ملخص
بعد فوز دونالد ترمب الساحق في الانتخابات الأميركية، يواجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تحديات كبيرة في بناء شراكة مع الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التوترات بين حزبه وحكومة ترمب، كما يواجه ستارمر صعوبة في تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بعد "بريكست".
بعدما حقق دونالد ترمب فوزاً ساحقاً على منافسته في انتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس تلاشت آمال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في إرساء شراكة مع الولايات المتحدة من منظور ديمقراطي اجتماعي، تكون نسخة يسار الوسط عن التحالف الذي كان قائماً بين "دوانينغ ستريت" والبيت الأبيض في عهد رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر والرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان.
واليوم، يواجه رئيس الوزراء البريطاني إدارة أميركية ليست بعيدة عنه أيديولوجياً فحسب، بل تظهر أيضاً عداء صريحاً لحكومة حزب "العمال" التي صُنفت من جانب فريق دونالد ترمب خلال وقت سابق بأنها "يسارية متطرفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الدعوى القضائية الأخيرة التي رفعها فريق ترمب ضد حزب "العمال" بتهمة التدخل الخارجي في الانتخابات الأميركية، بزعم إرسال 100 متطوع لدعم حملة كامالا هاريس، كشفت عن العداء العميق الذي يكنه "جمهوريو" شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" Make America Great Again (MAGA) لكل من كير ستارمر وحزبه وحكومته.
وفي المقابل، أدى هذا التطور إلى إجهاض أشهر من العمل الدبلوماسي الدؤوب من جانب حزب "العمال" استعداداً لهذا السيناريو، والذي بلغ ذروته قبل أسابيع عدة باجتماع في نيويورك بين ستارمر وترمب، بدا أنه إيجابي وبناء.
إلا أن التحدي الذي كثيراً ما واجهه حزب "العمال" تمثل في حقيقة أن جهوده كانت بقيادة وزير الخارجية ديفيد لامي الذي وصفه دونالد ترمب بأنه "نازي جديد معتل اجتماعياً". وعلى رغم أن لامي بذل جهداً كبيراً لإعادة بناء العلاقات مع "الجمهوريين" واليمين المتطرف في الولايات المتحدة - حتى أنه دافع عن تصريحات ترمب التحريضية على "حلف شمال الأطلسي" (ناتو) - فإن الرئيس الأميركي الـ45 الذي سيصبح قريباً الرئيس الـ47 ليس معروفاً عنه أنه يتجاهل بسهولة الانتقادات والإهانات التي يتعرض لها.
من الواضح أن المشكلات التي يواجهها حزب "العمال" البريطاني أصبحت أكثر عمقاً مع التأثير المستمر لتداعيات عملية "بريكست" (خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي). ففي الزيارة الأخيرة التي قام بها سير كير لبروكسل الشهر الماضي حيث التقى المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين وعدداً من كبار المسؤولين الأوروبيين، لاحظ الصحافيون الذين رافقوه الأجواء الباردة وغير المواتية التي طغت على الزيارة، إضافة إلى الغياب الواضح للحماسة من جانب المسؤولين هناك. وعلى رغم أن مساعيه إلى تجديد العلاقات البريطانية مع الكتلة الأوروبية أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، فإن هناك تساؤلات جدية حول ما إذا كان رئيس الوزراء البريطاني مستعداً فعلاً لاتخاذ خطوات جريئة بما يكفي لإعادة إحياء الاهتمام الأوروبي بالمملكة المتحدة.
ومع وجود إدارة أميركية في البيت الأبيض يقودها دونالد ترمب، يواجه ستارمر الآن تحدياً جديداً يتمثل في أن المملكة المتحدة لم يعد ينظر إليها بعد الآن على أنها جسر يربط بين القارة والولايات المتحدة. ومن المحتمل أن يتولى هذا الدور على نحو مقلق رئيس وزراء المجر وزعيمها اليميني المتشدد فيكتور أوربان، الذي يعد حليفاً لترمب وزائراً منتظماً له.
لكن التأثير الأكبر لهذا التحول سيكون في أوكرانيا، إذ كانت المملكة المتحدة من أكبر المؤيدين لتقديم الدعم العسكري والمساعدات لكييف ضد روسيا. وعلى رغم أن دول الاتحاد الأوروبي أظهرت دعماً سياسياً لأوكرانيا، فإنها كانت مترددة في تحمل المسؤولية المالية. ومع احتمال قيام إدارة دونالد ترمب بالضغط من أجل التوصل إلى اتفاق مع روسيا بقيادة بوتين، قد يجد سير كير والمملكة المتحدة نفسيهما عاجزين عن الحفاظ على التحالف الدولي.
لا شك في أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا سيستفيد بصورة كبيرة من التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة. وفي المملكة المتحدة، فإن السياسي الوحيد الذي سيخرج من هذا الوضع منتصراً هو نايجل فاراج زعيم حزب "ريفورم" Reform UK اليميني، الذي قد يبدأ قريباً في التخطيط لاستقبال دونالد ترمب في دائرته الانتخابية كلاكتون والترحيب به. وكان ترمب أشاد مرة أخرى بفاراج هذا الأسبوع، مؤكداً الصداقة القوية بينهما.
ويطمح نايجل فاراج بقوة إلى قيادة حزب "ريفورم" نحو تحقيق الفوز في الانتخابات المقبلة داخل بريطانيا، أو في الأقل ليحل مكان حزب "المحافظين". ويبدو أن الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة قد منحته دعماً إضافياً بلا شك.
غير أن الخطر الأكبر يكمن في احتمال تزايد جرأة اليمين المتطرف في المملكة المتحدة ومناطق أخرى. فقد أعربت أوساط الدائرة المقربة من ترمب علناً عن إشادتها بشخصيات مثل تومي روبنسون (وهو ناشط سياسي يميني متطرف، ومؤسس مشارك لـ"رابطة الدفاع الإنجليزية"، الجماعة المعروفة بمواقفها المناهضة للإسلام) ومؤيديه، وكذلك بقطب الأعمال إيلون ماسك الذي ادعى أن الحرب الأهلية في المملكة المتحدة باتت "حتمية"، وذلك إثر أعمال الشغب التي شهدتها البلاد خلال الصيف الماضي، ووجه انتقاداته إلى رئيس الوزراء ستارمر واصفاً إياه بـ"كير ذي المستويين" بسبب أسلوبه في التعامل مع الفوضى والسيطرة على الأوضاع.
في المقابل، تجد الزعيمة الجديدة لحزب "المحافظين" كيمي بادينوك ووزيرة الخارجية في حكومة الظل "المحافظة" بريتي باتيل نفسيهما أمام تحد صعب. فعلى رغم تمتعهما بعلاقات متينة مع "الجمهوريين" في الولايات المتحدة وحصول بادينوك على تأييد حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، فإنهما تبقيان بعيدتين من دائرة نفوذ معسكر ترمب. هذه النزعة "الجمهورية" المختلفة قد تصب في مصلحة حزب "ريفورم" لتعزيز موقعه، ولن تساعد "المحافظين" على العودة بقوة إلى الساحة السياسية.
أما سير كير فيبدو أنه يواجه التحدي الأكبر، بحيث يعول في الوقت الراهن على المستشار الألماني أولاف شولتز كأفضل حليف دولي له. إلا أن شولتز ومع اقتراب موعد الانتخابات في بلاده العام المقبل قد يجد صعوبة في الاحتفاظ بمنصبه والبقاء في السلطة.
© The Independent