Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل اقترب السودان من العودة للاتحاد الأفريقي؟

دعت الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" إلى فتح صفحة جديدة مع الخرطوم

وجد الاتحاد الأفريقي نفسه، بعد ربع قرن من تأسيسه، عاجزاً عن حل معظم الأزمات في القارة السمراء (غيتي)

ملخص

ضمن العقبات المزمنة التي تحول دون اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية، ولا تزال قائمة، وهي أن الموارد المالية والعسكرية للاتحاد الأفريقي محدودة للغاية، والاتفاق بين الجيش السوداني والاتحاد الأفريقي، إن تم، فهو معرض لبعض الهزات ومنها استمرار مجلس السلم والأمن في طلبه التحقيق بصورة عاجلة في انتهاكات الحرب ومحاسبة الجناة.

بعد تجميد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان عقب الإجراءات التي فرضها الفريق عبدالفتاح البرهان في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، يعتزم الاتحاد إعادة السودان إلى المنظمة، كما دعت الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" إلى فتح صفحة جديدة مع السودان.

وبعد ربع قرن منذ تأسيس الاتحاد الأفريقي في التاسع من سبتمبر (أيلول) 1999 كبديل لمنظمة الوحدة الأفريقية، وجد الاتحاد الأفريقي نفسه عاجزاً عن حل معظم الأزمات في القارة السمراء، مثل أزمات دول الساحل الثلاث النيجر ومالي وبوركينافاسو التي استولت فيها قيادات عسكرية على الحكم رافضة الوصول إلى أنظمة مدنية، إضافة إلى إعلان بعض الدول صراحة عدم رغبتها في تدخل الاتحاد في مشكلاتها الداخلية، إذ ترى هذه الدول أنه مستلب الإرادة من قبل الدول المستعمرة، خصوصاً فرنسا في حال الدول الفرانكفونية، وتجميد عضوية بعض الدول مثل السودان لعب دوراً في الوصول بالعلاقة إلى طريق مسدود.

 

وبدأت الأمور تنفرج بين السودان والاتحاد الأفريقي تزامناً مع تولي مصر رئاسة مجلس السلم والأمن الأفريقي خلال أكتوبر الجاري. وقد شهدت مصر أيضاً تعليق عضويتها لمدة ستة أعوام منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم عام 2013، وانتهى التعليق عام 2019، ووليت مصر على أثره رئاسة الاتحاد.

ومن شأن قرار الاتحاد الأفريقي، الذي يضم 54 دولة أخرى، مرفقاً بشروطه، أن يزيد الضغوط على مجلس السيادة بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وإذا نجح الجانبان في ذلك، فمن شأنه أن ينهي حالة العزلة الأفريقية التي يعانيها السودان على مستوى الاتحاد الأفريقي و"إيغاد".

إنعاش الآلية

وسبق تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي أن علق مجلس السلم والأمن التابع له مشاركة السودان في جميع أنشطته وذلك في السادس من يونيو (حزيران) 2019، بعد أعمال عنف صاحبت إسقاط الرئيس السابق عمر البشير، واشترط المجلس التأسيس الفعلي للسلطة الانتقالية بقيادة مدنية في السودان حتى يتم فك التعليق. وقبل فرض إجراءات البرهان كان المجلس قد قرر الاستمرار في تعليق عضوية السودان في أعقاب ما وصفه بعدم إحراز تقدم نحو إنشاء سلطة انتقالية بقيادة مدنية منذ اجتماعه الأول بسبب أعمال العنف، ثم علق السودان عضويته في "إيغاد" في يناير (كانون الثاني) الماضي احتجاجاً على لقاء قادة من دول القرن الأفريقي بقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" الذي زار كينيا وجيبوتي وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وأوغندا، بينما قام البرهان بزيارات مماثلة إلى إريتريا ومصر وجنوب السودان.

وطلب المجلس من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، بالتنسيق مع أصحاب المصلحة المعنيين في السودان، و"إيغاد"، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وفي إطار أدوات الاتحاد الأفريقي ذات الصلة المتعلقة بمكافحة الإفلات من العقاب، تقديم مقترحات في شأن التحقيق في أحداث الثالث من يونيو 2019.

الآن بدأت المرونة من الاتحاد ومجلس السلم، بدعوته مفوضية الاتحاد الأفريقي إلى فتح مكتب اتصال في بورتسودان العاصمة الإدارية الموقتة لتسهيل التواصل ودعم جهود السلام. كما حث مفوضية الاتحاد وهيئة "إيغاد" ودول الجوار على دعم اللجنة الرئاسية في تنفيذ خطته، التي تشمل وقف إطلاق النار غير المشروط، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية شاملة.

وبينما رحب المجلس بمقترحات البرهان وهي استعداده لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية، وإنشاء نقاط تجميع للقوات مع تأكيد أهمية التشاور مع المسؤولين السودانيين لإنهاء النزاع، لكن لم يفصح عن أي تواصل مع "الدعم السريع" بهذا الخصوص. وعاد الاتحاد الأفريقي إلى إنعاش الآلية الرئاسية الرفيعة المستوى التي شكلها في يوليو (تموز) الماضي بقيادة الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، وعضوية عدد من قادة الدول الأفريقية، لتسهيل اللقاء المباشر مع طرفي الصراع، في مدينة عنتيبي بأوغندا لمناقشة وقف الحرب في السودان.

 

دوافع التحرك

وينطلق الاتحاد الأفريقي للتواصل مع السلطات السودانية وأصحاب المصلحة في شأن تعليق عضوية السودان في المنظمة، لحل الأزمة السودانية من دوافع عدة، أهمها، الأول، مبدأ التكامل القاري في إدارة الصراعات في القارة السمراء، وفي الأزمة السودانية تحديداً، إذ يعتقد أن عملية الوساطة يمكن أن تعد باتفاقية سلام أفضل وأكثر استقراراً من غيرها من المبادرات، حيث أدرج الحقائق الإقليمية والتعقيدات السياسية الداخلية منذ اندلاع الحرب في دارفور عام 2003. والثاني، إسهام الاتحاد الأفريقي في حل النزاعات، يعود نظرياً إلى أهداف المبادرة الرئيسة لأجندة 2063 التي تطمح في إنهاء جميع الحروب والصراعات، ومنع الإبادة الجماعية، ووقف عنف النوع الاجتماعي. ويقع النزاع السوداني الحالي في صميم الأنشطة التي وضعت لضمان "أن تكون أفريقيا قارة أكثر سلاماً واستقراراً".

والثالث، أهمية الاستقرار في السودان وتأثير موقعه على دول شمال وشرق أفريقيا، إضافة إلى دول حوض النيل التي تسعى إلى إدارة موارد النيل وسط بيئة سياسية وأمنية معقدة انعكست آثارها على اقتصاد هذه الدول. كما أثر إغلاق مطار الخرطوم بعد تدميره منذ اليوم الأول للحرب، وإغلاق المجال الجوي السوداني، في الرحلات المدنية وإجبار شركات الطيران الأفريقية لسلك طرق أكثر كلفة.

أما الرابع، فتزامن الإعلان عن إطلاق التجارة البينية في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية عام 2021، مع وقوع اضطرابات في عدد من الدول الأفريقية خصوصاً منطقة الساحل المهمة اقتصادياً، وكمنفذ غربي للقارة. ولتدارك حدوث اختلالات في الحكم والتجارة والاستثمار، مع تعنت دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو وخروجها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، اتجه الاتحاد الأفريقي لحل الأزمة السودانية، بالنظر إلى موقع السودان على البحر الأحمر وأهمية أمنه على تدفقات التجارة عبر قناة السويس، وباعتباره منفذاً للدول الأفريقية الحبيسة.

والدافع الخامس، بفك تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي وشروعه في عملية عودة السلام والاستقرار إليه، يضمن الاتحاد الأفريقي عودة مكاتبه وكذلك استخدام مكاتب المنظمات الإقليمية مثل "إيغاد"، ومجموعة شرق أفريقيا وغيرها في السودان.

عقبات أمام الحل

وعلى رغم فهم أسباب الصراع السوداني، وتعهد طرفي النزاع بالاستجابة للعودة إلى الحكم المدني ومسار التحول الديمقراطي، فإن الصورة الماثلة في تقويض أهداف الوسطاء الدوليين والإقليميين ومنهم الاتحاد الأفريقي تسلط الضوء على عديد من العقبات.

أولاً، عندما طلب وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي من الفريق البرهان، خلال زيارته الأخيرة إلى بورتسودان، اتخاذ خطوات عملية تستجيب لمتطلبات الاتحاد لرفع التجميد عن عضويته، وتشمل العودة إلى الحكم المدني ومسار التحول الديمقراطي ووقف إطلاق النار، رد البرهان، بجديتهم في السلام. ولكن عملياً لا يمكن لمنظمة إقليمية فرض حل للصراع، وإنما يقتصر دورها على خلق بيئة يمكن من خلالها صياغة حل مقبول للطرفين يوقف النزاع بدلاً من الحلول الموقتة.

ثانياً، مع أن الاتحاد الأفريقي أنفق موارد مالية ودبلوماسية وعسكرية في التعامل مع صراعات القارة ومنها الصراع في دارفور، لكن ضمن العقبات المزمنة التي تحول دون اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية ولا تزال قائمة وهي أن الموارد المالية والعسكرية للاتحاد الأفريقي محدودة للغاية.

ثالثاً، إشارة الاتحاد الأفريقي إلى عودة السودان إلى "البيت الأفريقي" تحمل دلالات يمكن تفسيرها بأن مبادرته قد تعترض مبادرات الوساطة الأخرى، مثل الآلية الثلاثية ودول الرباعية وغيرها، بدلاً من أن تندمج معها وتعزز بعضها بعضاً، ذلك أن احتكار الاتحاد مبادرة حل الأزمة السودانية، والتنافس مع مبادرات قائمة أصلاً قد تقوض الجهود الأخرى المبذولة خصوصاً إذا نجح الاتحاد الأفريقي في سحب الولايات المتحدة إلى مساره ليكون بديلاً عن مسار الوساطة الرئيس.

رابعاً، مع أن "مجلس السيادة السوداني" أشار إلى "انتقال العلاقة مع الاتحاد الأفريقي من التوتر والقطيعة التامة إلى التواصل المفتوح"، ولكن مع تجارب الجيش السابقة في الانسحاب من المحادثات، يتوقع ألا يكون البرهان حريصاً على التفاوض، خصوصاً مع التقدم العسكري في بعض المناطق، وانسحاب "الدعم السريع" وعدم وضوح خطته المقبلة، وما إذا كان ذلك تكتيكاً عسكرياً بالاستفادة من انشغال الجيش بالمواقع التي فرض سيطرته عليها وظهور "الدعم السريع" في مناطق أخرى حيوية والسيطرة عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هزات الاتفاق

وأشار الجيش السوداني إلى أن تراجعه عن الخلاف مع الاتحاد الأفريقي نابع من أن الأخير قادر على دعم السودان في تشكيل حكومة مدنية عبر توافق وطني يقود البلاد إلى انتخابات عامة بعد فترة انتقالية قصيرة. وتمسك البرهان بعدم تجاوب السودان مع أي مبادرة أفريقية ما لم تعد عضويته إلى الاتحاد الأفريقي. ويمكن تفسير هذه العودة لتفادي الضغوط التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الجيش السوداني لإقناعه بتغيير مساره للتوجه نحو التحول الديمقراطي، ومن الممكن أن تلجأ إلى الخيار العسكري إذا لم تحرز الضغوط أي تقدم يذكر.

وبالنظر إلى تجارب الاتحاد الأفريقي في الصراع في دارفور، فإن دوره لم يكن فاعلاً فحسب بل ذهب في اتجاه عكسي وهو أنه وفر للخرطوم درعاً لمنع قوة الأمم المتحدة الأكثر فاعلية، وذلك لإصرار الرئيس السابق عمر البشير على أن بعثة الاتحاد الأفريقي هي "حل أفريقي ناجح لمشكلة أفريقية" ورفضه دخول قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى دارفور، وأن من شأنها أن تؤدي إلى إعادة استعمار السودان.

هذه الحادثة تلفت إلى استعادة البرهان تجربة البشير، لا سيما أنه من غير المؤكد ما إذا كان البرهان على استعداد للتراجع عن تحالفه مع الإسلاميين، وهو مطلب رئيس لقوات "الدعم السريع"، والقوى الغربية والعربية. وفي وقت يتحاشى دخول القوات الأممية، فإذا اضطر يمكن أن يستبدل بها قوات أفريقية.

والاتفاق بين الجيش السوداني والاتحاد الأفريقي، إن تم، فهو معرض لبعض الهزات ومنها استمرار مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في طلبه من اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الأفريقي التحقيق بصورة عاجلة في الانتهاكات المبلغ عنها في الفاشر وغيرها من المناطق في دارفور، وتقديم توصيات في شأن محاسبة الجناة. وإذا سار التحقيق في غير صالح الجيش، فإنه قد ينسف الاتفاق بين الطرفين، كما أن هناك مخاوف من احتمال انقسام الجيش إذا طبخت محادثات السلام على عجل، ذلك أن الاتحاد الأفريقي لن يستمر في تجاهل القوى المدنية وفي مقدمها "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" "تقدم"، حتى يحافظ على مسوغ مطالبه للتحول الديمقراطي. وفي هذا الظرف تبدو "تقدم" غير راضية عن بيان "مجلس السلم والأمن الأفريقي" في شأن الوضع في السودان، إذ وصفته بأنه "غير متوازن"، وأسبغ شرعية على سلطة بورتسودان بوصفها بـ"الحكومة"، كما انتقد ذكر البيان انتهاكات "قوات الدعم السريع" من دون ذكر انتهاكات القوات المسلحة باستخدام الطيران الحربي في مناطق مدنية.

المزيد من تحلیل