Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسرح مصر العائم ينتظر المجهول والهدم هو الأقرب

مثقفون: إزالته لا تتفق مع دعوات بناء الإنسان المصري وغلق المراكز الثقافية سيفتح باباً لظهور بؤر تطرف

لا يزال المسرح العائم يستضيف عروضاً للشباب الذين يمثلون جيلاً جديداً للحركة المسرحية في مصر (مواقع التواصل)

ملخص

"الفن ليس ترفيهاً أو أمراً يمكن الاستغناء عنه، باعتباره لا يمثل أولوية، لكنه أعمق من ذلك، وإن كان لا بد من هدم المسرح، فعلى الأقل يجب فتح حوار مجتمعي حول هذا الأمر أو اقتراح موقع بديل ينقل إليه أو العمل على إيجاد حلول بدلاً من هدمه تماماً"... هل يُهدم المسرح العائم في مصر؟

ليس بعرض فني مهم أو نشاط مسرحي جديد، إنما بأنباء عن نية هدمه من قبل الدولة، تصدر المسرح العائم الواقع على شاطئ النيل بمنطقة المنيل بالقاهرة واجهة الأخبار وأحاديث السوشيال ميديا التي لا تجد نفياً أو تأكيداً رسمياً، بينما تشير الأقاويل إلى هدمه وتحويل أرضه إلى جراج سيارات، وفي قول آخر مول تجاري، وفي قول ثالث توسعات لمستشفى قصر العيني.

ومنذ أيام، في مداخلة تلفزيونية، ناشدت الفنانة سميحة أيوب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحفاظ على المسرح وحمايته من الهدم، مشيرة إلى أن مصر "في حاجة إلى المسارح، وعلينا أن نفكر في بنائها، لا هدمها"، متسائلة، "كيف نهدم مسرحاً عريقاً يضم مسرحاً آخر للطفل؟".

مناشدة أيوب عقّب عليها وزير الثقافة المصري أحمد هنو، في تصريحات إعلامية، بأنه "لا قرار فعلياً لهدم المسرح، وأن الأمر مجرد تكهنات"، مؤكداً أن وزارته "لم تتسلم" أي قرارات رسمية بخصوص الهدم.

لكن نفي المسؤول المصري لم يقطع بأن أمراً ما ينتظر المسرح العائم، إذ قال إنه "من غير المعلوم حتى الآن هل من (المخطط) إزالة المسرح أم تعديل مكانه أم إزالته ثم إعادته إلى مكانه مرة أخرى، أم ترحيله إلى مكان آخر"، منهياً حديثه بأنه "ليس لدينا (وزارة الثقافة) رأي كامل حول مكانه في مخطط المنطقة".

ضبابية المشهد وتصريحات المسؤولين، التي لم توضح أي معلومة، أثارت حالاً من الجدل فانتشرت عشرات المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من المسرحيين والفنانين والمثقفين، وحتى من عوام الناس تستنكر هدم المسرح، وتناشد الإبقاء عليه، بخاصة أنه لم يوضح ما المشروع المزمع تنفيذه، أو ما جدواه، التي في سبيلها يقترح هدم المسرح.

متنفس ثقافي

يقول المخرج المسرحي تامر كرم الذي أطلق بياناً وقع عليه عدد من المسرحيين والمثقفين لمنع هدم المسرح، "نحن ضد غلق أي موقع ثقافي، باعتباره منبراً للفكر المستنير. المسرح العائم يحتضن مسرح الشباب، فما الفكرة من غلق موقع ثقافي يحوي الشباب، ويمثل بؤرة للتنوير، بخاصة مع التوجه العام حالياً لبناء الإنسان"، محذراً أن "كل مركز ثقافي سيُغلق سيفتح باباً لظهور بؤر للتطرف بكل أنواعه، في فترات سابقة قريبة هدمت سينما فاتن حمامة بالمنيل، وكذلك مسرح السلام بالإسكندرية، وحالياً الحديث دائر عن المسرح العائم".

وخضع المسرح العائم الذي يعود تاريخه إلى الستينيات لعملية تجديد شاملة قبل نحو 5 سنوات، إذ افتتح بعد التطوير عام 2019 في عهد وزيرة الثقافة السابقة إيناس عبدالدايم، بعد إغلاق استمر ثلاث سنوات، ومن حينها والعروض المسرحية متوالية في المسرح العائم، آخرها منذ أيام مسرحية "مرايا إلكترا".

 

ويضيف كرم، "الفن ليس ترفيهاً أو أمراً يمكن الاستغناء عنه، باعتباره لا يمثل أولوية، لكنه أعمق من ذلك، وإن كان لا بد من هدم المسرح لا محالة لأولوية ما، ففي الأقل يجب فتح حوار مجتمعي حول هذا الأمر أو اقتراح موقع بديل ينقل إليه المسرح أو العمل على إيجاد حلول بدلاً من هدمه تماماً".

يشير المخرج المسرحي إلى أن "واحداً من أسباب هذه الأزمات هو أن وزارة الثقافة لا تمتلك أراضي كثيرة من المسارح التابعة لها، إنما تستأجرها، وهذا يجعلها تعاني هذه المشكلات"، داعياً إلى "موقف موحد من المسرحيين والمثقفين والقائمين على وزارة الثقافة، لإيجاد حل لحماية المسرح العائم بوصفه رمزاً من رموز المسرح المصري".

ويقول المؤرخ والناقد المسرحي عمرو دوارة "منطقة جنوب القاهرة كاملة من حلوان وحتى مصر القديمة لا يوجد بها أي مسرح غير المسرح العائم، ومنطقة شرق القاهرة لا يوجد بها إلا مسرح واحد تابع للقطاع الخاص، مما يجعل تذاكره مرتفعة السعر جداً مقارنة بمسارح الدولة، وفي ظل وضع كهذا يجب أن تعمل الدولة على بناء المسارح لا هدمها، بخاصة مع دعواتها إلى بناء الإنسان المصري. هذا المسرح بموقعه المثالي كان متنفساً لأبناء القاهرة وللسياحة العربية التي يفضل كثير منها الإقامة في محيطه".

صفقات فنية

ويحكي الناقد الفني طارق الشناوي أنه "في أشهر الصيف كانت حديقة المسرح العائم المقر غير الرسمي للفنانين في مصر من كل الأطياف، إذ تبرم الصفقات الفنية في هذه الحديقة، كما كانت فرصة للموهوبين الراغبين في دخول عالم الفن في التعرف إلى المخرجين والفنانين، فهي كانت حالة استثنائية ملتقى فني واجتماعي، إضافة إلى خصوصية موقعها على النيل، المسرح العائم حالة مسرحية درامية، لكن أضافت إليه هذه الحديقة بعداً آخر أعطاه شكلاً من التميز".

ويضيف الشناوي، "خرجت من هذه الحديقة نشاطات متميزة، ففي فترة من الفترات ظهرت جمعية باسم جمعية فناني وإعلامي الجيزة التي ترأسها في بدايتها فريد شوقي، ومن بعده اختار الفنانون محمود ياسين، وكان لها نشاطات فنية واجتماعية، حتى إنها كانت تسعى في وقت لتنظيم عروض بهدف سداد ديون مصر. أعدت هذه الجمعية مسرحية (بداية ونهاية) التي كتبها نجيب محفوظ، وكان لها نشاط كبير إلا أنها لم تستمر مع انشغال القائمين عليها. المسرح العائم كيان كبير وجزء من التاريخ الفني والاجتماعي، ونأمل في أن يبقى عليه باعتباره جزءاً من التاريخ المسرحي المصري".

 

وعرضت كثير من الفرق المسرحية على المسرح العائم، ومنها المسرح الحديث والمسرح الحر ومسرح العرائس وفرقة الفنانين المتحدين وفرقة تحية كاريوكا وفرقة ابن البلد التي أسسها الكاتب محمود السعدني وفرقة نيللي مظلوم، وهي من الفرق المهمة، باعتبارها أول فرقة للرقص الحديث في مصر، وكانت في فترة الستينيات، كما وقفت قامات على هذا المسرح مثل فريد شوقي وفؤاد المهندس وسناء جميل وحمدي غيث، وفي مجال الإخراج عرضت أعمال لسعد أردش وحسن عبدالسلام والسيد راضي، وغيرهم كثير من كل الأجيال، وفق المسرحي عمرو دوارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل كان عائماً؟

وافتتح المسرح العائم سنة 1960، وكان يسمى مسرح النيل، وكانت منصته على النهر مباشرة. ومنذ عام 1975 أصبح تابعاً للثقافة الجماهيرية التي يطلق عليها الآن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهو بمساحة 900 متر مربع، وتضم صالته 560 مقعداً، وقدم عليه كثير من العروض المهمة والمهرجانات المسرحية، وبدأت منه عروض مسرح التلفزيون في بدايات الستينيات، التي خرج منها كثير من المسارح، مثل المسرح الكوميدي، الذي لا يزال حتى الآن ينافس المسرح الخاص.

وأطلق وصف العائم على المسرح، إذ في بدايته كان عائماً في النيل تجرُّه قاطرة، متجولاً في الأقاليم المختلفة من الشمال إلى الجنوب مقدماً عروضه الفنية، راسياً على النيل في المحافظة التي يتجه إليها، وتنفذ صالة للجمهور بوضع المقاعد على شاطئ النيل في الهواء الطلق، وفي عام 1978 نقلت العوامة التي كانت تضم المسرح العائم إلى موقع مجاور، وافتتحت تحت اسم المسرح العائم الصغير، وبني المسرح العائم الحالي الذي لا يزال قائماً حتى اليوم، بحسب عمرو دوارة.

ولا يرتبط فقط المسرح العائم بالتاريخ وبكبار المسرحيين في مصر في كل المجالات، لكنه الآن يستضيف كثيراً من العروض لشباب المسرحيين الذين يمثلون جيلاً جديداً للحركة المسرحية في مصر يبذل جهداً كبيراً لإثرائها بتقديم عروض متنوعة على كل المسارح المصرية.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون