Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلاقة بين سوريا و"حزب الله" في منعطف مصيري

على رغم التناغم بين الأسد ونصرالله لكن خلال الـ10 أشهر الأخيرة بدت المسافات بعيدة

تبدي سوريا عدم الرغبة في دخول معركة واسعة على حدودها الجنوبية (اندبندنت عربية)

ملخص

"حزب الله" في مأزق حقيقي منذ اغتيال صالح العاروري وصولاً إلى اغتيال نصرالله وأمامه تحديات بسد الثغرات ومعالجة الاختراق الأمني وترتيب الصفوف لأنه بات منكشفاً أمام الكيان الإسرائيلي، فيما تواجه دمشق أزمة في علاقتها معه وبخاصة حال صدر قرار دولي أممي لتقييد الحزب ومحاولة تفكيكه.

"طريق القدس يمر بحلب والقلمون والزبداني والحسكة" عبارة قالها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله عندما أزفت شرارة (المقتلة) السورية، واشتعل لهيب صراع مسلح شديد الوطيس بين السوريين، وزاد في طنبور الحرب عنفاً وصرخ بأنه "لو دعت الحاجة لأن أذهب أنا وأولادي للحرب في سوريا سنذهب".

بهذه الخطابات كان السوريون يتسمرون أمام الشاشات لمتابعة رجل المقاومة الأول بعدما لمع نجمه وتربع في قلوب الشارع السوري حين سرت نشوة نصر حرب يوليو (تموز) عام 2006 على الإسرائيليين، وتبدلت صورة المعركة وقواعد الحرب وفرض الحزب اللبناني كلمته بقوة فوهة البندقية وصليل صواريخه.

لم يطل الأمر حتى جاءت الحرب السورية إثر احتجاجات شعبية عام 2011 لينقسم الناس خلال عقد من الزمن حول سياسة الحزب وبوصلته التي أخذت تتجه إلى بلدهم شيئاً فشيئاً منذ 2013 مع احتدام الصراع المسلح.

حروبه مع المتشددين

وعلى الأرض انتشرت مجموعات "حزب الله" بخفة وتكتيك عالي الدقة، واستفاد الفريق الموالي والجيش النظامي من خبرة قادته وعناصره في معركة تسميها العلوم العسكرية "حرب العصابات" وقدرته على التمويه والتخفي بين جبال وسفوح الجنوب وتنفيذ العمليات النوعية، علاوة على الدعم الإيراني المقدم لأفراده الذين حققوا تقدماً مبهراً وبخاصة مع بزوغ التنظيمات المتشددة دون الإعلان عن عدد واضح، إذ يتبدل أفراده بين الحين والآخر.

وفي وقت عبر "حزب الله" عن استمرار قتاله التنظيمات الإرهابية والمتطرفة مثل "داعش" كان يحذر أنه في حال لم يحاربها ستصل إلى القرى والمدن اللبنانية، وكان الفريق المعارض ولا سيما فصائل المعارضة المسلحة تعتبره من أشد الخصوم، وأرسل الحزب الآلاف من مقاتليه في ساحات قتال متعددة ومن أشهرها معركة (القصير) والتي لقي فيها 1000 مقاتل من أفراد الحزب مصرعهم، بينما الأمين العام للحزب أفاد في إحدى المقابلات التلفزيونية عن سقوط 250 مقاتلاً.

روابط تاريخية

وطالما حقق الحزب في الحرب السورية انتصارات في عدة معارك منها في حمص منتقلاً إلى حلب مروراً بغالب المعارك الدائرة منذ اندلاع الحرب السورية، حتى عام 2017 حين انقلبت المعادلة في السيطرة الميدانية وجغرافيتها ولتتمكن دمشق من إعادة نفوذها على معظم المناطق وباتت تسيطر على 70 في المئة من الأراضي.

وبحسب مصادر ميدانية فإنه بعد هدوء المعارك والسيطرة على ريفي إدلب الجنوبي وحماه الشمالي عام 2019 يمكن التنبؤ بحضور قوات الحزب اللبناني بقدر لا يقل عن ألفي مقاتل، يتمركزون ضمن نقاط إسناد وأخرى ثابتة في ريفي دمشق وحلب وحماه وحمص والبادية.

 

 

ويعتقد الباحث في السياسة الخارجية السورية محمد هويدي أن تاريخ العلاقات بين سوريا و"حزب الله" يرتبط بتاريخ العلاقة بين دمشق وطهران، بحيث إن "حزب الله" بين تلك القوى الحليفة لسوريا منذ تأسيسه عام 1982 ودعمته بصورة كبيرة ولا سيما خلال الحرب الأهلية اللبنانية أو مواجهة إسرائيل، ولعبت سوريا دوراً كبيراً بإسناد الحزب عامي 1990 و2006 وفتح أبواب مستودعات الذخيرة والأسلحة.

وأضاف هويدي "لعب الحزب دوراً كبيراً خلال الحرب السورية الأخيرة عندما دخل إلى سوريا لحماية الحكومة لأنه يدرك جيداً أن دمشق هي سنده، والتدخل كان مهماً لاستراتيجية الحزب وكذلك مع حلفاء سوريا ومنها طهران، ولذلك أسهم في مواجهة التنظيمات الأخرى ومنها معركة القصير التي أسهمت من جهتها في تغيير المعادلة، والتي رسخت بتدخل ’حزب الله، ومن ثم إيران وروسيا، ومن جهة حتى يحافظ على طريق عبور السلاح إلى مقاتليه ولهذا كان له حضوره قبل عقد من الزمن، ولأسباب أمنية ولوجيستية".

ويجزم الباحث السوري بتعرض الحزب لنكسات وضربات مؤلمة ومنها حادثة اللاسلكي "البيجر" واستهداف الصف الأول وصولاً لاغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله الذي يمتلك شخصية وكاريزما مؤثرة، مضيفاً "الحزب يقوم حالياً بمراجعة صريحة للأحوال الأمنية والاستخباراتية والجيوسياسية والتعاطي مع رحيل قائده، وبتقديري الشخصي أنه قادر على ترميم صفوفه ولديه الإمكانات للاستمرار وهذا الأمر يحتاج لوقت، ولكن بعض التحليلات تذهب إلى مصير تفكيكه وهذا مستحيل الحدوث، وربما يتعاطى بواقعية بإدارة المشهد".

ارتداد ضربة الاغتيال

ومع رحيل نصرالله دانت دمشق الهجوم الذي طال بناء في الضاحية الجنوبية لبيروت وأسفر عن اغتيال أمين عام "حزب الله" وأعلنت الحداد ثلاثة أيام، وجاء في بيان وزارة الخارجية "على رغم مشاعر الأسى والحزن التي أشاعها نبأ مقتل السيد نصرالله لدى الأحرار في كل مكان لدى الشعب السوري الذي لم ينس يوماً مواقفه الداعمة، فإن مسيرته البطولية ستبقى منارة للأجيال القادمة لمواصلة نضالها من أجل تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، وضمان محاسبة إسرائيل عن أفعالها المشينة".

 

 

وفي المقابل يرى مراقبون في الشأن السوري أن نكسة اغتيال زعيم "حزب الله" تعد ضربة قاسية ستأتي ارتداداتها على قادة وعناصر المقاومة سلباً، ويتوقع أحد الناشطين في الشأن السوري فضل عدم ذكر اسمه في حديثه إلى "اندبندنت عربية" وجود تقهقر يصيب جسم وأركان المقاومة ليس اللبنانية فحسب بل الفلسطينية أيضاً، ويدعوها لمراجعة قرار الحرب والسلم مع بروز التفوق التكنولوجي والاستخباراتي.

وأردف المصدر "بالتالي فإن إمكانية اختراقه باتت أكثر فاعلية وصولاً لشلله بصورة تامة في حال كثفت من الضربات على قيادة الصف الأول، وفي المقابل يمكن توقع ردود فعل سريعة من قبل القيادة الجديدة أو من قبل الأمين العام الجديد للفصيل المقاوم عبر زج أعلى درجات عمليات القوة الصاروخية وأكثرها مدى لضرب تل أبيب كرد فعل يقوي الحزب أمام جمهوره، ومن جهة ثانية لإحراج إيران وإدخالها بمعركة في مواجهة إسرائيل ما زالت تخاف وتخشى من تداعياتها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإلى ذلك تتوقع أوساط سياسية محايدة أن يتخذ الحزب قراراً بسحب كلي أو جزئي لمقاتليه لإعادة ترتيب الصف الداخلي في الجنوب تأهباً لاجتياح بري إسرائيلي ولسد النقص الحاصل، إذ يقدر أفراد "حزب الله" بما يقارب 100 ألف مقاتل، في حين تفيد المعلومات الواردة عن سحب 1500 مقاتل في منتصف أغسطس (آب) الماضي بحسب وكالة الأناضول التركية، بينما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره (لندن) أول من أمس الجمعة عن سحب 500 مقاتل من عناصر "حزب الله" وبقاء من هم بالصف الثالث من القادة.

وكان رئيس هيئة الائتلاف الوطني (المعارض) هادي البحرة طالب في وقت سابق من مايو (أيار) الماضي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي بسحب الميليشيات اللبنانية من المناطق السورية كافة، وتعويض سكانها عن المنازل التي فقدوها خلال مشاركتهم بالحرب إلى جانب القوات النظامية، وذلك كي يتمكن اللاجئون السوريون في لبنان من العودة إلى بلادهم.

وقال البحرة في بيان له "إن الميليشيات اللبنانية جزء من حكومته وشاركت في تدمير منازل اللاجئين السوريين في بلادهم خلال الحرب"، وطالب بتقديم تعويضات من المساعدات التي يتلقاها لبنان لقاء استضافة اللاجئين وآخرها المليار يورو (1.12 مليار دولار) التي خصصها الاتحاد الأوروبي، مع التوسط لدى الأمم المتحدة لتأمين قوة دولية لحماية المناطق التي سيعود إليها اللاجئون.

 

 

وفي المقابل فإن مشاركة الحزب في الحرب السورية أدت إلى اختراقه من قبل تل أبيب وفق ما كشفه تقرير نشر في صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، إذ كان من الضروري تجنيد أعداد من المقاتلين على نطاق واسع في معاقلها حسب رأي الصحيفة، بالتالي تدخل الموساد بزرع عملائه بين مجندي "حزب الله" ومع نموه وتطوره أصبح شبه جيش، ومن الصعب السيطرة على جميع أعضائه.

هل تبدلت العلاقة؟

إزاء ذلك يراقب الشارع السوري المصدوم بعملية اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" بكثير من القلق مآل قوة المقاومة، ويعد الفريق الموالي أنه حان الوقت للتدخل الإيراني شبه الغائب عن الساحة العسكرية في الجنوب اللبناني، وبخاصة أن "حزب الله" تحدث عن وجود عشرات الآلاف من المقاتلين في سوريا والعراق واليمن وعلى استعداد للدخول في المعركة في حال تطلب الأمر.

في المقابل تبدي العاصمة السورية عدم الرغبة في دخول معركة واسعة على حدودها الجنوبية، بعد الغارات على مواقع عسكرية ومنها مراكز حساسة آخرها مركز البحوث العلمية في مصياف، حيث قالت إسرائيل أنه يحوي مصنعاً لتصنيع الصواريخ الدقيقة لـ"حزب الله".

بالتالي يسري الحديث عن تبدل في العلاقة وهذا ما يتحدث عنه الباحث السوري هويدي عن إعادة تعريف العلاقة بين الحزب ودمشق، ويقول "على رغم أنها تتناغم بالأهداف الاستراتيجية لكن بالآونة الأخيرة بتنا نلاحظ ترتيبات لإعادة تعريف العلاقة وفق المرحلة القادمة للمنطقة، ولكنها تبقى علاقات قائمة ومتينة" بحسب وصفه.

 

 

ويرى أن الحزب في مأزق حقيقي منذ اغتيال صالح العاروري وصولاً إلى اغتيال نصرالله، ويتضح أنه مخترق أفقياً وعمودياً وأمنياً والبيئة الحاضنة مخترقة مع الدائرة الضيقة.

ويضيف "أمام الحزب تحديات بسد الثغرات ومعالجة الاختراق الأمني لأنه بات منكشفاً أمام الكيان الإسرائيلي خلال الأشهر الـ10 الماضية، ويعتقد أنه لم ينجح في معالجة الاختراقات الأمنية وإفشال العمل الاستخباراتي لتل أبيب وعلى ما يبدو أن هنالك قرار دولياً أممياً لتقييد الحزب ومحاولة تفكيكه".

لقد رحل صاحب مقولة (حيفا وما بعد بعد حيفا) وأفل نجمه تحت ركام غارة جوية اخترقت عميقاً مقر اجتماعات مهم حضره مسؤول عسكري إيراني من الحرس الثوري، ولعل الاختراق الأمني وشبكة التجسس التي أحاطت بتحركات الحزب مع التقدم التكنولوجي الإسرائيلي لها دور في تغييبه، ومع كل من يعارضه أو يؤيده يبقى حسن نصرالله من تلك الشخصيات المثيرة للجدل.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي