Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الريال اليمني غارق بين ضفتي "الحوثي" و"الشرعية"

الأموال موزعة على مصرفين مركزيين والانهيار الاقتصادي يدفع في اتجاه تصاعد الغضب الشعبي

انهيار تاريخي متلاحق لسعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية (أ ف ب)

ملخص

يأتي الانخفاض التاريخي الأخير للريال اليمني وسط انقسام عميق في المؤسسات المالية والنقدية المتدهورة بين الحوثيين المدعومين من النظام الإيراني وبين الحكومة الشرعية، على رغم جملة المعالجات والقيود الموقتة التي انتهجتها الأخيرة وفرضتها على قطاع الصرافة بالعملات الأجنبية في مدينة عدن، قبل أن تعاود عملية الانهيار مجدداً.

مشهد كئيب وكالح تحكيه جباه أولئك الجياع المحتجين على الانهيار التاريخي المتلاحق لسعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وهم يشاهدون نذر موجة مجاعة حقيقية وعجز شرائي تام نتيجة الارتفاع الذي يفرضه هذا الانهيار على أسعار المواد الغذائية والضروريات.

وبلغت قيمة العملة اليمنية أمام الدولار الواحد نحو 1983 ريالاً، في أدنى مستوى له منذ عامين، كاشفاً الستار عن أسوأ مشهد اقتصادي يشهده اليمن، ومنذراً بتفاقم الأزمة الإنسانية على نحو أكثر شراسة في ظل تساؤلات الملايين هناك عن دور السلطتين المسؤولتين على القطاعين المصرفي والاقتصادي في البلاد، فضلاً عن حال التردي غير المسبوق في قطاع الخدمات وفي مقدمها المياه والكهرباء وانقطاع الرواتب عن غالبية الموظفين العموميين، كتبعات رسمها انقسام البلاد بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية من دون حل منظور.

ويأتي الانخفاض التاريخي وسط انقسام عميق في المؤسسات المالية والنقدية المتدهورة بين الحوثيين المدعومين من النظام الإيراني وبين الحكومة الشرعية، على رغم جملة المعالجات والقيود الموقتة التي انتهجتها الأخيرة وفرضتها على قطاع الصرافة بالعملات الأجنبية في مدينة عدن، قبل أن تعاود عملية الانهيار مجدداً.

ويتزامن هذا مع أزمة كهرباء خانقة أنهكت السكان في عدن والمحافظات المجاورة، وتجاوز درجات الحرارة 38 درجة مئوية، إضافة إلى الرطوبة العالية.

أسباب

وأفاد سكان محليون في عدن أن قيمة الريال في تعاملات السوق السوداء الموازية مساء الأحد الماضي تجاوزت حاجز 1720 ريالاً للشراء و1730 للبيع، بفارق 70 ريالاً عن مستوى الصرف قبل أسبوع و120 ريالاً قبل شهر، وتقول الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إن الاقتصاد تكبد خسائر بنحو ملياري دولار جراء توقف تصدير النفط الخام عقب استهداف جماعة الحوثي موانئ نفطية جنوب وشرق البلاد أواخر عام 2022، إضافة إلى تكبدها شراء المشتقات النفطية الخاصة بالتشغيل والتي يستهلك منها مئات الملايين من الدولارات شهرياً، كما يوجد في البلاد بنكان مركزيان متنافسان أحدهما خاضع للحكومة المعترف بها في عدن والآخر لجماعة الحوثي في صنعاء.

وعادة ما يؤدي انهيار الريال إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع الضرورية نتيجة لاعتماد البلاد على استيراد السلع والمواد الغذائية من الخارج.

محاولات

وعلى وقع موجة من الغضب الشعبي سارع رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي إلى العودة للعاصمة اليمنية الموقتة عدن بعد مشاركة في اجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، للوقوف على تطورات الانهيار المتلاحق لقيمة صرف الريال أمام العملات الأجنبية في ظل تزامنها مع ترتيبات شعبية للخروج غداً الخميس في تظاهرات غضب احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

 

 

ومن المتوقع أن يعقد الرئاسي اليمني لقاءات موسعة لتدارس الأوضاع وتشارك الرؤى الموجهة لتعزيز موقف العملة الوطنية والإصلاحات الاقتصادية، والاطلاع على الإجراءات الحكومية المتخذة لتأمين الخدمات والسلع الأساس، والحد من تداعيات التضخم الحاد والتقلبات السعرية.

وسيعقد الرئيس في هذا السياق لقاءات موسعة برئاسة الحكومة والفريق الاقتصادي والغرف التجارية ومجتمع الأعمال والمكونات السياسية والمدنية والجهات ذات العلاقة، لتشارك الخطط والسياسات والرؤى الموجهة لتعزيز موقف العملة الوطنية والإصلاحات الاقتصادية والإدارية المدعومة من الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والمجتمع الدولي.

ومع تهاوي قيمة العملة المحلية حالياً سارع البنك المركزي اليمني التابع للشرعية بعرض مزادات لبيع النقد الأجنبي للبنوك التجارية بعد أيام من حصوله على دفعتين من الدعم الاقتصادي الذي قدمته السعودية للحكومة المعترف بها دولياً في عدن، وقال البنك المركزي في بيان إنه باع الخميس الماضي 21.874 مليون دولار في مزاده السابع هذا العام، والذي يجريه عبر منصة إلكترونية.

انقسام رأسي 

ويقول الباحث الاقتصادي وفيق صالح إن هناك مضاعفات سلبية على الاقتصاد الوطني بسبب تأثير 10 أعوام من الحرب في اليمن جراء استمرار تقويض المؤسسات الاقتصادية من قبل الميليشيات الحوثية، وحربها ضد القطاعات الاقتصادية كافة، وقصف منشآت تصدير النفط الخام وحربها ضد الطبعة الجديدة من الريال اليمني.

ويوضح صالح أن الممارسات الحوثية أحدثت انقساماً رأسياً في المؤسسات المالية وخلقت بؤر استنزاف كبيرة للعملة الأجنبية في المحافظات المحررة، مع ترحيل للأزمات التي تتعلق بالنقد الأجنبي والسيولة إلى المحافظات التي تديرها الحكومة الشرعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الباحث الاقتصادي أن "على الجانب الآخر أيضاً ضغوطاً كبيرة تواجه المالية العامة للدولة بسبب توقف موارد النقد الأجنبي وزيادة النفقات المالية للحكومة، وخصوصاً مدفوعات النقد الأجنبي، وهذا يعمل على زيادة الطلب وشراء العملات الأجنبية في السوق السوداء وضرب قيمة الريال اليمني".

بعد دولي ومقامرة

ويكشف صالح أن هناك عوامل ومتغيرات دولية "مرتبطة بتصاعد الصراع في المنطقة والبحر الأحمر وموانئ الحديدة أثرت بصورة سلبية في أسواق الصرف.

ويؤكد صالح أن هذه العوامل دفعت بتزايد حال عدم اليقين وتصاعد المخاوف الاقتصادية في أوساط القطاعات التجارية والصناعية بسبب تعقد سلاسل التوريد، مما دفع بتزايد الطلب على النقد الأجنبي في السوق السوداء وتكثيف آلية الاستيراد تحسباً لأي احتمالات قاتمة في عملية الواردات، خصوصاً أن ميليشيات الحوثي ماضية في مقامرتها بمصالح الاقتصاد الوطني ومصالح المواطنين.

وبالنسبة إلى الحلول الممكنة فإن الباحث الاقتصادي يرى أن إعادة الاستقرار للريال اليمني وكبح جماح المضاربة تحتاج إلى قرارات جريئة من قبل المجلس الرئاسي والحكومة، تتمثل في إعادة تفعيل المصادر المعطلة وتنمية الموارد المحلية وضبط عملية الإنفاق وتقليص المدفوعات الخارجية، إضافة إلى ضرورة تفعيل أدوات السياسة النقدية للبنك المركزي والسيطرة على سوق الصرف، وإعادة الثقة للجهاز المصرفي الرسمي وإنهاء حال العشوائية التي تسود سوق الصرف.

أولى شرارات الغضب

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الغضب والاستنكار الشعبي ضد الموقف السلبي للشرعية تجاه انهيار العملة المحلية المتواصل، إذ يواجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي والحكومة ضغوطاً متصاعدة وانتقادات حادة نتيجة الغياب المستمر عن المشهد الداخلي، في وقت تتدهور فيه الأوضاع الاقتصادية بصورة سريعة وحادة على رغم وعود الحكومة المتكررة باتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة الأزمة.

 

 

ويرى كثير من المواطنين أن غياب الرئيس والمسؤولين عن البلاد لفترات طويلة خارج البلاد وغياب الحلول الملموسة على أرض الواقع فاقما الأوضاع وزادا الاحتقان الشعبي، وفي أول تحرك على الأرض اندلعت بمحافظة تعز أمس الثلاثاء تظاهرات غاضبة احتجاجاً على انهيار العملة، ونشر ناشطون صوراً ومقاطع فيديو تظهر آلافاً من أبناء تعز وهم يجوبون الشوارع ويرفعون شعارات ضد الحكومة، مطالبين بوضع حد لانهيار العملة وغلاء الأسعار.

وتزامنت هذه الاحتجاجات مع إضراب شمل المحال التجارية ومحال الصرافة، مع دعوات إلى المشاركة في تظاهرات كبرى غداً الخميس، كما رفع ناشطون شعارات ووسوماً إلكترونية تتهم الحوثيين والحكومة بتجويع اليمنيين، كما دعت نقابة المعلمين إلى الخروج في مسيرة حاشدة صباح غد للمطالبة بتسليم الحقوق وتحسين المستوى المعيشي والخدمي للموظفين والمواطنين.

وعلى صعيد متصل بدأت محال الصرافة في العاصمة عدن أمس الثلاثاء وقف عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية جراء الانهيار الحاصل في أسعار الصرف.

اقرأ المزيد