Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نداء القرنفل" رواية ترصد تحديات المجتمع المصري

أجيال وعائلات وأفراد أمام تجارب الصعود والانحدار

سوق مصري (مواقع التواصل)

ملخص

تدور رواية الكاتب المصري مصطفى موسى "تداء القرنفل" حول التحولات التي شهدتها القاهرة والاسكندرية ومدن أخرى في العقود الخمسة الأولى، راصدة الصراعات الاجتماعية والأسرية التي برزت في تلك الفترة.

تتعدّد الخيوط السردية، وتتوازى، وتتعالق في رواية "نداء القرنفل"، الصادرة عن "دار نوفل" في بيروت، للكاتب المصري مصطفى موسى، وهي الثانية له عن الدار نفسها بعد "دوائر العميان" 2023، والثامنة في سلسلة إصداراته الأدبية.

تجري أحداث الرواية في النصف الثاني من القرن العشرين، وتحصل بين القاهرة والاسكندرية وقرية أم عزام في محافظة الاسماعيلية، وينخرط فيها عدد كبير من الشخوص، ينتمون إلى أجيال مختلفة، ويتوزّعون على عدد من الأسر، المتماكنة، المتزامنة، المتعالقة في ما بينها، بعلاقة أو بأخرى. وهنا، يمكن الكلام على ثلاث أسر، لكلٍّ منها خيطها السردي الخاص، الذي يمتد على ثلاثة أجيال منها، الأجداد والآباء والأحفاد. تتناول الرواية حيوات الشخوص المتحدرين من هذه الأسر، بأجيالها الثلاثة، فترصد التحوّلات التي يعيشونها، والمآلات التي يؤولون إليها. وتروي مساراتهم المتشابكة ومصائرهم المختلفة. وتُشكّل تراكماً أفقياً للأحداث.

  صعود اجتماعي

الخيط السردي الأول يتعلّق بأسرة البوّاب جابر الرفاعي، وصعودها الاجتماعي. وهي أسرة مؤلّفة من الوالدين جابر وسامية، والولدين لطفي ونادية، والحفيدين عزت ودليلة. وبتتبّع هذا الخيط، نقع على التحوّلات التدريجية  في حياة هذه الأسرة؛ فيتحوّل جابر الرفاعي من بوّاب  يحرس وزوجته سامية فيلّا بعض الأغنياء، إلى رئيس شركة مقاولات، يمتلك العقارات، وينسج العلاقات، ويناسب الوزراء، ويصاهر الباشاوات، ويقيم في الفيلّات، ويُحيي الحفلات. على أن هذا الصعود يتمّ تدريجياًّ، وتُستخدم فيه أساليب غير مشروعة، ويتضافر فيه القدر الذي يضع في طريق جابر مقاولاً نصّاباً يعرض عليه المال في مقابل تواطؤه وصمته عن تغيير ملكية الفيلّا التي يحرس، من جهة، والعمل بانخراطه في الصمت والتواطؤ والتزوير والاحتيال والفساد، من جهة ثانية، مما يجعله يراكم المال ويحسن استثماره، فيحقّق لأسرته الصعود الاجتماعي؛ ويتحوّل هو إلى رئيس شركة، وتسكن زوجته سامية الفيلات بدلاً من الأكوخ. ويقترن ابنه لطفي بابنة وزير الإسكان، وتتزوج ابنته نادية من ابن أحد الباشاوات، وتتّخذ حفيدته دليلة المتخرّجة من كلية الفنون مرسمها الخاص، ويعمل حفيده عزّت في شركته الخاصة.

على أن هذه التحولات لم تحرّر جابر من عقدة البوّاب، ولم تُنسِ سامية  العمل في خدمة البيوت، ولم تحل دون طلاق الابنة نادية من زوجها السادي، ولم تجنّب الابن لطفي موت زوجته خلال الوضع، ولم تحل دون خيانات الحفيد عزت المتكرّرة للحفيدة دليلة. وهكذا، تتموضع شخوص هذه الأسرة، في صعودها الاجتماعي، بين ماضٍ يطاردها، وحاضر تعيشه، ومستقبل تطارده. ولعل الكاتب أراد من خلال هذا الخيط السردي رصد الصعود الطبقي لبعض الشرائح الاجتماعية وتفكيك آلياته وأساليبه الملتوية، في ظل العهد الناصري، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، على الرغم من دعوات الإصلاح ودعاواه.

 انحدار اجتماعي

الخيط الثاني في الرواية يتعلّق بأسرة الباشا عزيز سرايا وانحدارها الاجتماعي، وهي مؤلفة من الوالدين عزيز وزينات، والولدين كرم وعالية، والحفيدين دليلة وحياة. وبتتبّع هذا الخيط، نرى أن الانحدار السريع يعود إلى أسباب ذاتية أكثر منها موضوعية؛ الأب يعاني من اضطرابات سلوكية، فنراه يهمّ بنحر ابنه كرم، ويُقتاد إلى مستشفى الأمراض النفسية، ويُتوفّى فيه. والأم تعاني من جنون الزوج وبَلَه الابن، وترتبط بعلاقة مع شقيق الزوج، وتنتحر بابتلاع قطع من الزجاج. والابن يعاني من غرابة الأطوار فلا يتورّع عن البول في آنية الطعام، ومن انحرافات سلوكية تتمظهر في اصطياد الفئران وانتهاك مؤخراتها بقلم فارغ، ومن هوس جنسي يترجمه في التلصص على أبيه وأمّه صبياً، وعلى أخته  وزوجها شاباً، وفي ممارسة السادية الجنسية زوجاً، وفي مطاردة البنات والتحرّش والاغتصاب رجلاً. وهذه السلوكيات المنحرفة أدّت إلى طلاقه من زوجته، وتخلّي أسرته عنه، وتنكّر ابنته له، وعزلته اجتماعياًّ، وموته وحيداً في شقته.

أمّا الابنة عالية فتعاني من موت الزوج في ظروف غامضة، وسرقة الأخ حصتها من الميراث، وتعلّقها المرضي بابنتها الوحيدة حياة إلى حدّ التملّك ومصادرة حقّها في الاختيار، لذلك، يأتي موتها في الحج ليزيح عن كاهل الابنة عبئاً ثقيلاً لم يحل دون حزنها عليها، في الوقت نفسه. بينما نرى أن هذه الأخيرة حياة تعاني من تعلّق الأم المرضي بها إلى حدّ مصادرة حريتها، وتخجل بخالها الذي يحرم أمها حقها في الميراث، وتقع فريسة فتحي النصاب الذي يوهمها بحبه إياها، ويستغل منصبها في البنك لينصب عليها ويغادر، ما يجعلها تبيع مقتنياتها وتقترض من البنك لتتجنب دخول السجن.  وعليه، هذه الأسباب هي التي أدّت إلى انهيار أسرة الباشا. والمفارق أنها أسباب ذاتية بمعظمها، ولا تتصل بمحاولات الإصلاح الزراعي التي قام بها النظام الناصري وأدّت إلى فقدان شريحة اجتماعية امتيازاتها. وبذلك، تجانب الرواية، على هذا الصعيد، الواقع الذي تتصدّى لتصويره، وتقترح أسباباً ذاتية للانهيار.

  حركة افقية

 الخيط السردي الثالث والأخير في "نداء القرنفل" يتعلّق بأسرة الممرضة زينب ومسارها الأفقي. وهي مؤلفة من الأم زينب، والأولاد صابرين وفتحي وسليمان، والزوج الثاني مفيد، والحفيد خالد. ولكلٌّ منهم أعطابه وتحولاته؛ فالأم زينب تتحمّل مسؤولية إعالة الأسرة بعد رحيل الأب، ويتنكّر لها ابنها سليمان بعد زواجها الثاني، ويدخل الأخير السجن بتهمة النصب والاختلاس، ويسير ابنها الآخر فتحي في خطى زوج أمه، وتموت في مجزرة ارتكبها متطرّف في القاهرة. والابنة صابرين تنقطع عن الدراسة، وتنظّف البيوت، وتعمل في مصنع للأغذية المحفوظة، وتفقد الزوج في المجزرة، وتعاني عقوق الابن الوحيد الذي ضحّت من أجله بكلّ ما تملك. والابن فتحي يحترف النصب، ويتلقى الدروس فيه على زوج أمّه، ويستفيد في حرفته من وسامته وطلاقة لسانه، ما يجعله ينجح في انتحال الصفات والإيقاع بالآخرين، بالوسائل المتاحة، فالغاية عنده تبرّر الوسيلة. وحده الابن الآخر سليمان، في هذه الأسرة، ينجح في تحقيق نجاحات دراسية، وبناء سمعة أكاديمية، وتأسيس أسرة سعيدة، ويحقق تحولات إيجابية خلافاً لباقي أفراد الأسرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أمّا الحفيد خالد فلا ينفك يظهر العقوق لأمه، رغم كل تضحياتها في سبيله، فيخجل بها، ويمتنع عن زيارتها، ويجبرها على بيع البيت لشراء شقته الخاصة، ويزعم موتها كي لا يتعرّف أهل خطيبته إليها، ويتخلّى عنها بسفره إلى بلد آخر. والمفارق، أنه خلال السفر، يجلس إلى جانب فتحي في الطائرة، فتجمع الصدفة بين الخال النصاب وابن الأخت العاق، ويوافق شنٌّ طبقة، على حد تعبير المثل العربي.

هذه الخيوط الثلاثة، على تعدّد الأسر والأجيال والشخوص والأماكن، تختزل التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المجتمع المصري، خلال عقود من تاريخه، في النصف الثاني من القرن العشرين. وهي على تعدّدها، الزماني والمكاني والإنساني، تتقاطع في نقاط كثيرة، تتمظهر فيها أنماط مختلفة من العلاقات، تتراوح بين الحب والزواج (كرم / نادية ـ عزت / دليلة)، والصداقة (نادية / عالية)، والعمل (صابرين / سامية ـ خالد / جابر)، والخيانة (عزت / دليلة)، والخداع (فتحي / حياة)، وغيرها. وبذلك، تجمع هذه النقاط بين الخيوط الثلاثة لتشكّل معاً جديلة الرواية.

 إلى ذلك، ثمة خيط رابع، يتوزّع على سبع وحدات سردية قصيرة، يتكرر بالعنوان نفسه مع تغيير المفردة المتعلقة بتوقيت الصلاة بين الخيوط الثلاثة كلازمة، ويضيء الخلفية الزمنية لبعض شخوص الرواية، وبرأيي، هذا الخيط هو من قبيل لزوم ما لا يلزم في الرواية،  فوجوده وعدمه سيّان.

هذه الخيوط، على اختلافها، يمسك بها مصطفى موسى، ويتصرّف بها، في إطار جدلية الظهور والاختفاء، بكفاءة واضحة، ويوزّع الأدوار على الشخوص الكثيرة بما يتناسب مع أهمّية الشخصية، ويراعي مقتضيات الفن الروائي.   

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة