Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

100 يوم في عهد كير ستارمر.. هل تعثر "العمال"؟

مشكلات اقتصادية وأحداث شغب وفضائح واجهت الحكومة الجديدة منذ وصولها إلى السلطة

اجتماع للحكومة البريطانية الجديدة برئاسة كير ستارمر في مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة لندن (ب أ) 

ملخص

واجهت الحكومة البريطانية الجديدة في الأيام المئة الأولى لها كثيراً من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبينما يرى البعض أن كير ستارمر وفريقه الوزاري لم يفعلوا حتى الآن ما يبعث على التفاؤل بقدرة "العمال" على التغيير الذي وعد به خلال الانتخابات الأخيرة، يلفت آخرون إلى نقاط إيجابية عدة سجلت لمصلحة الحزب الحاكم.

تقول استطلاعات الرأي الحديثة إن حزب "المحافظين" الخاسر في الانتخابات العامة الأخيرة عاد ليقف وراء "العمال" المنتصر بنقطة واحدة فقط على صعيد التأييد، إذ لم يفعل "المحافظين" ما يذكر منذ الرابع من يوليو (تموز) الماضي ليسترد شعبيته، حتى أن أعضاءه لم ينتخبوا بعد قائداً جديداً خلفاً لريشي سوناك، ولكن المشكلات التي واجهتها الحكومة الجديدة والعثرات التي صادفتها خلال الأيام الـ100 الأولى لها هي التي أثارت استياء البريطانيين.

ما وقع خلال الـ100 يوم الأولى في عهد رئيس الوزراء كير ستارمر يخشى البعض أن يكون بداية لسنوات عجاف يعاني فيها البريطانيون كثيراً، بدءاً من أعمال الشغب و"بلطجة" اليمين المتطرف مروراً بوقف دعم المتقاعدين في كلفة الوقود، ثم فرض الضرائب على المدارس الخاصة، وبعدها إطلاق سراح المجرمين لمنع اكتظاظ السجون، يليها فضائح تبرعات وهدايا باهظة لستارمر وزوجته وصولاً إلى خلافات داخلية أخرجت كبيرة موظفي الحكومة سو غراي من وظيفتها، وانتهاء بالتخلي عن أراضي المملكة المتحدة.

وتضم القائمة أكثر من ذلك على أصعدة مختلفة. وبينما يلقي ستارمر ووزراؤه في قضايا عدة باللوم على أسلافهم "المحافظين" الذين حكموا البلاد 14 عاماً متواصلة قبلهم، يعتقد نواب من الحزب الحاكم أن الغرق في دوامة المشكلات التي تفجرت خلال الأشهر القليلة الماضية يهدد قدرتهم على الاحتفاظ بمقاعدهم في الانتخابات العامة المقبلة، وبخاصة أن الذاكرة الشعبية لا تحفظ للحزب الأحمر إرثاً إيجاباً كبيراً لحكوماته السابقة، ويقول ديفيد بلانكيت الذي شغل عدة مناصب وزارية في عهد حكومة العمالي توني بلير إن "تصحيح مسار السفينة ووضع رؤية أكثر إيجابية يجب أن يبدأ الآن، فاستعادة الحكومة لثقة ودعم الشعب صعبة جداً، وما سيحدث خلال الأشهر الـ18 المقبلة سيكون حيوياً ومفصلياً للغاية".

التأييد والتغيير

قبيل الانتخابات الأخيرة ردد ستارمر كثيراً شعار "التغيير" لاستقطاب البريطانيين ودفعهم نحو التصويت لحزبه، ونجح الأمر في كسب 403 مقاعد من أصل 650 في مجلس العموم، ولكنه فشل في حصد تأييد شعبي يواكب حصته في البرلمان، إذ اتضح أن فوز "العمال" في ذلك الاستحقاق كان "ضحلاً" ولم يتجاوز نسبة 34 في المئة من إجمال أصوات الناخبين، فيما فاز "المحافظين" بـ24 في المئة والـ"ريفورم" بـ14 في المئة. 

كثر لبوا نداء ستارمر في التصويت نقمة على حكومة ريشي سوناك فحسب، وبعدما وصل رئيس الوزراء الجديد إلى المنزل رقم 10 وسط لندن، تبين لأنصاره أن "التغيير" سيمر عبر جملة من القرارات المؤلمة اقتصادياً واجتماعياً وخدمياً، وبخاصة بعدما أعلنت وزيرة الخزانة راشيل ريفز عن تلك "الفجوة السوداء" المهولة التي أحدثها "المحافظين" في خزانة الدولة بقيمة 22 مليار جنيه استرليني، وبدأت بعدها رحلة البحث عن مخارج لردم الهوة من جهة والحفاظ على وعود "العمال" الانتخابية من جهة أخرى.

النجاح أو الفشل في حل هذه المعضلة سيحسم عبر موازنة الخريف التي سيعلن عنها "العمال" خلال الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، فهي أول إعلان مالي للحكومة الجديدة بعد توليها السلطة وتقول مؤسسة "بي دي أو" للمحاسبة إنه سيتضمن تغييرات ضريبية كبيرة لزيادة إيرادات الخزانة، من ضمنها زيادة الضرائب على الميراث والأرباح الرأسمالية وعلى الأسهم الخاصة وكذلك إلغاء إعفاءات القيمة المضافة بعد خطوة مماثلة طاولت المدارس الخاصة، إضافة إلى رفع رسوم "الختم العقاري" عند شراء المنازل.

وفي الطريق نحو إعداد الموازنة المرتقبة، تبحث الحكومة الجديدة عن سبل لاستدانة مزيد من الأموال على رغم أن الدين العام تجاوز الناتج الإجمالي، فالإنفاق على مختلف القطاعات يحتاج إلى أموال لا تتوافر إلا عبر الضرائب أو الاستدانة أو جلب استثمارات تحرك عجلة الاقتصاد وتضخ مليارات الجنيهات في عروق الدولة والأسواق، لكن الخيار الأخير يزداد صعوبة في ظل تقارير تتحدث عن "هرب" الأثرياء من المملكة المتحدة إلى وجهات أوروبية وعالمية أخرى، مع صعود كلفة الإنتاج وتراجع عائدات المشاريع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تمرد واستياء

المعضلة الاقتصادية التي تعيشها الحكومة منذ يومها الأول وضعتها أولاً في مواجهة تمرد سبعة نواب من "العمال" بسبب رفض ستارمر ووزرائه إلغاء قرار سابق لـ"المحافظين" بتوفير الدعم لولدين فقط في كل أسرة، ثم وقع تمرد آخر استقالت خلاله النائبة روزي دفيلد من الحزب بسبب قبول ستارمر تبرعات من ملابس ونظارات وحجوزات فندقية ورحلات طيران بقيمة 100 ألف جنيه استرليني، ثم اتسعت الفضيحة لتشمل زوجته ونواباً غيره في الحزب، مما أدى إلى إصدار قرار حكومي يمنع تلك التبرعات مستقبلاً.

وفضيحة "الهدايا" لم تكن الملاحظة الوحيدة التي سجلت بحق الحزب الحاكم خلال أيامه الـ100 الأولى، فقد تكشف وجود خلافات داخلية بسبب كبيرة موظفي الحكومة التي اتضح أنها عينت بدخل شهري يزيد على راتب رئيس الوزراء نفسه، وبعد شد وجذب اضطر ستارمر إلى التخلي عن سو غراي لتتفجر بعدها التكهنات حول تماسك السلطة الجديدة للبلاد، وتثار إشاعات حول عداء رئيس الحكومة الجديد للمرأة بصورة عامة.

لم تلبث مشكلة غراي أن تنتهي حتى وجدت الحكومة نفسها أمام استياء شعبي مرتبط بالتخلي عن جزر شاغوس لمصلحة موريشيوس، صحيح أن المفاوضات حول هذه المسألة بدأت في عهد حكومة "المحافظين" الأخيرة، ولكن وزير الداخلية السابق جيمس كليفرلي الذي بدأ بنفسه المفاوضات عندما كان وزيراً للخارجية عام 2022 قال إن ستارمر وحكومته قدموا تنازلات كبيرة للدولة الواقعة في المحيط الهندي، والعائد على لندن يكاد لا يذكر في هذه الصفقة التي ضمنت للبريطانيين والأميركيين قاعدة عسكرية في الجزر.

الاستياء الشعبي ظهر قبل قضية جزر شاغوس عندما قررت الحكومة وقف دعم المتقاعدين ومساعدتهم في تحمل فواتير الطاقة خلال الشتاء، ثم تجدد عندما مضت لخيار الإفراج المبكر عن آلاف السجناء في سبيل التخفيف من اكتظاظ السجون، وبعد إطلاق سراح الدفعة الأولى من المعتقلين اتضح وجود أخطاء في تنفيذ الإجراءات، وعاد كثر إلى الجريمة إما هرباً من المعيشة الصعبة في الخارج أو بسبب "نزعة" مخالفة القوانين التي ترسخت لديهم داخل السجن، على عكس ما هو متوقع في عمل المؤسسات العقابية.

 

نقاط إيجابية

على رغم ما سبق، لا تبدو الصورة قاتمة إلى حد كبير بالنسبة إلى كثيرين من الذين صوتوا لـ"العمال" في الانتخابات الأخيرة أو من يتابعون عمل الحكومة كمواطنين من دون انتماءات سياسية، وهم يستشهدون في هذا بنقاط إيجابية سجلت لمصلحة ستارمر وفريقه خلال الأيام المئة الأولى من العهد الجديد في المنزل رقم 10، على رأسها الحزم التي تعاملت بها الدولة في أحداث الشغب التي آثارها اليمين المتطرف نهاية شهر يوليو الماضي.

داخلياً أيضاً يسجل لـ"العمال" تقدمهم بمشاريع قوانين لإصلاح مجلس اللوردات وجعله أكثر "تمثيلاً" للبريطانيين وفق عضو الحزب الحاكم إيفان جاش، كذلك مباشرتها بإطلاق الشركة الحكومية للطاقة ووضع آليات للالتزام بالحياد الكربوني، إضافة إلى إنهاء إضراب الأطباء وإعلان خطة لتحسين خدمات الصحة الوطنية، وأخيراً إعداد تعديل على قانون العمل الحالي يوفر مزيداً من الضمانات لحقوق العمال، وفق تعبيره.

من إيجابيات الحكومة الجديدة أيضاً برأي المتخصص في العلاقات الدولية في جامعة لندن أناند مينون أنها تخلت عن خطة ترحيل المهاجرين إلى دولة رواندا الأفريقية، ومضت في المقابل نحو تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي في هذا الملف وغيره، منوهاً بأن "ثمار هذا الانفتاح على جيران المملكة المتحدة في القارة العجوز لم تنضج كفاية، ولكن هذا الخيار هو الأكثر واقعية ونجاعة على المدى الطويل أياً كانت الظروف".

وفي سياق السياسة الخارجية أيضاً يقول المؤرخ البريطاني جون مايكوجو إن الحكومة الجديدة نفذت خطوات مهمة في دعمها للسلام بالشرق الأوسط، تتمثل بوقف تراخيص صادرات سلاح إلى إسرائيل والتخلي عن الاعتراض على إجراءات "الجنائية الدولية" بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، وبينما يقر ماكيوجو بإمكانية القيام بمزيد فإنه يرى أن تلك الإجراءات والبيانات التي صدرت منذ وصول ستارمر إلى السلطة قبل ثلاثة أشهر تؤكد "أن موقف الحكومة الجديدة مختلف عن سابقتها في هذا الملف".  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير