Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السردية الإسرائيلية من "السيوف الحديدية" إلى "حرب القيامة"

الواقع الإقليمي الجديد سيؤثر في كل الشرق الأوسط في الأعوام المقبلة

أطلق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على الحرب اسم "حرب القيامة" بدل الإسم الذي اختارته إسرائيل "السيوف الحديدية" (أ ف ب)

ملخص

حذر كثر من استمرار سيطرة "نشوة النصر" أو "جنون العظمة" ومن استمرار سياسة متخذي القرار على مستقبل ووجود إسرائيل سواء بتوسيع الحرب إلى إقليمية أو إبقاء إسرائيل لفترة طويلة داخل حرب استنزاف.

لم يتمكن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن يحدق في عيون عائلات الأسرى وقتلى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهم يحيون ذكرى العام، بنظرات "نشوة المنتصر" التي سيطرت عليه والقيادات السياسية والعسكرية والأمنية، منذ عملية اغتيال أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، ليس فقط لوجود 101 أسير إسرائيلي في غزة أكثر من 50 في المئة منهم فقدوا حياتهم ومعظمهم بنيران الجيش الإسرائيلي والخطر على حياة البقية، وفق تقرير قدمه جهاز الاستخبارات لنتنياهو، بل لإحياء الذكرى تحت قصف صواريخ "حماس" من غزة التي وصلت إلى بلدات الجنوب والمركز وصواريخ "حزب الله" التي غطت مساحة شاسعة من الشمال من كريات شمونة ونهاريا وطبريا وعكا وحتى مركز حيفا وتل أبيب في المركز، ومن اليمن التي وصلت إلى تل أبيب. رشقات صاروخية اختلطت صفارات الإنذار منها في هذه المناطق بصفارات الحداد على القتلى.

"نشوة نصر هوس القيادة"، كما سماها أمنيون سابقون وخبراء كانوا حذروا من أن يتحول هذا الشعور إلى لعنة على الإسرائيليين إذا ما اتخذت القيادة تحت تأثيره قرارات متهورة من شأنها أن تجعل هذه الحرب أخطر مما هي عليه اليوم على الإسرائيليين، بل تفقد أي أمل بهذا النصر الذي أكد نتنياهو في هذا اليوم عزم إسرائيل تحقيقه.

نتنياهو الذي أطلق على الحرب اسم "حرب القيامة" بدل الاسم الذي اختارته إسرائيل "السيوف الحديدية"، وجد نفسه محاطاً بمعارضة جماهيرية وسياسية واسعة، بل وحمله بعضهم مسؤولية كاملة عما آلت إليه الأوضاع في إسرائيل من دمار اجتماعي واقتصادي وبنى تحتية خلال هذا العام، سيكون من الصعب على تل أبيب تجاوزها خلال فترة قصيرة.

الصوت الأعلى في هذا اليوم كان يرفض اعتبار إسرائيل منتصرة، لا في غزة حيث استعادت حركة "حماس" تعزيز قدراتها ولا في لبنان، على رغم النجاح الكبير للاستخبارات باختراق "حزب الله" والقضاء على الغالبية الساحقة من قيادته.

فكثر حذروا من استمرار سيطرة "نشوة النصر" أو "جنون العظمة"، كما سماها جنرال الاحتياط، إسحاق بريك، على رغم أنهم عدوا ما حققه الجيش في لبنان إنجازاً كبيراً لإسرائيل، لكن الإخفاقات الخطرة التي ما زالت تتكشف خصوصاً لدى الاستخبارات والقيادة السياسية بقيت الملف الأبرز.

مراهنة على وجود إسرائيل

"يتخيل بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت وهرتسي هاليفي، المصابون بجنون العظمة، أنهم قادرون على إطاحة ’حماس‘ و’حزب الله‘ وإطاحة نظام آيات الله في إيران. إنهم مصابون بالجنون، وهم غير مستعدين لقبول أي ترتيب من أجل إطلاق سراح المختطفين (يتحدث غالانت وهاليفي عن إطلاق سراح المختطفين، لكن الطريقة التي يعملون بها على الأرض تظهر أنهم يفعلون عكس ما يقولون)، وإعادة المشردين إلى ديارهم، ووقف انهيار الاقتصاد، واستعادة وترميم الصلة التي فقدناها مع دول العالم وإنقاذ المجتمع الإسرائيلي الذي ينهار"، يقول بريك الذي يحذر من استمرار سياسة متخذي القرار وتداعياتها على مستقبل ووجود إسرائيل سواء بتوسيع الحرب إلى إقليمية أو إبقاء إسرائيل لفترة طويلة داخل حرب استنزاف.

ويعد بريك أن "الثلاثة يراهنون على وجود إسرائيل، ولكن أي قرار غير حكيم من شأنه أن يشعل حريقاً متعدد الجبهات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. إنهم لا يفكرون للحظة في اليوم التالي، ويتمتعون بدعم كثر لا يفهمون الواقع الناشئ من حولهم. بحلول وقت تصيبنا فيه الكارثة، سيكون الأوان قد فات"، ويحذر من قدرتهم على التملص من مسؤولية أحداث الـسابع من أكتوبر 2023، "سيهربون من مسؤوليتهم عندما تنهار البلاد من حرب استنزاف متعددة الجبهات. إنهم يريدون تحقيق كل شيء من خلال الضغط العسكري، وفي نهاية المطاف لن يحققوا شيئاً. سياستهم ستضع إسرائيل على عتبة حالتين صعبتين: الأولى، اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط عندما يحاربنا العالم العربي بأسره المعادي لنا بأقصى قوة مطلقاً الصواريخ على مراكزنا السكانية. الوضع الثاني هو استمرار حرب الاستنزاف. في كلتا الحالتين، لن تتمكن دولة إسرائيل من الصمود لفترة طويلة. ولا يمكن الخروج من المستنقع الذي وضعنا فيه هؤلاء الثلاثة إلا بترتيب سياسي".

"مفاهيم جديدة تهدد الحلم الصهيوني"

وهو يلخص سير التطورات بعد عام على حرب أكتوبر، حذر عقيد احتياط، ميخائيل ميلشتاين، الرئيس السابق لقسم الساحة الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية، مما تشكله مفاهيم إسرائيلية على "حلم الصهيونية"، فهو يرى أن "السابع من أكتوبر 2023 نفض عن إسرائيل مفاهيم كثيرة وعلى رأسها تلك التي نبعت من عدم فهم ثقافة الآخر وتطبيق منطقنا (الغربي) عليه. مثل قناعة إسرائيل بأن ’حماس‘ مرتدعة وتركز على تطوير حكمها لذا يمكن تطويعها بواسطة الاقتصاد"، إلى جانب فرضيات المستوى السياسي بأنه يمكن التقدم في السلام من دون الانشغال في الموضوع الفلسطيني، مواصلة إدارة النزاع بلا حسم، وأنه يوجد في إسرائيل تفوق تكنولوجي وردع تجاه عموم أعدائها. ويقول "في مقابل جهل ثقافة الآخر تضعضعت الفرضية السائدة التي تقول إن الاحتلال هو سبب كل شر، التفسير الذي من الصعب الاعتماد عليه في ضوء العداء اللاذع والمتجذر الذي انكشف في هجوم السابع من أكتوبر 2023، غير أن حقيقة أن المسؤولين عن إخفاقات هذا اليوم يواصلون تصميم الحاضر والمستقبل ولا يجري تحقيق جدي، وأن إسرائيل تركز على إنجازات عسكرية لكنها تمتنع عن بلورة استراتيجية، أدت إلى ولادة مفاهيم جديدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كل هذه تطرح علامات استفهام هل بالفعل تحسنت قراءة إسرائيل لمحيطها؟ ويحذر ميلشتاين داعياً إلى "لجم الجنون الذي ألمَّ بإسرائيل، أي الحركة التي تراوح ما بين الخوف الوجودي وسكرة الأحاسيس التي تترافق وذاك الاحتقار الذي كان عشية السابع من أكتوبر 2023 وينطوي على القول السائد (عبثاً أخفنا أنفسنا من ’حزب الله‘)". على إسرائيل أن تكون واعية وتفهم بأن عدويها الأساسيين "حماس" و"حزب الله" مخترقان بشدة لكن غير قابلين للفناء. "المطلوب فرض تسوية في غزة وفي لبنان تقضي على التهديدات، وتسمح بعودة المخطوفين والسكان إلى بيوتهم، إلى جانب القدرة على التدخل في أي لحظة ضد عدو أيديولوجي يتمسك بفكرة إبادة إسرائيل. عندها يمكن لتل أبيب التركيز على التهديد المركزي، أي الهدف الإيراني الذي لا تحققه حروب الاستنزاف الكثيرة".

لا أعذار

"ما ينبغي أن نقوله اليوم بصوت مرتفع وعال هو التالي: ليس من الممكن تنفس الصعداء قبل عودة الـ101 إسرائيلي وإسرائيلية من إخوتنا وأخواتنا إلى بيوتهم أو إلى قبور إسرائيل. فلا انتصار ولا عودة إلى حياتنا الطبيعية ولا حتى النظر في المرآة ممكنة من دون تحقيق هذا الأمر"، بهذه الكلمات توجه المتخصص السياسي، بن كسبيت، إلى الإسرائيليين ومتخذي القرار.

"انتهت الأعذار" أضاف قائلاً "لا فيلادلفي ولا النصر المطلق... يجب إعادة المخطوفين. إذا لم يكن السنوار معنياً بصفقة فيجب عمل كل شيء كي يغير رأيه بما في ذلك طرح إغراءات عليه. وإلا سيكون مصيره مصير البقية، ولا تنازل أو مساومة على ذلك.

لكن يجب القول بوضوح إن إسرائيل خانت مواطنيها، ومن واجبها إعادة مواطنيها إلى الديار ودفع الثمن الكامل لقاء ذلك. كل نتيجة أخرى غير مقبولة".

وبحسب يوسي فيرتر فإن الحكومة وكل من يقودها أوصلوا إسرائيل إلى ما آلت إليه بسبب سياستهم التي ستجعل الحرب أطول وأخطر، وحذر من استمرار الحكومة الحالية بعد مرور عام على حرب "طوفان الأقصى": "على رغم مرور عام لم تنته الحرب بل توسعت. المعاناة لا تنتهي و101 مخطوف ما زالوا في غزة. مواجهة هذا الوضع كانت لتكون أسهل بوجود حكومة تهتم بمواطنيها وليس بنفسها، ولو كان رئيس الحكومة والوزراء يتصرفون بما يتناسب مع ذلك، ولو كان نتنياهو يبدي جزءاً من عطف الرئيس الأميركي جو بايدن وكبار إدارته لعائلات المخطوفين، ولو لم تكن ميري ريغف تمزق البلاد في رحلات فساد تكلف الملايين فيما لا يستطيع رجال الاحتياط الوصول إلى وحداتهم بسبب السبت (عدم توافر المواصلات العامة)، ولو لم يكن يريف لفين يواصل حملته في التدمير، ولو كان بتسلئيل سموتريتش يتصرف كوزير مالية دولة في أزمة وليس كوزير مالية المستوطنات، ولو لم يكن دودي إمسلم يستفز عن قصد حين يتساءل: ما الذي حصل؟ لو أن إسحاق غولدكنوف وآرييه درعي ما كانا يقدسان تلاميذ المدارس الدينية المتملصين من الخدمة ويذرفان دموع التماسيح على الضحايا، ولو كان إيتمار بن غفير يعالج الجريمة ومشكلة الفلسطينيين من دون تحريض ضد المصلين في المسجد في يافا".

أما المتخصص العسكري، يوآف ليمور، فيرى الخطورة في عدم رؤية الأفق لهذه الحرب، ويقول "من غير الواضح إذا كنا قد تعلمنا الدرس بأن كل شيء في أيدينا، ولو أننا أكثر تواضعاً ووحدة عندها فقط سننتصر". ويضيف "عام على الهجوم في بلدات غلاف غزة والحرب التي غرقت فيها إسرائيل آخذة في الاتساع ونهايتها لا تظهر في الأفق. في غزة، الجيش الإسرائيلي يجتاح مرة أخرى شمال القطاع ويستعد لنقل عشرات آلاف السكان الفلسطينيين جنوباً بهدف تشديد الضغط على قيادة ’حماس‘. في لبنان، طواقم القتال اللوائية تمشط القرى والمناطق الحرشية بهدف تدمير المجالات القتالية لـ’حزب الله‘. وفي إيران، تهدد إسرائيل بالرد على الهجمة المكثفة بالصواريخ الباليستية التي تعرضت لها الأسبوع الماضي. كدنا نعتاد على البشائر اليومية في أخبار الصباح: صواريخ إلى الجليل، صواريخ إلى منطقة حيفا والسهول، جنازات قتلى المعارك الأخيرة، صفر تقدم في مفاوضات المخطوفين".

ويصف ليمور العام الذي مضى في هذه الحرب بالعام "الرهيب... لقد بدأ بفشل كبير، القصور الأكبر في تاريخ الدولة مع نهايتها كان يخيل أن ميزان الأمور بدأ ينقلب، في الأقل في الساحة الشمالية. سلسلة نجاحات بارزة للجيش الإسرائيلي وأسرة الاستخبارات رجحت الكفة في لبنان وألحقت بـ’حزب الله‘ الهزيمة وحسنت الوضع الاستراتيجي لإسرائيل حيال إيران ووكلائها. لكن القصة بعيدة من النهاية. الحرب ستستمر عميقاً مع دخولها العام الثاني، والواقع الإقليمي الجديد والعاصف سيؤثر في كل الشرق الأوسط في الأعوام المقبلة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير