ملخص
"الصحافة لا يمكنها أن تقوم بدورها الرقابي والمهني في ظل غياب جسم نقابي يكفل للصحافي حقوقه ويوفر له الحماية اللازمة"
صحيفة "الحياة" الاقتصادية الليبية، فقدت معالم الحياة منذ اختطاف رئيس تحريرها، محمد الصريط قرقر، الخميس الماضي، حيث أكدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا تعرض الصريط إلى "اختطاف واحتجاز تعسفي" من قبل عناصر مسلحة تابعة لجهاز الأمن الداخلي في بنغازي شرق ليبيا الواقعة عسكرياً تحت قبضة قائد القوات المسلحة خليفة حفتر وأبنائه، والخاضعة سياسياً لحكومة أسامة حماد.
ونوهت "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان" في بيان إلى أن أخبار الصحافي محمد الصريط انقطعت منذ يوم الخميس الماضي، موضحة أن "الاعتقال التعسفي" لرئيس تحرير صحيفة "الحياة" الاقتصادية، جاء على خلفية إدراج الصريط منشوراً على صفحته الشخصية على "فيسبوك" عبّر فيه عن رفضه لإخلاء منزل أحد أفراد عائلته بمنطقة "جليانة "وسط مدينة بنغازي، منتقداً عملية هدم المنزل من دون تعويض ومن دون مبرر قانوني.
اعتقال تعسفي
وقال الصريط في تدوينته "منزل أخوالي بمنطقة جليانة تم تفجيره وتدميره، لسنا ضد الإعمار والتطوير، ولكن انتزاع أملاك المواطنين من دون تعويض مادي ومعنوي مناسب ومنعهم من المطالبة بحقوقهم، هو مؤشر صحيح للعودة إلى الخلف بل حتى أن الخلف لم يكن بهذه الصورة!". تدوينة كانت كافية لتحرك القوات الأمنية عناصرها صوبه، ليتم اختطافه من وسط مقهى في مدينة بنغازي.
"المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان" في ليبيا قالت إن "ما تعرض له الصحافي محمد الصريط يأتي في إطار الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، ما يُشكل انتهاكاً جسيماً لحرية الرأي والتعبير والصحافة وحقوق الإنسان والمواطنة".
وطالبت المؤسسة الحقوقية، القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، والحكومة الليبية المنبثقة من مجلس النواب الليبي، وجهاز الأمن الداخلي، بالعمل على "الإفراج عن الصريط فوراً، محملة الجهات المذكورة، المسؤولية القانونيّة الكاملة حيال سلامة ومصير وحياة الصريط".
ضغوطات
وقد تزامنت عملية تغييب الصحافي محمد الصريط قرقر، مع اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. وفي الإطار قالت الصحافية بالهيئة العامة للصحافة في بنغازي رجاء الشيخي، إن "الصحافي في ليبيا لا يزال تحت تأثير الضغط السياسي والأمني، والحديث عن إعلام موضوعي وحيادي بات ضرباً من الخيال"، موضحة أن هناك مؤسسات إعلامية تقع هي الأخرى تحت سيطرة وإدارة جهات سياسية.
وتساءلت الشيخي "كيف يمكن الحديث عن إعلام أو صحافة كاشفة للفساد في ظل وجود صحف ومؤسسات إعلامية موجهة ومؤدلجة؟". وأكدت أن الإعلامي في ليبيا لا يزال ينقصه الكثير من الوقت ليصل إلى ماهية الصحافة وقوة تأثيرها وضغطها على الأجسام التشريعية والتنفيذية لتسهم في تحقيق مبدأ الشفافية والنزاهة المهنية.
ونوهت إلى أن الصحافي في الشرق والغرب الليبي لا يمكنه نشر مقال يكشف فيه حقائق أوجه الفساد وموطنه. منبهة إلى أن الصحافة لا يمكنها أن تقوم بدورها الرقابي والمهني في ظل غياب جسم نقابي يكفل للصحافي حقوقه ويوفر له الحماية اللازمة.
حقل ألغام
وقالت الشيخي في حديث لـ"اندبندنت عربية": "نحن نعمل في مجال الصحافة من دون وجود ميثاق شرف صحافي ودستور يكفل حق الصحافي في التعبير عن رأيه بكل شفافية وموضوعية ونزاهة مهنية".
وتابعت أن الصحافي في ليبيا سيبقى هدفاً مشروعاً للخطف والإخفاء القسري والتغييب ما لم يتم تأسيس جسم نقابي يلزم السلطات الأمنية والسياسية بضرورة احترام العمل الصحافي وعدم تضييق الخناق على الصحافيين أثناء أدائهم لواجبهم المهني، حتى يسهم بذلك الإعلامي في كشف الفساد ونشره. معتبرة أنه لا يمكن احتساب الجسم النقابي الموجود حالياً في ليبيا من بين النقابات الصحافية لأنه تشكل خارج إطار إرادة الصحافيين، وقالت "كيف يتم تأسيس نقابة لهؤلاء من دون وجود ميثاق شرف صحافي وأخلاقي؟"، منوهة إلى أن الصحافي في ليبيا في أمس الحاجة لتأسيس نقابة خاصة به يتفق عليها الجميع.
ووصفت العمل الصحافي في ليبيا "كمن يمشي فوق حقل من الألغام محاولاً الوصول إلى مكان آمن وفي الوقت ذاته يتطلع للخلف بشيء من الريبة والخوف".
تكميم الأفواه
وفي ما يتعلق باختطاف الصحافي محمد الصريط قرقر، قال الحقوقي ورئيس تحرير إحدى المنصات الليبية أكرم النجار، إن السلطة الحاكمة في شرق البلاد تعلم جيداً أن شرعيتها ومشروعيتها لا تستند إلى أي قانون أو صندوق انتخابات، وبالتالي هي تعوض هذا "النقص" بالإفراط في القبض على كل من يحاول أن يتحدث على ما تقوم به من سلوكيات أو تصرفات، وهذا ما تقوم به أي سلطة لا تمتلك قبولاً حقيقياً من حاضنتها، بخاصة أن الصريط بمنشوره على "فيسبوك" فضح بطريقة غير مباشرة مرور قطار الإعمار الذي يقود جهازه بلقاسم حفتر أحد أبناء حفتر، ولو على حساب هدم منازل المواطنين الليبيين.
وأوضح النجار أن ليبيا تعي جيداً مآلات الحكم العسكري، وذلك جلي في ما وصلنا إليه اليوم من اعتقالات وتكميم للأفواه وقتل. واعتبر أن "نظام حفتر يعيش حالة خوف باستمرار من أي تحركات أو انتقادات تبين ما يقوم به من تجاوزات، لذلك يلجأ في كل مرة إلى تكميم الأفواه ليحافظ على سردية معينة للأحداث التي تدور والقرارات التي يقوم بها". وتابع النجار أن القوات غير الشرعية في الشرق أو الغرب تسارع للقبض على كل صوت يعارضها وبخاصة إذا كان صحافياً أو ناشطاً حقوقياً، كنوع من التخويف حتى لا يُسمح للبقية أن يفكروا بالخروج عنهم وفضح ممارساتهم.
وأكد المسؤول ذاته أن "الأجهزة الأمنية تتسابق لإرضاء الجنرال حفتر وأبنائه، لا سيما وأنه خلق حالة من التنافس حين لجأ إلى تغيير من يتقلد قيادة هذه الأجهزة باستمرار، الأمر الذي جعل كل مسؤول جهاز أمني يسعى للوصول إلى هذا المنصب من خلال محاولة إرضاء الجنرال على حساب الصحافيين والحقوقيين وكل مواطن قرر أن يمارس حقه في التعبير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اعتقالات
وعادت ظاهرة الاعتقالات والإخفاء القسري حيث منعت سلطات المنطقة الغربية الواقعة تحت سيطرة حكومة عبدالحميد الدبيبة عدداً من المتظاهرين الرافضين لوجود التشكيلات المسلحة في مدينة يفرن (غرب) من ممارسة حقهم بالتظاهر السلمي (غرب)، فيما تعرض عدد آخر لأعيرة نارية من قبل إحدى التشكيلات التابعة للمنطقة العسكرية الغربية، في حين يستمر الإخفاء القسري للصحافي صالحين الزورالي منذ أشهر عدة من قبل سلطات الشرق الليبي، التي احتجزت أيضاً 12 شخصاً مدنياً "بينهم قاصران ما دون السن القانوني" معتقلين تعسفياً منذ أكثر من 64 يوماً (منذ أول سبتمبر/ أيلول الماضي)، إذ جرى اعتقالهم مطلع سبتمبر من قبل مكتب الأمن الداخلي فرع مدينة هون (جنوب) بعد مشاركتهم في مسيرة مؤيدة للنظام السابق في مدينة زلة جنوب شرقي مدينة سرت (مسقط رأس الرئيس الأسبق معمر القذافي)، وفق بيان المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا.
وأكدت المؤسسة الحقوقية أنه تمّ نقلهم جواً من قاعدة الجفرة العسكرية إلى مدينة بنغازي في السادس من سبتمبر الماضي، وجرى إيداعهم في سجون جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة الليبية المنبثقة من مجلس النواب الليبي، لافتة إلى أن أخبارهم انقطعت منذ ذلك الحين ولا معلومات عنهم وعن مصيرهم.
تنامي القيود
وتحتل ليبيا المرتبة 142 في مؤشر حرية الصحافة والتعبير بعد أن كانت في المرتبة 137 عام 2014، وفق منظمة "مراسلون بلا حدود". من جهتها أفادت منظمة "صحافيات بلا قيود" في تقريرها الأخير بأنه تم "تسجيل 550 انتهاكاً ضد الصحافيين في الفترة الممتدة بين عامي 2014 و2024، شملت عمليات قتل واختطاف".
ونبهت المنظمة من خطر العودة إلى قيود مشابهة لتلك التي كانت موجودة خلال فترة حكم الرئيس السابق معمر القذافي، بسبب غياب القوانين التي تحمي حرية الصحافة في ليبيا، واستمرار العمل بتشريعات قديمة تجرم حرية التعبير.
وكشفت منظمة "صحافيات بلا قيود "عن تأثير الانقسام السياسي في تصاعد خطاب الكراهية وانتشار المعلومات المضللة، بخاصة أن "وسائل الإعلام أصبحت تُستخدم كأدوات للدعاية من قبل أطراف الصراع، مما يفقد المجتمع الثقة في الصحافة"، بحسب تقرير المنظمة.