Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرات للسلام بين العرب واليهود تتحدى الواقع المشؤوم

تعافي اليسار الإسرائيلي مؤشر إلى ارتفاع مؤيدي السلام في تل أبيب الذين لم يغيروا نظرتهم للعلاقة مع الفلسطينيين

مطالبات وقف الحرب تتعالى في إسرائيل   (رويترز)

ملخص

 ترى رئيسة الصندوق الإسرائيلي الجديد راحيل ليئيل "أن الشراكة اليهودية العربية باتت اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. تحت وطأة الحرب والصدمة العامة، ازداد الخوف من احتمال فتح جبهة في داخلنا. لكن أحداث مايو 2021 يجب ألا تتكرر مرة أخرى، وأن نتأكد من أننا لا نتخلى عن العيش معاً".

في غمرة النزاع المستمر في قطاع غزة منذ عام ظلت العلاقة بين اليهود والعرب في إسرائيل تسير بهدوء حذر مع ضبط للنفس.

 وعلى رغم المخاوف التي اعترت كثراً، بينهم كبار في المنظومتين السياسية والأمنية، من حدوث مواجهات عنيفة بين العرب واليهود في إسرائيل على غرار أحداث مايو (أيار) عام 2021 لم تتحقق حتى الآن، تصارع الجمعيات الإسرائيلية المدافعة عن السلام وحل الدولتين من أجل البقاء، خصوصاً في ظل وضع محتقن آيل للانفجار في أي لحظة، قد يتسبب وفق مراقبين في أخطار جسيمة تمس بنسيج الحياة الحساس في إسرائيل ومدنها المختلطة، على اعتبار أن ردود الفعل بين العرب واليهود إزاء الصدمة الجماعية التي حدثت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ستشكل طبيعة العلاقة بين كلا الجانبين داخل إسرائيل لسنوات عديدة مقبلة.

بعد أسبوعين من هجوم "حماس" أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "أكورد" أن نحو 90 في المئة من الجمهور اليهودي ونحو 70 في المئة من الجمهور العربي قدروا أن عنفاً خطراً بين اليهود والعرب سيندلع خلال الأيام الأولى منذ بدء الحرب.

وفي استطلاعي نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) 2023 اللذين أجراهما معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، اتضح أن الخوف من اندلاع العنف المتبادل بين العرب واليهود آخذ في التقلص.

وأظهرت النتائج أن 71 في المئة من العرب المستطلعة آراؤهم لا يخشون من التعرض للأذى من اليهود، مقابل 51 إلى 54 في المئة من نظرائهم اليهود الذين أجابوا بأنهم يخافون من مضايقات العرب. أما استطلاع برنامج "أدناور"، فأظهر أن نحو 60 في المئة من العرب يخافون من مضايقات اليهود، وأفاد 11 في المئة بأنهم تعرضوا للأذى.

نقف معاً

مع تبدد شعور الخوف لدى شريحة لا بأس بها من اليهود والعرب، استطاع حراك "نقف معاً" الذي يعد أكبر مجموعة شعبية عربية يهودية في إسرائيل من خلال الحملة الشعبية ضد التجويع في غزة، الوصول وتجنيد، من ثم تحريك آلاف المتطوعين والناشطين العرب واليهود، وبعد أن كان المخطط جمع حمولة بعض الشاحنات، تجاوز العدد الـ300 شاحنة.

وحيث كان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وغيره يبحثون عن إشعال جبهة أخرى داخل إسرائيل، كان الحراك يطلق حملات مكثفة ضد التحريض والترهيب، خصوصاً في قضايا الطلاب وملاحقاتهم، كما نشط في المدن الساحلية المختلطة وأطلق حملات مساعدة وإغاثة للقرى العربية المتضررة في النقب، ونادى بوقف الحرب.

واستطاعت الحملة وفق متطوعين تفريغ إلى حد ما الألم والقهر في المجتمع العربي والتخفيف من الشعور بالعجز، وشكلت بحسب تعبيرهم "مصدر أمل لعشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل تمكنوا من خلالها المطالبة بوقف إطلاق النار، كما أن جود عديد من النشطاء اليهود في هذه الحملة وغيرها، وعملهم في البلدات الفلسطينية، أعاد الأمل في طريق يرى قيادة الحراك أنه للمساواة والعدالة والسلام بين العرب واليهود".

 

وترى عضو قيادة "نقف معاً" شهد بشارة أن الحملة خلقت منصة للتعبير السياسي في مناخ يسوده الصمت. وأضافت "الصوت الفلسطيني خنق لأشهر ومن خلال الحملة سمعنا الصوت الداعي إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب". وأردفت "إيماننا بالشراكة الحقيقية بين العرب واليهود نحو العدالة الحقيقية مبنية بالأساس على إنهاء الاحتلال وإحلال السلام". في حين قالت زميلتها في الحراك سالي عبد أن "الحرب الحقيقية ستأتي بعد انتهاء الحرب على غزة" وأضافت "لدينا خوف كبير داخلنا، نحن أقلية وضحايا لسياسة التفرقة، لذلك هنالك من يحاول أن يجعلنا نشعر بأننا إرهابيون، وخصوصاً بعد السابع من أكتوبر 2023".

مهمة صعبة

وفي مدينة حيفا شمال إسرائيل حيث ينظر إليها كثر على أنها رمز للتعايش والنشاط العربي اليهودي، تتباين أحياء المدينة بصورة كبيرة في مدى استعدادها للتصعيد إلى حرب شاملة بين "حزب الله" وإسرائيل، إذ إن الحي الشرقي ذي الغالبية العربية الذي يقع قرب منطقة ميناء حيفا يخلو بأكمله من الملاجئ الخاصة التي يقع معظمها داخل المباني السكنية.

مما دفع حراكات يسارية تضم عرباً ويهوداً لإطلاق مبادرات لإعداد الملاجئ وتنظيفها، إما من المياه التي قد غمرتها، أو العفن والرطوبة التي اعتلت جدرانها بسبب عدم وجود أنظمة تهوية فعالة.

وبحسب تقييم لقيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، الذي اعتبره الجيش الإسرائيلي مرجحاً فإن "حزب الله" قادر على إطلاق 4 آلاف صاروخ في اليوم على حيفا وحدها، سيقتل مئات الأشخاص وسيصاب الآلاف في منطقة خليج حيفا، ومن المرجح أن تتضرر مرافق البنية التحتية الرئيسة وتؤدي إلى شل الاقتصاد الإسرائيلي. ولم يكن حراك "نقف معاً" الوحيد الذي تولى هذه المهمة الصعبة، فمنظمة "عوسيم شخونا"، ومؤسسة ( JFN UK) ومقرها لندن أرسلتا مئات المتطوعين في مهمة منفصلة لتنظيف الملاجئ عبر الأحياء اليهودية والعربية في حيفا.

كما عملت جمعية الطريق إلى التعافي (Road to recover) التي يعمل فيها أكثر من 200 متطوع بين عرب ويهود، على نقل المرضى الفلسطينيين، وبخاصة الأطفال، من نقاط التفتيش في الضفة الغربية وغزة للحصول على العلاجات المنقذة للحياة داخل المستشفيات الإسرائيلية وشراء المعدات الطبية اللازمة لهم. إلى جانب ذلك، تعمل منظمة بناة السلام في القدس (JPB) التي تضم إسرائيليين وفلسطينيين وحتى أميركيين، على توافر المهارات للمعلمين والنساء والشباب وتدريبهم على بناء الثقة والوعي الذاتي والفهم ليصبحوا قادة المستقبل الذي يسعى من أجل تحقيق السلام.

ووفقاً لمدير المنظمة غير الربحية كانون نيكولاس بورتر "يظهر هذا الهجوم المميت والثقة في الأسلحة لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الحاجة إلى جيل جديد من القيادة، صغاراً وكباراً، من أجل مستقبل أفضل". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نسب وأرقام

قبل الحرب، وجد استطلاع أجرته مؤسسة "ماين" في أغسطس (آب) 2023 أن الانتماء إلى التيار اليساري في إسرائيل ارتفع إلى نحو 64 في المئة، بعدما كان يشكل 55 في المئة فقط خلال 2022، بين المستطلعة آراؤهم، لكن بعد السابع من أكتوبر 2023، ارتفعت نسبة أنصار اليمين من 55 إلى 68 في المئة.

وفي استطلاع آخر أجراه مركز "أكورد" في نوفمبر 2023، ثم في يناير (كانون الثاني) 2024، وصف تسعة في المئة فقط من المستطلعين بأنهم يساريون. لكن مع بداية الرد الإسرائيلي على هجمات "حماس" والدمار الكبير الذي تسببت به الحرب على قطاع غزة وارتفاع أعداد القتلى المدنيين، تغيرت النسب والأرقام، إذ أظهر مؤشر السلام الذي أجرته جامعة تل أبيب في أبريل (نيسان) الماضي، أن 12 في المئة فقط من اليهود عرفوا أنفسهم بأنهم يساريون.

ووجد المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في مايو الماضي أن ما يقارب 18 في المئة من اليهود يساريون. وبحسب تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فإن سيرورة الحرب، دفعت مجموعات أكبر داخل إسرائيل إلى اتخاذ مواقف تؤيد قضية مشتركة مع اليسار. وأكدت الصحيفة أن تعافي هذا التيار وعودة صيته بين الإسرائيليين يعد مؤشراً لارتفاع مؤيدي السلام في إسرائيل الذين لم يغيروا من نظرتهم للعلاقة مع الفلسطينيين.

وبحسب استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في ديسمبر 2023، فإن 66 في المئة من المواطنين المسلمين و84 في المئة من المسيحيين والدروز يشعرون بأنهم جزء من دولة إسرائيل ويتأثرون بمشكلاتها.

ويوصي المعهد بضرورة الحفاظ على الاستقرار السائد وتشجيعه استعداداً لمنع نشوب أعمال عنف محتملة بين الطرفين، عبر تنفيذ الخطط الخمسية التي جرى إقرارها، في ما يتعلق بالمجتمع العربي، الذي يركز على توفير المساعدات المالية للسلطات المحلية والمصالح التجارية والمحتاجين وتكثيف الحرب ضد العنف المتفشي، والاستفادة من حالة الحرب، من أجل تعزيز العلاقة بين المجتمع العربي ودولة إسرائيل التي يستوجب على قادتها مستقبلياً أن يدركوا حقيقة أن العرب هم أقلية موالية للدولة، وعليهم أن يغرسوا في نفوس الجمهور اليهودي الاعتراف بأن هذه الأقلية تعد نفسها جزءاً من المجتمع الإسرائيلي، وتسعى جاهدة إلى الاندماج فيه. وبناءً عليه يحق لها التمتع بحقوق مدنية متساوية.

وأظهر استطلاع لبرنامج "أدناور" أن المسألة الوطنية الفلسطينية تعد ثانوية بالنسبة إلى 54 في المئة من المواطنين العرب، مقارنة بالمسألة الأكثر أهمية المتمثلة في مكافحة العنف والإجرام. كما كشف هذا الاستطلاع عن أن 33 في المئة من العرب المستطلعة آراؤهم، يعتقدون أن الجنسية الإسرائيلية هي المكون الأهم في تعريف هويتهم الشخصية، في حين أجاب نحو 32 في المئة بأن الهوية القومية العربية هي الأهم بالنسبة إليهم.

 

انزلاق إلى العنف

مؤسس مركز "أكورد" عران هلبرين، من قسم علم النفس في الجامعة العبرية في القدس يقول" السردية التي تتشكل الآن في ما يتعلق بنسيج العلاقات بين اليهود والعرب داخل المجتمع الإسرائيلي يمكن أن تذهب إما كصراع داخلي كامل أو بناء قصة جديدة بالأمل"، كما وصفها. ويتابع "المواطنون اليهود والعرب الفلسطينيون في إسرائيل يعانون قلقاً جماعياً وشخصياً حقيقياً، يستند إلى صدماتهم الجماعية الماضية (الهولوكوست والنكبة)، وهو تصور قد يؤدي إلى شعور كل طرف أنه الضحية ومن هنا، فمن السهل الانزلاق إلى العنف".

قبل الحرب، كان مستوى الكراهية تجاه العرب الذي رصده مركز "أكورد" يبلغ 2.5 (على مقياس من واحد إلى ستة)، بينما هو الآن أعلى من أربعة، ويرى مراقبون أن هذه النسبة نجمت عن ارتفاع درجة تأييد اليهود العنف ضد العرب من 1.37 في مارس (آذار) إلى 1.89 في أكتوبر، وقفزت درجة تأييد اليهود لـ"الخطاب العدواني ضد العرب" على شبكات التواصل الاجتماعي من 1.5 إلى 2.25، على المقياس نفسه، خلال هذه الفترة.

ووفقاً لهلبرين، هناك نقطة مضيئة واحدة، تتجلى في حقيقة أنه "لم تندلع أي أعمال شغب حتى الآن. وهذا يعني أن هناك أشخاصاً جادين في المجموعتين، إلى جانب المجانين والمتطرفين".

 وترى رئيسة الصندوق الإسرائيلي الجديد راحيل ليئيل "أن الشراكة اليهودية العربية باتت اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى". وأضافت "تحت وطأة الحرب والصدمة العامة، ازداد الخوف من احتمال فتح جبهة في داخلنا. لكن أحداث مايو 2021 يجب ألا تتكرر مرة أخرى، وأن نتأكد من أننا لا نتخلى عن العيش معاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير