Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد عام من الحرب والدمار... السنوار لا يبدي ندماً

قبضته محكمة على "حماس" ولا يرى إلا "الكفاح المسلح" سبيلاً لفرض قيام الدولة الفلسطينية

لوحة إعلانية قرب ساحة فلسطين في طهران تحمل صورة يحيى السنوار (أ ف ب)

ملخص

يعمل السنوار الذي أطلقت عليه إسرائيل وصف "وجه الشر"، في سرية تامة، ويغير أماكنه باستمرار ويستخدم رسلاً موثوقاً بهم للتواصل غير الرقمي، وفقاً لثلاثة مسؤولين من "حماس" ومسؤول إقليمي. ولم يظهر علانية منذ السابع من أكتوبر.

يقول أشخاص خالطوا يحيى السنوار إن زعيم حركة "حماس" غير نادم على هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على رغم أنها تسببت في غزو إسرائيلي لغزة، أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتحويل القطاع إلى أطلال وحطام، وألحقت الدمار بحليفه "حزب الله" في لبنان.

الكفاح المسلح سبيلاً

وقال أربعة مسؤولين فلسطينيين ومصدران من حكومات في الشرق الأوسط إن السنوار، العقل المدبر للهجمات التي شنتها "حماس" على جنوب إسرائيل والبالغ من العمر 62 سنة، لا يرى إلا الكفاح المسلح سبيلاً لفرض قيام دولة فلسطينية.
وأسفرت هجمات السابع من أكتوبر 2023 عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وأسر 250 رهينة، وفقاً لإحصاءات إسرائيلية، في أشد الأيام دموية منذ إعلان قيام دولة إسرائيل.
وردت إسرائيل بشن هجوم واسع النطاق أسفر عن مقتل أكثر من 41600 شخص ونزوح 1.9 مليون فلسطيني، بحسب السلطات الصحية الفلسطينية وإحصاءات الأمم المتحدة.
وامتد الصراع الآن إلى لبنان، إذ أضعفت إسرائيل بشدة قدرات "حزب الله" المدعوم من إيران، بما في ذلك قتل معظم قادته. وتواجه طهران، التي ترعى "حماس" أيضاً، احتمالية الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل.

جر المحور إلى الصراع

وقال المؤلف والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن حسن، إن السنوار جر إيران و"محور المقاومة" بأكمله الذي يضم "حزب الله" والحوثيين في اليمن وجماعات مسلحة عراقية إلى صراع مع إسرائيل. وأضاف حسن "ما نشهده الآن هو تبعات السابع من أكتوبر 2023. مقامرة السنوار لم تنجح"، مشيراً إلى أن "محور المقاومة قد لا يتعافى أبداً".
ورأى حسن أن "ما فعلته إسرائيل بـ’حزب الله‘ خلال أسبوعين يعادل تقريباً عاماً كاملاً من إضعاف ’حماس‘ في غزة. إذ تم القضاء على ثلاثة مستويات من القيادة في الحزب، وتقليص قيادته العسكرية، واغتيال زعيمه المهم حسن نصرالله".

قبضة محكمة

لكن قبضة السنوار على "حماس" ما زالت محكمة، على رغم بعض العلامات على المعارضة بين سكان غزة.
واختير السنوار زعيماً للحركة بعد مقتل سلفه إسماعيل هنية في يوليو (تموز) الماضي في ضربة يشتبه في أن إسرائيل هي التي نفذتها أثناء زيارة كان يقوم بها إلى طهران. ولم تؤكد إسرائيل ضلوعها في الضربة.
وقال مصدران إسرائيليان إن السنوار وشقيقه، وهو أيضاً قيادي كبير، يعملان في متاهة من الأنفاق تحت غزة، نجيا في ما يبدو حتى الآن من الغارات الجوية الإسرائيلية التي أوردت تقارير أنها قتلت نائبه محمد الضيف وغيره من كبار القادة.
ويعمل السنوار الذي أطلقت عليه إسرائيل وصف "وجه الشر" في سرية تامة، ويغير أماكنه باستمرار ويستخدم رسلاً موثوقاً بهم للتواصل غير الرقمي، وفقاً لثلاثة مسؤولين من "حماس" ومسؤول إقليمي. ولم يظهر السنوار علانية منذ السابع من أكتوبر 2023.
وعلى مدى أشهر من المحادثات التي لم يحالفها النجاح لوقف إطلاق النار بقيادة مصر وقطر، التي ركزت على مبادلة سجناء فلسطينيين بالرهائن الإسرائيليين، كان السنوار هو صانع القرار الوحيد، بحسب ما ذكرت ثلاثة مصادر من "حماس". وكان المفاوضون ينتظرون أياماً للحصول على ردود تمر عبر سلسلة سرية من الرسل.

تحمل المعاناة

وبدأ استعداد السنوار لتحمل المعاناة، سواء لنفسه أو للشعب الفلسطيني، في سبيل "القضية"، حين ساعد في التفاوض على تبادل 1027 سجيناً فلسطينياً، من بينهم هو نفسه، مقابل جندي إسرائيلي مخطوف في غزة عام 2011. وأدت عملية الخطف التي نفذتها "حماس" آنذاك إلى هجوم إسرائيلي على الجيب الساحلي ومقتل آلاف الفلسطينيين.
وقال ستة أشخاص يعرفون السنوار لـ"رويترز" إن عزيمته تشكلت بفعل سنوات طفولة فقيرة قضاها في مخيمات اللاجئين بغزة و22 سنة في سجون إسرائيل، من بينها فترة قضاها في عسقلان، المدينة التي يصفها والداه بأنها موطنهما الذي فرا منه بعد حرب 1948.
وأجمعت كل المصادر الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم كي يتحدثوا بحرية عن الأمور الحساسة أن مسألة مبادلة السجناء بالرهائن مسألة شخصية جداً للسنوار. فقد قطع على نفسه عهداً بإطلاق سراح جميع المحتجزين الفلسطينيين في إسرائيل.
وانضم السنوار إلى حركة "حماس" بعد فترة وجيزة من تأسيسها في الثمانينيات متبنياً الأيديولوجية الإسلامية الأصولية للجماعة التي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في فلسطين التاريخية وتعارض وجود إسرائيل.
ولا ترى هذه الأيديولوجية في إسرائيل مجرد منافس سياسي بل تنظر إليها على أنها قوة احتلال على أرض إسلامية. ويقول متخصصون في الحركات الإسلامية إنه من هذا المنظور، كثيراً ما يفسر السنوار وأتباعه المشاق والمعاناة باعتبارها جزءاً من معتقد إسلامي أوسع نطاقاً يقوم على التضحية.
وقال مسؤول كبير في "حماس" طلب عدم الكشف عن هويته إن "قوة العقيدة والإصرار على الهدف هما الأساس في تكوين عزيمته وإنه متقشف وزاهد يرضى بالقليل".

بداية متواضعة

قبل الحرب، كان السنوار يروي أحياناً عن حياته المبكرة في غزة خلال عقود من الاحتلال الإسرائيلي، وقال ذات مرة إن والدته كانت تحيك الملابس من الجوالق، وهي الأجولة (أكياس الخيش) المتبقية بعد تفريغ المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة، بحسب ما ذكره وسام إبراهيم، وهو أحد سكان غزة ممن التقوا السنوار.
وفي ما يشبه سيرة ذاتية كتبها في السجن، وصف السنوار مشاهد للقوات الإسرائيلية وهي تدمر المنازل الفلسطينية كوحش يسحق عظام فريسته، قبل انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005.
كان السنوار شديد الحدة والصرامة عندما عهد إليه بمهمة معاقبة الفلسطينيين المشتبه في تجسسهم لمصلحة إسرائيل.
واكتسب شهرة كبيرة كزعيم في السجن. وبرز كبطل في الشارع بعد أن قضى 22 سنة في السجون الإسرائيلية لاتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين.
ثم ارتقى سريعاً إلى قمة صفوف قيادة "حماس".
وقال أربعة صحافيين وثلاثة مسؤولين من "حماس" إن تفهمه الصعوبات اليومية والواقع المضني في غزة أكسبه شعبية لدى سكان القطاع وجعل الناس يشعرون بالارتياح، على رغم سمعته كشخص مهيب الجانب وغضبه القابل للانفجار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ضرب العدو

ويعد مسؤولون عرب وفلسطينيون أن السنوار هو مهندس استراتيجية "حماس" وقدراتها العسكرية التي تعززت عبر علاقاته القوية مع إيران التي زارها في عام 2012.
وقبل إشرافه على تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، لم يخف السنوار رغبته في ضرب عدوه بقوة.
ففي خطاب ألقاه في العام السابق للهجوم، تعهد السنوار بإرسال طوفان من المقاتلين والصواريخ إلى إسرائيل، ملمحاً إلى حرب قد توحد العالم لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، أو ترك إسرائيل معزولة على الساحة العالمية.
وبحلول وقت إلقاء الخطاب، كان السنوار والضيف قد أعدا بالفعل خططاً سرية للهجوم، بل كانا يجريان تدريبات علنية تحاكي مثل هذا الهجوم.
لكن أهدافه لم تتحقق. صحيح أن القضية عادت إلى صدارة قائمة الأولويات العالمية، لكن احتمالات إقامة دولة فلسطينية أصبحت بعيدة المنال كما كانت دوماً. ويرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصورة قطعية أي خطة لغزة بعد الحرب تتضمن جدولاً زمنياً محدداً لإقامة دولة فلسطينية.

"رأسه مثل الحجر"

اعتقل السنوار عام 1988 وصدرت ضده أربعة أحكام بالسجن المؤبد لاتهامه بالتخطيط لخطف وقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين يشتبه في تجسسهم لمصلحة إسرائيل.
وقال نبيه عوادة، وهو ناشط شيوعي لبناني سابق سجن مع السنوار في عسقلان بين عامي 1991 و1995، إن زعيم "حماس"، "كان يعد معاهدة أوسلو دماراً"، في إشارة إلى اتفاقات السلام التي توصل إليها عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأنها خديعة من إسرائيل التي قال إنها لن تتخلى عن الأراضي الفلسطينية إلا بالقوة، وليس من طريق المفاوضات.
وأوضح عوادة "كان يقول إن المواجهات هي التي من الممكن أن تحقق إنجازات وهو أعند من نتنياهو. ورأسه مثل الحجر".
ووصف عوادة السنوار بأنه صلب العقيدة وقوي العزيمة. وقال إن وجه زعيم "حماس" كان يتلألأ فرحاً كلما سمع عن هجمات ضد الإسرائيليين من "حماس" أو "حزب الله"، فبالنسبة إلى السنوار "الطريق الوحيد لتحرير فلسطين هو طريق المقاومة". وأضاف عوادة أن السنوار كان "ديناميكياً وكاريزماتياً جداً" وكان له تأثير في كل الأسرى حتى على الذين لم يكونوا إسلاميين أو متدينين.

الترهيب والقيادة

وقال المسؤول السابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) مايكل كوبي، الذي استجوب السنوار لمدة 180 ساعة في السجن، إنه كان ذا حضور واضح بسبب قدرته على الترهيب والقيادة.
وسأل كوبي ذات مرة السنوار الذي كان يبلغ من العمر حينذاك 28 أو 29 سنة، لماذا لم يتزوج. وقال كوبي إن السنوار "قال لي إن ’حماس‘ هي زوجتي، و’حماس‘ هي ولدي. و’حماس‘ بالنسبة إليَّ هي كل شيء". وتزوج السنوار بعد إطلاق سراحه من السجن عام 2011 وأنجب ثلاثة أطفال.
وقال عوادة إنه واصل في السجن مهمة ملاحقة الجواسيس الفلسطينيين، وهو ما يتطابق مع تقارير محققي جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت).
وقال عوادة إنه كان يتمتع بدرجة عالية من الحذر وحدة الوعي مما مكنه من كشف عملاء الـ"شين بيت" المندسين في السجن. وأضاف أن قيادة السنوار لعبت دوراً محورياً في إضراب عن الطعام عام 1992 تزعم فيه أكثر من 1000 سجين للعيش على الماء والملح فحسب. وتفاوض السنوار مع سلطات السجن ورفض التسوية مقابل تنازلات جزئية. واستغل فترة سجنه لتعلم اللغة العبرية بطلاقة.
وقال عوادة إن السنوار كان يتذكر من حين إلى آخر أن عسقلان التي سجنا فيها معاً، هي مسقط الرأس والبلد الأم لعائلته.
وحين كان يلعب تنس الطاولة في باحة سجن عسقلان، التي أصبحت جزءاً من إسرائيل، كان السنوار يلعب في كثير من الأحيان حافي القدمين.
ويقول عوادة "كان عندما يلعب البينغ بونغ يكون حافياً من دون حذاء... أسأله لماذا أنت حافٍ يقول ‘إني ألمس أرضي... أرض فلسطين‘". ويضيف عوادة "كان يقول لنا أنا لست في السجن، أنا في أرضي... هنا أنا في بلدي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير