ملخص
من أهم المعروضات في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024 نسخة من مصحف قديم مكتوب بالخط الكوفي عثر عليه في آسيا الوسطى، وتحديداً في قرية صغيرة بأوزبكستان، ويعود إلى الفترة ما بين القرنين الثاني والثالث الهجري.
يتنوع الكتاب ما بين الرقمي والمطبوع، كل له جمهوره من المثقفين والمطلعين ومحبي القراءة، لكن في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024 نوعاً آخر من الكتب يتعلق بالمخطوطات التاريخية، وتقوم فكرته على نسخ عدد من المخطوطات الثقافية والأدبية والفنية القديمة بطريقة احترافية وعرضها وبيعها.
وشهد معرض الرياض للكتاب حضوراً مكثفاً وإقبالاً من الزوار على شراء الكتب، لا سيما ذات البعد الثقافي التاريخي، وكذلك التعرف إلى المخطوطات القديمة المعروضة في الأجنحة المختلفة، بخاصة الأوروبية من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا التي تعرض نسخاً لوثائق ثقافية قديمة منها ما هو مكتوب باللغة العربية.
معالجة الوثائق
تستهدف دار النشر الألمانية "شنايدر ومولر" تقديم التراث في أجمل صورة مع الالتزام بأعلى معايير الجودة، إذ تقدم منسوخات للمخطوطات الأصلية التي تمتلكها، ومنها مخطوطات عربية تظهر روائع فن الخط والزخرفة المصورة بألوان زاهية لمنجزات ثقافية سطرت قبل مئات السنوات وبقيت خالدة على مدى قرون، بل وعدد من مخطوطات الفن والأدب الأوروبي في أوج فترات ازدهاره.
ويحتوي كل مجلد من المعروضات على نسخ عولجت يدوياً في سلسلة مراحل متراكبة بحيث يمكن مقارنتها بالأصلية حتى تكون النتيجة أن كل طبعة عبارة عن قطعة نادرة وحصرية ونفيسة، وهو ما يتطلب نطاقاً واسعاً وعلى أعلى مستوى تخصصي من المهارات والتقنيات اليدوية.
مصحف قديم
من أقدم المخطوطات التي تتبناها دار النشر الألمانية نسخة من مصحف قديم مكتوب بالخط الكوفي عثر عليه في آسيا الوسطى، وتحديداً في قرية صغيرة بأوزبكستان، إذ يعود إلى الفترة ما بين القرنين الثاني والثالث الهجري.
وتعرض المخطوطة القديمة صفحات تمثل نصف المصحف نظراً إلى كبر حجمه، وتبدو الكلمات مكتوبة باللغة العربية القديمة ومن دون نقاط، كما تعرض جزأين من مصحف كتبه السلطان المغربي أبو الحسن المريني عام 1331، وتبدو الكلمات القرآنية مزينة ومزخرفة كما لو كانت أصلية.
قصة الملك آرثر
هناك أيضاً أعمال أدبية وثقافية، ومن أقدم المنسوخات الأدبية مخطوطة كتبت باللغة الفرنسية القديمة، وتعود إلى القرن الـ15، وتحكي قصة الملك الإنجليزي آرثر والفرسان الـ12 للطاولة المستديرة، وتمزج بين الخط اليدوي الدقيق وبين الصور زاهية الألوان.
ويعد الملك آرثر أهم الرموز الميثولوجية في بريطانيا العظمى كونه يمثل الملكية العادلة في الحرب والسلم، وهناك خلاف عن كونه حقيقة أم خيال، لكن وفق القصة فإن آرثر حكم مملكة كاميلوت، وهي أرض أساطير وغموض مليئة بفرسان يرتدون الدروع وتجمع بين السحرة الماكرين والفتيات الحسناوات.
وفي هذه البيئة السحرية يحيا الملك الأسطوري آرثر ومعه فرسان الطاولة المستديرة الذين يجمعون بين الحب والحرب في وقت واحد، ويتفقون مع الملك على شق طريق الحروب والمعارك في غابات العصور الوسطى والجزر المسحورة.
وتقول الأسطورة إن آرثر كان ملك بريطانيا، وهزم السكسونيين وأسس إمبراطورية واسعة في أوائل القرن السادس، وأنه كان يبحث مع فرسانه عن جسم لا يقدر بثمن، يعرف باسم الكأس المقدسة (وعاء استخدمه السيد المسيح في العشاء الأخير). ويعتقد أن آرثر عثر عليها في النهاية، وخبأها في مكان ما حول بريطانيا.
الأميرة إليزابيث
أما المخطوطة الفلسفية "كيبيس" فتتناول فترة الحرب الأهلية الإنجليزية بين البرلمانيين والملكيين في شأن حكم إنجلترا خلال القرن الـ17، إذ كتب أحد الحكماء رواية تتحدث من طريقة حياة جديدة بعيداً من الصراع، وقرر إهداءها إلى الملك، لكنها ضلت الطريق إلى القصر حتى وصلت إلى الأميرة إليزابيث ستيوارت، والتي وضعتها في مكتبتها بعد انتهاء الحرب.
والأميرة إليزابيث ستيوارت هي الابنة الثانية لتشارلز الأول ملك إنجلترا من زوجته الفرنسية هنريتا ماريا، وخلال فترة الحرب الأهلية دخلت السجن وهي في السادسة من عمرها مع شقيها الأصغر هنري بقرار من البرلمانيين، وظلا في الحبس لمدة ثماني سنوات، بل وشاهدت مع شقيقها إعدام والدهما تشارلز الأول.
النجوم الثابتة
ومن ضمن المخطوطات الفريدة أجزاء من كتاب "النجوم الثابتة" لأولوغ بيك الذي يتناول سمرقند الأسطورية التي كانت مركز طريق الحرير القديم في القرن الـ15 والمرادفة للروعة الشرقية في عهد التيموريين، إذ قام أولوغ بيك وهو عالم على عرش الحاكم، بخط ورسم نص عالم الفلك الفارسي عبدالرحمن الصوفي الذي يعود إلى القرن الـ10 كمخطوطة رائعة لمكتبته، والتي تصور مجموعات النجوم في 72 منمنمة فريدة من نوعها.
وولد الأمير ميرزا محمد حفيد الملك تيمورلنك في مدينة السلطانية الإيرانية، واشتهر بلقب "ألوغ بيك" وكان شغوفاً بعلم الرياضيات والفلك، ودرس على أيدي أبرز العلماء من بينهم عالم الرياضيات والفلك الشهير كاظم زادة رومي، والذي أطلع ألوغ بيك وهو في سن التاسعة على بقايا المرصد الفلكي الشهير في ماراغ (جنوب أذربيجان).
وعندما تولى والده الملك تيمور الحكم عينه والياً على سمرقند وهو ابن 16 سنة، فتحولت سمرقند أثناء حكمه إلى عاصمة للعلم والثقافة وأصبحت أحد المراكز العالمية للعلوم في القرون الوسطى، ثم أنشأ الأمير بعدها المرصد الفلكي في سمرقند الذي كان أعظم مرصد فلكي آنذاك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووضع ألوغ بيك في مرصد النجوم الجداول السلطانية التي تسمى الفارسية "الزيج"، والتي كانت دقيقة جداً، وتمكن مع العلماء من تصحيح وتدقيق موقع 992 نجماً، وأضافوا إليها 27 نجماً أخرى، وحدد ألوغ بيك طول السنة النجمية بـ365 يوماً وستة ساعات و10 دقائق وثماني ثوانٍ، أي إن هامش الخطأ لم يتجاوز 58 ثانية.
وتشمل مخطوطات ألوغ بيك صوراً للكائنات الحية التي تظهر في السماء أو في الكرة الأرضية بيابسها ومياهها ومحدد بها الاتجاهات، ومنها صور "الفرس الأعظم" و"العذراء" و"الدجاجة" على ما ترى في السماء، وكذلك صورة "السمكتين" و"الجاثي" على ركبتيه" و"الشجاع والباطية والغراب"، وفق ما يبدون في الكرة، إضافة إلى "جدول كوكبة الدولفين".
مذكرات دافنشي
وبالنسبة إلى المخطوطات الفنية تعرض الدار نسخة من مذكرات الرسام الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي التي تعود إلى القرن الـ15، وهي مقسمة إلى أربعة أجزاء متباينة الحجم، تحوي ثلاثة منها مسودات لوحاته مكتوبة بخط يده يشرح فيها طريقة الرسم، وبراعته الهندسية في تحديد الأبعاد ووضع خريطة لكل لوحة تشمل الفكرة وزوايا الرؤية والقياسات الهندسية والصورة النهائية المقترحة، إضافة إلى كتيب صغير كان يدون فيه ملاحظاته ومشاهداته يدوياً لاستحضارها وقت بدء الرسم.
اختتم معرض الرياض الدولي للكتاب فعالياته أمس السبت بعدما أقيم في جامعة الملك سعود بالرياض من الـ26 من سبتمبر (أيلول) الماضي حتى الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) تحت شعار "الرياض تقرأ". تميزت نسخة هذا العام بمشاركة أكثر من 2000 دار نشر ووكالة من داخل السعودية وخارجها، موزعة على 800 جناح، تمثل أكثر من 30 دولة، مما يؤكد مكانة المعرض كواحد من أهم وأبرز معارض الكتاب على الصعيدين الإقليمي والدولي.