Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سقوط الأوهام الكبرى على ضفاف حرب إسرائيل في لبنان

فيما المعركة البرية لا تزال "فتية" إلى حد ما ومعالم نضجها لم تتضح أكد مسؤولو الحزب أن النصر سيتحقق

منذ الثامن من أكتوبر 2023 سقط نحو 15 ألف لبناني بين قتيل وجريح، وسجلت خسائر اقتصادية قدرت بـ18 مليار دولار (ا ف ب)

ملخص

سنة وسبعة أيام مرت منذ أن قرر "حزب الله"، "منفرداً"، أن يفتح جبهة الإسناد لغزة في الحرب ضد إسرائيل، وهو انفرد بهذا القرار داخلياً من دون العودة إلى الحكومة أو الدولة أو الشعب اللبناني استشارة وتنسيقاً أو حتى تنفيذاً. وانفرد أيضاً بهذا القرار إقليمياً، فبدا كأنه وحده "هب" لنصرة فلسطين فيما بقي محور الممانعة ومعه إيران في المقاعد الخلفية، يهددون بزوال إسرائيل "إعلامياً"، أو بضربات محددة ومنسقة مسبقاً بالعلم والخبر.

نبدأ ما نريد أن نقوله في المقالة الآتية بتأكيد أن إسرائيل عدوة اللبنانيين والفلسطينيين، وما من متغيرات تبدل تصنيفها هذا، لكن الحقيقة أيضاً يجب أن تقال لأن قولها اليوم لا بد أن يكون بداية لتصحيح مسار عمره عشرات السنين دفع اللبنانيون ثمنه غالياً.

يكون واهماً أي لبناني يعتقد اليوم أن "حزب الله" انتهى، فهو على رغم الضربات القاسية جداً التي تلقاها لا يزال قادراً على استهداف تل أبيب ووسط إسرائيل، ولعل استهداف القاعدة العسكرية في بنيامينا جنوب حيفا أكبر دليل. ضربات لم توقع كثيراً من الإصابات البشرية في صفوف الإسرائيليين، باستثناء ما حصل قبل ساعات، لكن صواريخ الحزب وصلت وما زالت تصل إلى هناك، والخسائر في الحروب لا تكال في الميزان نفسه فما يؤلم إسرائيل يختلف تماماً عما يؤلم الحزب في لبنان.

"حزب الله" لا يزال موجوداً صحيح، مقاتلوه يصعبون مهمة الدخول البري الإسرائيلي جنوباً بالطبع، وصحيح أيضاً أن جمهوره لا يزال "يؤيده" إلى حد ما، لكن من الوهم التام أن يقول أبناء بيئته وجمهوره إنه قوي أو إنه انتصر في الحرب الراهنة، أو حتى إنه قادر على إيلام إسرائيل كما يؤكد مسؤولوه الذين حتى هذه اللحظة يرفعون صوت الوعيد ويعدون بتدمير الكيان الإسرائيلي.

 

سنة وسبعة أيام مرت منذ أن قرر الحزب "منفرداً" أن يفتح جبهة الإسناد لغزة في الحرب ضد إسرائيل، وهو انفرد بهذا القرار داخلياً من دون العودة إلى الحكومة أو الدولة أو الشعب اللبناني تنسيقاً وتنفيذاً أو حتى استشارة، وانفرد أيضاً بهذا القرار إقليمياً فبدا كأنه وحده "هب" لنصرة فلسطين، فيما بقي محور الممانعة ومعه إيران في المقاعد الخلفية يهددون بزوال إسرائيل "إعلامياً"، أو بضربات محددة ومنسقة مسبقاً بالعلم والخبر.

ثمن جبهة الإسناد

نأتي للحديث عن فاتورة جبهة الإسناد هذه على لبنان، وهنا الأرقام مؤلمة جداً وبخاصة خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع اشتداد القصف الإسرائيلي بوتيرة "جنونية" وصلت إلى حد تنفيذ الطيران الإسرائيلي أكثر من 1000 غارة في اليوم الواحد.

منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 سقط نحو 15 ألف لبناني بين قتيل وجريح، وسجلت خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة قدرها اقتصاديون بـ18 مليار دولار، ناهيك بنزوح أكثر من مليون شخص داخل لبنان وتدمير تام لبلدات جنوبية حتى باتت منكوبة، ومنها كفركلا ويارون وعيتا الشعب وغيرها، واستهداف بلدات بقاعية بمئات الضربات وكذلك الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تشبه اليوم بصورة كبيرة الوضع الذي وصلت إليه خلال حرب يوليو (تموز) 2006، حيث الدمار ورائحة الموت والبارود وحدها القوية وما من مسيطر آخر.

وفي ميزان الربح والخسارة، يتحدث الحزب عن "انتصارات" كثيرة لا سيما لناحية منع القوات الإسرائيلية من التوغل براً لمسافة كبيرة في الجنوب، وهنا يعترف الجميع بأن مقاتلي الحزب يمكن أن يجعلوا مهمة الدخول الإسرائيلي صعبة، فالميدان ليس كالجو والمعارك قد تشهد جولات قاسية تؤلم الإسرائيليين في الخسائر البشرية، وفي مكيال تل أبيب السياسي والشعبي الخسائر البشرية يُحسب لها ألف حساب.

وفيما المعركة البرية لا تزال "فتية" إلى حد ما ومعالم نضجها لم تتضح بعد، خرج علينا مسؤولو الحزب بخطابات النصر على العدو وتسجيل الانتصارات عليه، على رغم أننا كلبنانيين لا نلمس هذه الانتصارات بصورة مباشرة أو نشعر بنتائجها بل بالحقيقة العكس تماماً، وفي هذا الإطار قال نائب أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم في خطابه الأخير قبل أيام إن العمليات ازدادت والألم على الكيان ازداد وإنهم ثابتون وسينتصرون.

خسائر كبرى 

"الانتصارات" التي يتحدث عنها الحزب، تقابلها خسائر لن يخففها أي مسكن ألم "كلامي"، والضربة هذه المرة قاسية بكل الأبعاد والمقاييس. فكيف للحزب أن يخفي حجم اغتيال أمينه العام حسن نصرالله في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت معقله وحصنه الحصين، وهو الذي لم يحلم ألد أعدائه في أفضل أحلامهم بأن يقتل، ولم يتصور جمهوره ومناصروه في أسوأ كوابيسهم أن يخسروه.

ثم اغتالت إسرائيل خليفته المحتمل هاشم صفي الدين وقبله بأسابيع قتلت أكبر قيادييه العسكريين ومن بينهم فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وعلي كركي، وعادت وحاولت قبل أيام اغتيال القيادي الكبير في صفوفه وفيق صفا، الذي قالت تقارير صحافية إنه جرح جرحاً بالغاً جداً في الاستهداف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكيف للحزب أن يتحدث عن انتصارات وغالبية بيئته الشعبية بين الجنوب وبيروت وجزء من البقاع تركت منازلها نحو أخرى مُستأجرة بديلة أو مراكز إيواء مشتركة أو حتى النوم في الشوارع والحدائق العامة، لمن لم يتوافر أمامه أول خيارين؟ وكيف للحزب أن يتحدث عن انتصارات بعد مقتل وإصابة آلاف العناصر أو المنتمين إليه بتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي الـ"بيجرز" بعدما فخخها الموساد الإسرائيلي، في عملية لا تزال فصولها لغزاً حتى الساعة بين من باع الأجهزة للحزب وكيف وصل الموساد إليها وعبر من؟ ناهيك بخرق استخباراتي تعرض له الحزب أشبه بـ"الخيانة" مع تكشف وجود عملاء لإسرائيل في صفوفه، فيما لا يزال السؤال يطرح عن وجود عملاء في الصف الأول من الحزب والدائرة المصغرة والقريبة من القيادة المركزية، ساعد في نجاح عملية اغتيال نصرالله وصفي الدين وقبلهما القيادات العسكرية الكبرى في الحزب وقيادات وحدة الرضوان خلال اجتماعهم في قلب الضاحية الجنوبية.

صرخات يصعب إسكاتها

واهمٌ من يعتقد أن كل هذه الخسائر ستمحى بخطاب عن النصر على العدو الإسرائيلي، وواهم أكبر من يتصور أن "حزب الله" سيخرج من هذه الحرب كما دخلها، شعبياً داخل بيئته كما خارجها.

فكم من صرخة علت خلال الأشهر الماضية قال من أطلقها خارج بيئة الحزب مجاهرة أو داخل المجالس الخاصة في بيئته سراً، وفيها "ما ذنبنا أن نحمل حرب غزة على أكتافنا ونحن تبعات حروبنا السابقة لم ننته منها بعد"، و"أين هم حلفاء الحزب في المنطقة ولماذا لا يساندونه في حربه كما هب هو لمساندة غزة؟".

وأكثر، ما كان سرياً خرج إلى العلن خلال الأسبوعين الماضيين وعلت صرخات من الصعب "إسكاتها"، بعدما باتت الضربات أقسى من أن يتحملها الجميع، والحرب اليوم تحولت إلى لبنان، فغزة المنكوبة أصبحت في المرتبة الثانية في سلم أولويات آلة التدمير الإسرائيلية.

 

بتعرفوا ابن اختي كيف مات؟ منشور على منصة "فيسبوك" كتبه شاب اسمه أيمن عاصي يضع صورة حركة "أمل" كصورة رئيسة لحسابه، ويقول فيه إن ابن اخته مات لأن "جاره لصهري أجر محله يلي بيبعد عن بيت أختي 50 متراً، ويلي ما بخافو الله حاطين فيه راجمة".

منشور قاس بالطبع، لكن الحقيقة المرة التي ربما لا يريد الحزب أن يسمعها أو يقرأها في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه كانت حاضرة في تعليقات الناس، إذ كتب عشرات المواطنين ما في أنفسهم من غضب وامتعاض ورفض لما يحصل داخل شوارعهم وفي الأبنية التي يعيشون فيها، وهي لربما المرة الأولى التي يخرج ناس من بيئة الحزب وبجرأة تامة ما بداخلهم رفضاً لوجود قيادات الحزب أو مخازن أسلحة أو منصات إطلاق صواريخ بين الأحياء السكنية المكتظة سواء في بيروت أو غيرها، وهم يدركون تماماً أنهم مستهدفون في أية لحظة من قبل إسرائيل التي لن ترحم أي طفل أو مدني موجود قرب أهداف عسكرية بالنسبة إليها.

وأكثر، ألم ينتشر مقطع فيديو لشاب يصرخ من قلب الضاحية وقرب الدمار معترضاً على منعه (من قبل حماية الحزب كما ذكر) من دخول المنطقة لتفقد منزله المدمر وإحضار ثيابه ومنتقداً إياهم بالقول "عمياخدوا قرارات ببيوتنا وبرزقنا... يشيلوا مستودعاتهم من تحت البنايات تا يضلوا".

سلاح التخوين

للمفارقة أن كل من يرفع الصوت داخل لبنان رفضاً لوجود سلاح قرب منزله وعائلته تكون تهمة العمالة جاهزة له، لكن هذا "الخوف" كسر اليوم ومنشورات رفض السلاح ورصده داخل المنازل المأهولة بعد الضربات الإسرائيلية باتت في كل حدب وصوب افتراضياً وما من ترهيب يمكن أن يمحيها، أما شبح العمالة فبات تأثيره أضعف من أن يسكت المعارضين. 

كذلك يرى جمهور الحزب، وهي للمفارقة أصوات علت بعد اغتيال نصرالله، أن إيران الحليف الأكبر والراعي الأساس لتحركاتهم ووجودهم "باعتهم" وباعت نصرالله مما أدى لاغتياله، وهنا انتشرت عشرات الفيديوهات لمناصري الحزب وهم يشتمون طهران ويعلنون غضبهم على الملأ مما وصلوا إليه. أما كل الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الإيرانيون خلال الأيام الماضية، وآخرهم رئيس مجلس النواب محمد باقر قاليباق لن تصلح في الود قضية بينهم وبين جزء من جمهور الحزب الغاضب والمتمرد على تخلي طهران عنهم.

وأكثر، أين ذهبت كل "أوهام" الممانعين الإعلاميين والمحللين والسياسيين، الذين خرجوا علينا منذ سنوات يتحدثون تارة عن "كبسة زر" يمحي من خلالها الحزب إسرائيل، وتارة أخرى عن يوم القيامة الذي سيأتي إن قتل نصرالله، أو حتى تهديدهم للداخل اللبناني بأن اليد التي سترتفع لمعارضة الحزب وما يقوم به ستقطع؟ أين ذهب كل هذا التهديد الذي ساقه هؤلاء بوجه إسرائيل والداخل اللبناني، وتبين اليوم أنه مجرد تضليل إعلامي وفائض قوة وهمية؟

وأكثر أيضاً، ما حصل وما يحصل دفع جزءاً أكبر من اللبنانيين والسياسيين للمطالبة علانية بضرورة سحب سلاح الحزب، معتبرين أن هذا السلاح ومنظومة الصواريخ التي كثيراً ما تفاخر بامتلاكها باتت اليوم مشكلة ولا بد من حلها، ومن الوهم الاعتقاد أنه قادر على حماية لبنان من نيران إسرائيل، بل على العكس جلب الدمار والخراب بفعل انتشاره في بقعة جغرافية كبيرة من الأراضي اللبنانية.

 

 

قد يسأل كثر "ما البديل؟ وكيف نحمي بلدنا من العدو الإسرائيلي وأطماعه"؟

 إسرائيل استهدفت عمداً منازل تواجد فيها أطفال ونساء وشيوخ، واستهدفت سيارات الدفاع المدني والصليب الأحمر وكذلك قوافل مساعدات إنسانية، ولم يسلم الصحافيون من إجرامها ومنهم المصور عصام العبدالله والمراسلة فرح عمر، الذين كانا بلباس عليه إشارة الصحافة وفي مكان يفترض أنه "أمن"، لكن الضربات الإسرائيلية قتلتهما.

لكن الحقيقة تقال أيضاً بأن سلاح الحزب لم يحمينا، لم يحمي الأطفال والنساء والشيوخ والصحافيين ولا قوافل المسعفين. وللمشككين نسأل ما هو مفهوم الحماية بالنسبة إليكم؟ وما مقياس الربح والخسارة؟ أليس تدمير نصف بلدنا خسارة؟ أليس تهجير مليون لبناني خسارة؟ أليس مقتل وجرح 15 ألف شخص خسارة؟ أليست انقساماتنا الكبيرة خسارة؟ ما الذي ربحه لبنان من هذه الحرب؟ وما الذي حمتنا منه جبهة المساندة هذه؟.. لا شيء.

ما قد يحمي لبنان بوجه إسرائيل هو بالتأكيد ألا نعطيها ذريعة كانت أشبه بـ"الهدية" لتدمير بلدنا وقتلنا، وما يحمينا هو وحدتنا وقرار مواجهة العدو موحدين خلف جيش قوي يبسط وحده سيطرته على كامل التراب اللبناني، وما قد يحمي لبنان هو مقاومته كشعب موحد بقلب واحد ووجهة واحدة وإن اعتدى هو علينا لا أن نذهب نحن إلى الموت بقرار منفرد وأشبه بالانتحاري، وما قد يحمي لبنان هو أن تكون علاقاته جيدة وقوية بالدول العربية، لا أن يتدخل بشؤون الدول الأخرى عند كل حدث مهدداً أمنها القومي فيصبح معزولاً ومنبوذاً في محيطه، وما قد يحمي لبنان هو دولة مكتملة بسلطاتها كافة وقادرة على المواجهة في المحافل الكبرى وفي كواليس صناعة القرارات الدولية، وما قد يحمي لبنان هو اقتصاد قوي يضع لبنان في مصاف الدول الناجحة لا الفاشلة التي تنتظر هبة من هنا أو هناك لإعالة جيشها، عله يصمد لأشهر مقبلة.  

 

سقوط الأوهام الكبرى

الصورة اليوم سوداوية جداً داخل لبنان، لكن وبما أن الحقيقة وحدها هي الحاضرة على طاولة الحروب، فلا بد من قولها كاملة. لنأخذ هذه الحرب فرصة عل لبناننا يعود من جديد كما عهدناه، وجمهور الحزب المشتت اليوم بين من يرى ويلمس ويعيش الألم والدمار وينشد الخلاص، وبين من يصر على القتال وإن كانت نهايته الموت، يجمعه قاسم مشترك وهو أنهم لبنانيو الهوية.

ليأخذ الحزب هذه الفرصة التي قد تكون الأخيرة بأن يعود للبنانيته، ولوطنه انتماء وتفكيراً وقراراً، لا أن ينتمي لمحور وضع رأسه في الرمال عند أول طلقة رصاص تعرض لها فصيله الأكبر في المنطقة، أما كل الكلام عن هجمات إيرانية على إسرائيل انتقاماً لمقتل نصرالله فلا تسمن ولا تغني من جوع ولا من حرب ودمار وقتل و"نكبة لبنانية".

سقط وهم أن "حزب الله" أقوى من أن ينتهي، وسقط وهم أن "حزب الله" يسيطر بصورة نهائية على لبنان وقرار اللبنانيين، وسقط وهم أن إيران لن تترك "حزب الله" وحيداً.

التشخيص اليوم هو بداية العلاج لما يمر به لبنان من مرحلة حاسمة ومصيرية، وفي هذا التشخيص لسان حال جزء من اللبنانيين يقول "حزب الله" لم يعد يخيف أحداً في الداخل، ووهم قوته بأنه قادر على السيطرة وإرهاب باقي الفرقاء سقط على ضفاف الحرب القاسية علينا اليوم، أما وهم الردع والقوة وجبروته في مقابل قوة إسرائيل وتفوقها فسقط أيضاً، ومن يحاول قول العكس يعيش في جزيرة أخرى ربما تختلف عن تلك التي نشهد على دمارها وخرابها ونعيش داخلها.

"حزب الله" لم يعد يخيف أحداً لا الداخل ولا الخارج، وعودته إلى لبنانيته ربما تنقذ ما تبقى من شتاته.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل