ملخص
يمكننا الجزم بأن التلسكوبات لعبت دوراً لا يتجزأ في علم الفلك الحديث منذ نشأتها، وسمحت لنا برؤية الكون والتعرف إليه بطرق كانت مستحيلة.
نظر البشر منذ العصور القديمة إلى السماء بدهشة، ومع ذلك لم نتمكن من استكشاف أعماق الفضاء الشاسعة والغامضة حقاً إلا بعد اختراع التلسكوب في أوائل القرن الـ17. واليوم تعد التلسكوبات أدوات حاسمة في علم الفلك الحديث، إذ تسمح لنا بجمع وتحليل البيانات من الأجسام البعيدة على بعد مليارات السنين الضوئية.
مدار حول الأرض
وتوضع التلسكوبات في مدار حول الأرض أو ترسل إلى مكان أبعد في الفضاء للحصول على رؤية أوضح للكون، وهناك أنواع مختلفة من التلسكوبات الفضائية يستخدم بعضها لدراسة أجسام خاصة مثل الشمس، ويستخدم البعض الآخر لدراسة الأنواع المختلفة من الضوء المنبعث من الأجسام في الفضاء، أو تكون مزودة بالأشعة السينية وأشعة "غاما" لدراسة الأجسام الأكثر سخونة وانفجاراً في الفضاء.
ويمكننا الجزم بأن التلسكوبات لعبت دوراً لا يتجزأ في علم الفلك الحديث منذ نشأتها، وسمحت لنا برؤية الكون والتعرف إليه بطرق كانت مستحيلة. وقد تطورت التلسكوبات وتقدمت، بمرور الوقت، من أول تلسكوب معترف به علمياً اخترعه عالم الفلك الإيطالي غاليليو غاليلي عام 1609 إلى تلسكوبات الفضاء المتطورة مثل "هابل" وغيرها، ووفرت لنا فهماً أعمق لكوننا.
تاريخ التلسكوب
يعود الفضل في إنشاء أول تلسكوب إلى هانس ليبرشي، صانع العدسات والنظارات الألماني، الذي تمكن من الحصول على براءة اختراع لأول جهاز تلسكوب عام 1607 مستفيداً مما يقارب من 2000 عام من خبرة العلماء الهنود والمصريين والصينيين واليونانيين والرومان والعرب.
وانتشر اكتشاف ليبرشي في جميع أنحاء أوروبا مع التصميم المحسن الذي ابتكره غاليليو غاليلي بعد عامين فحسب، وعلى رغم أن هذا التلسكوب كان به عديد من القيود (الانحرافات اللونية، مجال الرؤية المنخفض)، فإنه كان كافياً بالنسبة إلى غاليليو لبدء النظر إلى السماء واكتشاف مراحل كوكب الزهرة، وأكبر أربعة أقمار لكوكب المشتري، وإيجاد دليل يدعم النموذج الفلكي لمركزية الشمس.
بعد غاليليو تنافس علماء الفلك في مختلف أنحاء أوروبا على تطوير تكنولوجيته، وقدموا أوصافاً رياضية للطريقة التي تتفاعل بها أشعة الضوء مع العدسات، وطرقاً جديدة لإنشاء التلسكوب. ومن أبرز رواد هذا المجال إسحاق نيوتن الذي بنى، في عام 1668، تلسكوباً عاكساً عملياً إلا أنه لم يستخدم كثيراً نظراً إلى تعقيده وكلفته الباهظة.
وكانت إحدى أهم اللحظات في تاريخ التلسكوب الحديث في منتصف القرن الـ18 مع اكتشاف أول عدسة لونية مكنت من إنشاء تلسكوبات لم تكن تعاني تأثيرات الانحراف اللوني والكروي. كما تطورت المرايا العاكسة بعد النماذج الأولى لإسحاق نيوتن، خصوصاً بعد تقديم المرايا الزجاجية المطلية بالفضة في خمسينيات القرن الـ19 والمرايا المطلية بالألمنيوم في أوائل ثلاثينيات القرن الـ20.
في القرن الـ20 بدأ تصنيع التلسكوبات بجميع الأشكال والأحجام، ولم يركز عديد منها على جمع الضوء المرئي فحسب، ولكن على جمع أجزاء أخرى من الطيف الكهرومغناطيسي كالأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء وأشعة "غاما".
أنواعها
تندرج جميع التلسكوبات ضمن ثلاثة أنواع رئيسة وهي التلسكوبات الانكسارية والعاكسة وتلسكوبات النظام الكاسر العاكس. وتحوي التلسكوبات الانكسارية أنبوباً طويلاً مع عدسة كبيرة موضوعة في المقدم وعدسة عينية في الخلف، وتميل هذه التلسكوبات إلى إنتاج صور أكثر وضوحاً وإشراقاً مع مجال رؤية واسع، وهي خيار جيد للمبتدئين لأنها تتطلب القليل من الصيانة أو لا تتطلب أي صيانة مقارنة بأنواع أخرى من التلسكوبات.
وتعد التلسكوبات العاكسة أكثر فاعلية من جهة الكلف من التلسكوبات الانكسارية، إذ تلغي الحاجة إلى عدسة زجاجية كبيرة وينعكس الضوء الذي ينتقل فيها عبر أنبوب بواسطة مرآة أولية كبيرة على مرآة ثانوية قرب مقدم التلسكوب، ومن ثم يتم توجيه الضوء من خلال عدسة عينية على جانب أنبوب التلسكوب.
وعلى رغم أنها أرخص نسبياً مقارنة بأنواع التلسكوبات الأخرى، فإن العاكسات تتطلب صيانة أكثر لتؤدي عملها بصورة جيدة، لكون تصميمها يسمح بدخول الغبار والحطام إلى الأنبوب، ومراياها معرضة للصدمات أو الاهتزازات المستمرة.
والنوع الأخير من التلسكوبات هي تلسكوبات النظام الكاسر العاكس أو المركب، وهي تميل إلى أن تكون أكثر إحكاماً وخفيفة الوزن في التصميم وسهلة النقل، وضمن هذه الفئة يوجد تلسكوب "ماكسوتوف-كاسيجرين" وتلسكوب "شميدت-كاسيجرين".
والخاصية الرئيسة لتلسكوب "ماكسوتوف-كاسيجرين" هي العدسة الكروية المنحنية المستخدمة لتصحيح الانحراف اللوني، وعادة ما تكون هذه العدسة سميكة ومكلفة في التصنيع، وتعد هذه التلسكوبات خياراً جيداً للملاحظات الكوكبية ولكن ليس للأجرام السماوية العميقة الخافتة.
وبالنسبة إلى تلسكوب "شميدت-كاسيجرين" فإن لوحة التصحيح المستخدمة عبارة عن عدسة غير كروية ويتم تصحيح الانحراف الكروي أمام المرآة الكروية الأساسية. وبسبب هذا فإن تلسكوبات "شميدت-كاسيجرين" عادة ما تكون ذات فتحات أكبر مقارنة بتلسكوبات "ماكسوتوف-كاسيجرين" مما يؤدي إلى أوقات تبريد أقصر وإنتاج صور أنظف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كشف أسرار الكون
وبينما تكون الرؤية التي يوفرها أي تلسكوب على الأرض محدودة، يمكن لإطلاق التلسكوبات في الفضاء أن يتجاوز هذه القيود. وهذا ما حدث بالفعل مع تلسكوب "هابل" الفضائي الذي أطلق فوق الغلاف الجوي عام 1990، وتلسكوب "جيمس ويب" عام 2021، إذ صمم "هابل" لإجراء إحصاء لمجرة "درب التبانة" والمجرات المجاورة لها، وكان خليفته "جيمس ويب" يدرس مجرات أبعد.
لقد أحدث كلا التلسكوبين ثورة في فهمنا للكون، ولكن بطرق لم يتوقعها أحد، إذ لا تذكر الخطط الأصلية لتلسكوب "هابل" أياً من الاكتشافات التي ترى الآن على أنها أعظم إنجازاته كأعمدة الماء التي تنفجر من قمر كوكب المشتري "أوروبا"، والدوامة حول الثقوب السوداء، والمادة المظلمة غير المرئية التي تربط الكون، والطاقة المظلمة التي تمزقه.
من جهة أخرى، لم تنحصر مهمة "جيمس ويب" بكشف النقاب عن أسرار نشأة النجوم والمجرات الأولى عبر مراقبة الفضاء في مجال الضوء المرئي وسبر أغوار ما يعرف بـ"الفجر الكوني" عندما بدأت أولى المجرات تضيء الكون منذ الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة، إذ يقضي التلسكوب راهناً ثلث وقته الآن في النظر إلى الكواكب حول النجوم الأخرى التي لم تكن معروفة حتى عند تصميمه.
سد الفجوة
ويشعر العلماء بالارتياح عندما يجدون أن التلسكوبات تتجاوز حدودها، لأن تطوير تلسكوبي "هابل" و"جيمس ويب" استغرق أكثر من 25 عاماً من لحظة إطلاقهما، وخلال هذه الفترة ظهرت أسئلة علمية جديدة.
ويستغرق بناء تلسكوب فضائي كبير عادة نحو عقدين من الزمن، فمثلاً استغرق بناء تلسكوبي "شاندرا" و"إكس أم أم نيوتن" الفضائيين 23 و15 عاماً على التوالي. وقد صمما لمراقبة الأشعة السينية الآتية من الغاز الساخن حول الثقوب السوداء وعناقيد المجرات، وأُطلقا في وقت قريب جداً من بعضهما بعضاً في عام 1999.
وتنطبق جداول زمنية مماثلة على تلسكوبي "هيباركوس" و"غايا" الفضائيين التابعين لوكالة الفضاء الأوروبية، اللذين رسما خريطة لجميع النجوم في درب التبانة. وبذلك تتجنب وكالات الفضاء الوطنية المخاطرة بصورة عامة وتكون بطيئة عند تطوير هذه المشاريع.
لذا يمكننا الاستنتاج بأن أحدث التلسكوبات الفضائية تنتمي إلى جيل الألفية وصممت في وقت كان فيه علماء الفلك يقيسون توسع الكون الوليد بعد الانفجار العظيم، وكذلك توسعه المتسارع مع تقدمه في السن. والهدف الرئيس للعلماء الآن هو سد الفجوة، وهذا ما يظهر مع تلسكوب "إقليدس" الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، الذي تم إطلاقه في 2023، وتلسكوب "نانسي غريس رومان" التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" المقرر إطلاقه في عام 2026، إذ يتمتعان برؤية واسعة الزاوية بالأشعة تحت الحمراء لتحقيق أكبر عدد من الاكتشافات الممكنة.