Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

5 سيناريوهات للرد الإسرائيلي على إيران... وهذا أصعبها

يطرح المراقبون نظريات عدة في شأن طبيعة رد تل أبيب ولا يستبعدون استهداف المنشآت النووية

تعتبر إسرائيل أن منشآت إيران النووية هدفاً مشروعاً (أ ب)

ملخص

 لطالما طالبت إسرائيل الإدارات الأميركية بتنفيذ ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم هجوم إسرائيلي، لكنها دائماً ما لقيت رداً فاتراً من واشنطن، وبالنسبة إلى الدول التي تعمل على تجنب حرب إقليمية فإن القلق من أن حكومة إسرائيل ربما تستخدم هجمات لبنان كوسيلة لخلق خيار شن هجوم مستقبلي على المنشآت النووية الإيرانية.

لأعوام تجنبت إيران وإسرائيل المواجهة المباشرة وخاضتا حرب ظل تقوم على التخريب والاغتيالات السرية، وهو النهج الذي تبدل مع أول هجوم إيراني مباشر استهدف تل أبيب في الـ 13 من أبريل (نيسان) الماضي، عندما أطلقت أكثر من 300 صاروخ ومسيرة في ما سُمي بعملية "الوعد الصادق"، انتقاماً لقتل 16 شخصاً بينهم مسؤول رفيع من فيلق القدس خلال هجوم إسرائيلي استهدف قنصلية إيران في دمشق.

واكتفت إسرائيل وقتها برد محدود من خلال الهجوم على قاعدة جوية في أصفهان في الـ 19من الشهر ذاته، من دون أن تعلن مسؤوليتها عن الهجوم آنذاك، لكن كان مفهوماً أنه رسالة لطهران بأنها قادرة على مهاجمة أهداف داخل البلاد من مسافة بعيدة. 

وبعد توجيه إيران هجوماً صاروخياً جديداً على إسرائيل الأسبوع الماضي، خلال ثاني هجوم في أقل من ستة أشهر، بدت الأخيرة مستعدة لضربة انتقامية أكثر قوة. وتتزايد التصريحات والتأكيدات الإسرائيلية في شأن ضربة كبرى تستهدف مواقع إستراتيجية لإيران رداً على هجوم الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري عندما أمطرت إيران تل أبيب بوابل من الصواريخ الباليستية انتقاماً لمقتل كل من الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، ونائب قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفروشان.

وفيما تترقب إيران والمجتمع الدولي الرد الإسرائيلي، فثمة سيناريوهات عدة يطرحها المراقبون ومراكز الأبحاث الغربية، تتراوح بين توجيه ضربات ضد أهداف عسكرية أو اقتصادية أو نووية، على رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن قال إنه أبلغ حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الولايات المتحدة لن تدعم الخيار الأخير.

البحث عن ذريعة

في مقابلة أجرتها "اندبندنت عربية" الأسبوع الجاري مع المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي دانييل موتون، أشار إلى أن الإسرائيليين يرون المنشآت النووية الإيرانية هدفاً مشروعاً، ولفت إلى تقارير وردت في أعقاب الهجوم الإيراني خلال أبريل الماضي حول توجيه إسرائيل ضربات ضد منشآت نووية إيرانية وحولها، بما في ذلك بعض الإمدادات الروسية لإيران ودفاعاتها قرب المنشآت النووية. 

وقال، "أعتقد أن الإسرائيليين يرون المنشآت النووية الإيرانية هدفاً مشروعاً، وإذا ما ضرب الإسرائيليون المنشآت النووية الإيرانية فيمكننا أن نستنتج أنهم كانوا يبحثون عن ذريعة مثل هجوم الأول من أكتوبر للتخطيط وتنفيذ مثل هذا الهجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية أو البنية الداعمة لها"، مضيفاً "ما رأيناه مرات عدة، وبخاصة من رئيس الوزراء نتنياهو خلال فتراته الكثيرة كرئيس للوزراء، هو أنه كان ثابتاً جداً في وصف التهديد الذي تشكله إيران المسلحة نووياً، ووصف دوره بأنه يجب على الزعيم الإسرائيلي تقليص هذا التهديد إن لم يكن القضاء عليه".

ويتفق المراقبون في واشنطن ولندن مع الطرح الذي قدمته موتون حتى إن بعضهم يخشى أن تكون نية إسرائيل من التوسع في حربها ضد "حزب الله" داخل لبنان هو محاولة لخلق الظروف المناسبة لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وتقول مديرة "معهد شاثام هاوس" في لندن، برونوين مادوكس، إن إسرائيل كثيراً ما طالبت الإدارات الأميركية بتنفيذ ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم هجوم إسرائيلي، لكنها دائماً ما لقيت رداً فاتراً من واشنطن. 

وبالنسبة إلى لدول التي تعمل على تجنب حرب إقليمية فإن القلق هو أن حكومة إسرائيل ربما تستخدم هجمات لبنان كوسيلة لخلق خيار شن هجوم مستقبلي على المنشآت النووية الإيرانية.

وقالت مؤلفة ومحللة شؤون الشرق الأوسط في "جامعة جونز هوبكنز" لورا بلومنفيلد خلال تعليقات لمجلة "فوربس" الأميركية، إن هجوم إيران "يعطي الضوء الأخضر لهجوم مضاد من جانب إسرائيل، وربما يكون الضربة الأخيرة التي يسعى رئيس الوزراء نتنياهو إلى تحقيقها منذ أعوام"، والتي ربما تستهدف المنشآت النووية أو النفطية الإيرانية.

أما اليميني المتطرف ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، فقد كتب أخيراً على وسائل التواصل الاجتماعي قائلا إن بلاده "تتمتع الآن بأعظم فرصة لها منذ 50 عاماً لتغيير وجه الشرق الأوسط، ويجب أن نتحرك الآن لتدمير البرنامج النووي الإيراني ومرافق الطاقة المركزية وشل هذا النظام الإرهابي بصورة قاتلة"، مضيفاً "لدينا المبرر ولدينا الأدوات، والآن بعد أن أصيب 'حزب الله' و'حماس' بالشلل أصبحت إيران مكشوفة".

سيناريو استهداف المنشآت النووية

تمتلك إيران عدداً من المنشآت والمواقع النووية ضمن برنامجها النووي، مثل "مفاعل أراك" لإنتاج الماء الثقيل و"محطة بوشهر" النووية و"منجم غاشين" لليورانيوم و"محطة أصفهان" لمعالجة اليورانيوم و"منشاة فوردو" لتخصيب اليورانيوم في محافظة قم وموقع "بارشين العسكري" و"منشأة نطنز" لتخصيب اليورانيوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق المراقبين فإن إسرائيل راقبت طويلاً "نطنز"، وهى منشأة تخصيب مدفونة في الصحراء مع آلاف أجهزة الطرد المركزي، وتمثل منشآت أخرى مثل مصنع التخصيب المدفون تحت جبل في فوردو هدفاً محتملاً آخر، ومع ذلك منعت السلطات الأميركية إسرائيل تاريخياً من الحصول على طائرات قاذفة وأسلحة قوية بما يكفي لشن هجوم عميق تحت الأرض. 

ويذكر المتخصص في شؤون الأمن بالشرق الأوسط محمد الباشا أن هناك تكهنات حول احتمال استهداف إسرائيل لمحطة بوشهر، وهي محطة الطاقة النووية الوحيدة التي تعمل في إيران باستخدام وقود روسي منخفض أخطار الانتشار النووي. 

ويستند في تحليله إلى "كيفية رد إسرائيل على هجمات الحوثيين من خلال قصف مستودعات الوقود كنوع من إظهار القوة"، فيما يشير آخرون إلى أن استهداف نطنز قد تكون هدفاً سهلاً إلى حد ما.

استهداف النووي يحتاج إلى دعم أميركي

ومع ذلك نفى المسؤولون الإسرائيليون أن تكون لديهم خطط فورية لضرب المنشآت النووية الإيرانية تشمل منشآت إنتاج اليورانيوم وتخصيبه ومناجم اليورانيوم ومفاعلات الأبحاث. 

ووفق مراقبين تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية فإن استهداف المواقع النووية الإيرانية التي يقع كثير منها على عمق كبير تحت الأرض، سيكون أمراً صعباً من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتظل أخطار اندلاع حرب شاملة مع إيران تشكل رادعاً كبيراً، وبخاصة في غياب ضمان الدعم العسكري الأميركي، وقال ضابط الاستخبارات الأميركي السابق المتخصص في شؤون إيران، نورمان رول، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن "إسرائيل ستسعى إلى تعزيز فكرة مفادها أن تفوقها التكنولوجي ومهارتها العسكرية تسمح لها بضرب أي هدف في إيران"، لكن الحرب مع إيران "تتطلب الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري إن لم يكن المشاركة من جانب الولايات المتحدة".

وعلى مدى الأعوام الـ 15 الماضية حثت الولايات المتحدة على استخدام الدبلوماسية أو عمليات التخريب والعقوبات، وليس القنابل، لإفساد البرنامج النووي الإيراني. كما منعت إسرائيل من الحصول على الأسلحة التي قد تحتاج إليها لتدمير "منشأة فوردو"، وحتى الرئيس الجمهوري الأسبق جورج دبليو بوش تجاهل مطالب إسرائيل بتزويد قواتها الجوية بأكبر قنابل خارقة للتحصينات في الولايات المتحدة، وقاذفات "بي-2" اللازمة لإيصالها، وهي أسلحة ضرورية لأي جهد لتدمير فوردو وغيرها من المرافق العميقة المعززة بشدة.

ويعتقد الخبراء العسكريون أنه من المستحيل أن تشن إسرائيل ضربة مدمرة على شبكة المواقع النووية الإيرانية من دون مساعدة عسكرية مباشرة من الولايات المتحدة، بالنظر إلى أن الموقعين الرئيسين التي تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم فيها بنسبة نقاء تصل إلى 60 في المئة، وهما "نطنز" و"فوردو"، يقعان تحت الأرض وأسفل عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة.

ووفق ورقة بحثية نشرتها "نشرة العلماء الذريين" في أبريل الماضي، فإن "السلاح التقليدي الوحيد الذي يمكن أن يحقق هذا الهدف بصورة معقولة هو القنبلة الخارقة للدروع الأميركية (جي بي يو-57 أيه/بي) والتي يزيد وزنها على 12 طناً وطول ستة أمتار، وهى قنبلة لا يمكن حملها إلا بواسطة قاذفات أميركية كبيرة مثل "سبيريت بي-2". 

وعلى رغم أنه قد يكون من الممكن لإسرائيل أن تهاجم مواقع أقل أهمية وتعوق البرنامج من خلال استهداف منشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في عملية التخصيب أو مواقع أخرى من هذا القبيل، فإن هناك خطراً يتمثل في أن الهجوم على برنامجها النووي قد يدفع طهران إلى تسريع جهودها للحصول على القنبلة الذرية، وفق الباحثون. 

سيناريو عملية "الألعاب الأولمبية"

 لكن إسرائيل استخدمت قبلاً أساليب أخرى غير القصف أو الهجمات الصاروخية، فخلال العقد الأول من القرن الـ 21 أطلقت عملية سرية ضخمة عُرفت باسم "الألعاب الأولمبية"، وهو برنامج إسرائيلي - أميركي شديد السرية لتدمير أجهزة الطرد المركزي باستخدام سلاح إلكتروني، وقد دمرت أكثر من 1000 جهاز طرد مركزي في منشأة "نطنز" بواسطة ما يُعرف بفيروس "ستوكسنت"، مما أدى إلى تأخير البرنامج لمدة عام أو أكثر، وفي عام 2021 اتهمت إيران إسرائيل مجدداً بتخريب "نطنز" عبر هجوم سيبراني آخر.

لكن "الألعاب الأولمبية" لم تكن الحل الفاعل للانتهاء من قضية النووي الإيراني، فقد أعاد الإيرانيون بناء المفاعل وأضافوا آلاف أجهزة الطرد المركزي ونقلوا مزيداً من جهودهم إلى أعماق الأرض، وعلى الجانب الآخر اتجه الإسرائيليون لاغتيال العلماء الإيرانيين وضربوا منشآت التخصيب فوق الأرض وهاجموا مراكز تصنيع أجهزة الطرد المركزي بمسيرات، واستثمروا موارد ضخمة استعداداً لهجوم محتمل على المنشآت.

سيناريو أكثر ترجيحاً

ويشير المراقبون إلى أن عدد من المواقع الحساسة الأخرى لدى إيران قد تكون هدفاً رئيساً لهجوم إسرائيلي، بما في ذلك المنشآت النفطية والعسكرية، وقد نقلت "نيويورك تايمز" عن الجنرال فرانك ماكينزي الذي كان مسؤولاً عن خطط الحرب ضد إيران عندما كان يدير القيادة المركزية الأميركية، قوله إن "الهدف النووي صعب للغاية، وهناك كثير من البدائل الأخرى لهذا الهدف"، مضيفاً أن كثيراً منها، بما في ذلك البنية التحتية للطاقة، سيكون من الأسهل تنفيذها. 

وقال المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية فابيان هينز، إنه "إذا كانت مهاجمة المواقع النووية غير واردة فإن الخيارين الكبيرين أمام إسرائيل هما ما إذا كانت تريد مهاجمة أهداف عسكرية أو اقتصادية".

ووفق مراقبين تحدثوا لصحيفة "غارديان" البريطانية فإن الاستجابة الأكثر مباشرة ستكون محاولة إسرائيل ضرب قواعد الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي تقع تحت الأرض، وفي بعض الحالات "في أعماق الجبال، وقد تكون البدائل تكرار استهداف قواعد الدفاع الجوي الإيرانية ولكن على نطاق أوسع، والتي تغطي طهران وأصفهان والموانئ على الخليج، أو قد يستهدف هجوم أكثر تعقيداً الإنتاج الصناعي العسكري، مثل تكرار هجوم يناير (كانون الثاني) 2023 على مصنع أسلحة في أصفهان بالمسيرات، ومع ذلك فإن كل هذه الهجمات تحمل إمكان سوء التقدير والمخاطرة بوقوع خسائر غير متوقعة.

وطُرح سيناريو استهداف البنية التحتية النفطية الإيرانية كرد محتمل، إذ أشار بايدن إلى أن الأمر كان قيد المناقشة عقب هجوم إيران الأسبوع الماضي، وعقب ذلك قامت إيران بإخلاء المياه المحيطة بمحطة تحميل النفط الرئيسة في "جزيرة خرج"، وفق صور الأقمار الاصطناعية، إذ يعتقد أن الهدف الأكثر احتمالاً هو "محطة نفط خرج" التي تتعامل وفقاً لبعض التقديرات مع 90 في المئة من صادرات النفط الخام الإيرانية ومعظمها تتجه إلى الصين. 

وتشمل المرافق الرئيسة الأخرى "مصفاة عبادان" التي تقع قرب الحدود مع العراق وتتعامل مع نسبة كبيرة من حاجات إيران المحلية من النفط.

وقال هينز إن "صناعة النفط الإيرانية مكشوفة للغاية"، مضيفاً أن مهاجمة الأهداف الاقتصادية قد يكون لها تأثير طويل الأجل، وخلال عملية قصف الحوثيين في اليمن الشهر الماضي قامت إسرائيل باستهداف مرافق الوقود والطاقة والموانئ في "رأس عيسى" والحديدة.

وفي حين أن إتلاف منشآت النفط من شأنه أن يلحق الضرر بالاقتصاد الإيراني الهش بالفعل، فإنه سيعيد الكرّة وربما يؤدي إلى رد إيراني مماثل، وقد هدد رئيس الأركان العسكرية الإيراني محمد باقري بأنه إذا تعرضت طهران لهجوم فسترد بسلسلة أخرى من الصواريخ أكبر وأوسع نطاقاً، وإن هجوم الأول من أكتوبر الجاري سيتكرر بكثافة أكبر، وسيستهدف جميع البنية التحتية".

من جانب آخر يحذر مراقبون من تأثيرات محتملة في أسواق النفط العالمية في حال استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، إذ تنتج طهران حوالى 3 ملايين برميل يومياً تمثل قرابة ثلاثة في المئة من الإمدادات العالمية، بينما تعتبر الصين أكبر زبائن النفط الإيراني. 

وإضافة إلى ذلك يخشى بعضهم من أن يؤدي التصعيد الإيراني إلى ضربات أوسع تشمل استهداف مصافي النفط في السعودية والإمارات، وربما تهديد طهران لحركة ناقلات النفط عبر مضيق هرمز الذي يعد ممراً إستراتيجياً يمر من خلاله نحو ثلث إنتاج النفط العالمي، وهذا السيناريو قد يتسبب في أزمة إمدادات الطاقة ويهدد الاقتصادات العالمية بخطر الركود، بخاصة في الدول التي تعتمد بصورة كبيرة على النفط المستورد، مع احتمال أن تكون الدول الفقيرة في أفريقيا الأكثر تضرراً.

مزيد من الاغتيالات

ويمكن لإسرائيل أن تتخذ مساراً مختلفاً وتوسع برنامجها لاستهداف شخصيات في إيران ومن محور المقاومة في أنحاء أخرى من المنطقة، وقد أظهرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قدرتها على تنفيذ عمليات اغتيال في عمق طهران بعد أن قتلت القائد السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية داخل مقر إقامته في العاصمة الإيرانية نهاية يوليو (تموز) الماضي، ويُعتقد أن كثيراً من كبار العلماء النوويين الإيرانيين قتلوا على يد إسرائيل، بما في ذلك محسن فخري زاده الذي قيل إنه قُتل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بمدفع رشاش متحكم فيه من بعد، ومع ذلك لا يبدو أن إسرائيل تفكر في رد منخفض المستوى على ما كان هجوماً صاروخياً صريحاً، وفق صحيفة "غارديان". 

ورداً على هجوم الأول من أبريل ألحقت غارة جوية إسرائيلية أضراراً بنظام مضاد للطائرات من طراز "إس-300" قرب "منشأة نطنز"، وقال مسؤولون غربيون وإيرانيون إن إسرائيل نشرت مسيرات وأطلقت صاروخاً واحداً في الأقل من طائرة حربية خلال ذلك الهجوم، ويعتقد المراقبون في واشنطن أن تل أبيب قد تلجأ لرد مماثل هذه المرة، وقال المسؤول السابق في الـ "بنتاغون" والزميل لدى "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" غرانت روملي: "أعتقد أنه من المرجح أن يقلدوا عملية أبريل محاولين تدمير أنظمة الإنذار الباكر والدفاعات الجوية الإيرانية لإفساح المجال لهجوم جوي، والسؤال هو مدى اتساع نطاق الهجوم وما إذا كان سيدخل المجال الجوي الإيراني؟".

لكن إسرائيل قد لا تضطر إلى الاعتماد على قوتها الجوية وحدها في هجوم على إيران، فوفقاً لـ "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن" فإن لدى إسرائيل خيارات أخرى مثل صواريخ "أريحا-2" الباليستية متوسطة المدى التي يمكنها الطيران مسافة 2000 ميل تقريباً، وصواريخ "أريحا-3" الباليستية متوسطة المدى التي يمكنها الوصول إلى أهداف تبعد أكثر من 4 آلاف ميل.

مواصلة سقوط أوراق الدومينو

ربما يروق لإسرائيل لعبة الدومينو في التعامل مع أذرع إيران في المنطقة، إذ تمثل المرحلة اختباراً لما يسمى "محور المقاومة" المكون من شبكة من الوكلاء الذين عملت إيران على بنائهم ودعمهم منذ عقود في أنحاء المنطقة وحول إسرائيل. ومع ضرب الجناح الأقوى منها متمثلاً في حركة "حماس" أولاً ثم "حزب الله"، ربما ترى إسرائيل فرصة في التخلص من ذلك الصداع الذي خلقه الإيرانيين في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين. 

وتتبادل تل أبيب القصف بالفعل مع الحوثيين في اليمن. وفي أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي نفذ سلسلة من الهجمات والغارات على عدة أهداف في اليمن بينها مطار وميناء الحديدة غرب البلاد، في أقوى هجوم يستهدف الحوثيين منذ بدء الحرب في المنطقة عقب السابع من أكتوبر. شمل الهجوم الإسرائيلي محطة للطاقة ومرافق تخزين النفط "بالتنسيق مع الولايات المتحدة". وجاء القصف رداً على غارات ثلاث نفذتها جماعة "أنصار الله" الحوثي بصواريخ باليستية والتي حاولت استهداف مطار بن غوريون الإسرائيلي شمالاً قبل أن يعترضه سلاح الجو الإسرائيلي. وتستهدف الضربات الإسرائيلية أيضاً "حزب الله" والأهداف المرتبطة به على الأراضي السورية، مع قصف مواقع متعددة في القنيطرة وريف دمشق ودرعا. وبحسب ما ورد، أصابت إحدى الضربات في 28 سبتمبر اجتماعاً لحلفاء وشركاء إيران بالوكالة في يعفور غرب دمشق، مما أثار بعض التكهنات بأن شقيق بشار الأسد ماهر قد قُتل. كما استهدفت إسرائيل الأسبوع الماضي، حي المزة في دمشق حيث تنتشر عناصر وقيادات من "حزب الله" اللبناني والحرس الثوري الإيراني وقيادات فلسطينية، وشهدت المنطقة خلال الفترات الماضية العديد من الاغتيال من أبرزها استهداف السفارة الإيرانية مطلع أبريل الماضي.

ويعتقد البعض في واشنطن أن الولايات المتحدة وأوروبا يمكنهم البناء على الانتصار العسكري الذي حققته إسرائيل ضد "حماس" و"حزب الله" للضغط على إيران وشبكة وكلائها. وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إنه يمكن لواشنطن وحلفائها أن تبدأ بالحوثيين في اليمن؛ إذ إنهم انتصروا في معركتهم ضد الولايات المتحدة والشحن العالمي في البحر الأحمر، حيث أبدت إدارة بايدن رضاء بالسماح للبحرية الأميركية بممارسة لعبة "اضرب الخلد" مع صواريخ الحوثيين. لذا في المرة المقبلة التي يهاجم فيها الحوثيون، يمكن للولايات المتحدة أن تطلق عليهم نفس الدمار المستمر الذي أحدثته إسرائيل على "حزب الله"، في حين لن يتمتع الحوثيون وداعموهم في إيران بميزة التصعيد بعد الآن.

المزيد من تقارير