغاضب لمحاولة استخدام "بريكس" في إنشاء بديل للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن الصين هي القوة الدافعة الحقيقية وراء توسع المجموعة. فخلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2010، شاركت بكين رغبة موسكو في جعل "بريكس" أكثر أهمية. وأرادت الصين أن تجعل نفسها جزءاً من مجموعة ديناميكية من البلدان النامية التي تسعى إلى إعادة التوازن تدريجاً إلى المؤسسات العالمية لتعكس بصورة أكثر إنصافاً التحولات في القوة الاقتصادية والتكنولوجية. لكن في عهد الرئيس الصيني هو جين تاو، لم تكُن بكين راغبة في المطالبة بقيادة التجمع، ولا تزال تسترشد بصيغة دينغ شياو بينغ المتمثلة في "الابتعاد من الأضواء".

بدأت الأمور تتغير بعد فترة وجيزة من تولي شي جينبينغ الزعامة العليا في الصين عام 2012. وفي 2013، أعدت بكين مشروعاً طموحاً تحوّل لاحقاً إلى "مبادرة الحزام والطريق"، وهو برنامج عالمي واسع للاستثمار في البنية التحتية. وفي الوقت نفسه تقريباً، ساعدت الصين في إطلاق مؤسسات مالية إقليمية سيكون لها فيها نفوذ قوي: تأسس أولاً بنك التنمية الوطني، عام 2014، ثم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي أُنشِئ عام 2016. كذلك دفع بنك الشعب الصيني باتجاه تدويل اليوان من خلال زيادة استخدام العملة الصينية في التسويات التجارية، وتوسيع مقايضات العملات الوطنية مع المصارف المركزية الأخرى لتعزيز سيولة اليوان العالمية، والضغط من أجل إدراج اليوان في سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، مما جعله العملة الاحتياطية العالمية الوحيدة غير القابلة للتحويل. ومن خلال بنك التنمية الوطني ومن خلال مبادرات استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية ومن خلال الجهود الرامية إلى إنشاء مجموعة من العملات الاحتياطية الوطنية، تؤدي "بريكس" دوراً مهماً في بناء المؤسسات المتعددة الأطراف التي تزيد من النفوذ الصيني داخل النظام العالمي الحالي.

الصين هي القوة الدافعة الحقيقية وراء توسع "بريكس".

ومع تدهور العلاقات الأميركية- الصينية في العقد الماضي، أصبحت سياسة بكين الخارجية أكثر راديكالية، ذلك أن القادة الصينيين مقتنعون بأن الولايات المتحدة لن تسمح للصين عن طيب خاطر بأن تصبح القوة المهيمنة في آسيا، ناهيك عن مشاركتهم القيادة العالمية مع بكين. وتعتقد الصين بأن الولايات المتحدة تستخدم التحالفات والمؤسسات التي يقوم عليها النظام العالمي الحالي كأداة لتقييد صعودها. ورداً على ذلك، شرعت بكين في مشاريع مثل مبادرة شي للأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الحضارة العالمية، وكلها تتحدى حق الغرب في تحديد القواعد العالمية من جانب واحد وتسعى إلى تقويض مفهوم القيم العالمية في مجالات مثل حقوق الإنسان. وتشير هذه المبادرات إلى رغبة الصين في بناء نظام مختلف بدلاً من مجرد إصلاح النظام الحالي.

والآن لدى الصين وروسيا طموحات مماثلة في شأن "بريكس"، مما يجعل من بوتين وشي ثنائياً قوياً. كلاهما يريد الإطاحة بالولايات المتحدة كقوة عالمية مهيمنة، وتحقيقاً لهذه الغاية، تسعى بكين وموسكو إلى جعل المنصات المالية والتكنولوجية البديلة محصنة ضد الضغوط الأميركية. ويبدو أن تعميق التعددية من خلال "بريكس" هو أفضل طريق للمضي قدماً. وعلى غرار بوتين، يصف شي هذا الجهد من منظور أخلاقي. قال في قمة "بريكس" عام 2023: "نحن لا نقايض بين المبادئ، أو نستسلم للضغوط الخارجية، أو نعمل كتابعين للآخرين. يجب كتابة القواعد الدولية ودعمها بصورة مشتركة من قبل البلدان كلها بناء على مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، بدلاً من أن تمليها البلدان الأقوى والأعلى صوتاً".

وبعيداً من الخطابات، قادت الصين الجهود – بدعم روسي – لإضافة أعضاء إلى "بريكس". وناصرت بكين نهجاً متطرفاً، في محاولة لربط أكبر عدد ممكن من البلدان. وتريد أن تكون زعيمة كتلة قوية وكبيرة. وأدت مفاوضات مطولة خلف أبواب مغلقة إلى تقليص قائمة الدول الأعضاء الجدد إلى ستة، وما لبث العدد أن انخفض إلى خمسة بعدما نكثت الأرجنتين بالتزامها بالانضمام في أعقاب انتصار الليبرتاري خافيير ميلي في الانتخابات الرئاسية الخريف الماضي.

ستكون القمة في كازان أول اجتماع لمجموعة "بريكس" الموسعة. لكن دفع بكين العدواني باتجاه توسيع التجمع وتعزيز دوره على الساحة الدولية مكلف. يصبح التجمع أقل تماسكاً وأكثر هشاشة، ولا تشارك البلدان الأعضاء كلها أجندة شي وبوتين المعادية للغرب.

البحث عن أرضية مشتركة

إن الصدع واضح بين الأعضاء المؤسسين للكتلة. فقد يكون موقفا الصين وروسيا متقاربين، لكن البرازيل والهند تظلان ملتزمتين إلى حد كبير متابعة إصلاح الحوكمة العالمية من دون محاولة مهاجمة النظام الدولي بصورته الحالية، ذلك أن متخذي القرارات في برازيليا ونيودلهي يحرصون على اتخاذ موقف غير منحاز وإيجاد أرضية مشتركة بين الغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. وتقف كل من البرازيل والهند إلى حد كبير على الحياد عندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا وتترددان في دعم محاولات الغرب عزل روسيا، لكنهما بالقدر نفسه لا تبديان رغبة في الوقوف صراحة إلى جانب موسكو، إذ تدركان أن الغزو يرقى إلى انتهاك صارخ للقانون الدولي. ويستفيد كلا البلدين من الناحية الاقتصادية من التحول التجاري الناجم عن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. وتشتري البرازيل الأسمدة الروسية بأسعار مخفضة وكانت العام الماضي من أبرز البلدان التي اشترت الديزل الروسي. وتشتري الهند أيضاً سلعاً طاقوية روسية مخفضة الأسعار. لكن أياً من البلدين لا يرغب في قطع العلاقات مع الغرب أو حصر نفسه في تكتّل معادٍ للغرب.

وعلى هذا تخشى البرازيل والهند من توجه "بريكس" الذي يزداد تشدداً. فقد عارضتا في البداية دفع الصين باتجاه توسيع المجموعة، وهي فكرة اقترحتها بكين للمرة الأولى عام 2017 تحت عنوان "بريكس بلاس". وكانت البرازيل والهند تحرصان على الاحتفاظ بحصرية النادي، خشية أن تؤدي إضافة مزيد من الأعضاء للتكتل إلى إضعاف نفوذهما داخله. وعام 2023، صعّدت الصين حملتها الدبلوماسية وضغطت على البرازيل والهند لدعم التوسع، في الغالب من خلال تصوير مقاومتهما على أنها بمثابة منع لصعود البلدان النامية الأخرى. وحرصاً من الهند على الحفاظ على مكانتها في الجنوب العالمي، تخلت عن معارضتها، ولم تترك للبرازيل أي خيار سوى مواكبة التوسع. لقد ضغطت البرازيل حقاً ضد إضافة أي بلدان معادية للغرب بصورة علنية – وهو مسعى فشل على نحو مذهل عند الإعلان عن ضم إيران كواحدة من الدول الأعضاء الجدد ذلك العام.

وفاجأت الطريقة التي فرضت بها الصين تفضيلاتها في قمة 2023 الدبلوماسيين البرازيليين، مؤكدة مخاوفهم من تقلص دور بلادهم في مجموعة موسعة تقودها الصين بعدما باتت أكثر حزماً. وأثارت هذه التطورات مخاوف في البرازيل من أن كونها جزءاً من مجموعة "بريكس" قد يعقّد استراتيجيتها القائمة على عدم الانحياز. في الوقت الراهن، لا يزال ثمة توافق واسع في الآراء على أن العضوية تولّد منافع كبيرة. وتقدّر البرازيل فرصة تعميق العلاقات مع الدول الأعضاء الأخرى في "بريكس" والنفوذ الإضافي الذي يحققه ذلك في المفاوضات مع واشنطن وبروكسل. كذلك ساعدت العضوية في مجموعة "بريكس" بلداناً مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، كانت معرفتها البيروقراطية محدودة في العالم غير الغربي، على التكيف مع نظام متعدد الأقطاب. ويتضمن ذلك تعاملاً مباشراً طويلاً مع شي وغيره من متخذي القرارات الصينيين – وهي ميزة بعيدة كل البعد من التفاهة، بالنظر إلى مدى أهمية الاستثمار والتجارة الصينيين بالنسبة إلى البلدان في أنحاء الجنوب العالمي كله.

البرازيل والهند تحرصان على اتخاذ موقف غير منحاز بين الغرب والصين.

وعلى رغم الاختلاف المتزايد بين المعسكر المناهض للغرب صراحة في "بريكس" ومعسكر عدم الانحياز، لا تزال الدول الأعضاء كلها متفقة على عدد من القضايا الأساسية التي تفسر حيوية التجمع لأعضائه، ذلك أن العالم، من وجهة نظر معظم بلدان التجمع، ينتقل من الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة إلى تعددية قطبية، في حين تُعرَّف الجغرافيا السياسية الآن من خلال المنافسة بين كثير من مراكز القوة. ويظل تجمع "بريكس"، على رغم التوترات الداخلية، منصة رئيسة لتشكيل هذه العملية بنشاط. والواقع أن التعددية القطبية، كما تراها العواصم في مختلف أنحاء الجنوب العالمي، هي الطريقة الأكثر أماناً لتقييد القوة المهيمنة التي تمثل، في غياب القيود، تهديداً للقواعد والمعايير الدولية والاستقرار العالمي. وكثيراً ما يتجاهل واضعو السياسات الغربيون هذا التوافق الأساسي بين الدول الأعضاء في "بريكس" والدور الذي يؤديه التجمع في الحفاظ على التزام دوله الأعضاء كلها به منذ إنشائه.

ويفسر هذا المنظور المشترك أيضاً السبب الذي يجعل جزءاً كبيراً من العالم النامي يتطلع إلى مزيد من التعددية القطبية في النظام العالمي ولا يتوق إلى تحقيق واشنطن أو الغرب تفوقاً من دون منازع. وبالنسبة إلى كثير من البلدان، يُعدّ الانضمام إلى "بريكس" اقتراحاً جذاباً للغاية. ومن جانبهما، ترحب الصين وروسيا بالعدد الكبير من البلدان التي أعربت عن اهتمامها بالانضمام، بما في ذلك الجزائر وكولومبيا وماليزيا.

ومع ذلك، سيكون لزاماً على أي بلد ينضم إلى مجموعة "بريكس" أن يتعامل مع سؤال رئيس: إلى أي جانب نقف؟ هل نناصر البرازيل والهند وغيرهما من البلدان غير المنحازة، أم الفصيل المناهض للغرب بقيادة الصين وروسيا؟. وإيران التي تُعَدّ هي نفسها دولة منبوذة على الساحة الدولية، ستعزز المعسكر المناهض للغرب. لكن من المرجح أن يعتبر معظم البلدان الأخرى الانضمام إلى "بريكس" وسيلة لتعزيز علاقاتها مع الصين وبلدان أخرى في الجنوب العالمي من دون خفض مستوى علاقاتها مع الغرب.

إن السعودية مثال رئيس. ففي حين لا تزال الرياض حليفاً رئيساً لواشنطن، سعت إلى ترسيخ العلاقات مع بكين، وبدأت تواصلاً دبلوماسياً غير مسبوق في مناطق لم تؤدِّ فيها السعودية أي دور تقليدياً، كما هي الحال في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، بالترافق مع استثمارات في بلدان مثل تشيلي وغويانا. وتتبنى حكومات أميركا اللاتينية هذه المبادرات بالمنطق نفسه: في عالم غير مستقر على نحو متزايد يتجه بصورة متقطعة نحو التعددية القطبية، من الأفضل لها أن تعمل لتنويع استراتيجياتها الاقتصادية والدبلوماسية.

صدع في التكتل

في الغرب، يرفض بعض منتقدي "بريكس" التكتل باعتباره مجموعة متنوعة لا تستحق أي اهتمام جاد. ويرى آخرون أنه يشكل تهديداً مباشراً للنظام العالمي. ويفوّت كل من الرأيين تفاصيل: يعكس ظهور "بريكس" كتجمع سياسي مظالم حقيقية تطاول عدم المساواة في النظام الذي تقوده الولايات المتحدة ولا يمكن التغاضي عنها ببساطة. لكن نظراً إلى التغيرات في الاستراتيجية الكبرى الصينية والروسية، فإن الاختلافات داخل المجموعة آخذة في الازدياد أيضاً، ومن المرجح أن يؤدي التوسع الأخير إلى إضعاف تماسكها.

وفي الوقت الحالي، تتمتع الصين وروسيا باليد الطولى في النقاش الداخلي حول تشكيل مستقبل "بريكس". لكن الحال قد لا تكون كذلك دائماً. فصحيح أن السلطة في النادي ليست موزعة بالتساوي – اقتصاد الصين أكبر من اقتصادات الدول الأعضاء المؤسسة الأخرى مجتمعة – لكن هذا لا يعني أن البلدان الأعضاء الأخرى لا يمكنها مقاومة تحول التجمع إلى كتلة تقودها بكين وتشارك في قيادتها موسكو. وعملت البرازيل والهند لأعوام خلف الكواليس للتخفيف من حدة لغة روسيا الأكثر حزماً في إعلانات القمة، وستجد الصين أيضاً أنها لا تستطيع تجاهل نفوذهما المعتدل. مثلاً، يرفض رئيس البرازيل صراحة تأطير "بريكس" كتجمع مقابل لـ"مجموعة الدول السبع"، وكثيراً ما يذكر أن المجموعة "ليست ضد أحد". وحض أرفيند سوبرامانيان، كبير المستشارين الاقتصاديين السابق لحكومة الهند، نيودلهي أخيراً على مغادرة التجمع لأن توسيعه يرقى في رأيه إلى استيلاء بكين وأجندتها على السلطة فيه. لكن البرازيل أو الهند لا تزالان تتمتعان بقدر كبير من النفوذ داخل "بريكس": من شأن رحيلهما أن يضعف بشدة المجموعة بالكامل على نحو لا يصب في مصلحة الصين أو روسيا.

وسيتعين على التجمع إدارة هذه التوترات والتناقضات في الأعوام المقبلة. ومن المرجح أن تتسع الصدوع داخل "بريكس"، لكن من غير المرجح أن تؤدي إلى تفككها. ويقيناً، قد تواجه المجموعة ضغوطاً حقيقية للغاية. فقد تؤدي المنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة إلى قيام ستار حديدي رقمي وظهور مجالين تكنولوجيين منفصلين وغير متوافقين، مما يجعل الحياد أمراً أكثر صعوبة. وسيصبح العثور على قاسم مشترك في التجمع أكثر صعوبة، لا سيما في ما يتعلق بالمسائل الجيوسياسية الحساسة مثل الحرب في أوكرانيا. وقد تجعل هذه الاختلافات الكتلة أقل نفوذاً على الساحة الدولية، حتى مع تعزز جهودها لتقديم عملات بديلة للدولار الأميركي.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، تؤكد الديناميكيات داخل "بريكس" ضرورة أخذ التجمع – وعدم الرضا الكامن عن النظام الحالي – على محمل الجد. ومن المعقول تماماً أن تبحث قوى صاعدة مثل البرازيل عن خيارات تحوط وأن تشعر بعدم الرضا عن كيفية توجيه الولايات المتحدة للنظام الحالي. ويتعين على القوى الغربية أن تركز على عدم جعل الأمور أسوأ، وذلك، مثلاً، من خلال عدم محاولة تخويف القوى الوسطية من الانضمام إلى "بريكس"، فهذا ينمّ عن سلطوية وتدخل شبه استعماري. وعلى المنوال نفسه، تثبت المحاولات الغربية لتحذير القوى الوسطية في الجنوب العالمي من الاعتماد المفرط على الصين أنها محاولات غير فاعلة.

يمكن للبلدان الغربية أن تبذل جهوداً إضافية لعدم تنفير تلك القوى الوسطية التي تسعى إلى مساحة أكبر للمناورة ولضمان عدم تحول مجموعة "بريكس" إلى تكتل معادٍ للغرب. ويجب أن توضح بصورة أكثر جلاءً كيف ترتبط بعض العقوبات بانتهاكات للقانون الدولي وأن تحاول أن تكون متسقة في تطبيق تلك العقوبات ضد المنتهكين جميعاً – وليس فقط الخصوم الجيوسياسيين. وتريد بلدان الجنوب العالمي الهروب من هيمنة الدولار عندما تعمد البلدان الغربية، مثلاً، إلى تجميد احتياطيات المصرف المركزي الروسي، كما فعلت عام 2022 رداً على غزو أوكرانيا، من دون أن تتلقى هذه البلدان أي عقوبة على تدخلات عسكرية، غير قانونية بصورة مماثلة، في الشرق الأوسط وأفريقيا. ويمكن للبلدان الغنية أيضاً أن تحل على نحو أفضل مشكلات البلدان الفقيرة، بوسائل تشمل تبادل التكنولوجيا والمساعدة في التحول إلى اقتصاد أخضر. ويتعين على الغرب أن يبذل مزيداً من الجهود الصادقة لإضفاء الطابع الديمقراطي على النظام العالمي، مثل التخلص من التقليد الذي عفا عليه الزمن والذي يقضي بأن أوروبيين فقط يترأسون صندوق النقد الدولي وأن مواطنين أميركيين فقط يقودون البنك الدولي.

ومن شأن إجراءات كهذه أن تبني الثقة وتقوض المحاولات الصينية والروسية لتجنيد الجنوب العالمي لمصلحة قضية معادية للغرب. وبدلاً من التحسر على ظهور "بريكس"، يتعين على الغرب أن يتودد إلى تلك البلدان الأعضاء فيه التي لها مصلحة في التأكد من أن التجمع لن يتحول إلى مجموعة معادية للغرب بصورة علنية تعتزم تقويض النظام العالمي.

المؤلفان:

ألكسندر غابويف مدير مركز كارنيغي روسيا أوراسيا في برلين.

أوليفر ستونكل أستاذ مشارك في كلية العلاقات الدولية التابعة لمؤسسة جيتوليو فارغاس في ساو باولو وباحث زائر في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

*مترجم من "فورين أفيرز"، 24 سبتمبر (أيلول) 2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء