ملخص
أخرج فشل الهجوم العسكري الذي كان من المزمع أن يشنه الجيش المالي ضد "الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي" الانتقادات من عناصر "فاغنر" إلى الجيش إلى العلن مما أثار تكهنات حول مآلات العلاقة بين الطرفين.
يُثير تواتر الحديث عن خلافات حادة بين الجيش المالي وحلفائه من عناصر المجموعة شبه العسكرية الروسية "فاغنر"، تساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيُعجل برحيلها عن البلد الواقع في الساحل الأفريقي.
وأخرج فشل الهجوم العسكري الذي كان من المزمع أن يشنه الجيش المالي ضد "الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي" الانتقادات من عناصر "فاغنر" إلى الجيش إلى العلن مما أثار تكهنات حول مآلات العلاقة بين الطرفين.
وقبل أيام، تقدم الجيش المالي و"فاغنر" بسرعة نحو الشمال الذي يخضع لسيطرة الأزواديين، لكن سرعان ما أوقفت الحكومة المالية الهجوم دون خوض اشتباك مع المتمردين وعادت قواتها أدراجها.
احتمال وارد
وعلى تطبيق "تيليغرام" لم تتوان عناصر من "فاغنر" في توجيه انتقادات لجنود الجيش المالي الذين تم اتهامهم بـ"الافتقار للاحترافية والكفاءة" في مواجهة المتمردين الذين حققوا مكاسب ميدانية مهمة في الفترة الأخيرة.
وذكرت مجلة "جون أفريك" أن "التوتر بين "فاغنر" والجيش المالي بلغ ذروته الآن بعد فشل الهجوم الأخير على تينزاوتين قبل أن يبدأ أصلاً.
والهجوم الأخير كان يستهدف استعادة رفات لجنود ماليين وعناصر من "فاغنر" وإطلاق سراح أسرى وقعوا بيد "الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي"، وعلى رغم التقدم السريع صوب تينزاوتين من دون وقوع اشتباكات فإن الجيش وحلفاءه الروس عادوا أدراجهم دون توضحيات لدوافع الانسحاب.
وكان يُطلق على هذا الهجوم "هجوم الانتقام" في إحالة إلى الانتقام من الهزيمة التي تعرض لها الجيش و"فاغنر" في أواخر يوليو (تموز) الماضي عندما قاما بشن هجوم على شمال مالي في مسعى إلى السيطرة عليه لكن المتمردين نصبوا مكمناً مُحكماً لهم أوقع عشرات من القتلى من الجنود ومن مرتزقة "فاغنر".
وقال المتخصص العسكري في الشؤون الأفريقية أكرم خريف، إن "احتمال سحب (فاغنر) من مناطق القتال في مالي وحصرهم في مهمة حماية الشخصيات احتمال وارد، فمشكلاتهم مع الجيش المالي حقيقية لأنهم يعتبرون زملاءهم الماليين جنوداً ليسوا أصحاب كفاءة وثقتهم فيهم شبه منعدمة وهذا أنقص من تطلعات (فاغنر)".
وأوضح خريف أنه "مثلاً في حالة تينزواتين المالية اضطر الروس إلى تحويل مجرى مهمتهم من مهمة اكتساح القرية والسيطرة على المنطقة إلى مجرد محاولة استرجاع أشلاء زملائهم الذين سقطوا في يوليو الماضي".
وتابع المتخصص العسكري قائلاً "أظن أن انسحاب (فاغنر) لو تم أو حتى التراجع نحو حماية شخصيات سياسية فقط فإن ذلك سيكون له تأثيرات في الوضع ضمن مالي أهمها أن وتيرة تقدم الجيش ستنقص ويبقى التمركز في المدن والابتعاد عن محاولة السيطرة على مناطق في الشمال".
وحول تأثير الانسحاب المحتمل لـ"فاغنر" في المتمردين قال خريف إن "الأولوية بالنسبة إلى الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاقية الجزائر هي عودة اللاجئين من الجزائر و موريتانيا واسترجاع السيطرة على كيدال وغاو وتيمبوكتو، وفي حال انسحاب (فاغنر) فإن فرصها في تحقيق هذه الأهداف كبيرة".
لا خلافات
وتأتي هذه التطورات بعد أشهر بدا فيها أن الجيش المالي استعاد عافيته، خصوصاً بعدما سيطر على كيدال معقل المتمردين وذلك بدعم قوي من "فاغنر" مما جعل عناصر الأخيرة يرفعون رايات مجموعتهم على قلعة المدينة.
لكن اندفاع الجيش وحلفائه توقف في يوليو الماضي عندما تكبدوا خسائر فادحة في تينزاوتين من قبل المتمردين وسط حديث متزايد عن تدخل أوكراني في دعم الأخيرين وهو أمر يُهدد بتحويل مالي إلى ساحة جديدة للصراع بين موسكو وكييف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الباحث السياسي المالي حمدي جوارا أنه "لا خلافات بين الجيش المالي وعناصر (فاغنر)، الجيش أعلن في وقت سابق أنه ذاهب إلى تينزاوتين من أجل استعادة جثث جنوده الذين قضوا في يوليو الماضي لكنه عاد إلى كيدال، ويجب الإشارة هنا إلى أن الجدول الزمني للهجوم لم يوضع أصلاً".
وتابع جوارا "ما أعرفه هو أن الهجوم حاصل لا محالة لكن لا يمكن تحديد متى بالضبط لأن ذلك ربما يدخل في الإستراتيجية العسكرية، والمؤكد أن الضربات الجوية التي يشنها الجيش ستتواصل حتى الهجوم الذي سيتم، أما بالنسبة إلى التحديد الزماني فلا أظن ذلك ممكناً لأن الجيش لا يريد أن يقع فريسة لما حصل له من قبل أي الإعلان عن توقيت الهجوم والسماح بنصب مكمن له أو غير ذلك".
ويُصر الجيش المالي بقيادة العقيد آسيمي غويتا على أن الحل في البلاد لا بد من أن يكون عسكرياً مع المتمردين وبقية الجماعات المسلحة، وعلى رغم أنه حقق إنجازات ميدانية سريعة منذ توليه الحكم قبل ثلاثة أعوام فإن الجيش بدأ يتعثر في الفترة الماضية.
دور سلبي وانسحاب مرتقب
وتأتي هذه التطورات في وقت تتسبب فيه التوترات الأمنية في مالي بلجوء آلاف نحو الجزائر وموريتانيا وهو أمر زاد من تراكم الغضب الإقليمي تجاه خطط "فاغنر" وحليفها الجيش اللذين يسعيان إلى استعادة السيطرة على الشمال بالقوة.
وفي السابق وجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، انتقادات لمالي بسبب استعانتها بـ"فاغنر" من أجل بسط سيطرتها على البلاد مما أظهر انزعاجاً من الجزائر تجاه نشاط "فاغنر" التي بدت وكأنها تُطوق المنطقة في الأعوام الماضية إذ هي موجودة في شرق ليبيا، ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وقال تبون قبل أشهر إن "الأموال التي تدفعها مالي لمرتزقة (فاغنر) الروسية ستفيد إذا استثمرت في التنمية"، لافتاً إلى أنه "قلق من حقيقة غرق الساحل الأفريقي في البؤس، وهو ما جعلنا نقول إن الحل في المنطقة هو اقتصادي أكثر من كونه أمنياً".
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر والباحث السياسي المتخصص في الشؤون الدولية، رابح العروسي، إن "إقليم الساحل الأفريقي عرف تغييرات كبيرة من الفاعلين هناك، وخصوصاً بعد طرد الفاعل التقليدي وهو فرنسا من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان يُعتقد أن طرد القوات الفرنسية سيكون له تأثيرات إيجابية لا سيما في ما يتعلق بإعادة بناء الدولة واستعادة القرار لكن تبين أن هذا الانسحاب لم يترك فراغاً بل تم احتواؤه من قبل فاعلين جدد وهم فاعلون يلعبون أدواراً غير إيجابية اليوم خصوصاً في الجانب الأمني".
وفي تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" اعتبر العروسي أن "الدليل على ذلك هو أن مرتزقة (فاغنر) الروسية دخلوا على أساس مساعدة الجيش المالي وتدريبه ولعب أدوار متقدمة مثل التصدي للهجمات الإرهابية، لكن هذا الفاعل الوافد الجديد اليوم ليس مصدر استقرار لمالي وحتى للمنطقة بصورة عامة إذ أصبح عنصر تهديد للأمن، لذا التشاحن والتلاسن والتراشق بين ممثلي (فاغنر) الروسية والقائمين على الحكم في مالي يعكسون فعلاً أن الأدوار التي أصبحت تلعبها (فاغنر) غير مقبولة بالنسبة إلى مالي".
وأوضح الباحث السياسي أن "هناك حديثاً بالفعل عن انسحاب (فاغنر) من مالي وهذا في الواقع مطلب إقليمي، لأن هناك عدداً من القوى الإقليمية التي ترى أنه لم نتخلص من استعمار تقليدي وقديم حتى يتم اللجوء إلى استعمار جديد دون أن تكون هناك في الأقل إستراتيجية حول الأدوار التي ستقوم بها هذه الجماعات".
وخلُص العروسي إلى أنه "لذا اليوم الأهداف الخفية وراء قدوم ميليشيات (فاغنر) إلى مالي ليست بريئة لأن سلوك هذه الجماعة في البلاد أصبح يزعج الكثير وليس مزعجاً فقط للماليين، جيران الساحل الأفريقي منزعجون من نشاط (فاغنر)، لذلك مطالب سحب هؤلاء موجودة لكن متى وكيف سيتم ذلك، هو أمر يسوده الغموض وربما في الأيام القليلة المقبلة سنعرف متى سيتم سحب عناصر (فاغنر) من مالي".