Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برنارد شو و"المرأة الذكية" وبينهما الاشتراكية والرأسمالية

الكاتب الإيرلندي الساخر اختصر في دليله أفكاره الاقتصادية والاجتماعية

جورج برنارد شو (الموسوعة البريطانية)

ملخص

"دليل المرأة الذكية في حضرة الاشتراكية والرأسمالية"، كتاب وضعه الكاتب الإيرلندي الساخر جورج برنارد شو ونشره في عام 1928، واعتبر طوال القرن الـ20 "وصية برنارد شو الاجتماعية"

تقول الطرفة، التي لم تثبت صحتها قط على أي حال، إن سيدة سألت الكاتب الساخر جورج برنارد شو، ذات مرة أن يفسر لها معنى النزعة الاشتراكية وماهيتها، فكتب لها 1000 صفحة حول الموضوع. أما حين سألته أن يفسر لها معنى الرأسمالية وماهيتها، فإنه اكتفى بأن يشير إلى صلعته وإلى لحيته الكثة قائلاً: "الرأسمالية هي هذا: كثافة في الإنتاج، وسوء في التوزيع". إنها طرفة تروى عن برنارد شو، لكن الحقيقة هي أن هذا الكاتب الروائي والمسرحي والشاعر والناقد، إذ كان مهتماً أيضاً بالأفكار السياسية والاقتصادية من خلال علاقته بالجماعة الاشتراكية، وضع، لتلك المرأة مثالاً، كتاباً يعد من أشهر كتبه هو "دليل المرأة الذكية في حضرة الاشتراكية والرأسمالية". وهذا الكتاب الذي وضعه الكاتب الإيرلندي الساخر ونشره في عام 1928، اعتبر طوال القرن الـ20 "وصية برنارد شو الاجتماعية". ذلك أنه عرض فيه، وبأسلوب جزل لا يخلو من مرح ولفتات شديدة الذكاء، نظرته إلى النظريتين السياسيتين اللتين كانتا تحتلان اهتمامات النخب، وربما عامة الناس، في أوروبا في ذلك الحين، وتتصارعان في ما بينهما على اعتبار أن كلاً منهما تنفي الأخرى ولا يمكن لهما، بأي حال من الأحوال، أن تتعايشا. ويقيناً أن برنارد شو، لم يكن ليعد نفسه محايداً في الصراع بينهما. فهو في ذلك الحين كان من أنصار الاشتراكية، شرط أن تكون هادئة وعادلة ولا تبتعد عن الحرية، ومن أعداء الرأسمالية التي كان يرى فيها كل الشرور الاجتماعية الممكنة مثله في ذلك مثل عدد من مفكرين ومثقفين إنجليز تجمعوا تحت لواء تيار اشتراكي سموه تيار الاشتراكية الفابية.

الاشتراكية...

بالنسبة إلى شو كانت الاشتراكية نظرية غايتها الأولى والأساسية ضمان الوسائل التي تمكن من حسن توزيع الثروات بين البشر. إذ إن "الثروة يجب أن توزع، وتستخدم على الفور، بالطريقة نفسها التي يستهلك بها الغذاء"، و"التوزيع يجب أن يتم تبعاً لمدخول كل واحد، أي تبعاً لما ينتجه كل واحد من خلال عمله... ما دام العمل واجباً طبيعياً من واجبات الإنسان". أما المساواة في المداخيل فهي "الوسيلة الوحيدة التي تمكن الفرد من أن يؤكد قيمته الذاتية وجدارته". وفي الوقت نفسه فإن "على كل واحد منا واجباً تجاه الشخصية البشرية، وهذه الشخصية ستنتفض بالضرورة أمام أي نفاق ديني أو اجتماعي أو سياسي". ويرى شو أن "القوة الحيوية للإنسان قادرة دائماً على خلق هذه المعجزة: المعجزة التي تجمع حرية الفرد وحرية الجماعة". إذاً، انطلاقاً من مثل هذه الأفكار البسيطة والواضحة، يدنو برنارد شو في هذا النص من "المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الأكثر إلحاحاً في الزمن المعاصر"، بحسب تعبير واحد من مؤرخي سيرته الذي يضيف أن شو يعمد بعد ذلك "إلى استعراض أنظمة توزيع الثورات المعمول بها في كل المجتمعات، فيناقش كل نظام، استناداً إلى أمثلة تاريخية يوردها، محللاً حسناته وسيئاته". وفي نهاية الأمر نراه يتوقف عند النظام الاشتراكي ليدرس مشكلاته محللاً تأثيرات توزيع الثروة في الصناعة وفي الأفراد وفي السكان جميعاً، كما في العدالة الفردية والجماعية، وفي الكنيسة والمدرسة والصحافة، وما إلى ذلك دارساً في طريقه ما كان يراه من سلبية الإنسان أمام مساوئ المجتمع، عازياً إياها إلى المصلحة الفردية التي، بسبب التربية التقليدية، تتغلب لدى الإنسان على المصلحة الجماعية.

...والرأسمالية

وهكذا، إذ يدرس برنارد شو على هذا النحو، وفي القسم الأول من كتابه هذا، الاشتراكية، محدداً ضرورتها محللاً نواقصها، وعلاقتها بالتربية وبشتى ضروب النشاطات الاجتماعية، ينتقل في القسم التالي إلى الرأسمالية، وإلى الآثار التي تخلفها في البشرية، مركزاً – في تحليل شديد العمق – على مساوئها، من دون أن تفوته حسناتها، التي يفيدنا على أية حال بأنها قليلة جداً. وإذ ينكب شو هنا على تحليل الرأسمالية هذه، بشتى أنواعها ونزعاتها، نراه يركز حديثه على بعض أبرز سيئات هذا النظام الاجتماعي، الذي يراه مخلوقاً ضد الطبيعة ولمصلحة عدد محدود من الناس: إن الرأسمالية بالنسبة إلى كاتبنا نظام غاياته فردية، إذاً، وهو يسير ضد المصلحة العامة، إضافة إلى أنه – انطلاقاً من هذا – يقسم المجتمع إلى طبقتين رئيستين: طبقة تعمل وتنتج، وطبقة ثانية لا تعمل، لكنها تتمتع بكل الخيرات التي ينتجها عمل الطبقة الأولى التي بالكاد تنال ثواباً مادياً، أو حتى معنوياً، إزاء كل ما تنتجه.

دور المرأة

وفي معرض هذا التحليل، الذي لم يكتبه شو أصلاً للخبراء والاختصاصيين، بل للناس العاديين، يركز الكاتب في فصل شديد الذكاء والوضوح على دور المرأة في هذا كله، وعلى وضعيتها تجاه المجتمع والعمل – وهو التحليل الذي يبرر كون شو أصلاً قد جعل كتابه "دليلاً برسم المرأة الذكية"، غير أنه في الوقت نفسه، وإذ يتجاوز هذه المسألة من بعيد، نراه يدنو من بعض المشكلات والأمور التي كانت شديدة الراهنية في زمنه، مثل المضاربات العقارية والمالية، وقضية تأميم البنوك وشركات التأميم والصناعات الكبيرة. والحال أن قضية التأميم هذه، سرعان ما تعيد شو، بعد دراسته المفصلة للرأسمالية، إلى الاشتراكية حيث يدرس هذه المرة العلاقة بين هذه الأخيرة وبين الحق الخاص. وفي هذا الإطار يوضح لنا شو كيف أن الأوهام اليوتوبية لا يمكن أن تخامره في شأن حقيقة الصعوبات التي تقف في وجه تطبيق الاشتراكية في صورة بناء. ونراه هنا يفيدنا بأن الصعوبة الأساسية تتأتى خصوصاً من النيات السيئة للأفراد، الذين لا شك تتمسك بهم مصالحهم الخاصة، إضافة إلى ضروب التردد التي تبديها الحكومات من دون فرض رقابة شاملة على مدخول كل فرد من الأفراد. وهكذا إذ يصل شو مرة أخرى، إلى موضعة نصه في بعده الأخلاقي والسياسي، يكشف هذا الكاتب كم أنه كان ذا وعي بالمشكلات الحقيقية التي تجابه تطبيق النظريات التي كان – هو، على أية حال – أول الداعين إليها. فالوضوح الذي يغمر نصه، في جزءيه، لا يضعنا في نهاية الأمر أمام استحالة ما، في تطبيق ما يدعو إليه، بل أمام صعوبات لا بد من تذليلها قبل الوصول إلى التطبيق المثالي. ومعظم هذه الصعوبات، كما رأينا، يرتبط بالتربية والأخلاق. ومن هنا تصبح المسألة، بالنسبة إلى شو، قضية متكاملة، تبدأ من المدرسة والعائلة والكنيسة لتصل إلى المجتمع ككل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

علاقة تبادلية

ولم يكن غريباً على جورج برنارد شو 1856 – 1950، أن يهتم بالعلاقة بين الأخلاق والسياسة والاقتصاد، هو الذي دنا من كل الفنون الكتابية، وكان منذ شبابه المبكر يعلن أنه معني بقضية الإنسان ومكانته في المجتمع أكثر مما هو معني بأي أمر آخر. وما مسرحيات شو ورواياته ونصوصه الأخرى، سوى دوران شيق حول هذه المواضيع نفسها. ومن هنا ما قاله كثر من أن هذا الكتاب إنما هو وصيته، أي إنه اختصر فيه، وكان حين وضعه في الـ74 من عمره، كل الأفكار الاجتماعية والأخلاقية وحتى السياسية التي كانت حملتها أعماله الأدبية الكبرى، سواء كانت مسرحية أو روائية أو مجرد نصوص فكرية أو حتى طرائف، مثل "أندرولكس والأسد" و"قيصر وكليوباترا" و"القومندان بربارا" و"العودة إلى ميتوشالح" أو "الأسلحة والإنسان" أو "رجل الأقدار" وغيرها من أعمال لم يفت جورج برنارد شو في عدد كبير منها أن يعلن عداءه للسياسة البريطانية، والاستعمارية والرأسمالية منها خصوصاً، مما جعله أحد كبار الوجوه الفكرية في القرن الـ20.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة