Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتردد واشنطن في تزويد أوكرانيا بصواريخ تصيب العمق الروسي؟

مخاوف من عمليات سرية تخريبية في أوروبا لكن التراخي ينذر بالسوء للأوكرانيين

زيلينسكي طلب المزيد من المساعدة الأميركية والغربية لبلاده كي تتمكن من توجيه ضربات بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية (أ ب)

ملخص

يمكن للجيش الأميركي توفير المزيد من صواريخ "أتاكمس" للأوكرانيين بقرار من بايدن، لكن الجيش الأميركي نفسه لديه إمدادات محدودة من الصواريخ، ويحتاج إلى الاحتفاظ باحتياطي لتلبية احتياجاته العسكرية المحتملة.

أظهرت الإدارة الأميركية خلال الأيام القليلة الماضية انقساماً متزايداً حول تزويد أوكرانيا بصواريخ أميركية وغربية قادرة على إصابة العمق الروسي، فبينما يؤيد مستشارون في البيت الأبيض وبعض قادة الكونغرس وبعض مراكز البحث هذا الدعم، تحذر الاستخبارات الأميركية من الرد الروسي المحتمل والذي ترى أنه قد يلحق الأذى بالمصالح الأميركية والغربية بشكل سري، فما تفاصيل هذا الخلاف ومغزاه وتأثيره في قرار الرئيس جو بايدن النهائي؟

بلا جائزة كبرى 

حينما زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي البيت الأبيض في 26 سبتمبر (أيلول)، طلب المزيد من المساعدة الأميركية والغربية لبلاده كي تتمكن من توجيه ضربات بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية، لكنه لم يحصل على الجائزة الكبرى التي كان ينتظرها، وتلقى بدلاً من ذلك مساعدة متواضعة، حيث تعهد بايدن بأن الولايات المتحدة ستوفر لأوكرانيا في المرحلة الحالية قنبلة انزلاقية غير مزودة بمحركات بمدى يزيد عن 60 ميلاً (96 كيلومتراً).

لكن زيلينسكي كان يريد أكثر من ذلك، فقد سعى مراراً للحصول على إذن لاستخدام نظام الصواريخ التكتيكية للجيش المعروف باسم ("أتاكمس") المصنوعة في الولايات المتحدة من أجل توجيه ضربات بعيدة المدى في عمق روسيا، حيث يصل مدى هذه الصواريخ إلى 190 ميلاً (306 كيلومتر)، وبفضل سرعتها، أصبحت أكثر قدرة على ضرب الأهداف المتحركة. 

وحتى قبل زيارة زيلينسكي، كانت هناك تلميحات بأن الولايات المتحدة قد توفر صواريخ المواجهة المشتركة جو-أرض المعروفة اختصاراً باسم (جاسم) التي يتوفر منها الكثير في ترسانة الولايات المتحدة، وتشتهر بقدرتها على التخفي بما يجعلها أكثر فعالية في ضرب الأهداف المحمية.

أسباب تردد أميركا

وعلى رغم من تزايد المشاعر في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإعطاء أوكرانيا مجالاً أكبر للعمل، ومطالبة أعضاء الاتحاد الأوروبي رفع القيود المفروضة فوراً على الضربات العمق الروسي، وكذلك فعل كبار الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي والعديد من الديمقراطيين البارزين، إلا أن النهج الأميركي لا يزال متردداً. 

ويعود هذا التردد إلى مجموعة من الأخطار، ففي 25 سبتمبر، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن أي هجوم على روسيا من قبل دولة مدعومة بقوة نووية قد يؤدي إلى رد نووي، كما تحذر وكالات الاستخبارات الأميركية من أن روسيا من المرجح أن ترد بقوة أكبر ضد الولايات المتحدة وشركائها في التحالف، وربما بهجمات قاتلة إذا وافقت واشنطن على منح الأوكرانيين الإذن لاستخدام صواريخ "أتاكمس" أو غيرها من الصواريخ بعيدة المدى التي تزودها بريطانيا وفرنسا لشن ضربات في عمق روسيا، خاصة وأن خطاب بوتين كان عدوانياً في الأيام الأخيرة تحسباً لقرار بشأن الضربات بعيدة المدى، ويعتقد بعض كبار مستشاري بايدن على الأقل أنه من المرجح أن يرد بقوة مميتة إذا سار القرار في صالح زيلينسكي.

كما تقلل التقييمات الاستخباراتية من التأثير الذي قد تخلفه الصواريخ بعيدة المدى على مسار الصراع بالنظر إلى أن الأوكرانيين لديهم حالياً أعداد محدودة من هذه الأسلحة وليس من الواضح عدد الأسلحة الإضافية التي قد يقدمها الحلفاء الغربيون، إن وُجدت، وهناك أيضاً خطر أن بعض الصواريخ قد تخطئ أهدافها أو لا يتم تدميرها بالكامل، مما يعني أن كلاً من روسيا والصين ربما تسعيان إلى تحليل الحطام لمحاولة لمعرفة المزيد عن قدراتها على التخفي والإلكترونيات الحساسة.

وحتى لو سمح للأوكرانيين باستخدام الصواريخ بعيدة المدى، فلن يكون لديهم ما يكفي منها لتغيير مسار الصراع بطريقة أساسية، كما أنه من المرجح بعد الضربات الأولى، أن ينقل الروس مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة وطائرات الهليكوبتر الهجومية وغيرها من الوظائف الحيوية في ساحة المعركة بعيداً عن مدى الصواريخ.

وعلاوة على ذلك، يمكن للجيش الأميركي توفير المزيد من صواريخ "أتاكمس" للأوكرانيين بقرار من بايدن، لكن الجيش الأميركي نفسه لديه إمدادات محدودة من الصواريخ، ويحتاج إلى الاحتفاظ باحتياطي لتلبية احتياجاته العسكرية المحتملة.

ولهذا تسلط هذه التقييمات الضوء على ما يراه محللو الاستخبارات أخطاراً محتملة ومكافآت غير مؤكدة لقرار عالي المخاطر يقع الآن على عاتق بايدن، الذي التقى الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض الخميس الماضي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

احتساب الأخطار

وفيما يعتقد منتقدو بايدن ومستشاريه أن الإدارة الأميركية كانت تخشى بسهولة من خطاب بوتين العدائي، وأن النهج التدريجي للإدارة في تسليح الأوكرانيين جعلهم غير قادرين على الفوز في ساحة المعركة، يقول المدافعون عن خطوات الإدارة الأميركية إن بايدن نجح إلى حد كبير في تجنب رد فعل روسي عنيف، رغم أن هذا قد لا يكون الحال بعد الآن.

ومع ذلك، كان القادة البريطانيون أقل تحفظاً بشأن المخاطرة مع موسكو، فقد أعربوا عن دعمهم للسماح للأوكرانيين باستخدام الصواريخ بعيدة المدى التي زودوهم بها لشن ضربات في عمق روسيا، لكنهم كانوا ينتظرون بايدن لاتخاذ موقف بشأن هذه المسألة قبل السماح بالضربات لأن الرد الروسي المحتمل قد يكون له آثار على أمن التحالف ككل.

ويبدو أن حسابات واشنطن وفقاً لتقييم الاستخبارات تتعلق بمجموعة من ردود الأفعال الروسية المحتملة لقرار السماح بضربات بعيدة المدى باستخدام الصواريخ التي تزودها الولايات المتحدة وأوروبا، ومن بينها تصعيد أعمال الحرق والتخريب التي تستهدف المنشآت في أوروبا، وشن هجمات قاتلة محتملة على القواعد العسكرية الأميركية والأوروبية.

ويعتبر المسؤولون الأميركيون أن جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي كان مسؤولاً عن معظم أعمال التخريب في أوروبا التي وقعت حتى الآن، وأن الروس سيواصلون القيام بهذه الأعمال بشكل سري، بدلاً من شن هجمات علنية على منشآت وقواعد أميركية وأوروبية، لتقليل خطر اندلاع صراع أوسع نطاقاً إذا قرر بوتين توسيع الحملة الخفية رداً على استخدام الصواريخ الأميركية والأوروبية في عمق روسيا.

استمرار الضغط

في حين زودت الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف الأوكرانيين بثلاثة أنواع من أنظمة الصواريخ بعيدة المدى والتي تشمل أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش المصنوعة في الولايات المتحدة، والمعروفة باسم "أتاكمس"، وصواريخ "ستورم شادو" المصنوعة في بريطانيا، وصواريخ "سكالب" المقدمة من فرنسا، يواصل أنصار السماح لأوكرانيا باستخدامها لضرب العمق الروسي ضغوطهم على الإدارة الأميركية بدعوى أن الأوكرانيين استخدموا بالفعل بعض هذه الصواريخ لضرب أهداف عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم وما حولها، والتي ضمتها موسكو عام 2014، وأن استخدامها الآن لضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية سيسمح لهم باستهداف قواعد روسية ومخازن ذخيرة أكثر بعداً.

وإذا ما حدث ذلك، فسوف تجعل الهجمات الجديدة من الصعب على روسيا إمداد قواتها على الخطوط الأمامية داخل أوكرانيا، وربما يساعد الأوكرانيين على وقف التقدم الروسي، كما أن هذه الهجمات من شأنها أيضاً أن تظهر الدعم الغربي القوي لأوكرانيا في لحظة من عدم اليقين بشأن فرص فوزها في ساحة المعركة. 

الرد النووي الروسي

ويعتبر بعض المتخصصين والمراقبين في واشنطن مثل ويليام كورتني المتخصص في مؤسسة "راند" البحثية، أن الرد النووي الروسي غير مرجح وربما لن يجلب سوى القليل من المكاسب العسكرية، إن وجدت، فالقوات الروسية غير مدربة على القتال في ساحة معركة نووية، كما كان الحال في الحرب الباردة، بينما لدى أوكرانيا عدد قليل، إن وجد، من الأهداف العسكرية المركزة عالية القيمة.

وبالإضافة إلى ذلك، يحذر حلفاء موسكو من مغبة استخدام السلاح النووي الروسي حيث حذر الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الرئيس الروسي من اللجوء إلى الأسلحة النووية، في حين حذر بايدن من عواقب كارثية إذا فعل ذلك.

وما يجعل التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي ضئيلة القيمة، هو ضعف ردود أفعال الكرملين في كل مرة تفاجئ فيها القوات الأوكرانية روسيا أو تصدمها، من تدمير أو إتلاف ثلث أسطولها في البحر الأسود إلى الاستيلاء على أراض في منطقة كورسك الروسية، والآن مع تكبد القوات الروسية خسائر بشرية فادحة وحاجتها إلى الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية، فقد تواجه قيوداً أكبر.

جهود أوكرانية فردية

ولعل هذا ما يشجع أوكرانيا على بذل الكثير من الجهود بمفردها لضرب عمق روسيا، ففي 18 سبتمبر، نفذت هجوماً في منطقة تفير الروسية، ففجرت مستودعاً ضخماً للأسلحة في انفجار أشبه بالزلزال، ولإرباك الدفاعات الجوية، استخدمت أوكرانيا أكثر من 100 طائرة مسيرة بطيئة الطيران، وكان المستودع على بعد 300 ميل (483 كيلو متراً) من أوكرانيا، وهو ما يتجاوز كثيراً مدى صواريخ "أتاكمس".

وكانت المفاجأة هي ابتكار أوكرانيا لطائرات مسيرة عالية التقنية وصفها المدير العام السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد بترايوس بأنها غير مسبوقة من حيث الحجم والوتيرة، وفي الشهر الماضي، قال زيلينسكي إن أوكرانيا نشرت أول طائرة مسيرة تحمل صواريخ عالية السرعة، وهي "باليانيتسيا".

لكن وفقاً لجون هوين المحلل العسكري السابق في دائرة أبحاث الكونغرس، فإن أوكرانيا تحتاج إلى قوة ضاربة بعيدة المدى أكبر مما يستطيع قطاع الطيران الخاص بها توفيره، وقد تكون الأسلحة الأميركية مكملة قيمة، على الرغم من تكلفتها الأعلى.

وبينما تبدو مهمة الضربة بعيدة المدى حيوية بالنسبة لأوكرانيا، لكن هناك عوامل أخرى أيضاً، منها أن كييف تواجه تحديات في العديد من المجالات، بما في ذلك نقص الجنود، والتحصينات الدفاعية غير الكافية، وعدم اليقين بشأن المساعدات الغربية المستقبلية. 

ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تفيد أوكرانيا من خلال بذل المزيد من الجهود لمساعدتها على تنفيذ ضربات بعيدة المدى في روسيا، إذ لا تكفي الأسلحة الأميركية ولا الأسلحة الأوكرانية بمفردها، لكنها مجتمعة يمكن أن ترفع الكلفة بالنسبة لروسيا وتساعد في تعزيز الأمن الأوروبي.

المزيد من تقارير