ملخص
تكمن المشكلة الرئيسة مع حقوق الطبع والنشر بأنها تتطلب الأصالة، التي غالباً ما تعزى إلى المؤلفين البشريين. ومن دون مشاركة بشرية في العملية الإبداعية للأعمال التي يولدها الذكاء الاصطناعي، قد لا تكون حماية حقوق الطبع والنشر ممكنة.
جلب الذكاء الاصطناعي التوليدي تغييرات تحويلية، وتمكن مع مولدات النصوص مثل "تشات جي بي تي" من إنتاج المقالات والقصائد، وحتى اجتياز الاختبارات الطبية والقانونية المعقدة بصورة أسرع من البشر. وبذلك بتنا جميعاً ندرك أن هذه الأدوات قادرة على إنشاء أعمال فنية مذهلة بسرعة مهولة وتحاكي الفنانين المشهورين وأساليبهم بدقة ملحوظة.
وفي حين قد يبدو أن أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة هذه يمكنها استحضار مواد جديدة تماماً، إلا أن الحقيقة ليست كذلك حكماً، إذ يتم تدريب منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي على مليارات البيانات ومقاطع الأسئلة التي أنشئت بواسطة برامج معالجة أرشيفات ضخمة من الصور والنصوص. وهكذا تستعيد منصات الذكاء الاصطناعي الأنماط والعلاقات، التي تستخدمها بعد ذلك لإنشاء القواعد، ثم إصدار الأحكام والتنبؤات، عند الاستجابة لمطالبة.
وتأتي هذه العملية بطبيعة الحال مع أخطار قانونية، في مقدمها انتهاك الملكية الفكرية. وفي كثير من الحالات تطرح حولها أسئلة قانونية مثل، هل ينطبق انتهاك حقوق النشر وبراءات الاختراع والعلامات التجارية على إبداعات الذكاء الاصطناعي؟ وهل من الواضح من يملك المحتوى الذي تنشئه منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي لك، أو لعملائك؟
انتهاك الملكية الفكرية
من أجل تدريب أنظمة مثل "تشات جي بي تي"، هناك حاجة إلى كميات هائلة من البيانات بما في ذلك النصوص والصور والمعلمات. وأثناء عملية التدريب، تحدد منصات الذكاء الاصطناعي الأنماط لإنشاء القواعد وإصدار الأحكام والتنبؤات التي تسمح لها بعد ذلك بالاستجابة لمطالبات المستخدم. ومع ذلك، قد تنطوي عملية التدريب هذه على انتهاك الملكية الفكرية لأنها غالباً ما تستخدم بيانات جمعت من الويب، ومنها المحتوى المحمي بحقوق الطبع والنشر.
سلطت الدعاوى القضائية الأخيرة، مثل تلك التي رفعتها شركة "غيتي إيميجز" الأميركية أحد أكبر مزودي خدمات المواد المصورة الإخبارية والمبتكرة عالمياً ومجموعة من الفنانين ضد مولدات الفن بالذكاء الاصطناعي، الضوء على قضايا الملكية الفكرية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وقد اتهمت "غيتي إيميجز" شركة "ستابيليتي أي أي" بنسخ أكثر من 12 مليون صورة من قاعدة بياناتها من دون إذن أو تعويض، بما في ذلك إصدارات مشوهة من علامة "غيتي" المائية، مما قد يؤدي إلى مطالبات بانتهاك العلامة التجارية.
ومع ذلك، فإن الأسئلة المفتوحة المتعلقة بالملكية الفكرية في سياق الذكاء الاصطناعي تمتد إلى ما هو أبعد من البيانات والصور المحمية المستخدمة في التدريب، لتصل إلى المخرجات الإبداعية التي تولدها منصات الذكاء الاصطناعي. وهنا تطرح أسئلة تتعلق بحقوق الطبع والنشر وبراءات الاختراع وانتهاك العلامات التجارية في ما يتعلق بإبداعات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن ملكية المحتوى الذي يولد بواسطة الذكاء الاصطناعي، وكلها تحتاج إلى معالجة مع استمرار الأفراد والشركات في تبني فوائد الذكاء الاصطناعي التوليدي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تكمن المشكلة الرئيسة مع حقوق الطبع والنشر بأنها تتطلب الأصالة، التي غالباً ما تعزى إلى المؤلفين البشريين. ومن دون مشاركة بشرية في العملية الإبداعية للأعمال التي يولدها الذكاء الاصطناعي، قد لا تكون حماية حقوق الطبع والنشر ممكنة. ونظراً إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يتمتع بشخصية قانونية، فإنه لا يعترف به حالياً كحامل لأي حقوق (ملكية فكرية). وإذا لم يحدد أي مخترع أو مبدع، فقد يقع العمل من حيث المبدأ في المجال العام، وهذا ما يثير التساؤل حول ما إذا كان يمكن أن تكون هناك حلول بديلة لحماية الأعمال التي يولدها الذكاء الاصطناعي بموجب قانون حقوق الطبع والنشر.
دراسة الاتحاد الأوروبي
في الثاني من مارس (آذار) 2022 أصدر مكتب الملكية الفكرية التابع للاتحاد الأوروبي دراسة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على انتهاك حقوق الطبع والنشر والتصميمات، بينت أن التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، تمثل سيفاً ذا حدين، ويمكن استخدامها بصورة فعالة لفرض حقوق الملكية الفكرية وكذلك انتهاكها.
تذكر الدراسة أنه يمكن نشر أدوات التعلم الآلي لإزالة النقاط الرقمية والعلامات المائية المستخدمة لتتبع توزيع النسخ غير المصرح بها من أعمال حقوق الطبع والنشر عبر الإنترنت، وكذلك لتوليد "التزييف العميق" الذي تم تطويره من خلال نوع معين من التعلم الآلي، والمعروف باسم "الشبكات التنافسية التوليدية".
من ناحية أخرى، يمكن للسلطات الاستفادة من التكنولوجيا نفسها بطريقة إيجابية، باستخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي لتحديد مكونات التزييف العميق التي تشكل انتهاكاً لحقوق الطبع والنشر والتصميم على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى نحو مماثل يمكن تنفيذ تطبيقات الرؤية الحاسوبية في مجال الملكية الفكرية وتالياً تحديد ما إذا كانت مقاطع الفيديو أصلية أم أنشئت بصورة مصطنعة.
كيف نعالج هذه الإشكالية؟
إن معالجة قضايا الملكية الفكرية هذه بفاعلية تتطلب جهداً جماعياً من صناع السياسات ومقدمي الخدمات والمطورين ومنشئي المحتوى وأصحاب الأعمال.
لذا يجب على مطوري الذكاء الاصطناعي التأكد من امتثالهم للقوانين المتعلقة بالحصول على البيانات المستخدمة لتدريب نماذجهم. قد يشمل ذلك الحصول على تراخيص أو تعويض أولئك الذين يمتلكون الملكية الفكرية المستخدمة، أو مشاركة الإيرادات التي تولدها أداة الذكاء الاصطناعي.
ومن الأمثلة الحالية على انتهاك حماية الملكية الفكرية هو نموذج توليد الصور بالذكاء الاصطناعي "ستيبل ديفيوجن" الذي يحوي ما يقارب 6 مليارات صورة موسومة تم تجميعها من الويب بصورة عشوائية، ومن المعروف أنها تتضمن عدداً كبيراً من الإبداعات المحمية بحقوق الطبع والنشر.
في السياق ذاته يجب على عملاء أدوات الذكاء الاصطناعي أيضاً توخي الحذر وطرح أسئلة حول مصدر بيانات التدريب، ومراجعة شروط الخدمة وسياسات الخصوصية بعناية، وتجنب استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي لا يمكنها تأكيد الترخيص المناسب من منشئي المحتوى أو التزام تراخيص المصدر المفتوح.
ومن المهم للشركات أن تقدم لموظفيها تدريباً ضرورياً حول كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة من دون انتهاك خصوصيتها وأسرارها التجارية، لا سيما أنه في حادثة وقعت العام الماضي، سرب موظفو شركة "سامسونغ" الكورية الجنوبية من طريق الخطأ بيانات سرية للشركة. ونظراً إلى أن "تشات جي بي تي" يحتفظ بالبيانات لأغراض التدريب، فإن هذه الأسرار التجارية من "سامسونغ" أصبحت الآن في أيدي شركة "أوبن أي أي" الأميركية.
ويتعين على الشركات تقييم شروط معاملاتها لكتابة الحماية في العقود. وكنقطة بداية عليها المطالبة بشروط الخدمة من منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تؤكد الترخيص المناسب للبيانات. ويتعين عليها أيضاً المطالبة بتعويض واسع النطاق عن انتهاك الملكية الفكرية المحتمل الناجم عن فشل شركات الذكاء الاصطناعي في ترخيص إدخال البيانات بصورة صحيحة أو الإبلاغ الذاتي عن مخرجاته للإشارة إلى الانتهاك المحتمل.
أما المبدعون إن كانوا أفراداً أو علامات تجارية تنشئ المحتوى فعليهم اتخاذ خطوات لفحص الأخطار التي تهدد محفظتهم الخاصة بالملكية الفكرية وحمايتها. ويتضمن هذا البحث بصورة استباقية عن أعمالهم في مجموعات البيانات المجمعة أو بحيرات البيانات الواسعة النطاق، بما في ذلك العناصر المرئية مثل الشعارات والأعمال الفنية والعناصر النصية.