Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خريف بريطانيا يشهد تغيرات غير عادية

تؤثر الأحوال الجوية المتقلبة سلباً على الأشجار فتحافظ أوراقها على اخضرارها لفترة أطول من المعتاد مؤشرة إلى دخولنا مرحلة جديدة تبعث على القلق من "الخريف المتقلص" 

متنزهون في حديقة ريجنت في لندن (غيتي)

ملخص

الخريف في بريطانيا هذا العام "مستتر" . فأوراق الشجر لم تتلون بألوان هذا الفصل ولم تتساقط

إنه الخريف! فصل التغيرات والتحولات في الطبيعة وما تجلبه معها من رقة المشاعر وهدوء النفس وجمال المناظر الخلابة، حينما تصبح الأيام أقصر وتكتسي الدنيا من حولنا ثوباً من الألوان الزاهية تزينه أوراق الأشجار الذهبية والحمراء. ولكن هذا العام يبدو أن كثيراً من الأشجار في المملكة المتحدة، متمسك بعناد حتى الآن بخضرته كأننا نمر، كما أشار البعض، بظاهرة جديدة تسمى "الخريف المنكمش".

لعله من الصعب تعيين بداية دقيقة وقاطعة لفصل الخريف [بسبب اختلاف المعايير المستخدمة]. يعتمد البعض على الخريف الفلكي كما يسمى، الذي يتحدد [باستخدام التقويم الفلكي] بناءً على ميل محور الأرض ومدارها حول الشمس.

استناداً إلى الحسابات الفلكية، يمتد خريف 2024 بين الانقلابين الشتوي والصيفي، في الـ21 من سبتمبر (أيلول) وديسمبر (كانون الأول) 2024. أما خبراء الأرصاد الجوية فيعتمدون على أسس وتقويمات مغايرة لتحديد موعد الخريف. وفي محاولة لتسهيل عمليات الرصد والتوقعات المناخية، يحدد هؤلاء بداية الفصول ونهايتها بناءً على تواريخ معينة في التقويم الجورجي (التقويم الميلادي). يقولون إن الخريف يبدأ تحديداً في سبتمبر ويرسم خواتيمه في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني). ولكن بالنسبة إلى كثيرين منا، يبقى قدوم الخريف حدثاً أعمق من تلك التواريخ والمعايير الفلكية، في الحقيقة... إنه تجربة وشعور يعيشهما الأفراد".

الخريف يلمس الوجدان، إذ تلمحه في الألوان الدافئة والعسلية التي يشع بها ضوء ما بعد الظهيرة، وتستشعره أيضاً ما إن تلمس براحة يدك قشرة ثمرة البلوط الهندي الباردة، أو عندما تخرج أنفاسك من جوفك وتروح ترتفع في الهواء صاعدة نحو السماء بزرقتها الصافية. وربما لا يحل فصل الخريف إلا عندما نرى الأشجار، وقد أخذت تتحول أوراقها من اللون الأخضر الباهت إلى الأحمر والأصفر المتوهجين، كما لو أننا أمام مهرجان ألعاب نارية يشع ضوءاً في النهار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا شك في أن التحولات اللونية التي تمر بها أوراق الأشجار، والناجمة عن تراجع نسبة الكلوروفيل فيها، ثم انبلاج الألوان العنبرية [المتدرجة من لون العنبر] والحمراء والصفراء بسبب المركبات الكيماوية أو الأصباغ "الفلافونويدات" [تعطي ألواناً كثيرة من الأبيض الكريمي إلى البرتقالي الأحمر والأرجواني والأزرق] و"الكاروتينات" [تعطي تدرجات البرتقالي والأصفر] و"الأنثوسيانين" [يعطي تدرجات الأحمر والبنفسجي والأزرق]، واحدة من أكثر العلامات المحبوبة، والتي ينتظرها الناس بحماسة لإعلان قدوم الخريف.

لذا، مع دخولنا الشهر الثاني الرسمي من فصل الخريف ما زالت أشجار كثيرة في المملكة المتحدة متشبثة بلونها الأخضر بعزم وإصرار، ويطرح عدد من الأسئلة حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة. باميلا سميث، كبيرة المستشارين الوطنيين لشؤون الحدائق والمتنزهات في "الصندوق الوطني"، تقول إن السبب بسيط: إنها "الطبيعة التي تعود إلى حال من الفوضى وعدم الانتظام مرة أخرى".

وتضيف سميث: "أقول دائماً إن الخريف قادم، إنه سيحل، لكننا لسنا متأكدين من مدى تأثيره في التحولات والتغيرات في الطبيعة" [سرعة تحول ألوان أوراق الأشجار مثلاً].

تقول سميث، التي تعيش في جنوب مدينة برمنغهام، إنها لاحظت أن أنواع أشجار مثل الليمون، علماً أنها تكون عادة واحدة من أولى الأشجار التي تشهد التحولات الخريفية (تتزين أوراقها بنقاط من اللون الأصفر الجميل)، لم تبدأ بعد في ارتداء زي فصل الخريف. وتشير إلى أن الأشجار، التي "تستفيد إلى أقصى حد من المياه الموجودة في الأرض لإنتاج أكبر قدر ممكن من السكريات والمواد الغذائية في الأوراق"، ربما في النهاية تتغير ألوان أوراقها كلها دفعة واحدة تقريباً وليس بصورة متدرجة، وذلك عندما تبدأ درجات الحرارة بالتراجع.

تضيف سميث: "أصفه بأنه خريف منكمش. لذا، قد نلقى جميع الألوان الخريفية، ولكن يحدث ذلك خلال فترة زمنية أقصر".

إن الآمال في ظهور ألوان مبهرة وتفجرها في الخريف، مرهونة في نهاية المطاف بالظروف المناخية وعدم تعرض الأوراق للتساقط بسبب الصقيع الشديد أو الرياح العاتية.

"حتى الآن، شهدنا مجموعة مختلطة من الظروف المناخية هذا العام، خصوصاً البداية المبللة بالأمطار، ولكن إذا شهدنا خفضاً تدريجاً في درجة الحرارة مصحوباً بطقس أكثر استقراراً، يسعنا أن نتوقع مهرجاناً طويل الأمد من الألوان الزاهية. أما إذا واجهنا صقيعاً حاداً وقاسياً أو تواصل الطقس الرطب المصحوب بالعواصف والأمطار الغزيرة والرياح في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، قد تحرم هذه الأحوال المناخية أنظارنا من الاستمتاع بألوان الخريف الجميلة لفترة ممتدة".

ماركوس شيلتون جونز أمين متحف "غاردن بريدج ووتر" التابع لـ"الجمعية الملكية للبستنة"، يعرب عن تفاؤله  يعقد الآمال [على قدوم الخريف على سابق عهده]. ويضيف أن "مزيجاً من الأيام المشمسة وخفض درجات الحرارة أثناء الليل سيزيد حيوية ألوان الخريف هذا العام. وما دامت الرياح العاتية لم تعر الأشجار قبل الأوان، فما زال في إمكاننا الاستمتاع بمشهد خريفي خلاب.

في حين أن درجات الحرارة الأدنى من المعتاد التي سجلها الصيف، وهطول نسبة أمطار أعلى من المتوسط ساعدا الأشجار على الاحتفاظ بأوراقها الخضراء لفترة أطول، فقد تأثرت الأنشطة الخريفية الأخرى بالربيع الرطب والحلول المبكر للصيف الذي عشناه جميعاً في المملكة المتحدة.

مثلاً ارجأت شركة "غسبرن" Gusbourne البريطانية لصناعة النبيذ في كينت قطاف محاصيلها من العنب إلى وقت لاحق من الشهر بسبب "موسم زراعي مشوب بالتحديات"، وقد أبلغ المزارعون عن قطاف صعب بعد عام من الأمطار الغزيرة وعدد قليل من الأيام المشمسة.

الأشجار أيضاً تكون في النهاية عرضة لأحوال "صحتها" واحتفاظها بأوراقها، فتيجانها التي تبقى "مرتفعة" في أواخر الخريف تكون أكثر عرضة للرياح القوية. علاوة على ذلك، بسبب رطوبة الأرض تكون الأشجار أكثر عرضة للاقتلاع، وعلى رغم أن هذه ظاهرة طبيعية وصحية في الغابات، غير أنها تمثل مشكلة في الحدائق والمتنزهات والشوارع [مثلاً، تضرر الأشجار نفسها وتهديد الممتلكات والأشخاص]. ومعروف أيضاً أن التناوب المستمر بين التشبع الشديد بالمياه حيناً والجفاف في التربة حيناً آخر يجهد الأشجار، فيلحق الأذى بأوراقها وبالظروف البيئية، حيث تنمو الجذر.

ربما علينا القبول بأن عنصر المفاجأة الكامن في الطبيعة وتغيراتها العصية على التوقع يمثل الجمال الحقيقي للخريف ومشهديته الخلابة. البحث عن لون الخريف، سواء في خشب البلوط الخمري، أو قرمزية أشجار القيقب، أو احمرار الزعرور في الحدائق والأسيجة، يدعونا إلى التأمل في هذا الفصل من السنة، بل أيضاً في ما يتجاوز الظواهر الموسمية. إنه التأمل في العالم برمته بتعقيداته وترابطه.

إذ نتأمل في لون ورقة شجرة ما، ندرك ماهية الطقس وأنماطه وكيف أننا حتى في العالم الحديث مرتبطون بروح الطبيعة الحرة غير المروضة وعجائبها. في الحقيقة، لا يسعنا التفكير في أي شكل حي يتسم بهذا القدر من الصفاء والسكينة والتناغم والوفرة.

*مات غاو مؤلف كتاب "في كل المناخات: رحلة عبر المطر والضباب والرياح والجليد وكل ما بينها"، وهو متوافر في المكتبات البريطانية الآن.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة