ملخص
حذرت نقابات الصيادلة في الجزائر مراراً من انتشار إعلانات فتح دورات للتكوين بمراكز خاصة في تخصصات الباعة وتسيير الصيدليات، باعتبار أن التكوين في مثل هذه التخصصات الحساسة، يتم عبر الجامعات وتشرف عليه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
غزت في الأيام الأخيرة، إعلانات "كيف تصبح صيدلياً" منصات التواصل الاجتماعي ومراكز التكوين الخاصة في الجزائر، مستسهلةً هذا المجال شبه الطبي ومستفيدةً من فراغ قانوني لطالما شكا منه أصحاب المهنة، ليكون في الأخير المريض أول الضحايا في حالة تقديم دواء خاطئ.
"أوقفوا دورات بائع صيدلي"، لافتة رفعها أطباء أمام بهو كلية الطب في العاصمة الجزائرية، واتبعوها بعبارة "صحة المواطن في خطر"، ضمن حركة احتجاجية دقوا خلالها ناقوس الخطر من مغبة سلوكيات يتعرض لها نشاط الصيدلي، المتمتع بخصوصية تفرض تنظيم استعمال الدواء، وليس مجالاً تجارياً يهدف إلى الربح فقط، مثلما حوّله بعض الدخلاء على المهنة الذين اقتحموا تسويق الأدوية بعد الخضوع لدورات تكوين بمراكز خاصة تَعِد المتربّصين بشهادات يدّعون أنها معتمدة من طرف الدولة، في ضرب من ضروب الاحتيال على شباب يجهلون الحقيقة الكاملة.
ودفع مصابون بأمراض مزمنة ثمن الخطأ بتناول أدوية مغايرة لتلك الموجودة في الوصفات الطبية الرسمية، بتعرضهم لمضاعفات خطيرة لم تكن لتقع لولا إساءة الصيدلي البائع قراءتها، مثلما ينقل فريد نوري لـ"اندبندنت عربية" الذي أعاد دواء للربو خاص بوالدته لصاحب الصيدلية، بعدما تبيّن له عقب قراءة الوصفة مرة أخرى أنه حدث خطأ في الجرعة المحددة، أصابتها بانتكاسة، في حين كشف محامٍ عن فقدان والده لحياته قبل سنوات بسبب تقديم دواء مغاير، الأمر الذي اضطره لنقل القضية إلى المحاكم الجزائرية لتحميل القيمين عن الصيدلية مسؤولية الخطأ الفادح.
وانتشرت أخيراً إعلانات عبر منصة "وادكنيس" الشهيرة في الجزائر أو عبر مواقع التواصل، مثل الفطريات، فتغري الشباب الذين تخطوا سن الـ16 سنة بالالتحاق بصفوف التكوين كبائع أو مسيّر صيدلية، مع عدم اشتراط مستوى علمي مقبول. وتحدث أحد الإعلانات عن دورة مكثّفة لأسبوع واحد تعقبها دراسة لستة أشهر عن بعد، وتنتهي بالعمل في صيدلية، بأسعار لا تتجاوز 30 ألف دينار جزائري أي نحو 120 يورو.
وأطلقت "أكاديمية" أخرى دورات في صناعة مواد شبه طبية وشبه صيدلانية لتحفيز المتربصين على إنشاء مشروعهم الخاص ليتخرجوا بعد بضعة أيام بشهادة "معتمدة من طرف الدولة" وقف تعبيرها. واللافت في هذه الأمثلة أن دكاترة في الصيدلة يشرفون عليها، على رغم علمهم بأنها "تكوين وهمي" لا يحمل قيمة علمية أو إضافة تُذكر في مسارهم الدراسي والمهني مستقبلاً، سوى أن من يلتحق به سيكون قد تعرض لنهب أمواله.
ودافع أحد ممثلي مراكز التدريب والذي يفتح قاعات التكوين في مجال الصيدلة والحلاقة والخياطة وغيرها، عن ذلك النشاط حيث أكد لـ"اندبندنت عربية"، أن كثيرين ممن حصلوا على الشهادات "المعتمدة" من طرفهم صاروا يعملون بمجال بيع الأدوية وينشطون في القطاع. في حين اعترف بعض الصيادلة بتوظيف باعة يخضعون لإشراف ذوي الخبرة لأشهر بعد أن يقوموا بحفظ أسماء الأدوية وأنواعها جيداً.
ومعلوم أن دراسة الصيدلة في كليات الجزائر تستمر مدة 6 سنوات كاملة، حيث يخضع الطلاب لتدريب متعدد الاستخدامات يشمل العلوم الأساسية والصيدلانية والسريرية والبيولوجية، أما السنة الأخيرة، فتُخصص للتدريب العملي للحصول على لقب دكتور صيدلة. وسيكون لدى حاملي درجة دكتور إمكانية العمل ليس فقط في الصيدليات ولكن أيضاً في صناعة الأدوية في جميع المراحل، من التصنيع إلى التسويق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحذرت نقابات الصيادلة مراراً من انتشار إعلانات فتح دورات للتكوين بمراكز خاصة في تخصصات الباعة وتسيير الصيدليات، باعتبار أن التكوين في مثل هذه التخصصات الحساسة، يتم عبر الجامعات وتشرف عليه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وأبرزت النقابة الوطنية للصيادلة الجزائريين المعتمدين أخطار هذا التربص غير المعتمد، الذي أدخل الجوانب التجارية إلى مجال التكوين في مهنة الصيدلة، التي تحتاج إلى تخصص جامعي على أعلى مستوى، بعيداً من مراكز التدريب والاستشارة الخاصة، كونها تتعلق بصحة المواطنين مباشرة وأي خطأ في منح الأدوية، أو قراءة الوصفة، أو تحديد المقادير، وكيفية الاستعمال، سيكلف المريض غالياً.
وعلى رغم ذلك يلجأ بعض الصيادلة إلى توظيف خريجي هذه المراكز لحسابات تجارية بحتة، لتحقيق العائد المادي.
وبررت وزارة الصحة في وقت سابق في ردها على سؤال حول توظيف خريجي المدارس الخاصة في اختصاص شبه الطبي والصيدلة، أن ذلك يخضع لترخيص سنوي استثنائي، لسد العجز في التكوين بالقطاع العام.
وأوضح الطبيب العام، إبراهيم عواد، أن "دور الصيدلي لا يقل أهمية عن دور الطبيب، لأن من مسؤوليته السهر على الاستخدام الآمن للأدوية، فأي خطأ في قراءة ما صرف في الوصفة المكتوبة، أو تقديم أدوية مكافِئة قد تعقّد من الوضعية الصحية للمريض". وفوجئ عواد مرات عدة بمخالفات حدثت في تقديم العلاج المناسب من الصيدلي، وقال إن "مهمة هذا الأخير تتعدى التسويق إلى تقديم المعلومات والنصائح اللازمة حول الطرق الصحيحة لاستخدام الأدوية".
وأثارت هذه المسألة حفيظة جمعيات مدنية، انتقدت فسح المجال للتلاعب بالصحة العامة من طرف مراكز تكوين خارجة عن القانون. وقال المنسق الوطني لمنظمة حماية المستهلك بالجزائر، فادي تميم، "وصلنا مرحلة أصبح يروّج فيها لكيفية أن تكون صيدلياً في يومين أو ثلاثة أيام، وهو عبث صنعته دورات غير معتمدة قانوناً"، لأن هذه المراكز الخاصة يجب أن تحصل أولاً على اعتماد من وزارة التكوين المهني، مطالباً وزارة التجارة بضبط هذه النشاطات التي أصبحت تتاجر بأحلام الشباب.
وأسف تميم لاستغلال فجوة قانونية لأن وزارة التكوين لم تحدّث مدونة التكوينات بحيث تشمل مثل هذه المجالات التي تجد رواجاً وسط الشباب الباحث عن العمل.
وحث المتحدث ذاته "وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة التكوين على التحرك لتدارك سد الفراغ، ما دام هذا التكوين لقي إقبالاً من طرف الشباب".
وعانى قطاع الصيدلة في الجزائر منذ تسعينيات القرن الماضي على خلفية إعفاء السلطات المدارس شبه الطبية من تكوين معاوني الصيدلي من دون تقديم بديل، حيث كان يُسمح للخريجين كل سنة في نهاية الدفعة بالحصول على دبلوم برتبة تقني صحي.
لكن وزير الصحة الجزائري الحالي، عبد الحق سايحي، كشف عن إعداد مشروع مرسوم تنفيذي يتضمن شروط وكيفيات ممارسة مهنة الصيدلة. وأجاب رداً على سؤال برلماني إنه "سيتم قريباً مراجعة النصوص التنظيمية المحددة لشروط تنصيب صيدلية خاصة وفتحها وتحويلها".
ومن شأن إعداد مرسوم يحدد القواعد المتعلقة بتوظيف الصيدلي المساعد وشروط عمله في الصيدلية أن ينهي ظاهرة الاستعانة بالباعة لتقديم خدمات صحية لتفادي الوقوع في أي مشكلة تخص توجيه المريض.
وتؤكد وزارة الصحة الجزائرية أن مهنة مساعد صيدلي، لا ينبغي ممارستها من قبل أشخاص لا يملكون المؤهلات العلمية اللازمة لذلك، مثلما ينص عليه قانون الصحة، من خلال الترخيص فقط لحاملي شهادة صيدلي لمساعدة صاحب الصيدلة في تأدية مهماته.