ملخص
اعتبرت تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) أن عودة رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل مؤشراً خطيراً يزيد من تعقيدات الأوضاع السياسية ويطيل من أمد الحرب، وحذرت من أن النظام البائد يستغل الحرب لتعزيز مواقعه ونشر الإرهاب وخطاب الكراهية.
في وقت يواصل الجيش السوداني تصعيد عملياته العسكرية الهجومية براً وجواً على مواقع قوات "الدعم السريع"، فجر الظهور العلني لقيادات النظام السابق بالتزامن مع التقدم الذي بدأ يحرزه الجيش في الآونة الأخيرة، معارك إعلامية وسياسية موازية أربكت المشهد السياسي بالسودان وعززت المخاوف من أن تكون تلك التحركات التي بدأت بعودة رئيس المؤتمر الوطني (المنحل) إلى مدينة بورتسودان هي بداية التهيئة لعودة النظام السابق إلى حكم السودان من بوابة الحرب.
خطاب العودة
وكان رئيس حزب المؤتمر الوطني (المنحل) إبراهيم محمود حامد، قد وصل مطلع هذا الأسبوع إلى مطار بورتسودان، وخاطب جمعاً من المناصرين، محيياً "ثبات قيادة الجيش وضباطه وجنوده والقوات المشتركة وكل المستنفرين حتى تحققت الانتصارات في الفاشر والجنينة والخرطوم وجبل موية"، مبيناً أن "المعركة الأولى للانتصار الشامل، أما الثانية فهي لاتحاد أهل السودان".
قال حامد، "لن ينخدع الشعب السوداني مرة أخرى بقصص وحكايات المعارضة وادعاء أن الإسلاميين هم مشكلة البلاد وأن الأوضاع ستتحسن بذهابهم، لكنكم رأيتم بأنفسكم ماذا حدث بعد ذهابهم".
تعقيباً على رد الفعل الشعبي والسياسي على عودة حامد، قال الرئيس السابق والقيادي بحزب المؤتمر الوطني، إبراهيم غندور، إن "المؤتمر الوطني لم يغب ليحضر وهو موجود بين جماهيره وداخل وطنه".
حرب السلطة
في المقابل، حذر رئيس حركة العدل والمساواة (المنسلخ عن جبريل إبراهيم)، القيادي بتنسيقية (تقدم) سليمان صندل، من أن عودة نظام المؤتمر الوطني (المنحل) على النحو الذي يعملون عليه الآن قد تدفع بالقوى المدنية إلى خيار عودة حكومة ثورة ديسمبر التي أطاحها انقلاب البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 برئاسة عبدالله حمدوك، بوصفها الحكومة الشرعية وإعلان ممارسة مهامها من داخل البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أشار صندل إلى أن "عودة رئيس المؤتمر الوطني (المنحل) إلى البلاد وظهور القيادي بالحزب أحمد عباس ووالي سنار الأسبق بجوار الفريق شمس الدين كباشي على منصة واحدة لدى مخاطبة الثاني لقوات الجيش في منطقة جبل موية، أمر غير مستغرب، ويؤكد ما سبق أن نبهنا له منذ البداية بأن المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية هما من أشعلا هذه الحرب بهدف العودة إلى السلطة".
الطموح والواقع
وأضاف، "كان انقلاب البرهان قبل ثلاث سنوات هو المقدمة لعودة النظام المباد بإرجاعه لكل أجهزته وعناصره، لكنهم بعد أن استشعروا أن وجود قوات الدعم السريع أصبح هو المهدد الحقيقي لعودتهم للسلطة قرروا التخلص منها بهذه الحرب".
وأردف، "على رغم أن هدف الإسلاميين بات واضحاً، لكن يبدو أنهم تعجلوا في غمرة لهفتهم للعودة إلى السلطة بتوهمهم أن الأجواء قد باتت الآن ملائمة ومهيأة لهم، لكنهم إلى جانب الرفض الشعبي الواسع الذي سيواجهونه، نسوا أن الواقع الآن يمضي بعكس ما يتصورون، بعد أن وضعت التجربة القاسية التي مرت بها البلاد نتيجة الحرب الطاحنة التي أشعلوها، حداً فاصلاً بينهم والعودة إلى السلطة من جديد".
أوضح القيادي بـ"تقدم" أن الحرب قد أفرزت مشروعاً سياسياً واسعاً تقف خلفه قطاعات عريضة من الشعب السوداني والقوى السياسية المؤمنة بالنظام المدني الديمقراطي ودولة المواطنة المتساوية، التي آلت على نفسها استعادة الحرية والديمقراطية واسترداد حكومة ديسمبر الشرعية، واعتبار حكومة بورتسودان الراهنة فاقدة لأي شرعية سياسية أو دستورية.
"تقدم" تحذر
من جانبها، اعتبرت تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) أن عودة رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل مؤشراً خطيراً يزيد من تعقيدات الأوضاع السياسية ويطيل من أمد الحرب.
حذرت "تقدم" من أن النظام البائد يستغل الحرب لتعزيز مواقعه ونشر الإرهاب وخطاب الكراهية، مؤكدة أنها ستظل تناهض تلك المحاولات وأن الشعب السوداني ماض في نضاله من أجل تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
وقال المتحدث باسم التنسيقية، بكري الجاك، إن وصول رئيس الحزب المنحل يؤكد أن ترتيبات الإسلاميين للعودة إلى الحكم قد بدأت بالفعل من بوابة الحرب.
ودعت التنسيقية، جميع السودانيين للتكاتف في مواجهة محاولات عودة النظام البائد، مؤكدة أن الحل الوحيد لإنهاء معاناة الملايين هو وقف الحرب فوراً والبحث عن حلول سلمية شاملة.
جددت "تقدم" موقفها الرافض للحل العسكري في ظل تصاعد المواجهات العسكرية في جميع أنحاء البلاد، مطالبة طرفي القتال بوقف إطلاق النار وتحكيم العقل للتوصل إلى حل سلمي شامل.
ثمار الحرب
على الصعيد نفسه، يرى القيادي في الكتلة الديمقراطية مبارك أردول، أن خطاب رئيس حزب النظام البائد، لم يكن بحجم الواقع، بل كان عادياً ومرتجلاً ولا يحمل جديداً ليطرحه، معلناً الترحيب به كمواطن.
تمنى أردول لو أن حامد "اعتذر للشعب والجيش السوداني عن تسببهم في إنشاء قوات الدعم السريع"، مردفاً "كنا في معارضة النظام البائد حتى سقوطه ولا ننشد العزلة السياسية للأفكار والتوجهات، وإذا كان هنالك أشخاص يحق عزلهم فليكن ذلك وفق القانون وما اقترفوه من جرم".
من جهته، اعتبر نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف، عودة رئيس المؤتمر الوطني إلى بورتسودان، تأكيداً على أن هذه الحرب هي حرب النظام البائد من أجل العودة إلى السلطة على حساب أرواح الشعب وتدمير البلاد.
وأردف في تغريدة على حسابه بمنصة "إكس"، "هم من أشعلوا نارها ويستثمرون في استمرارها، ويسارعون لجني ثمارها قبل أن ينقشع غبار المعركة".
وغرد رئيس الحزب الاتحادي الموحد، محمد عصمت يحيى، على منصة "إكس"، بأن "مجريات الحرب أثبتت أن مؤسسات البلاد المدنية والعسكرية هي دولة داخل دولة الحركة الإسلامية وواجهاتها".
تهديدات عسكرية
على صعيد متصل، هدد قائد قوات "الدعم السريع"، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بتجهيز مليون جندي للقتال ضد البرهان وكتائب الحركة الإسلامية، وأصدر أوامره لجميع الضباط والمقاتلين بقواته بالتبليغ الفوري لوحداتهم، معلناً الانتقال إلى الخطة (ب) لقطع دابر أي مرتزق بعد أن تم تحرير دارفور من الفلول، على حد قوله.
جدد حميدتي تأكيده على عدم رغبته أو تطلعه للحكم، متهماً الفريق البرهان والمؤتمر الوطني بأنهم أشعلوا الحرب للقضاء على "الدعم السريع" من أجل الاستحواذ على السلطة بالبلاد.
ونفى قائد قوات "الدعم السريع" في خطاب مصور، أن يكون قد خطط للاستيلاء على السلطة "كما يروج لذلك فلول النظام المباد" على حد تعبيره، متهماً الحركة الإسلامية بتدبير وتنفيذ انقلاب 15 أبريل (نيسان) 2023، وتخطيطها المسبق لذلك بتدريب مجموعات من "كتائب البراء" في عدد من الدول منذ عام 2019، مشدداً على أن رفض الفريق البرهان ومن ورائه الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني للتفاوض، سببه أن السلام سيمنع عودتهم إلى السلطة مرة أخرى.
البحث عن دور
كما وصف مستشار قوات "الدعم السريع" الباشا طبيق، عودة رئيس المؤتمر الوطني وظهوره في المشهد بأنه محاولة لإيجاد دور للحزب بعد سيطرة الحركة الإسلامية على المشهد العسكري بقيادة علي كرتي.
وأشار طبيق، في تغريدة على منصة "إكس"، إلى وجود صراعات وخلافات عميقة يغلب عليها الطابع القبلي داخل قيادات المؤتمر الوطني بقيادة إبراهيم محمود الذي يمثل جناح دكتور نافع بجانب جناح علي عثمان محمد طه، التيار الذي أشعل الحرب ويمثله علي كرتي.
في هذا الوقت فوجئت لجنة المعلمين السودانيين بعودة نقابة نظام المؤتمر الوطني التي نزع عنها المعلمون الشرعية عبر قواعدهم منذ 2020.
وقال بيان للجنة، إن أعضاء نقابة العهد البائد، عادوا مستغلين أجواء الحرب من دون أن يكون لهم ذلك الحق ليمارسوا طريقتهم المعروفة في محاربة كل شريف.
إشارات
في السياق يقول أستاذ العلوم السياسية إبراهيم عبدالمجيد، إن عودة رئيس حزب المؤتمر الوطني ومخاطبته أنصاره بمطار بورتسودان تضمنت إشارات واضحة تتبني استمرار الحرب وتستبق مآلاتها بالتبشير بنصر وشيك، ما يؤكد ضلوع الإسلاميين في هذه الحرب ورغبتهم في الاستثمار فيها سياسياً.
وأوضح عبد المجيد، أن الفترة المقبلة ستشكل اختباراً جدياً لموقف الطاقم العسكري بمجلس السيادة الانتقالي، وكذلك للالتزامات التي قطعها الفريق البرهان أمام زعماء العالم بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وما ظل يؤكده أيضاً في خطاباته الداخلية بتأكيد التزامه بالعودة إلى النظام الديمقراطي وعدم موالاة الجيش لأي جهة سياسية.
من جانب آخر، وفق عبدالمجيد، يمثل الصمت الرسمي والسماح باستقبال حامد بتلك الطريقة إعلاناً مبطناً لتدشين مرحلة من الشراكة بين الإسلاميين والجيش تمهيداً لاستعادتهم كامل السلطة والقرار السياسي والتنفيذي على المستويين المركزي والولائي، مستفيدين من الفراغ التنفيذي الدستوري الذي يشكله غياب رئيس الوزراء والعمل بحكومة تكليف موقتة.
يرى أستاذ العلوم السياسية، أن الحد الأدنى الذي كان يطمح له الإسلاميون قبل الحرب انحصر فقط في تأمين وجودهم على المشهد السياسي ومناهضة قرار استثناء المؤتمر الوطني من المشاركة في المرحلة الانتقالية والعملية السياسية بمقتضي الوثيقة الدستورية والاتفاق الإطاري بعدها، لكن طموحاتهم تضاعفت بعد نشوب الحرب.
عجز وفراغ
يستبعد عبدالمجيد، أن تتمكن الحركة الإسلامية على رغم المساهمة الكبيرة لكتائبها الجهادية في التقدم الذي بدأ يحرزه الجيش في الآونة الأخيرة، من العودة الكاملة إلى المشهد السياسي أو السلطة، إلا بعد القضاء التام على قوات "الدعم السريع" وإنهاء وجودها كلياً، الأمر الذي لا يبدو سهلاً أو متاحاً في وقت قريب، مما يعني أن استمرار الإسلاميين في مساعيهم للوصول إلى السلطة سيطيل أمد الحرب أكثر مما هي عليه الآن.
على الصعيد ذاته، يرى الباحث السياسي أيمن علي محمود، أن عجز القوى المدنية الديمقراطية عن تقديم بديل ناضج لنظام المؤتمر الوطني الذي أسقطه الشعب، هو الذي شجع الأخير على السعي لملء ذلك الفراغ، في وقت ما زالت تلك القوى تحصر كل جهدها السياسي في هدم ومحاربة الإسلاميين، ليعيدوا البلاد إلى دوامة التقاطب والتناحر الثنائي بين اليمين واليسار والصراع التاريخي على كراسي السلطة الذي أوصل السودان إلى هذه الحرب.
وأضاف محمود، أن جميع القوى السياسية السودانية لم تتعلم أو تستفد من درس الحرب وما زالت غارقة في انقساماتها وخلافاتها من دون أفق أو رؤية وطنية تجمعها على الحد الأدنى لإنقاذ البلاد من الخطر الوجودي الذي يتهددها بتمدد واستطالة أمد هذه الحرب التي تدخل شهر الـ18 منذ اندلاعها في منتصف أبريل العام الماضي.