Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كارمن بالسيز الوكيلة التي أسهمت في صنع مجد الرواية الأميركية اللاتينية

 سألها ماركيز: هل تحبينني فأجابت: ما أعرفه أن رواياتك تشكل أكثر من ثلث أرباحي

كارمن بالسيز مع ماركيز في السبعينات (من الكتاب)

ملخص

 من المعروف أن أسواق النشر في العالم العربي لا تزال بعيدة تماماً عن التفاعل مع تجربة الوكيل الأدبي إلا في ما ندر. ولعل كتاب "بائعة الكلمات... كارمن بالسيز" يكتسب أهمية مضاعفة لدى القارئ العربي، لأنه يسلط الضوء على تجربة من أنجح تجارب الوكالات الأدبية في العالم، هي تجربة الوكيلة الأدبية الإسبانية الراحلة كارمن بالسيز التي كانت توصف بأنها المرأة التي تتقلد منصب البابا في صناعة النشر الأدبي الإسباني.

يكفي القول، إن وكالة كارمن بالسيز جمعت في وقت واحد ستة أدباء من بين الحاصلين على جائزة نوبل للآداب في اللغة الإسبانية ومنهم: غابرييل غارسيا ماركيز وماريو بارغاس يوسا وإيزابيل الليندي وكارلوس فوينتس إلى جوار كتاب آخرين ظلت بالسيز على وفاق معهم إلى أن رحلت عام 2015 عن عمر يناهز 85 سنة . الكتاب من تأليف كارمي ييرا وترجمة تقى علاء الدين "دار العربي، 2024" ويبدو أقرب إلى تحقيق استقصائي شامل عن بالسيز، يكشف كثيراً من أسرار نجاحها في مهنتها، ويعرض منهجها في إدارة حقوق المؤلفين والعلاقة معهم. ويتوقف طويلاً أمام ما تمتعت به من أخلاق وصفات شخصية أغرت المؤلفين بالعمل معها .

الصدقية أولاً

 امتلكت بالسيز صدقية كبيرة في معاملاتها المالية وحرصت دائماً على رعاية حقوق مؤلفيها عند التفاوض مع ناشرين آخرين أو عند تحويل مؤلفاتهم إلى أعمال درامية.  وفي الوقت نفسه، امتلكت علاقات جيدة مع السلطة في بلادها، ساعدتها كثيراً في استصدار تشريعات أسهمت في تحسين النظام الضريبي لمن يعملون في الكتابة، بل نجحت في تعديل بنود قانونية سمحت للمؤلفين بدفع المبالغ التي اقترضوها من البنوك على أقساط، بدلاً من دفعها خلال عام واحد.  تبدو كارمن بالسيز في الكتاب أشبه بامرأة أسطورية من طراز خاص، أحدثت ثورة في عالم النشر وصارت معروفة في العالم على نطاق واسع. وتعد شخصية قومية في إسبانيا التي منحتها الميدالية الذهبية للاستحقاق في الفنون الجميلة.

 اعتمدت مؤلفة الكتاب على إعادة صياغة مقابلات عديدة أجرتها حول رحلة كارمن بالسيز، وقابلت أيضاً كثيراً ممن رافقوا مسيرتها، سواء عملوا معها أو نافسوها. وأتيحت لها فرصة الاطلاع على وثائق وأرشيفات الوكالة التي امتلكتها بالسيز. ولكون الكتاب في النهاية صورة شاملة وصادقة عن امرأة استثمرت في المواهب الإبداعية، غدا ذلك الأمر شغلها الشاغل.

 تمتعت كارمن بالسيزا بخصال فريدة، أبرزها سرعة البديعة والحس الكوميدي الطريف. فقد سألها ماركيز ذات يوم، "كارمن هل تحبينني؟" فردت قائلة، "لا يسعني الرد، لكن ما أعرفه أنك تشكل 36.2 في المئة من دخل الوكالة التي أملكها ".  لم تكن كارمن بالسيز امرأة بلا لياقة، كما يظن البعض، بل كانت على العكس تماماً، امرأة مجاملة تمتلك حساً فكاهياً، تعبر عن نفسها بالأرقام . دائماً كانت توصف بأنها "امرأة من ورق" في إشارة إلى عملها على أوراق المؤلفين الذين أوصلتهم إلى كل لغات العالم.

الأدوار المتعددة

يظهر الكتاب الأدوار التي أدتها كارمن بالسيز في حياة مؤلفيها، فقد استطاعت أن تفعل كل شيء، بما في ذلك تزويد بيوتهم بالوقود أو إرسال أولادهم إلى المدارس الملائمة.

طوال أعوام كانت بالسيز تستقبل كتاب أميركا اللاتينية الذين يتوافدون على برشلونة، في أشكال مختلفة من الكرم، بداية من توفير غرف للإقامة، وصولاً إلى تيسير تنقلهم في سيارات أجرة أشيع أنها كانت تملكها لأجل أغراض مماثلة، بل قدمت منحاً إبداعية للمغمورين منهم... كل هذا كي تضمن تركيزهم في الكتابة، لدرجة أن ماركيز وصفها ذات يوم بأنها تمثل له" الإمداد والتموين". أما يوسا فيؤكد أنها ساعدته كثيراً في أن يتفرغ للكتابة خلال الأوقات التي عاشها في برشلونة وكانت تدفع عنه كل الفواتير. سعت بالسيز إلى معرفة كل شيء في حياة المؤلفين الذين تعاقدت معهم، بدافع من الفضول الفطري الذي ساعدها على خلق مناخات أفضل، تؤهلهم لتحقيق قفزات

يوضح الكتاب أن سخاء كارمن المفرط يمثل جزءاً من شخصيتها المؤازرة لمن حولها، ويعدد كثيراً من الأعمال التي أدتها لدعم مؤلفيها في الأوقات الصعبة.

 ماركيز مدللاً

من بين المؤلفين الذين تعاونت معهم، حظي غارسيا ماركيز بمعاملة استثنائية، ليس فقط لأنه أصبح الدجاجة التي تبيض ذهباً، ولكن لأنهما قد تفاهما منذ اللقاء الأول. أصبح ماركيز بالنسبة إليها بمثابة "المرآة التي كثيراً ما تنظر فيها إلى نفسها"، واحتفظت معه بكل شيء، حسها الفكاهي وقدرتها على المفاجأة وتحطيم التوقعات والغطرسة النابعة من الشعور بالثقة إلى جانب الولع بالسلطة. وعقب وفاته كتبت المقال الوحيد في حياتها وذكرت أنها ممتنة للحياة التي أتاحها لها غابو بفضل الاستمتاع بـ "أوائل المعجزات" في وصف مسودات أعماله . وعلى رغم صرامتها العقلية فإنها عاشت أسيرة الاعتقاد بالحكايات الخرافية، واشتركت فيها مع صاحب "الحب في زمن الكوليرا" وظلت على اطلاع واسع بما يسمى "العلوم الخفية ".

 نظرت بالسيز لنفسها دائماً كامرأة واقعية وعاطفية ومتطلبة وذكية ولا عقلانية أيضاً، وكانت تقول، "ليس لدي أصدقاء ولكن عندي مصالح". لم تكن راضية تماماً عن حياتها رغم ما حازته من ثروات ونفوذ، فقد آمنت بأن "السعادة هي الكمال من ثم ليست كلمة وإنما هي موازنة ". وفي الكتاب يؤكد كل من تعامل مع كارمن أنها التطبيق الأمثل لمفهوم الكياسة الاجتماعية، تقدم الهدايا لمؤلفيها ولفريقها بسخاء بالغ لتنال العرفان والعاطفة. وعلى رغم أنها كانت تبدو ضمن فئة النساء الأكثر قسوة فإنها في الجوهر ليست أكثر من امرأة هشة وناجحة، كانت تبكي بسبب أي شيء، ووصفتها إيزابيل الليندي في روايتها "باولا " بـ"الأم الحنون" .

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عبر مسارها الطويل مع المؤلفين أجادت التكتم على مشاريعها، معتبرة أن الصمت أمر أساس في العمل، وحافظت بفضل هذا الخيار على أسرار مؤلفيها .

استقلال مبكر

يحفل الكتاب بعشرات الحكايات حول كارمن ومسيرتها، ويرصد عشرات المواقف التي أدارتها بحكمة بالغة، وكثير منها يقوم على التناقض التام في المعاملات مع المؤلفين والناشرين الآخرين .

يسرد الكتاب كثيراً من ظروف نشأة كارمن بالسيز والآثار التي ترتبت على تعرض أسرتها للإفلاس واضطرارها للعمل في سن مبكرة في دار "أوروبيس"، تلك الدار التي حولتها إلى امرأة مستقلة، وفيها تعرفت على الكاتب الروماني فيتيلا هوريا المنفي الذي منحها الفرصة لتكون وكيلته الأدبية بعد فوزه بجائزة "غونكور" في وقت لم تكن مهنة الوكيل الأدبي قد شاعت بعد. وضمن ذلك المشهد المعقد ظل غارسيا ماركيز هو مؤلفها المدلل منذ أن تعاقدت معه في عام 1968، فقد أحبت روايته "ساعة نحس" وبعدها نصحها صديق بالكتابة له لتكون وكيلته خارج المنطقة الإسبانية، فوافق ماركيز على الفور.

تمكنت كارمن بسرعة من بيع حقوق روايته "ليس لدى الكولونيل من يرسله" لدار فرنسية ثم قابلته في المكسيك خصيصاً وسلمته شيكاً بـ1000 دولار. وكافحت من ثم لتترجم أعماله إلى اللغات الأوروبية، على رغم أنها وصفته في أول لقاء بينهما بـ"الرجل المتعجرف غير اللطيف ".

وعند صدور "100 عام من العزلة" عدت أنها الرواية التي ستغير وجه الأدب الروائي في العالم، لكن ما تغير فعلاً هو حياتهما معاً وطريقة عملهما، فبعدها حصلت على 16 عقداً لترجمة الرواية في أقل من عامين مع دور نشر بارزة ومعروفة. ولذلك أكد ماركيز لزوجته أن كارمن بالسيز ستجعلنا ننسى أي ضائقة مالية، وهو ما حدث بالفعل، فقد جعلت مؤلفيها "أطفالاً مدللين" كما قال الروائي إدواردو ميندوثا .

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة