Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إرث بايدن يهدد فرص هاريس للفوز بالسباق الرئاسي

فشل في كبح جماح إسرائيل داخل غزة ولبنان وغذى الحرب في أوكرانيا

تسعى المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس إلى البحث عن فرص لتمييز نفسها عن الرئيس الحالي وسياساته التي أصبحت تهدد إمكان فوزها (أ ف ب)

ملخص

لا شك في أن إرث بايدن الثقيل سيشكل عبئاً على كامالا هاريس، وهو ما يسعى الرئيس السابق دونالد ترمب إلى استغلاله خلال حملته الانتخابية قبل ثلاثة أسابيع فقط من موعد الانتخابات الحاسم في الولايات المتحدة.

هاريس تريد اغتنام الفرص لتذكير الناخبين بأنها تخوض السباق بشخصها وببرنامج خاص مميز عن بايدن، وأنها حريصة على التطلع إلى المستقبل.

يبدو أن سياسة بايدن في الشرق الأوسط فشلت عملياً وأخلاقياً، وقد تكون فشلت سياسياً كذلك، مما قد يضر بنائبته كامالا هاريس.

كان ظهور الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الحملات الانتخابية لنائبته كامالا هاريس بعد انسحابه من السباق أمراً معقداً، بسبب الشعور بأن وجوده على الطريق يمكن أن يذكر الناخبين بصفحة إرثه التي تحاول هاريس طيها، لكن ظهور بايدن المفاجئ في حدث انتخابي بولاية بنسلفانيا الثلاثاء، وتأكيده أن هاريس ستشق طريقها الخاص إذا فازت بالرئاسة، كان بمثابة تباين واضح يستهدف منحها الحرية في تحديد مواقفها السياسية خلال المرحلة الختامية الحاسمة من السباق الرئاسي، فما سبب هذا التحول؟ ولماذا ينظر إلى إرث بايدن بشكل سلبي للغاية، وبخاصة في السياسة الخارجية؟

عبء التمييز عن بايدن

لم يكن ما نقلته بعض وسائل الإعلام الأميركية أخيراً عن خلافات سياسية بين حملة هاريس الانتخابية وفريق الرئيس بايدن في البيت الأبيض سوى علامة واضحة على التباين حول إرث الرئيس بايدن المثير للجدل، وسط حملة انتخابية ساخنة ومتقاربة للغاية، ودليل آخر على سعي هاريس إلى البحث عن فرص لتمييز نفسها عن الرئيس الحالي وسياساته التي أصبحت تهدد إمكان فوز المرشحة الديمقراطية بالسباق الانتخابي ضد الرئيس السابق دونالد ترمب.

وإذا كان ما يجري الآن أشبه بانتخابات عام 2000 حينما وضع مرشح الحزب الديمقراطي ونائب الرئيس آنذاك آل غور مسافة واسعة بينه وبين الرئيس كلينتون، بسبب فضيحته الجنسية مع متدربة البيت الأبيض مونيكا لوينسكي والتي أحاطت بنهاية رئاسة كلينتون، فإن الأمر بالنسبة إلى بايدن يختلف كثيراً بسبب حقيقة أنه لم يكمل سوى دورة رئاسية واحدة، وكان هو بنفسه المرشح المفترض لخوض الانتخابات، وامتدح الديمقراطيون إرثه كبطل قومي يضحي بترشحه بسبب عامل السن فقط.

إحباط هاريس

وفيما أعرب مساعدو هاريس عن بعض الإحباط من أن الرئيس كان يركز بإفراط على إرثه الخاص وليس سباق خليفته، ويقول زملاؤه الديمقراطيون إنه محق في تبني سجله الخاص عندما يغادر الخدمة العامة، فإن هاريس تريد اغتنام الفرص أيضاً لتذكير الناخبين بأنها تخوض السباق بشخصها وببرنامج خاص مميز عن بايدن، وأنها حريصة على التطلع إلى المستقبل.

ومع ذلك تعثرت هاريس خلال ظهورها الأسبوع الماضي في برنامج "ذا فيو" على شبكة "أيه بي سي" عندما سُئلت حول كيف يمكن أن تؤدي المهمة بصورة مختلفة، ففي البداية قالت إنه لا يوجد شيء يتبادر إلى الذهن، لكنها عادت لاحقاً لتقول إنها ستعين جمهورياً في مجلس وزرائها، وهو ما لم يفعله بايدن، لكن الجمهوريين استغلوا الإجابة بسرعة وبثوا المقطع أثناء تجمعات ترمب في بنسلفانيا في محاولة للسخرية منها.

كانت هاريس مترددة في القيام بأي شيء يمكن اعتباره غير مخلص لبايدن، على اعتبار أنه رفع منزلتها من عضو مجلس الشيوخ إلى منصب نائب الرئيس، ثم سلم لها زمام الأمور في عمله السياسي وأيدها عندما انسحب من السباق في يوليو (تموز) الماضي، ولهذا اكتفت وسط الضغوط التي تواجهها لتمييز نفسها بتجاهل الأسئلة حول كيف ستكون مختلفة عن الرئيس الديمقراطي بقولها "أنا لست جو بايدن" من دون أن تقدم سوى القليل من التفاصيل، على رغم أنها تقدم نفسها كمرشحة تحمل لواء التغيير الإيجابي للبلاد، بالاعتماد إلى حد كبير على كونها من جيل مختلف عن كل من بايدن وترمب.

وتعرف هاريس أنها إذا انفصلت عن بايدن فمن المحتمل أن يثير ذلك غضب بعض القاعدة الديمقراطية الأساس، ومع ذلك يريد كثير من الناخبين الوسطيين، وبخاصة الشباب، التغيير وعدم الشعور بأنهم يصوتون لولاية أخرى لبايدن.

إرث مثير للقلق

في حين تظل معدلات شعبية بايدن منخفضة (55 في المئة غير مواتية)، فإن جزءاً من أجندته التشريعية لا تزال تحظى بشعبية، بما في ذلك القوانين الخاصة بالبنية التحتية وتوسيع نطاق الرعاية الصحية وخفض كُلف بعض الأدوية، فضلاً عن انخفاض معدلات البطالة إلى 4.1 في المئة، واستمرار النمو الاقتصادي إلى ثلاثة في المئة، ومع ذلك يظل ارتفاع معدلات التضخم والهجرة غير الشرعية هما أكثر علامات الضعف المثيرة للقلق، إضافة إلى السياسة الخارجية واستمرار الأزمات العالمية بخاصة في أوكرانيا، والتهديد بخطر توسع نطاق الحرب في الشرق الأوسط والتي أصبح الجنود الأميركيون موجودين فيها من خلال انتشارهم على الأرض داخل إسرائيل.

لقد ارتكبت إدارة بايدن كثيراً من الأخطاء الإستراتيجية وفشلت في كثير من الأحيان في اتخاذ خيارات صعبة، وعلى سبيل المثال كانت الطريقة التي استمرت بها الإدارة في تبني إستراتيجية الحكومة الإسرائيلية في غزة ولبنان سياسة عاجزة هددت بأن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، كما فشلت الإدارة في الاعتراف بالحقائق الصعبة أو قبولها مثل النقص في مخزونات ذخيرة الولايات المتحدة والدول الغربية التي ترسلها إلى كييف، وصعوبة الاستمرار في نهج الشيك المفتوح في حرب أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أخطاء بالجملة

بعد وقت قصير من هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، سأل أحد الصحافيين الرئيس بايدن عما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على دعم أوكرانيا وإسرائيل وحلفاء آخرين في وقت واحد، وجاءت إجابة الرئيس الأميركي "بالطبع نحن الولايات المتحدة الأميركية"، لكن هذا التصريح تعارض بوضوح مع ما تلى ذلك من سياسات الإدارة المتضاربة في كثير من المجالات.

وفي أوكرانيا تجلى تردد الإدارة الأميركية في ميلها إلى رفض أنظمة الأسلحة الجديدة الأكثر تطوراً، قبل أن تعود وتوافق على إرسالها لكييف في النهاية، لكن على رغم سعي واشنطن إلى إدارة خطر التصعيد النووي والتقليدي أثناء تسليح أوكرانيا، والاعتراف ضمناً بأن دخول الولايات المتحدة في صراع مباشر مع روسيا سيكون محفوفاً بالأخطار، فإن البيت الأبيض لم ينجح في صياغة نهاية للحرب في أوكرانيا بعيداً من النصر المطلق حتى مع تزايد وضوح أن هذا النصر غير ممكن من دون تصعيد كبير.

"مورد أسلحة"

وفي الشرق الأوسط عجزت إدارة بايدن عن وضع حدود لتصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكما قال رئيس مجموعة "يورو آسيا" البحثية إيان بريمر فقد "كان تأثير بايدن مجرد صفر كبير"، وبدلاً من أن يكون حاضناً للسلام التاريخي في الشرق الأوسط الذي كان يأمل فيه، أصبح بايدن مورد الأسلحة لتسوية غزة بالأرض، وهي الحرب التي قتلت من النساء والأطفال في عام واحد أكثر من أي حرب أخرى خلال العقدين الماضيين، وفقاً لمنظمة "أوكسفام".

ظل بايدن يدعو إلى ضبط النفس مدة عام، لكنه كما يقول الكاتب والمحلل السياسي نيكولاس كريستوف همّش نفسه من خلال توفير الأسلحة لإسرائيل بصورة مستمرة مما سمح بتجاهل نداءاته، ولم يفرض أبداً قيوداً جدية على استخدام الأسلحة الأميركية سوى مرة واحدة فقط، وقد شجعت هذه السياسة الداعمة للإفلات من العقاب نتنياهو على تجاهل بايدن، والنتيجة أن بايدن لم يرع السلام الإقليمي بل أسهم في اندلاع حرب إقليمية يمكن أن تعرض الولايات المتحدة لخطر الانجراف إليها.

ومع عدم رغبة إدارة بايدن في استخدام النفوذ الأميركي بصورة فعالة لتحقيق الأهداف المعلنة للرئيس، أصبح نمط العلاقة الأميركية - الإسرائيلية هو تجاهل نتنياهو الولايات المتحدة، ليظل يكافأ على ذلك وفقاً للسيناتور الديمقراطي كريس فان هولن، وهو ما يصفه وزير الخارجية السويدي السابق ومسؤول الأمم المتحدة البارز يان إلياسون بأنه إذلال مستمر للرئيس الأميركي وحكومته من قبل نتنياهو.

فشل عملي وأخلاقي

يبدو أن سياسة بايدن في الشرق الأوسط فشلت عملياً وأخلاقياً، وقد تكون فشلت سياسياً كذلك مما قد يضر بنائبته كامالا هاريس في ميشيغان وفي كل مكان إذا أدت الحرب مع إيران إلى رفع أسعار البنزين في محطات الوقود، وعلى رغم أن ذلك لم يكن فشلاً في الرؤية أو العمل الجاد مع ابتكار إدارة بايدن خطة عظيمة لاتفاق متعدد الأجزاء من شأنه أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار في غزة، ومسار إلى دولة فلسطينية وعلاقة سعودية - أميركية أقوى، فإن بايدن لم يكن على استعداد لاستخدام نفوذه بالقوة للوصول إلى هناك، ولذلك دار نتنياهو حول الرئيس الأميركي وأعاد تأهيل نفسه بأعجوبة في السياسة الإسرائيلية، وهو يتمتع الآن بشعبية قد تمكنه من الاستمرار في الحكم لدورة انتخابية مقبلة.

والآن يريد نتنياهو جرّ الولايات المتحدة لحرب مع إيران مثلما أسهم في دفع واشنطن لإزاحة نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وسط حديث بين الصقور الأميركيين حول بناء لبنان وغزة من جديد، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد تدمير "حزب الله" وتوفير الأمان لإسرائيل، بينما هناك طرق ربما تكون أكثر إنتاجية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وأولها التفاوض على ولادة دولة فلسطينية، لأن الدعم المطلق الذي تقدمه الولايات المتحدة لنتنياهو يشجع المتطرفين الإسرائيليين ويغذي شهيتهم لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، مما يجعل الفلسطينيين في الضفة الغربية يفقدون الأمل في آفاق السلام ويفقدون الإيمان بحل الدولتين.

محاولة احتواء الصين

عززت إدارة بايدن التحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال بناء اتفاقات جديدة مثل الشراكة الأسترالية - البريطانية - الأميركية (أوكوس)، والإطار الاقتصادي للرخاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والدخول في شراكات قائمة مثل ما يسمى الرباعية التي تتألف من أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، وبينما كان جوهر السياسة الخارجية لبايدن العملي هو كيفية استخدام أدوات السلطة للتركيز على أهداف ملموسة وقابلة للتحقيق، فإن محاولة احتواء الصين وتشديد الخناق عليها من الدول الحليفة للولايات المتحدة لم تسفر حتى الآن عن أي نتائج ملموسة تشير إلى ردع الصين، بل على العكس فإن بكين تسرع من وتيرة تسليحها النووي والتقليدي، وتواصل القيام بأفعال في بحر الصين الجنوبي ضد الفيليبين وفي بحر الصين الشرقي حول تايوان، من شأنها أن تستفز القوات الأميركية وتعرض السلام الحذر للخطر في شرق آسيا.

لا شك في أن إرث بايدن الثقيل سيشكل عبئاً على كامالا هاريس، وهو ما يسعى الرئيس السابق دونالد ترمب إلى استغلاله خلال حملته الانتخابية قبل ثلاثة أسابيع فقط من موعد الانتخابات الحاسم في الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير