ملخص
أزمة القدرة على تحمل كلف الإسكان أسهمت في تفاقم فجوة الثروة في الولايات المتحدة
بعد رحلة طويلة من المتاعب والإجراءات والفائدة المرتفعة بنسب قياسية، تم ترويض التضخم، والمستهلكون ينفقون بجنون، ولدى الشركات وظائف متاحة، لكن ماذا يتوقع الأميركيون في شأن اقتصادهم؟ لكن الأزمة أكبر أمام كامالا هاريس لإخفاقها مع إدارة الرئيس جو بايدن في تحسين الأوضاع المالية للأسر الأميركية.
وعلى رغم أن المشاعر آخذة في التحسن، فإن استطلاعات رأي تلو الأخرى تشير إلى أن الأميركيين يحملون وجهات نظر سلبية إلى حد كبير في شأن الاقتصاد الأميركي، ذلك لأن الاقتصاد هو أكثر من مجرد مجموعة من الأرقام التي تراها في رسومات بيانية فاخرة.
فعندما تدفع 13 دولاراً مقابل شطيرة تونة، فإن ذلك يترك فجوة في محفظتك، وعندما لا تستطيع شراء منزل تشعر بأنك مستبعد من الحلم الأميركي، وهذا سبب كبير وراء كون هذه الانتخابات مثيرة للجدل.
وخلال الفترة الماضية، لجأ البنك المركزي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة مرات عدة، لتسجل أعلى مستوى لها في عقود، وذلك في إطار محاربة التضخم المرتفع الذي تجاوز أعلى مستوى في 40 عاماً.
وتسبب التضخم المرتفع في سلسلة من الأزمات التي تواجه الأميركيين، خصوصاً السلع التي قفزت أسعارها بنسب تصل إلى 100 في المئة، إضافة إلى الارتفاع الكبير بفائدة الرهن العقاري، مما تسبب في تفاقم أزمة الإسكان بالسوق الأميركية.
بيانات إيجابية تشير إلى قوة الاقتصاد الأميركي
وعلى رغم المشاعر السلبية، فإن هناك ما يشير إلى قوة الاقتصاد الأميركي، وبالنسبة إلى الوظائف، فإن أكبر مؤشر للأمن الاقتصادي هو ما إذا كان لديك وظيفة أم لا، وهناك نسبة عالية تاريخياً من الناس يقومون بذلك.
وعلى رغم أن معدل البطالة ارتفع خلال العام الماضي، عند مستوى 4.1 في المئة، فإنه يظل عند مستوى صحي للغاية، إذ يرتفع بصورة تدرجية من أدنى معدل بطالة منذ الهبوط الأول.
ويظل الاقتصاد الأميركي بمثابة آلة لخلق فرص العمل، إذ أضاف نحو 368 ألف وظيفة شهرياً في المتوسط خلال إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن وهو رقم قياسي.
لقد تباطأ، لكن الاقتصاد لا يزال يضيف في المتوسط 172 ألف وظيفة هذا العام، وهو تقريباً بالضبط العدد الذي أضافه الاقتصاد خلال الأعوام الثلاثة الأولى لإدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، قبل أن يضرب "كوفيد" ويهوي بعدد الوظائف إلى 175 ألف وظيفة شهرياً.
وتطلب الشركات بشدة العمال، لدرجة أن عدد قوائم الوظائف أكبر من عدد الباحثين عن عمل الأميركيين، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأميركي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أيضاً، بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإن المقياس الأوسع للاقتصاد الأميركي مزدهر، وأفاد مكتب التحليل الاقتصادي، بأن الناتج المحلي الإجمالي نما بمعدل سنوي معدل موسمياً بنسبة 2.8 في المئة خلال الربع الأخير. وهذه وتيرة صحية بكل المقاييس، وهي تتساوى مع التوسع الاقتصادي خلال إدارة ترمب، عندما كان الناس يشعرون بتحسن كبير في شأن حالة الاقتصاد.
وجعلت الاقتصاد الأميركي موضع حسد العالم، إذ يظل النمو الاقتصادي المتوقع لهذا العام هو الأقوى بين أي اقتصاد من اقتصادات مجموعة السبع، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وفي السياق، لم تعد رواتب العمال تزدهر كما كانت قبل عامين، عندما كان التضخم خارج المسار بالفعل، لكنها لا تزال تنمو بمعدل 3.9 في المئة، وفقاً لوزارة العمل.
ولا يزال هذا مقطعاً أسرع من التضخم، مما يعني أن حجم الأموال التي يتعين على الأميركيين إنفاقها آخذ في الازدياد.
وارتفع نصيب الفرد من الدخل المتاح المعدل بحسب التضخم للشهر الـ27 على التوالي، وفقاً لمكتب الضرائب البريطاني، وهي أطول فترة على الإطلاق.
النزعة الاستهلاكية
وعلى رغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى عكس ذلك، فإن المستهلكين يتصرفون وكأن الاقتصاد عظيم، ويشهد الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل أكثر من ثلثي الاقتصاد الأميركي ارتفاعاً، إذ ارتفع 3.7 في المئة خلال الربع الأخير، وهو أعلى معدل نمو منذ الربع الأول من عام 2023، وثقة المستهلك آخذة في الارتفاع أيضاً، إذ ارتفعت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأكبر قدر في أي استطلاع منذ مارس (آذار) 2021، ومع ذلك، فإنها لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه قبل الوباء، عندما كان الرئيس السابق دونالد ترمب في منصبه.
أزمات الإسكان والإيجارات وأسعار السلع
لكن في المقابل، لا يشعر الأميركيون بالراحة بسبب هذه الأرقام، فأولى الأزمات تتعلق بقطاع الإسكان، بعدما وصلت أسعار المنازل في السوق الأميركية إلى مستويات قياسية جديدة لمدة 15 شهراً على التوالي.
هذه أخبار رائعة إذا كنت تمتلك منزلاً، بينما العكس صحيح إذا لم يكن لديك منزل، خصوصاً مع بقاء معدلات الرهن العقاري مرتفعة بصورة عنيدة أقل بقليل من سبعة في المئة.
هذا هو السبب وراء تغيير مستوى قياسي بلغ 2.5 في المئة من المنازل لأصحابها هذا العام، وهو أدنى مستوى منذ 30 عاماً.
أيضاً، فإن الإيجار لا يقدم كثيراً من الراحة، ونحو نصف المستأجرين الأميركيين أنفقوا أكثر من 30 في المئة من دخلهم على الإيجار في عام 2023، وتعد الأسر التي تنفق أكثر من 30 في المئة من دخلها على الإيجار أو أقساط الرهن العقاري أو كلف السكن الأخرى "كلفة مثقلة" من قبل وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأميركية.
وساعدت أزمة القدرة على تحمل كلف الإسكان في تفاقم فجوة الثروة في أميركا، مما أدى إلى تعرض الأشخاص الذين يضطرون إلى الانتقال أو لا يملكون منزلاً إلى مأزق مالي، لكن عديداً من الأشخاص الذين لا يعانون الفقر يكافحون أيضاً من أجل العيش، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى كلفة العيش في منزل، خمس الأسر الأميركية التي تكسب أكثر من 150 ألف دولار سنوياً تعيش من راتب إلى راتب، وفقاً للاستطلاع الذي أجراه بنك "أوف أميركا".
الأزمة الثالثة تتعلق بالأسعار، فعلى رغم بدء تراجع معدلات التضخم، فإن هذا لا يعني أن الأسعار آخذة في الانخفاض، بل إنها لا ترتفع بالمستوى المقلق الذي كانت عليه قبل عامين.
وأصبحت الأسعار الآن أعلى بنحو 20 في المئة مما كانت عليه عندما تولى بايدن منصبه، مما يترك للأميركيين تذكيراً يومياً بحجم التضخم الكريه في كل مرة يذهبون فيها إلى المتجر، فيما انخفضت أسعار الغاز بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، إذ انخفضت من متوسط قياسي مرتفع يزيد على خمسة دولارات في عام 2022 إلى أقل من ثلاثة دولارات للغالون الواحد في عدد من الولايات الآن، وساعد ذلك، ولكنه لم يحل، مشكلات التضخم التي لا يزال عديد من الأميركيين يواجهونها على أساس يومي.
فيما وجدت دراسة حديثة أجراها معهد "بروكينغز"، وجود علاقة بين المعنويات الاقتصادية والانتماء السياسي للحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض، فعندما تولى دونالد ترمب منصبه، ارتفعت المعنويات الاقتصادية لدى الجمهوريين، في حين انهارت المعنويات الديمقراطية. وحدث العكس عندما تولى بايدن منصبه، ولكن من المرجح أن يعتقد الجمهوريون أن الاقتصاد جيد عندما يكون جمهوري في منصبه أكثر من الديمقراطيين عندما يتولى ديمقراطي البيت الأبيض، والعكس صحيح أيضاً.