Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محيط "غوغل" الأزرق يعج بأسماك القرش

متصفحات أخرى تهز عرش محرك البحث الرائد مما يتطلب فهماً دقيقاً للمشهد الحالي ومستقبل الوصول إلى المعلومات

يسبح حوت محركات البحث لسنوات طويلة في محيط أزرق يطوف فيه كيفما شاء (أن سبلاش)

ملخص

الحقيقة أن المنافسة الأكثر تهديداً قد تأتي من محركات البحث داخل مواقع الويب والتطبيقات التي تقدم أكثر من مجرد عمليات البحث مثل "أمازون" و"ميتا" (فيسبوك)، إذ يتجه المستخدمون وبخاصة الأصغر سناً إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي وبرمجيات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للعثور على ما يحتاجون إليه عبر الإنترنت.

احتفلت "غوغل" خلال الرابع من سبتمبر (أيلول) الماضي بذكرى تأسيس محركها الرائد، لكن عام "غوغل" الـ26 لم يشبه ما سبقه من أعوام رخاء، ففي حين سبح "حوت محركات البحث" لأعوام طويلة في محيط أزرق يطوف فيه كيفما وأينما شاء، يبدو أن مقولة "دوام الحال من المحال" انطبقت بدقة على "غوغل" إذ بدأت نوعية أخرى من أسماك القرش تحوم في محيط الحوت، باحثة عن مساحة لها ومترقبة أول زلة لتنقض وتستثمرها محولة البحر الأزرق الهادئ إلى بحر أحمر يملأه القلق والمخاوف بانتظار ما ستخبئه الأيام المقبلة.

هيمنة "غوغل"

و"غوغل" النشيطة جداً التي لم تتوقف إصداراتها من المنتجات منذ نشأتها الأولى أطلقت أول نسخة من محرك البحث الخاص بها عام 1998، ومنذ ذلك الحين تمتع العملاق التكنولوجي بسلسلة متواصلة تقريباً من النمو والهيمنة في سوق محركات البحث، حتى إن اسمه دخل قاموسنا كفعل لوصف عمليات البحث عبر الإنترنت.

وتفتخر "غوغل" بحصة تزيد على 88 في المئة من عمليات البحث على الويب في الولايات المتحدة بدءاً من أبريل (نيسان) 2021، إذ اعتباراً من يونيو (حزيران) 2020 صنفت "غوغل" على أنها الموقع الأكثر شهرة في العالم من قبل شركة بيانات حركة المرور على الويب" إليكسا"، المتخصص في إحصاءات وترتيب مواقع الإنترنت.

ويعود تفوق وتميز الشركة بحسب رئيس جامعة "ستانفورد" وأحد أعضاء مجلس إدارة مؤسسة "غوغل" جون هنس إلى تصميم طريقة خاصة في الدمج بين البرمجيات لتنظيم المعلومات واستخراجها بسرعة فائقة، إضافة إلى الآليات والأجهزة التي يتم تجميعها في أماكن سرية داخل مجمع الشركة في "وادي السيليكون" بكاليفورنيا، والتي تقوم بدورها بتشغيل البرمجيات مستغلة أحدث التكنولوجيات للوصول إلى أفضل أداء في استرجاع المعلومات بسهولة ويسر، فضلاً عن السرعة الفائقة" بحسب ما ورد في كتاب "قصة غوغل".

حركة المرور والإعلانات

لكن "غوغل" واجهت بعض العثرات أخيراً، وبقراءة معمقة سنجد أن قرارات "غوغل" نفسها داخل بحرها الأزرق أسهمت في خلق حال من عدم الاستقرار، فقد أدى تحديثان أساسيان لخوارزمية "غوغل" أخيراً إلى إحداث فوضى في نتائج البحث وازدحام حركة المرور، وشهدت المواقع التي قضت أعواماً في إنشاء محتوى فريد وأصلي قائم على البحث انخفاضاً حاداً في حركة المرور، وكأن "غوغل" قامت بخنق حركة المرور.

 

 

وفي حين تعد سوق عمليات البحث عبر الإنترنت ذهبية (يمثل نحو نصف إجمال الإنفاق على الإعلانات عبر الإنترنت)، تهيمن الشركة على هذه السوق وتجني أموالها في المقام الأول من خلال بيع الإعلانات عبر الإنترنت، لكن التحديثات الأخيرة جعلت الشركات الصغيرة تشعر كما لو أنها مستبعدة من تحديثات الإعلانات الكبيرة، مما دفع المسوقين إلى البحث في أماكن أخرى عن حركة مرور غير مدفوعة، وبدأت شكاوى المستخدمين والمسوقين تأخذ وتيرة أعلى مروراً بانخفاض حصة "غوغل" العالمية في البحث إلى ما يزيد على 91 في المئة خلال يونيو الماضي، وهو أدنى مستوى لها منذ نحو عقد من الزمن، لكن ومع ذلك كله لا تزال "غوغل" تقدم أكبر عدد من الزيارات غير المدفوعة.

الذكاء الاصطناعي

أطلقت "غوغل" خدمة AI Overviews خلال مايو (أيار) الماضي في مؤتمرها السنوي، وتهدف فيها إلى التسهيل على المستخدمين للوصول إلى المواقع التي تهمهم بالفعل، وتمكنهم من الحصول على إجابات منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي، بحيث يظهر عرض للروابط على الجانب الأيمن عند إجراء بحث على "غوغل"، لكن أثارت هذه الخدمة سيلاً من ردود الفعل المتباينة حول دقة الاستجابات، وسرعان ما شارك المستخدمون لقطات لبعض الإجابات المضحكة و"الخطرة" المحتملة من قبل روبوت البحث الجديد، منتقدين أيضاً إعطاء "غوغل" الأولوية للردود التلقائية إضافة إلى طريقة إشغال نص الذكاء الاصطناعي للمساحة الأكثر قيمة في صفحة البحث، مما أجبر المستخدمين على التمرير لرؤية روابط أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الأمر لم يتوقف هنا إذ كشفت "أوبن أي آي" خلال يوليو (تموز) الماضي عن نموذج محرك بحث أولي (مساعد للتصفح بالذكاء الاصطناعي) أطلقت عليه اسم "سيرش جي بي تي" SearchGPT منافس لـAI Overviews"" التابع لـ"غوغل"، فكما دمج "AI Overviews" في محرك "غوغل" فكرت "أوبن أي آي" كذلك بدمج "سيرش جي بي تي" مع "شات جي بي تي"، بحيث يسمح للمستخدمين بالبحث عن المعلومات بالطريقة نفسها التي يتحدثون بها إلى "شات جي بي تي"، مما جعل المنافسة تحتدم في سوق البحث لتقوم "غوغل" بعد شهر بتحديث خدمتها.

بيئة تنافسية ديناميكية

خلال الوقت ذاته تحوم حول سوق "غوغل" المتفرد مجموعة من محركات البحث بعضها ذات ميزات مبتكرة تكمل ما بدأه "غوغل" وتصلح الثغرات ونقاط الضعف لديه، وهنا يبدو الموضوع معقداً قليلاً إذ من خلال توصل "غوغل" لفهم دقيق للمشهد الحالي ومستقبل الوصول إلى المعلومات في العالم الرقمي، سنجد أن هناك نوعين من المنافسة تنتظرانها خلف الكواليس مباشرة وفي ما بعد، فالمشكلة أن المنافسة على حركة البحث لا تقتصر على مفهوم محركات البحث التقليدية بل تتعداها لتصل إلى تطبيقات لم تصمم أصلاً بغرض البحث، وعلى رغم ذلك يستخدمها الباحثون للعثور على أشياء كان من الممكن أن يجدوها باستخدام "غوغل".

والحقيقة أن المنافسة الأكثر تهديداً قد تأتي من محركات البحث داخل مواقع الويب والتطبيقات التي تقدم أكثر من مجرد عمليات البحث مثل "أمازون" و"ميتا" (فيسبوك)، إذ يتجه المستخدمون وبخاصة الأصغر سناً إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي وبرمجيات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للعثور على ما يحتاجون إليه عبر الإنترنت.

وتشير منصة "سيمرش" لبيانات تصنيف المواقع على الإنترنت إلى أنه اعتباراً من مارس (آذار) الماضي برزت مواقع مثل "آبل" و"تويتر" و"مايكروسوفت" كمنافسين مهمين من ناحية حركة المرور ودرجات النفوذ على الويب، إذ قدمت هذه المنصات بديلاً جذاباً لخدمات "غوغل" وفَّر للمستخدمين خيارات متنوعة في الفضاء الرقمي.

منافسة غير مباشرة

والحقيقة أن محركات البحث داخل "أمازون" و"ميتا" وغيرهما من المواقع قد تسهم في إحداث تحول جذري في عمليات البحث على الإنترنت، وهذا ما لفت انتباه "غوغل" منذ 10 أعوام إذ صرح الرئيس التنفيذي السابق لشركة "غوغل" و"ألفابت" في حديث له عام 2014 بأنه "يعتقد كثر أن منافسنا الرئيس هو ’بينغ‘ أو ’ياهو‘، ولكن في الحقيقة أكبر منافس لنا في مجال البحث هو ’أمازون‘. وأشار إلى أن "المتسوقين غالباً ما يتجاوزون ’غوغل‘ في هذا القطاع"، إذ تؤثر قدرات البحث القوية لـ"أمازون" في ديناميكيات التجارة الإلكترونية بصورة كبيرة، وتعد عمليات البحث عن المنتجات من بين أكثر العمليات ربحية وأهمية من منظور الأعمال.

 

 

ويلوح في الأفق تهديد ملموس من قبل "ميتا" التي تخبئ بحوزتها كل مكونات الوصفة اللازمة لإنشاء بديل بحث لا يضاهى، مع امتلاكها كنزاً من البيانات بوصولها إلى 2.8 مليار مستخدم عام 2020 وفهم عميق لاهتمامات المستخدمين وعلاقاتهم وميولهم، مستمد من خبرتها الطويلة في كواليس الحياة الاجتماعية.

وبهذا الرصيد تواصل شركة "ميتا" توسيع نفوذها عبر مساحات التواصل الاجتماعي والواقع الافتراضي، ترافقها ضربات موفقة في عمليات الاستحواذ الاستراتيجية وما تحرزه من تطورات في الواقع المعزز وعالم "ميتافيرس"، وتضع نفسها كمنافس رئيس في سوق صناعة البحث متسلحة بقاعدة مستخدمين عملاقة ونطاق إعلانات تعزز من نسبة نجاحها في هذا القطاع.

"بينغ" و"ياهو" والمنافسة المباشرة

لكن لدى "غوغل" اثنان فقط من المنافسين المباشرين في الولايات المتحدة مع حصة سوقية كبيرة هما "بينغ" و"ياهو"، فتعد "مايكروسوفت" مع محرك البحث الخاص بها "بينغ" الذي أطلقته عام 2009، المنافس الأبرز باعتباره ثاني أكبر محرك بحث على مستوى العالم طارحاً نفسه كبديل قوي لـ"غوغل"، ومع موطئ قدم كبير ومتزايد باطراد في سوق محركات البحث يواصل "بينغ" تحسين عروضه وتوفير تجربة مستخدم متماسكة ونتائج أكثر دقة وتفصيلاً لتعزيز قدرته التنافسية، من خلال توفير التكامل السلس مع مجموعة منتجات وخدمات "مايكروسوفت" والميزات البارزة المصممة لتحسين تجربة المستخدم، مثل الأدوات المتقدمة للبحث الشامل عن الصور والفيديوهات وتوفير نتائج أكثر تفصيلاً، والتكامل مع نظام "مايكروسوفت" البيئي ومنتجاته مثل "أوفيس"، وتحسينات البحث الذكي وبرنامج المكافآت "Bing Rewards" الذي يسمح للمستخدمين باستبدال النقاط التي يحصلون عليها مقابل عمليات البحث.

أما اللاعب الثاني "ياهو" فيستعد لعودة قوية إلى سوق محركات البحث مستغلاً تاريخه العريق، ومتسلحاً بالتطورات التكنولوجية الأخيرة لاستعادة حصته السابقة والاستحواذ على حصة أكبر من سوق محركات البحث وتوسيع قاعدة مستخدميه، معيداً أمجاد الماضي ومسترجعاً إرثه كلاعب صعب المراس.

وتتبع "ياهو" استراتيجية الاستفادة من الأسواق الناشئة وإعادة التواصل مع الجمهور الذي لم تمحى صورته من أذهانهم بعد، فيستثمر في هذا الاهتمام المتجدد المستجد، مستفيداً من فكرة حنين المستخدمين له وانجذابهم إلى تصميمه الجديد سهل الاستخدام، وفي الوقت ذاته يدمج إلى جانب استغلاله لنزعة النوستالجيا هذه ميزات متطورة لجذب المستخدمين المعاصرين، وهذه نقطة تحتسب له في ميزان الحسابات الرقمية العالمية، إذ يبدو "ياهو" وكأنه يسير بثبات من خلال خطة مدروسة بعناية ملتقطاً كل فرصة ليحولها إلى نقطة إضافية في رصيده، فيستثمر في قدرات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي إضافة إلى تحسين الخوارزميات ونتائج البحث والتركيز على تجربة المستخدم، لتلبية المتطلبات المتطورة وضمان بقائه في المشهد المدفوع بالتكنولوجيا والقائم عليها.

"بايدو" و"ياندكس" والأسواق المحلية

إضافة إلى هذين اللاعبين البارزين تتفوق محركات بحث تهيمن على بعض الأسواق المحلية الكبيرة من خلال تلبية تفضيلات ثقافية ولغوية محددة، وفهمها العميق للفروق الدقيقة المحلية وتوفير ميزات تعزز مكانتهم وتجعل منهم أداة لا غنى عنها في أسواقهم المحلية، ونذكر على سبيل المثال "بايدو" الذي يتصدر سوق محركات البحث داخل الصين ويشتهر بفهمه العميق لسلوكات وتفضيلات المستخدمين المحليين، ويقدم نتائج بحث مخصصة تتوافق جيداً مع مستخدمي الإنترنت الصينيين، و"ياندكس" السائد في روسيا مدعوماً بخوارزمية متطورة توفر نتائج بحث دقيقة وموثوقة. وبذلك يعزز كل من "بايدو" و"ياندكس" النهج والاستراتيجيات المحلية الممكنة في المشهد الرقمي.

والحقيقة أن هذا المشهد الجديد الذي يتراءى مع فتح بوابة المنافسة "غير المتوقعة" على مصراعيها في سوق البحث عن المعلومات، سيثري تجربة المستخدمين ويضمن وجود مجموعة غنية من البدائل للمسوقين، فمع ارتفاع الأمواج في محيط "غوغل" ستبدأ الشركات التي تخوض منافسة ديناميكية باللعب مقدمة أفضل ما لديها لتوسع رقعتها وتحصل على حصة أكبر، وهي فرصة ربما لا تتكرر دائماً بالمعطيات الحالية نفسها.

والجدير بالملاحظة أن لكل منافس نقاط قوة وتحديات فريدة، وكل ما على المستخدمين اليوم الاستفادة من هذا التنوع التنافسي والبدء في فحص ومتابعة ما يقدم للخروج بأفضل صفقة ممكنة تصل بنا إلى دقة أعلى وسرعة وشمولية في البحث، مع وجود خيارات ورؤى تكنولوجية غير مسبوقة بوجود الذكاء الاصطناعي خلال وقتنا الحالي.

اقرأ المزيد

المزيد من علوم