Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بطء تعافي الاقتصاد التونسي رغم بعض المكاسب

تقلص طفيف لعجز الميزان التجاري والتضخم وسط نسب نمو دون المأمول

 لم تزد نسبة النمو على 0.2 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى للسنة الراهنة وواحد في المئة في الربع الثاني (أ ف ب)

ملخص

 من المتوقع أن يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4300 دولار في 2024 وفق صندوق النقد الدولي

 توقع البنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية ألا يزيد النمو في تونس على 1.2 في المئة في السنة الحالية وأن يرتفع عام 2025 ليصل إلى مستوى 1.8 في المئة، متأثراً إيجاباً بالمسار التنازلي للتضخم وتراجع عجز الحساب الجاري، لكنه حذر من  أخطار محدودية الحيز المالي وتراكم الديون الخارجية مقابل ضعف الاقتصاد تجاه الصدمات المناخية والأزمات الخارجة عن نطاقه. ولم يختلف بذلك عن تقديرات البنك الدولي التي أشارت إلى ضيق ظروف التمويل التي تسببت في عدم استرجاع الاقتصاد لنسق نشاطه ونموه ما قبل الجائحة، لكن ارتفعت فرضيات النمو لديه إلى 2.4 في المئة خلال 2024، و2.3 في المئة في 2025-2026 بشرط تخفيف ظروف الجفاف. كما فسر البنك الأفريقي للتنمية تراجع نسبة النمو إلى 0.4 في المئة عام 2023 بالجفاف الذي ضرب الزراعة وخفض الطلب، متوقعاً أن تتحسن مؤشرات النمو بتحقيقها لنسبة 2.1 في المئة عام 2024 ونسبة 2.9 في المئة عام 2025. لكن وإن اختلفت التقديرات بين الجهات المانحة، فإنها أجمعت على بطء الإصلاحات والضرورة القصوى لتنفيذها من دون تردد، مما تحدث عنه بإطناب خبراء حللوا لـ"اندبندنت عربية" الوضعية التي غابت عنها الحلول الدائمة  والإصلاحات الهيكلية بسبب انعدام الاستقرار والخيارات المدروسة والرؤية المناسبة لخصوصيات البلاد، على رغم مصادقة الحكومة التونسية على مخطط تنموي للفترة  2023-2025 قالت إنه يأتي في إطار التوجهات المستقبلية المضمنة برؤية تونس 2035 ويهدف إلى تطوير الأداء التنموي ويقدم المخطط للسياسات والبرامج والمشاريع التنموية بما يكفل استعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي. وتتمثل أهداف الاستراتيجية وفق الحكومة في الترفيع في نسبة النمو الاقتصادي والمحافظة على القدرة الشرائية من خلال التحكم في التضخم وتحسين التصرف في الموارد المائية والطاقية.

تعافٍ بطيء

في الأثناء، لم تزِد نسبة النمو على 0.2  في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى للسنة الراهنة و1 في المئة في الربع الثاني  بحساب الانزلاق السنوي، مما جعله دون مستويات ما قبل جائحة كورونا، ومن أبطأ معدلات التعافي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في المقابل، سجل بعض التحسن على مستوى الميزان الخارجي الذي فسرته المنظمات المانحة بالأسعار العالمية المواتية، بتعافي صادرات زيت الزيتون والسلع الميكانيكية والكهربائية، وعرفت الأشهر الثمانية الأولى من هذه السنة تراجعاً في العجز التجاري  بتطور الصادرات بنسبة 2.1 في المئة  والواردات 1.1 في المئة ليشهد  العجز التجاري  تقلصاً طفيفاً  ويصبح في حدود 11.9 مليار دينار (3.9 مليار دولار) مقابل 12.1 مليار دينار (4 مليارات دولار) خلال الأشهر الثمانية الأولى عام 2023. وسجلت زيادة طفيفة في الطلب الداخلي وسط انخفاض حدة التضخم الذي هبط إلى أدنى مستوى منذ 30 شهراً عند سبعة في المئة خلال يوليو (تموز) و6.7 في المئة في أغسطس (آب) 2024.

هشاشة السياسات الاقتصادية

وعلى رغم المكاسب التي تحققت أيضاً في قطاع السياحة  ومداخيل الشغل فقد تأثّر الاقتصاد التونسي بالخسائر المرتبطة بالجفاف التي أدت إلى انخفاض الإنتاج الفلاحي بنسبة 11 في المئة عام 2023. وتفاقم تأثير الجفاف الذي أدى إلى محدودية الطلب المحلي (على رغم التعافي النسبي في الفترة الأولى من عام 2024)، مما أثر في النشاط  ضمن قطاعي البناء والتجارة. كما أدى إلى معدلات بطالة مرتفعة تراوحت بين 16.4 في المئة عام 2023 و16 في المئة عام 2024 ونسبة فقر مماثلة في حدود 16.6 في المئة، علماً أن تقديرات صندوق النقد الدولي بخصوص نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تونس تذهب الى ارتفاعه  من 4200 دولار عام 2019 إلى 4800 دولار في 2028. وبحسب صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4300 دولار في 2024. واعتبر المحلل الاقتصادي  عدنان بن صالح تطور نصيب الفرد في تونس من الثروة القومية مؤشراً خطراً على هشاشة السياسات الاقتصادية،  مشيراً الى اعتماد الإحصاءات السابقة على فرضيات حجم  الناتج القومي الخام لعام 2024 على أساس أنه في حدود 54.7 مليار دولار وليس الناتج الحقيقي. بينما  تطور نصيب الفرد من 10500 دينار (3465 دولاراً) عام 2010 إلى نحو 13500 دينار (4455 دولاراً) عام 2023  وهي نسبة نمو مخجلة في فترة امتدت إلى 13 عاماً لمناب التونسيين من ثروات بلادهم، بل هو نصيب متناقص مقابل نصيب مرتفع للفرد من نسبة الدين العام (الدين العمومي وديون المؤسسات والضمانات) ويساوي 5200 دولار، مما يفيد بالعجز عن السداد، علاوة على تراجع ملحوظ في المقدرة الشرائية تجسدت في انخفاض الاستهلاك أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد في بلد لا يزيد الأجر الأدنى فيه على 175 دولاراً وتسير فيه الطبقة الوسطى إلى الاندثار على خلفية التفاوت الكبير في مداخيل الأفراد خلال الأعوام الأخيرة. وهي مؤشرات عاكسة للأداء الاقتصادي في المجمل ونتيجة طبيعية لغياب التقييم الموضوعي، بل إنكار التعثر المجسد في تحقيق نسب نمو بعيدة من التقديرات والفرضيات في النصف الأول من هذه السنة والسنوات الماضية على حد السواء. أما الحلول المناسبة، فهي وضع رؤية واضحة والاقتناع بضرورة تطعيم الاقتصاد التونسي بأفكار جديدة مواكبة للمتغيرات السريعة على أن تسير بالتوازي مع إصلاح الإدارة التونسية ثم دخولها بدورها في عملية الإصلاح الهيكلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حين ذكر الخبير المالي أنيس وهابي أن الاقتصاد التونسي يعيش متلازمة التأثر بالانتقال السياسي الدائم منذ أكثر من عقد إلى أن انتهى إلى المؤشرات الحمراء. وبدا الطريق إلى الإصلاحات البنيوية غير واضح على رغم الوعود المتواترة من السياسيين، ومن الضروري الآن اتباع  أسلوب صارم يعتمد على تحليل متعمق للبيانات، وتقييمات دقيقة وشفافية كاملة، مما يتيح التقييم المستمر لتعديل التدابير بناءً على النتائج التي تم الحصول عليها والتكيف مع البيئة المتغيرة باستمرار. كما يجب إثارة نقاش جوهري حول الإصلاحات الضرورية التي يجب تنفيذها على المستوى الاقتصادي والتي يجب على السياسيين  تبنيها  ودعمها. ويُعدّ الاستثمار  العامل الرئيس للنمو الاقتصادي الذي يجب أن تقوم عليه السياسة الاقتصادية، إضافة إلى الموارد البشرية والابتكار واستقرار الاقتصاد الكلي والانفتاح التجاري، ثم الحوكمة الرشيدة وقوامها سيادة القانون   والشفافية ومكافحة الفساد وتهيئة المناخ الملائم للأعمال والاستثمار، وفق الوهابي الذي أشار إلى ضرورة أخذ المشهد الاقتصادي المعاصر في الاعتبار والذي يتميز بنهج مبتكر لخلق القيمة المضافة، عن طريق الاستفادة من التكنولوجيا وهو نهج غير بعيد من المخطط الثلاثي 2023-2025 الذي أعلنت عنه تونس وشعاره "النموذج الاقتصادي المبني على الذكاء"  وهي في حاجة إلى تحقيقه. كما لا تحتاج تونس إلى اختراع أساليب اقتصادية جديدة،  بل التكيف مع خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية، وفق الوهابي.ش