ملخص
هناك قاسم مشترك إضافي بين سليماني ونصرالله، فكلاهما حذر بايدن من عواقب قتلهما، فبعد اغتيال قائد "فيلق القدس"، أصدر بايدن بياناً بدأه بالإشارة إلى "جرائم" سليماني ضد الأبرياء في المنطقة، قبل أن يصف عملية اغتياله بأنها خطوة تصعيدية، وأن إدارة دونالد ترمب مطالبة بتوضيح استراتيجيتها، وقال إن ترمب بهذه العملية "ألقى إصبع ديناميت في برميل بارود".
قال الرئيس الأميركي جو بايدن في بيان الإثنين الماضي إن اغتيال زعيم "حزب الله" في لبنان حسن نصرالله حقق العدالة لضحاياه، مؤكداً أن الضربة الإسرائيلية جاءت في إطار النزاع الذي بدأته "حماس" بـ"مجزرة" السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وأن نصرالله اتخذ قراراً كارثياً بفتح ما سماه "الجبهة الشمالية" ضد إسرائيل. لكن ما وراء الأسطر واقع آخر، وقصة عن بايدن لا يمثلها تصريحه أعلاه، فالرئيس لم يكن متحمساً لاغتيال زعيم "حزب الله"، بل إنه اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليحذره من أن "قتل نصرالله سيشعل حرباً إقليمية وطلب منه وقف النار"، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".
القاسم المشترك
نصرالله الذي يعتبره بايدن مسؤولاً عن مقتل آلاف المدنيين الأميركيين والإسرائيليين لعب أدواراً مهمة لإيران، وهو إن لم يكن بأهمية قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" الإيراني الذي اغتالته واشنطن في يناير 2020، فقد كان نصرالله رجل إيران المخلص في لبنان، وذراعها الطويلة المتورطة في سوريا واليمن.
وهناك قاسم مشترك إضافي بين سليماني ونصرالله، فكلاهما حذر بايدن من عواقب قتلهما، فبعد اغتيال قائد "فيلق القدس"، أصدر بايدن بياناً بدأه بالإشارة إلى "جرائم" سليماني ضد الأبرياء في المنطقة، قبل أن يصف عملية اغتياله بأنها خطوة تصعيدية، وأن إدارة دونالد ترمب مطالبة بتوضيح استراتيجيتها، وقال إن ترمب بهذه العملية "ألقى إصبع ديناميت في برميل بارود".
تأثير مقتل سليماني
لم تتوقف إيران عن التهديد بالانتقام لمقتل سليماني لكنها لم تقدم على رد ملموس ضد واشنطن، يوازي حدة التهديدات ويبرر مخاوف بايدن وبعض الديمقراطيين من الاغتيال. وقال الباحث في مؤسسة "كارنيغي للسلام" كريم سجادبور "في اليوم الذي قتل فيه سليماني، توقع كثير من الناس اندلاع حرب عالمية ثالثة، لكن هذا لم يحدث وكذلك الأمر بالنسبة إلى مزاعم إدارة ترمب أن هذا الهجوم سيردع العدوان الإيراني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقر الباحث بأن غياب سليماني كان محسوساً وقيد قدرات إيران، لأنه كان رأس حربتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لكن ذلك لم يقيد إرادة إيران ونفوذها إذ لم تغير إيران سياساتها الإقليمية، فهي لا تزال تعارض الولايات المتحدة ووجود إسرائيل، وتواصل رعاية الميليشيات الإقليمية.
مصير "حزب الله"
أمضى نصرالله نحو 32 عاماً في قيادة "حزب الله" وتطوير ترسانته العسكرية، وهو القوة اللبنانية الوحيدة غير القوى الأمنية الرسمية التي تملك ترسانة سلاح ضخمة، مما جعله المكون الأكثر نفوذاً بين تشكيلات ما يعرف بـ"محور المقاومة".
وفي ضوء تصفية 10 من القيادات العسكرية الرئيسة لـ"حزب الله" مثل فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، زاد مقتل نصرالله الغموض حول مصير الحزب وقدرته على إعادة تنظيم صفوفه، وتكوين هيكل قيادي جديد، بخاصة في ظل استمرار الضربات الإسرائيلية وبدء عملية برية داخل لبنان.
وفيما نُظر إلى سليماني بأنه غير قابل للاستبدال، وأن خليفته لن يستطيع ملء مكانه في الحرس الثوري الإيراني، تحدث مراقبون بالمثل عن نصرالله، وأن خليفته سيكون أمام تحد لحشد التأييد الشعبي كما كان يفعل نصرالله من خلال خطاباته الدورية.
ويرجح رئيس "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" روب ساتلوف أن إسرائيل ستستغل حال الفوضى التي يعيشها "حزب الله" لتدمر القدرات الهجومية للجماعة، بما في ذلك ترسانتها بالكامل من الصواريخ الموجهة بدقة وما تبقى من بنيتها التحتية للهجمات عبر الحدود في جنوب لبنان.
وقالت الباحثة في الشأن اللبناني حينن غدار إنه ومنذ أكتوبر 2023، عندما التزم "حزب الله" بدعم "حماس" ضد إسرائيل، فقد قتل ثلاثة من قادته من الصف الأول، وهم فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وعلي كركي، إضافة إلى معظم قادته من الدرجة الثانية. ونظراً إلى هذه الخسارة في الأفراد، إلى جانب الضربات التي لحقت بالبنية التحتية وضعف الثقة المرتبط بها، فستكون مهمة إعادة بناء القدرات العسكرية للحزب شاقة وستستغرق سنوات. وعلاوة على ذلك لعب نصرالله نفسه دوراً رئيساً في إعادة هيكلة الأنشطة العسكرية لـ"حزب الله" والتنسيق مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وبالتالي تم الآن قطع النسيج الرابط بين لبنان وإيران.
فرصة لمستقبل لبناني أفضل
وعلى رغم تحذير بايدن خلف الكواليس من استهداف نصرالله، يرى ساتلوف أن اغتياله هو "الفصل الأول في مستقبل جديد للبنان محفوف بقدر أكبر من الأمل"، مشيراً إلى أن هناك فرصة سانحة للأحزاب اللبنانية المتنازعة في ما بينها والمناهضة لـ"حزب الله" لتنظيم نفسها قبل أن تجد بقايا "حزب الله" موطئ قدم لها وتحاول إعادة فرض سيطرتها.
وذكر الباحث الأميركي أن الضربة الإسرائيلية أظهرت أن إيران تريد البقاء خارج المعركة، وهذا التقاعس قد يصبح مصدر إحراج حاد لها. وأضاف "بصفته عربياً، لم يكن نصرالله مهماً لطهران بقدر أهمية قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي أدى مقتله في غارة بمسيرة أميركية في عام 2020 إلى هجوم انتقامي ضد القوات الأميركية في شمال العراق. لكنه كان أقرب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي من أي شخص غير إيراني، وسينظر إلى وفاته على أنها ضربة شخصية".
من جانبها أشارت غدار إلى وجود "فرصة للمجتمع الدولي للاستثمار بجدية في مستقبل لبنان، ودعم ائتلاف موثوق وشامل من الشخصيات والقوى المعارضة الذي يجب أن يشمل المجتمع الشيعي بكل تنوعاته لمواجهة ’حزب الله‘ وحلفائه والنفوذ الإيراني في لبنان".
وقالت إن واشنطن تتمتع بنفوذ قوي على لبنان من خلال مساعداتها للجيش اللبناني، ولكن على الجيش أن يكون مسؤولاً أمام حكومة لبنانية مستقلة، وليس لحكومة خاضعة لسيطرة "حزب الله"، وبعد وقف إطلاق النار يجب أن يكون لبنان مرتكزاً في المقام الأول على سيادة الدولة واستقلالها.