Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العمدة" السعودي... إرث التنظيم وحداثة الرقمنة

قديماً كان يمثل قائد الحي الذي يساعد السلطات والسكان وتراجع دوره بعد ظهور الخدمات الإلكترونية

كان العمدة قديماً رمزاً للأمان والاستقرار في الأحياء السعودية (اندبندنت عربية )

ملخص

كان "المركاز" مركزاً اجتماعياً وثقافياً يعزز التواصل بين السكان، ويُعنى بحل المشكلات وتداول الأخبار، مما جعله رمزاً للأمان والاستقرار، ومن هذا المكان انبثقت مهمات "العمدة" لتلبية حاجات السكان وإدارة شؤونهم في إطار اجتماعي وأمني.

في الأحياء السعودية القديمة، كان "المركاز" مركزاً اجتماعياً وثقافياً يعزز التواصل بين السكان، ويُعنى بحل المشكلات وتداول الأخبار، مما جعله رمزاً للأمان والاستقرار، ومن هذا المكان انبثقت مهمات "العمدة" لتلبية حاجات السكان وإدارة شؤونهم في إطار اجتماعي وأمني. وعلى مر العقود، ظل "المركاز" مقراً للعمدة وجزءاً أساسياً من نسيج الحياة الاجتماعية، يسهم في ضبط الأمن وتقديم الخدمات للمجتمع، ولكن مع مرور الزمن وتغير ملامح المجتمعات بفعل التحولات التقنية والاجتماعية، تطرح تساؤلات مشروعة أين دور العمد الآن؟ هل ما زالوا يؤدون المهمات نفسها التي كانوا يقومون بها في الماضي؟ أم أن تأثيرهم تراجع أمام التغيرات الحديثة؟.

الجذور التاريخية للعمد

قبل ظهور "العمدة" كشخصيات مستقلة، اعتمدت المجتمعات على "هيئة النظر" لتلبية حاجاتها الأمنية، وتألفت هذه الهيئة من مجموعة من الشخصيات البارزة المشهود لها بالثقة والأمانة، وامتلك أعضاؤها معرفة عميقة بالجغرافيا والتاريخ المحليين، مما جعلها الركيزة الأولى للأمن في تلك الفترة.ويعود تاريخ هذه الهيئة لفترة الدولة السعودية الأولى والثانية، وامتد تأثيرها إلى عهد الدولة السعودية الثالثة التي نهضت على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود.ولم تكُن الرواتب التي يتلقاها أعضاء "هيئة النظر" مالية بحتة، بل كانت غالباً عينية مثل حصة من المحاصيل الزراعية، مما يعكس التقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة.

أهمية دور العمد في الأمن الاجتماعي

في حين كان الشيخ يمثل السلطة الرئيسة في البادية، كان العمدة هو المرجع الأساسي في الحواضر، فكانت أهميته تتجلى في تحقيق توازن بينهم وبين شيوخ القبائل، وكان لكل منهم دور محدد في المجتمع.توسعت التجمعات السكنية مطلع القرن الـ20 لتنتج منها الهجر التي وصل عددها إلى 220 هجرة، كل منها يضم نحو 200 بيت.وفي تلك الهجر، كان شيخ القبيلة هو السلطة الرئيسة، وليس العمدة، فعند وقوع جرائم مثل القتل أو السرقة، كان الشيخ هو المسؤول عن إحضار الجاني أو إرسال خطاب إلى أمير المنطقة، يتضمن تفاصيل الحادثة وأسماء المتورطين.ومع توحيد السعودية شهدت الرياض توسعاً عمرانياً، مما أسهم في زيادة الحاجة إلى وجود العمد، فأصبحوا أكثر أهمية في تنظيم شؤون المدينة وتلبية حاجات السكان الجدد.


إدارة العاصمة

كان العمد معترفاً بهم في مدن مكة والمدينة وجدة، ولكن وفق كتاب "الدوارس" لمؤلفه عبدالله المنيف، فإن فترة أربعينيات القرن الماضي شهدت بداية ظهور العمدة في الرياض بعد حصر المناطق السكنية وإعادة تقسيمها وتنظيمها على نحو أفضل.ومن بين المبادرات التي قدمها أمير الرياض آنذاك كانت فكرة تخصيص راتب شهري للعمد، وبلغ العدد 56 عمدة، وشكلت هذه الخطوة بداية جديدة لتعزيز دورهم في تنظيم المجتمع وتحسين الخدمات المقدمة للسكان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبرز المؤرخ السعودي راشد العساكر في حديثه إلى "اندبندنت عربية" الشروط التي يجب توافرها في من يتولى منصب العمدة منها أهمية السلامة الجسدية والعقلية التي تمكنهم من أداء مهماتهم، وضرورة أن يكون العمدة شخصاً مكتمل الحواس، إذ لا ينبغي أن يكون كفيفاً أو أصم، أو يعاني أي إعاقات جسدية تؤثر في قدرته على أداء واجباته.ووفقاً للعساكر، فإن دور العمد يتجاوز مجرد الإدارة، إذ يعتبرون جزءاً أساسياً من النظام الأمني والاجتماعي، ويشكلون بالتعاون مع السلطات القضائية والإدارية نحو 80 في المئة من العامل الأمني في المجتمع في تلك الفترة، مما أسهم في ضبط الحياة الداخلية ومنع الاعتداءات والسرقات. 

 

الماضي ذاكرة الحاضر

وتناول المؤرخ السعودي مسألة دور العمد في المجتمع، مشيراً إلى تغيرات كبيرة شهدتها هذه الوظيفة بفعل التطورات التقنية، وقال إن العمد كانوا يؤدون دوراً أساسياً قبل دخول الخدمات الإلكترونية، لافتاً إلى أنهم كانوا معروفين بدورهم في التعريف بالناس وتحديد أماكنهم، خصوصاً في فترة ما قبل أزمة الخليج، ولكن بعد عام 2001 ومع ظهور خدمات مثل "أبشر"، أصبحت الإجراءات أكثر سهولة، مما أثر في أهمية دورهم التقليدي.

ونوه العساكر بأن الأحياء الشعبية التي تواجه بعض التحديات لتطويرها تحتاج إلى وجود العمد لتسهيل الإجراءات وتعزيز الأمن.وأضاف أن العمد لا يزالون يؤدون دوراً مهماً في الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، بخاصة في المناطق التي تعاني تهريباً أو مشكلات اجتماعية، كما أنهم يسهمون في إدارة العلاقات الاجتماعية ومساعدة السلطات في التعرف إلى القضايا المحلية. 

رحلة في خدمة المجتمع

ويسترجع طلال الحساني من جهته في حديث خاص إلى "اندبندت عربية" الذي يمتلك خبرة تمتد خمسة أعوام في منصب العمدة، رحلته في خدمة المجتمع المحلي، مشيراً إلى أنها لم تكُن مجرد واجبات روتينية، بل كانت تتطلب مراقبة مستمرة للعسس والتواصل المباشر مع سكان الحي.ويقول الحساني "كان يجب أن يكون مقر العمدة في قلب الحي ومعروفاً للجميع"، موضحاً أن معظم واجباته كانت تقتصر على التصديق على الوثائق والعقود وتقديم الدعم لأبناء الحي.وعن مستقبل العمدة داخل الأحياء في ظل الخدمات الإلكترونية، أشار الحساني إلى أن التحول الرقمي يواكبه إعادة تعريف دور العمدة، مردفاً أنه "يجب أن يشارك أبناء حيه في جميع المناسبات سواء كانت أفراحاً أو أحزاناً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير