ملخص
الناخب الأميركي يرغب في تغييرات تحافظ على كيان الأسرة والأخلاق مع التركيز على الحريات الأساسية والديمقراطية ويقف المرشح الجمهوري دونالد ترمب في مكان في الوسط من هذه التطورات.
لا شك في أن الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة الأميركية هي من أكبر الانتخابات إثارة وأهمية في التاريخ الحديث لهذا البلد.
فالناخب الأميركي أمام انتخاب رئيس سابق اسمه موجود على ورقة التصويت على رغم الأحداث السابقة وطريقة تسليمه الإدارة إلى الرئيس الحالي وأمام امرأة من جيل المهاجرين ذوي البشرة الملونة، وعليه أن يختار أحد المرشحين للمنصب الرئاسي.
والحزب الديمقراطي بعدما استشعر خطراً من مشاركة دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية، أقدم بسرعة على استبدال الرئيس الحالي جو بايدن بمساعدته كامالا هاريس كي لا يعود ترمب بسهولة للبيت الأبيض.
ما نشهده على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام هو تنافس بين مرشحين جمهوري وديمقراطي يخوضان منافسة بحسب المفاهيم التقليدية في الولايات المتحدة الأميركية، لكن هذه الانتخابات ليست بالبساطة التي نراها حالياً، ففوز ترمب في الانتخابات يعبر عن تثبيت توجه جديد في المجتمع الأميركي.
هذا التوجه يكشف عنه مدى حظوظ ترمب في الفوز أو الخسارة في الانتخابات المقبلة ويتطلب قراءة جديدة في المفاهيم السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة.
أمضى ترمب أزمات متعددة منذ اليوم الذي ترك فيه البيت الأبيض وزوجته وتسليمه إلى الرئيس الجديد جو بايدن وزوجته جيل بطريقة غير معهودة في يناير (كانون الثاني) عام 2021.
كانت هناك محاكمات متعددة في عدد من الولايات وشكاة طرحوا اتهامات سيئة، من بينها الفساد الأخلاقي والتأثير في الرأي العام وإثارة الشغب والتهرب الضريبي، فوجد ترمب نفسه أمام سد كبير للعودة إلى البيت الأبيض.
ومع وجود كل هذه العراقيل، كيف استطاع الصمود وتثبيت نفسه مرشحاً عن الحزب الجمهوري؟
والرد على هذا السؤال يكمن في التغيير الذي يشهده المجتمع وطريقة التغطية التي تقوم بها كبرى الشبكات التلفزيونية للتأثير في المجتمع.
لا شك في أن الإنترنت والتقنيات المرتبطة بها وإمكان وصول مليارات المستخدمين إلى شبكات التواصل الاجتماعي تترك تأثيراً في كيفية الاطلاع على الأخبار والتحليلات المرتبطة بالوقائع اليومية.
لا أتحدث هنا عن الأخبار الصحيحة وغير الصحيحة، بل عن سهولة نقل المعلومة بصورة حرّة وارتفاع إمكان القضاء على الأحداث بواسطة الأشخاص على نحو مباشر بعد الحصول على الأخبار والتحليلات المرتبطة، مما يؤدي إلى التأثير في الرأي العام.
ترمب غيّر انتماءه الحزبي منذ عام 1987 إلى 2012 خمس مرات بين الحزب الجمهوري والديمقراطي، وأعلن في فترات أنه مستقل، وعندما ننظر إلى أربع سنوات من رئاسته السابقة وتصريحاته الأخيرة، نكتشف أن ترمب لا يمكن تأطيره كجمهوري تقليدي (أشرت إلى ذلك في مقالة قبل أربع سنوات تحت عنوان "ترمب والموج الثالث في الولايات المتحدة الأميركية").
لم يكُن ترمب مرشحاً محبذاً للجمهوريين، لكن هذا الحزب لم يملك شخصية قوية أخرى للتعريف بها بديلاً عن ترمب، فحصل المرشح الحالي في 2020 على 71 مليون صوت، وهذه النسبة ليست قليلة ولا يمكن غض الطرف عنها.
وكانت تصريحات ترمب حول الإجهاض وهي من أهم استراتيجيات الحزب الجمهوري، تسببت في إيجاد اصطفاف حول القضية.
وكان ترمب أكد أنه في حال فوزه في الانتخابات، سيوكل مهمة بتّ موضوع الإجهاض إلى المحاكم الفيدرالية، أي يحق للولايات وضع قوانين مستقلة حول موضوع الإجهاض، وبعد ذلك أصدرت زوجته ميلانيا مقطع فيديو يروج لكتابها الجديد "ميلانيا" وتحدثت فيه عن حق النساء في التصرف بجسدهن والإجهاض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بهذه التفاصيل، نجد أن ترمب يملك هوية لا يمكن تأطيرها في الحزب الديمقراطي ولا الحزب الجمهوري، وفي الواقع يمثل ظهور ترمب ظاهرة لتشكيل حزب ثالث بصورة غير ملموسة وسيشكل فوزه أو خسارته تثبيتاً لهذا التغيير في المجتمع الأميركي.
فالمجتمع الأميركي يطالب بتغييرات تحافظ على مبادئ وإطار الأسرة والأخلاق وتكون ملتزمة بالمبادئ الأساسية في البلاد ومن بينها الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، ويقف ترمب على مسافة قريبة من هذه التطورات وهذا ما يميل إليه الناخبون الأميركيون.
المواطن الأميركي يهتم كثيراً بالاقتصاد، وفي الوقت نفسه تؤثر تطورات أخرى بصورة كبيرة في تصويته ومن بينها الهجرة والأمن والأسرة.
خسر ترمب انتخابات عام 2020 أمام بايدن لأن أزمة كورونا والتحديات المرتبطة بالإغلاق في الولايات المتحدة رأت في أداء ترمب قصوراً يؤثر في حياة وعيش المواطنين.
مضت أربع سنوات من إدارة الديمقراطيين ويشكل تفشي انعدام الأمن الواسع في البلاد، بخاصة في المدن الكبيرة مصدر قلق كبير للمواطنين ويؤثر في حياتهم.
ومن مظاهر انعدام الأمن، تفشي الإدمان وانتشار المجرمين أحراراً في الشوارع والأفراد المصابين بأمراض خطرة مثل أمراض الأعصاب والأمراض النفسية، مما يؤثر في انعدام الأمن في الشوارع والمراكز الاقتصادية والمدن، وهذه الأمور قد تكون بعيدة من أعين العالم لكن المواطن الأميركي يراها بعينه كل يوم.
والمهاجرون غير الشرعيين هم جزء كبير من هذه الأزمة ويظهرون في عدد من المدن وشوارعها.
والشعب الأميركي يعارض منح أوكرانيا مليارات الدولارات من أجل الاستمرار في الحرب ويعارضون حرب غزة، ويقول الأميركيون كذلك "أميركا أولاً"، مما يعني الاهتمام بالشعب الأميركي وإعادة إعمار الطرق وقطارات الأنفاق والمطارات التي أصبحت قديمة وعودة الأمن إلى الشوارع.
هذه الأمور تجعل نسبة كبيرة من المواطنين الأميركيين يمرون بسهولة من ترشيح امرأة ديمقراطية في الانتخابات المقبلة.
لا شك في أن ترشيح امرأة في الانتخابات يثير حماسة في البلاد، لكن هاريس لم تعمل كثيراً من أجل التعريف بنفسها خلال الأعوام الأربعة الماضية بصفتها نائبة للرئيس، والشعب الأميركي لا يعرف كامالا هاريس ويعتبر الجميع انتخابها استمراراً لإدارة جو بايدن.
ومن أبرز الأمور التي تؤثر في تصويت الناخبين في الانتخابات، يمكن الإشارة إلى موضوع استمرار الدعم المالي لأوكرانيا واستمرار الأزمة في الشرق الأوسط وحرب غزة وفي الوقت الحالي لبنان والاقتراب من المواجهة مع إيران، وكذلك الفشل في وقف دخول عشرات آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون حدود المكسيك إلى الولايات المتحدة، واستمرار انعدام الأمن في المدن الأميركية، إضافة إلى عدم وجود إمكانات مناسبة في البلديات وضعف النظام الصحي والقضايا المتعلقة بالضمان الصحي والاجتماعي.
لكن الموضوع الذي لا تتطرق إليه وسائل الإعلام كثيراً ويحظى باهتمام واسع في الولايات المتحدة الأميركية هو دعم ترمب من الأسرة أي زواج الرجل من المرأة ومعارضة الترويج للموديلات الجنسية الأخرى في المدارس.
الشعب الأميركي يتحدث بصورة علنية عن هذه الأمور ويفضل أن يعبر عن رأيه في هذا الشأن خلال التصويت ويكتب بعضهم رأيه على ورقة التصويت.
الانتخابات الأميركية ستشهد منافسة حثيثة ويشارك فيها 190 مليون ناخب وستترك نتيجة هذه الانتخابات التي تجري في بلد يضم أكبر اقتصادات العالم ويملك قدرة عسكرية هائلة أثراً على مستقبل القضايا والبلدان المختلفة بصورة مباشرة وغير مباشرة.
لم تبقَ إلا أيام قليلة للانتخابات المصيرية في أميركا، وبالإمكان إحساس أهمية هذه الانتخابات وتأثيرها في بلدان عدة من أوروبا إلى الشرق الأوسط والصين وروسيا وأوكرانيا وإيران وأفغانستان وجميع أنحاء العالم، مما يكشف عن تأثير الفائز بالانتخابات في التطورات التي تشهدها هذه الدول.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"