ملخص
يقول رئيس جمهورية لبناني سابق إنه لا أحد يستطيع أن يجزم بأن وجود رئيس كان يمكن أن يمنع "حزب الله" من الدخول في حرب الإسناد ولكن الأكيد أن وجود رئيس للجمهورية كان لا بد أن يحدث تغييراً في الوضع الحالي.
يدخل الشغور الرئاسي في لبنان في الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) عامه الثالث، بينما كانت آخر جلسة انتخاب دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الـ14 من يونيو (حزيران) 2023 أي منذ عام وخمسة أشهر. ومع بدء مرحلة التصعيد الإسرائيلي على لبنان تجددت محاولات كسر الجمود الرئاسي وأعيد طرح النقاش حول ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لمعالجة تداعيات العدوان على المستويات كافة الداخلية والخارجية.
ومن مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة وبالاتفاق مع بري المكلف من "حزب الله"، جدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية بصورة عاجلة، مؤكداً الحاجة الملحة إلى إتمام الاستحقاق الرئاسي، بعد أن تحدث عن مرونة في موقف الثنائي (بري - حزب الله) تمثلت في التراجع عن شرط الحوار قبل الانتخاب والقبول بمرشح لا يشكل تحدياً لأحد.
تفاؤل ميقاتي لم يدم طويلاً وعادت سريعاً الشروط والشروط المضادة من الفريقين المتخاصمين، عقب حضور إيراني دبلوماسي ملحوظ على الأراضي اللبنانية أعاد موضوع الرئاسة إلى نقطة البداية، خصوصاً بعد تصريح موفدين إيرانيين بضرورة وقف الحرب على لبنان وغزة قبل البحث في أي شأن آخر.
هذا الموقف الإيراني المعطوف على اشتراط بري و"حزب الله" وقف إطلاق النار قبل انتخاب رئيس للبنان، الذي قابله اشتراط المعارضة أن يتعهد علناً أي رئيس مقبل بتطبيق الدستور وتنفيذ القرارات الدولية 1701 و1559 و1680 المرتبطة بسيادة الدولة على كامل أراضيها وحصر السلاح بيد القوى الشرعية، بدد الآمال بفرصة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية يمكن أن يواكب تداعيات حرب مدمرة على المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية التي يعد البعض أنه كان يمكن أن تتغير لو كان هناك رئيس للبنان. والسؤال الآن هل وجود رئيس كان يمكن أن يبدل المشهد ويوقف الحرب أو يمنع "حزب الله" من الانخراط في حرب الإسناد التي أوصلت إلى العدوان الإسرائيلي الموسع على البلاد؟
هل كان ليمنع الحرب؟
احتمال أن يتمكن رئيس جمهورية لبنان من منع تدخل "حزب الله" في الحرب هو مسألة معقدة ومتشعبة، فتلك الجماعة كقوة سياسية وعسكرية لها مواقفها وأهدافها المستقلة التي تتجاوز حدود السلطات الوطنية، لكن إذا نظرنا في السياق السياسي اللبناني، فإن وجود رئيس قوي يتمتع بشرعية سياسية ومقبولية شعبية قد يسهم في تعزيز وحدة الموقف الداخلي ضد أي تصعيد عسكري.
ويمكن أن يحفز ذلك "حزب الله" للالتزام بالتوجهات الوطنية بدلاً من الانخراط في تصعيدات خارجية، لكن هذا الاحتمال يصبح ضعيفاً لعوامل أساسية عدة، أبرزها أن للحزب التزامات واضحة تجاه إيران وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وهذا قد يؤثر في قراراته، كما أن لبنان هو حالياً ساحة صراع مصالح بين قوى إقليمية ودولية، مما يجعل من الصعب على الرئيس اللبناني اتخاذ قرارات مستقلة بالكامل، فضلاً عن أن الحزب قد يجد مبررات لدخول الحرب بغض النظر عن موقف رئيس الجمهورية إذا كان الوضع الداخلي يحتمل تباينات سياسية حادة كما هي الحال اليوم.
السؤال الأصح... أي رئيس؟
يقول رئيس جمهورية سابق لـ "اندبندنت عربية"، فضل أن لا نذكر اسمه، إنه لا أحد يستطيع أن يجزم بأن وجود رئيس للجمهورية كان يمكن أن يمنع "حزب الله" من الدخول في حرب الإسناد وتجنيب لبنان حرباً مدمرة كما هو حاصل الآن، ولكن الأكيد أن وجود رئيس للجمهورية كان لا بد أن يحدث تغييراً في الوضع الحالي، وأضاف "عندما حصلت حرب غزة عام 2009 كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وكانت هيئة الحوار الوطني التي تضم ممثلين عن كل القوى السياسية، شكلت حديثاً، ودعاها سليمان إلى الاجتماع وطرح عدم جعل جنوب لبنان منصة لإطلاق الصواريخ لمن يرغب، وأبلغ كل القوى المجتمعة أن الجيش اللبناني سيمنع إطلاق الصواريخ ويصادر المنصات ويوقف مطلقيها (فصائل ومنظمات متفرقة تابعة لأحزاب) ووافق الجميع ومن بينهم (حزب الله) الذي التزم القرار ولم يدخل الحرب. علماً أنه لا يمكن تجاهل فرضية أن يكون الحزب التزم حينها التوقيت الإيراني وليس قرار هيئة الحوار الوطني".
في المقابل يعد بعضهم أن الطرح الأصح يجب أن يكون أي رئيس وليس لو كان هناك رئيس. ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن وجود أي رئيس مقرب من "حزب الله" لكان الوضع أسوأ مما هو عليه اليوم، خصوصاً أن رئيس الجمهورية وفق الدستور في المادة 52 منه هو الذي يقود المفاوضات وصولاً إلى الاتفاقات الدولية، ومن ثم فالسؤال: لو كان هناك رئيس سيادي يلتزم الدستور والقرارات الدولية هل كان حصل ما حصل؟ وهل كان رئيس مجلس النواب نبيه بري هو الذي يفاوض وهو مجبر أن يأخذ مصلحة "حزب الله" في الاعتبار، بينما مهمة رئيس الجمهورية كانت لتكون بأن يأخذ مصلحة لبنان وليس مصلحة فريق معين؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حتى التعاطي الخارجي يكون مختلفاً في ظل وجود رئيس للجمهورية مستعد لتطبيق الدستور والتزام القرارات الدولية، فيما تجربة الثنائي بري - ميقاتي التفاوضية تماهت منذ اليوم الأول مع موقف "حزب الله"، الذي تدرج من حرب الإسناد وربط وقف إطلاق النار بحرب غزة إلى المواجهة التدميرية للبنان.
نوعان من الرؤساء
أكد عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غياث يزبك في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أنه لا يمكن لدولة في المطلق أن تكون من دون رئيس جمهورية، لكنه يتحدث عن نوعين من الرؤساء، المؤسساتي السيادي والممسك بقرار الدولة وصلاحياته الدستورية لجهة الإمساك بقرار الحرب والسلم والتفاوض مع أي دولة أخرى، والرئيس الخنوع الراضخ الطيع، وهو نموذج الرؤساء الذين انتخبوا منذ اتفاق الطائف وصولاً للعام 2022، وتابع "في ظل النموذج الثاني من الرؤساء في لبنان نما (حزب الله)".
وعد الظرف الحالي بالغ الخطورة ويتطلب قول الأمور كما هي من دون مواربة، فلو كان للبنان رؤساء جمهورية من النوع السيادي غير الطيع الذين طبقوا اتفاق الطائف لما كان وجد "حزب الله"، وما كانت هذه الفئة من الرؤساء لتسمح بأن يستثنى الحزب من بند تسليم كل الميليشيات سلاحها، ولم تكن لتسمح بأن يتفرد بالدفاع عن الأراضي اللبنانية وأن يكون أقوى من الجيش والدولة وأن يمسك بقرار الحرب والسلم، كما كان لبنان سيتجنب الفراغات الرئاسية المتتالية.
ويتابع يزبك "ولو كسرت تلك القاعدة ووصلنا إلى السابع من أكتوبر 2023 لكان الرئيس المنتخب في الأقل لم يغط الحزب بحرب الإسناد، ومن ثم كان يمكن أن يحمي موقفه لبنان والدولة دولياً ومؤسساتياً ودبلوماسياً من ردود الفعل. ميقاتي تجرأ مرة واحدة وانتفض من أجل سيادة لبنان في وجه رئيس البرلمان الإيراني، وعلى رغم أن كلامه لم يقترن بأي فعل فإنه ذكر الدول الصديقة والدول العدوة أن للبنان سيادة مهما كانت هشة وضعيفة وهي التي تمتلك الشرعية. وقبل ذلك عام 2006 نفذت الحكومة اللبنانية القرار 1701 وأرسلت 10 آلاف جندي من الجيش اللبناني إلى الجنوب من دون أن تستشير ’حزب الله‘".
وانطلاقاً من ذلك يشرح يزبك موقف القوات اللبنانية نتيجة الحرب القائمة، الذي عبر عنه رئيس الحزب المتمسك بمواصفات واضحة لرئيس الجمهورية وتعهده تطبيق الدستور والقرارات الدولية، وهي شروط لا تشكل انتصاراً لأحد على أحد بل هي انتصار لمشروع الدولة. ويعبر عن تخوفه من أن ربط الثنائي (أمل وحزب الله) الاستحقاق الرئاسي بوقف إطلاق النار هو لشراء الوقت بانتظار متغيرات سياسية أو ميدانية يمكن أن يستخدمها الثنائي لفرض رئيسه.
هل استطاع أي رئيس منع الحروب؟
في قلب الثنائي (أمل - حزب الله) لا تبدو المعالجات مرتبطة بوجود رئيس للجمهورية على رأس البلاد، وهنا يشير عضو كتلة حركة أمل النيابية (التنمية والتحرير) النائب قاسم هاشم إلى مدى صوابية المبادرة التي كان أطلقها بري منذ بدء الشغور الرئاسي عام 2022 لإدراكه الواقع السياسي وتركيبة المجلس النيابي، والقائمة على الاتفاق على طاولة حوار على الاسم قبل الذهاب إلى الانتخاب، "لكن للأسف لم يستجب البعض واستمروا بتعنتهم على رغم الجلسات الـ12 التي لم تسفر عن نتيجة ووصلنا إلى ما وصلنا إليه".
ويعترف هاشم بأن وجود مؤسسات دستورية فاعلة هو مسألة مهمة لكنه يشكك بفرضية أن يكون وجود رئيس للجمهورية عاملاً أساساً في منع الحرب، مضيفاً "إذا كان البعض يعتقد أن وجود رئيس للجمهورية كان يمكن أن يغير في المشهد الحالي فإن السؤال لمن يعتقد أن الرئيس كان سيمنع التعرض لهذا العدوان، فهل استطاع أي رئيس للجمهورية أن يمنع الحروب عن البلد بكل أشكالها مع أهمية الدور الذي كان يقوم به في تلك الفترة لإبعاد الآثار السلبية لأي حرب؟"، ويقول "لكن مهما كانت الظروف فإن وجود رئيس بات أكثر ضرورة"، مذكراً بأن الرئيس بري دعا إلى التوافق على رئيس توافقي لا يشكل تحدياً لأي فريق، ولكن حتى الآن لم تتبلور عند القوى السياسية رؤية واضحة في كيفية الوصول إلى هذه الشخصية التوافقية. وختم هاشم مؤكداً أن أولوية الأولويات حالياً تبقى وقف إطلاق النار.
هل الدستور هو العلة؟
في قراءة قانونية دستورية لأهمية وجود رئيس للجمهورية وتعطيل الانتخاب يعد المحاضر في القانون الدولي وحقوق الإنسان وائل الخير أن رئيس الجمهورية لا يغير المشهد الحالي. ويرى أن تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لا شأن له في القانون الدولي إنما الصلاحية تنحصر بمندرجات الدستور، ويتابع "المؤسف أن دستور لبنان هو العلة وليس الحل" في ظل شلل أصاب المحكمة الدستورية التي كان بيدها إيضاح ما غمض من الدستور وإصدار الفتاوى القانونية على ما هي الأمور في الأنظمة الديمقراطية.
ويعد أن "القصور الدستوري، إن غصنا في أسبابه لوجدناه نتيجة خلل بنيوي يعود لتكوين لبنان، فبلاد الأرز مجموعة طوائف لم تختر العيش معاً بإرادتها ولما فرض ذاك عليها عملت كل وسعها لمد نفوذها على ما هو لغيرها. وما زاد الأمور سوءاً أن توسيع حدود لبنان عام 1920 أضاف طوائف هي امتداد لقوى إقليمية داخل حدوده بحيث ما إن استقلت تلك الدول وسمحت الظروف لها، بدءاً بالقضية الفلسطينية فالناصرية ثم البعث السوري وصولاً إلى ولاية الفقيه في إيران، حتى حركت كل منها امتداداتها ضمن وطننا وبدأت الكوارث تتوالى على لبنان وشعبه".
وإلى السبب البنيوي يضيف المحاضر في القانون الدولي سبباً آخر يعود إلى دهاء القيمين على المكون الشيعي وقصر نظر المكونات الأخرى، موضحاً أن المشكلة الأساس هي في قانون الانتخاب الذي لا مثيل له في العالم، والذي انتهى إلى نتيجة كارثية ذلك أن توحيد كلمة الطائفة الشيعية أدى إلى حصر عدد كل نوابها بالثنائي مع قيامها بدور خافضة أو رافعة أدت إلى خفض عدد ممثلي الأحزاب المعادية لهما أو رفع عدد حلفائهم واسترهان تلك الطوائف.
أما الأمر الأكثر خطورة، بحسب الخير، فهو أن رئيس المجلس النيابي ينحصر اختياره من بين النواب فيكون حكماً من بين نواب الثنائي، فيما رئيس الجمهورية يصح أن يكون أي ماروني ورئيس مجلس الوزراء أي سني. وهذا ما يتيح للكتلة النيابة الشيعية التحكم بأسماء المرشحين الموارنة والسنة واستدراج عروضهم من دون تمتع أي طائفة بما ينفرد الثنائي الشيعي به من احتكار المنصب الثاني في الدولة. ويضيف أن الدستور يسمح أيضاً لرئيس مجلس النواب عندما يشاء أن يدعو إلى انتخاب رئيس جمهورية أو عقد جلسة ثقة بالحكومة.