Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي كان يمكن أن يحدث لو أن هتلر لم ينتحر؟

الفن الروائي أعاد القائد النازي للحياة وجعله مهرجاً يرفه عن الناس

مشهد من الفيلم الذي اعتمد على رواية فيرميس (موقع الفيلم)

ملخص

صدرت قبل سنوات قليلة رواية بالألمانية للكاتب تيمور فيرميس عنوانها: "ها هو عائد!". والعائد هنا هو، أدولف هتلر الذي تخبرنا الرواية أن نهايته لم تكن كما يرويها لنا التاريخ، وذلك بالتحديد لأن كاتب الرواية إنما أراد، وعلى خطى ما يرويه تشارلي تشابلن في فيلمه "الدكتاتور"، أن ينظر للمسألة برمتها نظرة ساخرة مضحكة

ربما يكون الزعيم النازي أدولف هتلر واحداً من أكثر شخصيات تاريخ القرن الـ20 ملاءمة لذلك النوع من الأدب التخييلي الذي يسمى "دستوبيا"، ويقوم عادة على نوع من الخيال التاريخي الذي يود أن يروي أحداثاً تاريخية معينة ليس انطلاقاً من أحداثها الحقيقية، ولكن بصورة مغايرة تماماً لما حدث بالفعل ويسير على مزاج الكاتب حتى ولو أحدث تغييرات جارية في ما وقع بالفعل. على هذا يمكن أن نحيل هنا إلى حدثين تاريخيين كبيرين تبدلت نتائجهما تماماً حين تناولها خيال الكاتب وقلمه، أولهما نهاية الحرب العالمية الثانية على الصعيد الكوني، إذ تناول الكاتب الأميركي فيليب ك. ديك ما انتهت إليه تلك الحرب في روايته البديعة "رجل التلال العالية"، إذ لم يجعل الهزيمة لقوات المحور والانتصار للحلفاء، بل صور ما يعاكس تماماً مع ذلك، فكانت الهزيمة للحلفاء والانتصار للنازيين وحلفائهم اليابانيين بما تضمنه ذلك من احتلال هؤلاء لأميركا مقتسمينها في ما بينهم، وثانيهما ما انتهى إليه مصير هتلر نفسه في رواية بديعة هي الأخرى للكاتب الأوروبي إلياس كانيتي، إذ لم ينتحر هتلر بل تمكن من الهرب إلى أميركا الجنوبية وتمكن أربعة من الشبان اليهود من العثور عليه ومحاكمته على جرائمه.

طريقتان لمحاكمة النازية

في الحالتين إذا نجدنا أمام الخيال الروائي وقد تدخل في إعادة صياغة التاريخ على هواه، وفي الحالتين معاً كانت البيئة النازية موضع المحاكمة بطريقتين مختلفتين، ولعل الصدفة نفسها هي ما يضعنا هنا أمام عمل أدبي جديد يتسم بالأسلوب نفسه وتناول الحقبة الزمنية نفسها من خلال ما يشبه رواية كانيتي في الأقل، أي من خلال مصير ما يرسمه لنهاية مفترضة لهتلر نفسه. وما نتحدث عنه هنا هو على أية حال رواية أكثر حداثة من تينك اللتين أشرنا إليهما أول هذا الكلام، وهي رواية صدرت قبل سنوات قليلة بالألمانية للكاتب تيمور فيرميس عنوانها: "ها هو عائد!". والعائد هنا هو، مرة أخرى، أدولف هتلر الذي تخبرنا الرواية أن نهايته لم تكن كما يرويها لنا التاريخ، بل مختلفة كلياً حتى عن تلك التي تفترضها الروايتان السابقتا الذكر، وذلك بالتحديد لأن كاتب هذه الرواية الجديدة إنما أراد، وعلى خطى ما يرويه تشارلي تشابلن في فيلمه "الدكتاتور"، أن ينظر للمسألة برمتها نظرة ساخرة مضحكة.

المهم هنا أن هتلر الذي يلعب دور البطولة في هذه الرواية التي يشغل هو فيها وظيفة الراوي بلغة يسودها قدر كبير من الطرافة والمرح، وتبدو في نهاية الأمر أشبه بالمقامات العربية أكثر مما تشبه أي نوع أدبي آخر، يبدأ بتحديد أن هذه المغامرة الجديدة التي يعيشها تبدأ ذات صباح مشرق من عام 2011 حين يستيقظ بكل هدوء ودعة ليجد نفسه مستلقياً في حديقة عامة وسط برلين غير دار بالذي أوصله إلى هنا ولا كيف عاد للحياة بعد انتحاره قبل ما يصل إلى نصف قرن. غير أنه في الحقيقة لا يبدو عازماً على أن يتذكر أي شيء مما حدث له في الماضي. كل ما يرويه هو ما يحدث له الآن، إذ يسر إلينا بأنه إذ كان يتوقع أن يكون ما أيقظه صوت المدافع والانفجارات لا يصل إليه سوى تغريد العصافير وصوت الرياح الصباحية الوديعة، وهو إذ يبدأ تجواله في الحديقة باحثاً عن مساعده الأمين مارت بومان كي يفسر له ما يحدث من حوله، يلتقي بمجموعة شبان ينتمون إلى الشبيبة الهتلرية لكنهم حتى بملابسهم الرسمية يكتفون بلعب كرة القدم.

مع النازيين الجدد

حين يتعرف هتلر، كما يخبرنا بنفسه، إلى هوية أولئك الشبان يوجه حديثه إلى أحدهم باسمه سائلاً إياه عن الاتجاه الذي يجب أن يسلكه كي يعثر على أقرب شارع من المكان. وهكذا تنطلق الرواية مع إعلامنا بأن خبر عودة هتلر للظهور سرعان ما يعم المدينة وتتراكم الآراء بحيث سيخيل إلى القارئ أن كل ذلك ليس سوى التمهيد الحتمي لمحاكمة لهتلر تهدف إلى محاسبته على ما فعل بعدما كان انتحاره أنقذه من ذلك المصير. ولكن ما يحصل ليس أي شيء مما يمكن أن نتوقعه. ما يحصل هو أن هتلر العائد يتحول أمامنا إلى ممثل هزلي يكاد يقلد تمثيل شابلن في فيلم "الدكتاتور" ثم إذا به يرتقي في المهنة حتى يصبح نجماً تلفزيونياً كبيراً وناجحاً ضارباً أرقاماً قياسية في حجم جمهوره.

وانطلاقاً من هذا الواقع الجديد يشرح لنا هتلر بنفسه في هذا الصدد أن سر نجاحه الآن يعود لكونه وجد نفسه وسط بيئة تجعل من الضحك عليه والسخرية منه غذاءها اليومي. وهو غذاء سيتهمه المعلقون على الرواية على الفور بأنه إنما يسعى إلى إنقاذ المجرم من تبعات. هذا ما قالته ناقدة ألمانية في مقالة لها نشرتها صحيفة "زودوتشة تسايتونغ". ذلك على رغم وجود فصل في الرواية هنا يروي لنا فيه هتلر كيف أنه ذات لحظة يلتقي في أحد الشوارع بمجموعة من الشبان النازيين الجدد الذين سرعان ما يوسعونه ضرباً. ولعل المهم هنا هو أن تلك الحادثة ترفع من شعبيته ما يبدو، مرة أخرى وكأن الرواية تفصل بين راويها / بطلها وسياساته التي باتت الآن من الماضي.

إنها "تهمة جديدة" وجهت إلى الكاتب الذي وجد نفسه وفي حوار أجرته معه الصحيفة نفسها يقول إنه لم يرد أن ينقذ هتلر من تاريخه، بل أن يوضح أموراً تتعلق بالحاضر وتحاول تفسير ذهنية سياسيي اليوم لا أكثر، مضيفاً: "الواقع أن الإعلام لا يحاول أن يرينا سوى الوحش في هتلر مقترحاً أن منتخبي هذا الوحش في أيامنا هذه ليسوا أكثر من حمقى، وهو أمر يطمئننا في أسوأ تجلياته، إذ يجعلنا نعتقد بأننا بتنا في هذا الزمن من المكر بحيث إننا لا يمكن أن نقدم أبداً على انتخاب هذا النوع من الأفراد. أما ما حاولت البرهنة عليه في الرواية فليس سوى أن أشخاصاً بالغي الخطورة كهتلر لا يمكن أن يصعدوا إلا برضا جمهور معين حتى ولو بطرق شديدة الالتواء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سخرية سوداء

يستخدم فيرميس في الرواية أسلوب السخرية السوداء للتعليق على كيفية تعامل الإعلام والجماهير مع الشخصيات المتطرفة، وحقق الكتاب نجاحاً كبيراً ليس فقط في ألمانيا، بل على مستوى العالم، وترجم إلى عدد من اللغات، مما جعله موضوعاً للنقاش حول أساليب الأدب الساخر وحدود النقد الاجتماعي، كما جرى تحويل الرواية إلى فيلم صدر عام 2015.

بقي أن نشير إلى أن تيمور فيرميس كاتب ألماني من أصول هنغارية ولد عام 1967 بمدينة نورنبرغ الألمانية، اشتهر بصورة خاصة بفضل روايته الساخرة السابقة الذكر التي حققت نجاحاً كبيراً عند صدورها عام 2012. عمل فيرميس سابقاً كصحافي وكاتب شبح لعدد من الشخصيات قبل أن يتفرغ للكتابة الأدبية، ويعتبر فيرميس الآن واحداً من أبرز الأصوات الأدبية الساخرة في ألمانيا، ويواصل استكشاف المواضيع الجدلية بأسلوب مميز يمزج بين السخرية والنقد الاجتماعي، مما يجعل أعماله تحظى بمتابعة واسعة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة