Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحلام القاهرة وهواجسها في رسوم هاني راشد

"على الأسفلت" معرض يقدم صورة أخرى عن المدينة وناسها

لوحة من معرض الرسام المصري هاني راشد (خدمة المعرض)

ملخص

يستضيف غاليري مصر في القاهرة معرضاً لأعمال الفنان هاني راشد تحت عنوان "على الأسفلت"، ويضم المعرض عدداً من أحدث أعمال الفنان يعبر فيها عن رؤاه الشخصية حول القاهرة، هذه المدينة التي طالما عانقت أحلامه وأثارت كذلك هواجسه. 

إذا أردنا الدخول إلى عالم الفنان هاني راشد علينا أولاً تقبل هذه المبالغات البصرية التي تزخر بها أعماله والتهيؤ لقدر لا بأس به من السخرية المرحة أو اللاذعة أحياناً. ولا بد أن نشير هنا كذلك إلى أن المحتوى الساخر في أعمال هاني راشد يخلو من الهزل، فهو محتوى يعتمد على المفارقة والتشويه والجمع بين المتناقضات. وأظن أن هذا هو السبب في افتتان الفنان بالشارع القاهري، فليس هناك مساحة أوفر حظاً بالتناقضات من شوارع هذه المدينة المهولة والمترامية الأطراف.

القاهرة مدينة متشبثة بماضيها ومتصالحة مع حاضرها وهو حاضر مبهم ورمادي، فمن الصعب أن نحدد له نمطاً بصرياً متماسكاً. وهنا يشتبك الماضي بالحاضر ويتقاطع النظام مع العشوائية ويتجاور الجميل مع القبيح. وهنا يمكن أن تتحول وجهة مشاعرك من النقيض إلى النقيض في دقائق معدودة. القاهرة مدينة مثقلة بهمومها وعشوائيتها، مدينة تجتمع فيها أسباب البهجة والأسى والرهبة، وهي جميلة ومدهشة على رغم كل شيء.

لا تبتعد أعمال هاني راشد كثيراً من هذا المشهد المربك للقاهرة، هو يغيب عنه ثم يعود إليه مرة أخرى ليروي لنا مشاهداته اليومية ويحكي حكايته مع هؤلاء الناس الذين يرسمهم في لوحاته، كأنه يمارس الفن فقط ليروي هذه الحكايات التي لا تنتهي عن المدينة التي يعيش فيها وتسكنه تفاصيلها. ويحكي هاني راشد عن سائق التاكسي وبائعي الآيس كريم والفاكهة، عن الأصوات التي لا تهدأ وعن الأجساد المطلة من الشرفات، عن العربة التي تجرها الدواب (الكارو) وهي تخترق الشارع المزدحم بالمارة والسيارات.    

هو يرسم ويلون ويكتب على سطح اللوحة في كثير من الأحيان كما يؤلف بين الصور ويعيد صوغها. وقد تباغتك أعماله أحياناً بجرأتها لكنك تجد نفسك في النهاية مفتوناً بهذا المزيج الملون والمتشابك من الصور والكتابات، والذي يتقاطع مع تجربته الشخصية. وبهذه الأدوات استطاع هاني راشد أن يرسم لتجربته ملامحها المتفردة وأن يضع نفسه بين زمرة قليلة من الفنانين الذين أغوتهم القاهرة وفتنوا بها.

 المشهد الذي يقدمه هاني راشد يفيض بالبهجة دائماً التي يوزعها على الحاضرين عبر تلك المساحات الملونة. مفردات وعناصر كثيرة تتحرك على السطح لتشكل هذا العالم المصنوع من الصور. وخلال السابق كانت تستهويه الصور المرسومة بالأبيض والأسود حتى بدأ اللون يتسلل شيئاً فشيئاً إلى أعماله، وحين أغوته الصورة الفوتوغرافية استعان بأوراق المجلات القديمة والصور التي كان يحصل عليها عبر الإنترنت. وكان يرسم على هذه الصور التي يجمعها ويكرر الأشخاص والعناصر ويعيد بناء العلاقات بين المفردات داخل المشهد وفقاً للمساحة والفكرة المواتية، ليتوالد كثير من الرؤى والأفكار التي ميزت أعماله حتى اليوم.

وفي معرضه "على الأسفلت" يواصل هاني راشد الاشتباك مع الشارع القاهري بجرأته المعهودة، ويلتقط العناصر والمفردات التي يراها يومياً في الشارع ويلقي بها في فضاء رمادي. الدراجات النارية والسيارات والباعة الجائلون وحتى الطائرات التي بات يشعر بأصواتها بعد انتقاله من غرب المدينة إلى شرقها، كل هذه العناصر وغيرها تحولت إلى نقاط ملونة في بحر متلاطم من اللون الرمادي. على الأسفلت يختزل المدينة في مشاهد خاطفة وسريعة تشبه الصور التي تلتقطها عدسة الكاميرا أثناء الحركة السريعة. وهؤلاء المهمشون هم من يشكلون صورة المدينة وهيئتها البصرية بقبحها وجمالها وعنفوانها أو هشاشتها.

لوحات هاني راشد غالباً ما تكون مزدحمة بالعناصر والأشكال والصور المختلفة والتي قد لا يجمع بين معظمها أي رابط منطقي. صور وعناصر رسمت بصورة عفوية على مساحة اللوحة، بينما تتناثر بعض الكلمات باللغتين العربية والإنجليزية هنا أو هناك. وهذا التفكيك البصري للمشهد الحضري يتشكل على رغم كل شيء وفقاً لنسق محدد، أو مسار تتحرك خلاله العناصر على سطح العمل. في كل معرض من معارض هاني راشد علينا أن نجهد أنفسنا للبحث عن هذا المسار أو النسق البصري الذي يحدد مسار عناصره. وفي هذا المعرض يمعن الفنان في تحريف عناصره كأنما اتخذ قراراً بتشكيل أبعادها وفقاً لمقتضيات هذا العالم الذي ينشئه على سطح اللوحة. عالم رمادي غامض يبتلع هذه الصور الملونة، ومن طريق هذا التداخل بينهما يتشكل سطح اللوحة.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اقتصرت أعمال الفنان هاني راشد الأولى على الدرجات المحايدة، إذ كان اللون هو الهاجس الذي يهرب منه ويتحايل على حضوره وكأنه يرى العالم من دونه، إلى أن بدأت درجات اللون الأخرى تظهر شيئاً فشيئاً، حتى طغى اللون على أعماله. وهنا يعود هاني راشد من جديد إلى فضائه المحايد من دون أن يتخلى عن اللون، وفي هذه اللوحات تتحرك الصور والعناصر الملونة التي طالما رسمها الفنان في فضاء رمادي كلون الأسفلت، أو ربما لون الدخان.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة