ملخص
تقر الحكومة ضمن الوثيقة أن المرحلة المقبلة تتطلب تكثيف الجهود لحلحلة الإشكاليات العالقة على مستوى الشركات الحكومية التي تمر بصعوبات مالية
تدخل تونس العام المقبل مثقلة بتحديات اقتصادية ومالية كبيرة، دفعت البلاد في الأعوام الأخيرة إلى صعوبات متواصلة عاقتها على تلبية حاجات المواطنين المرهقين من تراجع مقدرتهم الشرائية بفعل تضخم مرتفع وأسعار آخذة في الزيادة بصورة متسارعة.
في المقابل يأمل عموم التونسيين في أن يكون العام المقبل مرحلة جديدة على درب تحسين وضعهم المعيشي وتحسين مجمل المؤشرات الاقتصادية في ظل انطلاقة العهدة الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيد حتى عام 2029 وما التزم به من وعود لتحسين أوضاعهم، وخصوصاً المراهنة على الدور الاجتماعي للدولة.
ومن هذا المنطلق تستمد خريطة الطريق أو منوال النمو لتونس العام المقبل أسسها وأهدافها من تعليمات الرئيس التونسي، في رسم خطة تنموية تستمد أسسها من الخيارات الوطنية وتستمد من خلال تكريس الدور الاجتماعي للدولة، فضلاً عن دعم الأداء الاقتصادي والتنافسية بما يسهم في خلق الثروة وتوفير فرص العمل ودعم صلابة التوازنات المالية وتعزيز القدرة على مواجهة الصدمات والتأقلم مع مختلف المتغيرات وتحقيق أهداف التنمية المنشودة.
عام مفصلي
إلى ذلك، يركز مشروع الميزان الاقتصادي أو خريطة النمو لتونس للعام المقبل الذي اطلعت عليه "اندبندنت عربية" على تعزيز النقلة الهيكلية للاقتصاد باعتماد البرامج الضرورية لتعزيز الأمن الغذائي وتسريع نسق المشاريع المائية وتنفيذ المشاريع الاستثمارية المهمة في مجال الطاقات المتجددة بما يدعم الأمن الطاقي، فضلاً عن النهوض بمشاريع الاقتصاد الأخضر والمستدام.
وتظهر وثيقة النمو للبلاد أن عام 2025 يكتسب طابعاً خاصاً باعتباره عاماً مفصلياً لتكريس الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي وخلق ديناميكية تنموية دافعة تضمن استعادة الثقة في قدرة الاقتصاد التونسي على التعافي وخصوصاً الارتقاء بعيش التونسيين.
الزراعة والصناعة العمودان الفقريان
ويعتمد منوال النمو للعام المقبل على مواصلة تحسين مردودية القطاع الزراعي وتعزيز إجراءات مجابهة التغيرات المناخية، خصوصاً تحسين حوكمة الموارد المائية وإدارتها وتبني ممارسات زارعية متجددة ومقاومة للتغيرات المناخية.
هذا إضافة إلى اعتماد إجراءات عاجلة لإنعاش القطاع الصناعي ودفع حركية الشركات الصغيرة بالتوازي مع مواصلة تحسين تنافسية القطاع وتفعيلها وتعميم مواثيق التنافسية.
وتستهدف تونس العام المقبل زيادة الناتج المحلي الإجمالي 3.2 في المئة في مقابل 1.6 في المئة متوقعة لكامل عام 2024.
وينتظر أن يتطور الناتج المحلي الإجمالي من دون اعتبار القطاع الزراعي بنسبة 2.9 في المئة العام المقبل في مقابل 0.9 في المئة عام 2024
وسيتسنى بفضل هذا المستوى من النمو مواصلة تحسين الدخل الفردي السنوي ليرتفع إلى 15520 ديناراً (5173.3 دولار) عام 2025 أو 431 دولاراً شهرياً في مقابل، 14202 دينار (4734 دولاراً) أو 394.5 دولار شهرياً متوقعة عام 2024
ويبرز التوزيع القطاعي لهيكلة الناتج المحلي الإجمالي تطور القيمة المضافة للقطاع الفلاحي (الزراعي) بنسبة 5.1 في المئة على أساس تسجيل تحسن طفيف في إنتاج الحبوب ليبلغ نحو 1.5 مليون طن في مقابل 1.1 مليون طن في 2024، وإنتاج زيت الزيتون بنحو 1.6 مليون طن في مقابل 1.1 مليون طن عام 2024.
وفي المقابل يُنتظر تراجع نسبي في إنتاج التمور ليبلغ نحو 360 ألف طن، مقابل 390 ألف طن في العام الحالي، ويتوقع أن يشهد العام المقبل تطوراً إيجابياً للنشاط الصناعي، إذ ينتظر أن تتطور القيمة المضافة بنسبة 3.3 في المئة بدفع من القطاعات الموجهة للتصدير مع تحسن الطلب الخارجي الموجه لتونس، في مقابل نمو سلبي 2.7 في المئة متوقع لكامل العام الحالي، بينما متوقع أن تتطور القيمة المضافة لقطاع الخدمات 2.8 في المئة.
وتقر الحكومة ضمن الوثيقة أن المرحلة المقبلة تتطلب تكثيف الجهود لحلحلة الإشكاليات العالقة على مستوى الشركات الحكومية التي تمر بصعوبات مالية.
نفس جديد للاستثمار
ويعتبر دفع الاستثمار الخاص أولوية مطلقة خلال 2025، إذ يتطلب ذلك إعطاء نفس جديد للمقاربة الوطنية للاستثمار ترتكز أساساً على دعم الثقة في محيط الاستثمار ومواصلة الإصلاحات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال لتحرير الطاقات ودعم بروز جيل جديد من المستثمرين تتوفر فيهم روح المبادرة والجرأة.
وتعهدت الحكومة الجديدة بالعمل على استرجاع ثقة المستثمرين وتوفير بيئة استثمارية جاذبة وموائمة لاستقطاب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، ملتزمة العمل على مراجعة قانون الاستثمار في اتجاه تكريس الأولويات الوطنية في المجالات ذات العلاقة بالأمن الغذائي والانتقال الطاقي والرقمي والاقتصاد الأخضر والدائري ومزيد من تبسيط الإجراءات.
وبصفة أدق سيشهد العام المقبل مواصلة تنفيذ الإجراءات والإصلاحات المضمنة بالإستراتيجية الوطنية لمناخ الأعمال التي تتضمن رقمنة الإجراءات الإدارية.
وستتواصل الجهود من أجل تيسير النفاذ إلى السوق، عبر مراجعة 100 رخصة لممارسة الأنشطة من أجل تحرير المبادرة الخاصة وتجسيد اقتصاد تنافسي يكرس مبادئ المنافسة النزيهة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن هذا المنطلق ينتظر أن يتطور الاستثمار بنسبة 13.3 في المئة العام المقبل، ليرتفع حجم الاستثمار إلى 29.6 مليار دينار (9.8 مليار دولار) ما يعادل 16.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
إلى ذلك، تستند التقديرات إلى تعبئة استثمارات أجنبية لكامل العام المقبل في حدود 3.4 مليار دينار (1133 مليون دولار) في مقابل 2.8 مليار دينار (933 مليون دولار) متوقعة لعام 2024.
تنويع الأسواق
وتستند تقديرات عام 2025 إلى إحكام استغلال الفرص المتاحة لتعزيز الإنتاج والرفع من نسق الصادرات الوطنية، تزامناً مع تنويع الأسواق المستهدفة والناشئة في أفريقيا وآسيا وتطوير الصادرات في القطاعات غير التقليدية والواعدة.
وتفترض الخطة التنموية للعام المقبل تطور صادرات السلع والخدمات 5.3 في المئة في مقابل 3.2 في المئة منتظرة لكامل العام الحالي، وبالتوازي من المتوقع أن تتطور واردات السلع والخدمات بـ5.4 في المئة في مقابل 2.5 في المئة في 2024، على أساس ارتفاع واردات السلع بنحو 4.2 في المئة، وذلك نتيجة تزايد الطلب الداخلي على المواد الطاقية.
التحكم في التضخم
وترى حكومة كمال المدوري أن دعم القدرة الشرائية للمواطن تعد من أساسات العمل التنموي للعام المقبل مما يتطلب تكثيف الجهود الشر لمواصلة احتواء التضخم والتحكم في نسق تطور الأسعار.
ومن المتوقع أن يشهد عام 2025 تواصل المسار التنازلي لنسق تطور مؤشر الأسعار عند الاستهلاك وذلك بعلاقة مع تقلص حدة الضغوط التضخمية الناجمة عن تطور الأسعار سواء على الصعيد العالمي أو الوطني وتضافر الجهود لتوفير المواد الأساسية في السوق بصفة منتظمة من خلال تكوين مخزونات احتياطية وتكثيف المراقبة للحد من المضاربات والتصدي للاحتكار وكذلك المزيد من تنظيم مسالك التوزيع.
وعلى هذا الأساس ينتظر أن تبلغ نسبة التضخم 6.6 في المئة في مقابل 7.2 في المئة متوقعة في عام 2024 الحالي.
إصلاح القطاع المالي
سيتركز العمل خلال عام 2025 على مواصلة مسار إصلاح القطاع المالي بمختلف مكوناته، وكذلك دعم الأسس المالية للمؤسسات المصرفية والمؤسسات المالية المتخصصة.
ويتجه العمل نحو مزيد من تعزيز دور القطاع المصرفي في تأمين التمويلات اللازمة، لاستعادة النشاط الاقتصادي مع العمل في الوقت ذاته على المحافظة على استقرار أسسه المالية.
وينتظر خلال العام المقبل تنزيل أحكام المجلة الجديدة للصرف ومواصلة العمل على تعزيز نشاط الصرف اليدوي وتعبئة الموارد من العملة بما يدعم الحركية المرسومة للنشاط الاقتصادي والمبادلات مع الخارج.
السياحة
ويعتبر قطاع السياحة في تونس رافداً أساساً من روافد التنمية في البلاد، باعتبار مكانته في الاقتصاد الوطني ودوره المهم في دفع التنمية وكونه مسهماً حيوياً في خلق، الشاملة وتنمية القطاعات والأنشطة الاقتصادية المرتبطة به فرص العمل وتوفير العملة الصعبة وتثمين الخصائص الطبيعية والثقافية للبلاد.
من المنتظر أن يشهد قطاع السياحة العام المقبل تطوراً مهماً من حيث عدد الليالي السياحية والعائدات السياحية بنسبة أربعة في المئة وإنجاز حجم استثمارات بـ600 مليون دينار (200 مليون دولار) وتحقيق نســبة نمو بـ5.5 في المئة.
ويتوقع أن يبلغ عدد الوافدين من الخارج العام المقبل 10.2 مليون وافد في مقابل 9.8 مليون وافد حتى يونيو(حزيران) 2024، وزيادة عدد الوافدين من سياح الجوار (ليبيا والجزائر) 5.9 مليون سائح في مقابل 5.2 مليون سائح.
ومن المرجح وفق التقديرات أن ترتقي عدد الليالي المقضية بالوحدات السياحية العام المقبل 32.3 مليون ليلة، في مقابل 30 مليون ليلة في 2024، إلى جانب توقع ارتفاع العائدات السياحية بقيمة 7.5 مليار دينار (2.5 مليار دولار).
ثورة تشريعية
إجمالاً يتطلب تفعيل الخطة التنموية لتونس العام المقبل وإنجاحها، إعداد ثورة تشريعية في جميع المجالات، تخلص اقتصاد البلاد من ممارسات صارت سيئة، وأضرت بها لا سيما الإجراءات الإدارية البطيئة، والقوانين التي أصبحت بالية، ولم تعد تواكب التحولات الاقتصادية المتسارعة.