ملخص
دخل عدد من المستثمرين التونسيين في استحداث عقارات صديقة للبيئة وبناء منازل ووحدات فندقية إيكولوجية تستهلك طاقة أقل، وبكلفة أقل من استخدام مواد البناء العادية التي تشهد ارتفاعاً لافتاً في أسعارها.
أمام حدة التغيرات المناخية وارتفاع الطلب على الطاقة وتقلص مواردها، باتت التنمية المستدامة ملاذ دول عدة بحثاً عن تحقيق حاجاتها من دون الإضرار بحقوق الأجيال المقبلة ومن دون استنزاف الموارد الطبيعية، خصوصاً تلك التي تكون غير قابلة للتجدد.
وتحتاج تونس إلى استثمار العناصر الطبيعية المتاحة لديها بأقل كلفة، كاستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، علاوة على استغلال العناصر الطبيعية الأخرى كالطين والخشب للتقليص من استهلاك الطاقة.
ويندرج البناء الإيكولوجي في هذا السياق، إذ دخل عدد من المستثمرين التونسيين في استحداث عقارات صديقة للبيئة وبناء منازل ووحدات فندقية إيكولوجية تستهلك طاقة أقل وبكلفة أقل من استخدام مواد البناء العادية التي تشهد ارتفاعاً لافتاً في أسعارها.
أقل كلفة ولا يتأثر بالعوامل الطبيعية
هيثم غندري هو صاحب مؤسسة متخصصة في البناء بالخشب في مجال البناء الإيكولوجي يقول في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن "البناء الإيكولوجي هو الحل بالنسبة إلى تونس اليوم التي تواجه تحديات كبيرة، في مجال الطاقة ومواد البناء والأيدي العاملة"، ويلفت إلى أن "سوق البناء الإيكولوجي تتوسع في تونس تدريجاً بوجود عدد من المؤسسات الناشطة في المجال، إضافة إلى رغبة عدد كبير من التونسيين في تشييد منازل من هذا الصنف ربحاً للوقت ولأنها أقل استهلاكاً للطاقة وأقل كلفة، علاوة على جماليتها المعمارية".
ويرى الغندري أن "البناء بالخشب بات ملاذ العائلات محدودة الدخل أمام غلاء أسعار مواد البناء وتواضع القدرة الشرائية للتونسيين لأن البناء الإيكولوجي بالخشب أقل بنسبة 40 في المئة من البناء العادي، مشيراً إلى أن كلفة المتر المربع الواحد تساوي ألف دينار تونسي (330 دولاراً)، بينما كلفة البناء العادي بالأسمنت تصل إلى ألفي دينار (660 دولاراً)، كما أن الدهان والمواد المستعملة في البناء الإيكولوجي تدوم أكثر لأنها مستخدمة على الخشب ولا تتأثر بالعوامل الطبيعية مثل البناء العادي".
وأضاف أن "ظاهرة البناء الإيكولوجي في تونس جديدة، أما في العالم فهي قديمة كالولايات المتحدة وكندا، وهذا النمط من البناء يعتمد على استيراد كل المواد الأولية، وعلى رغم ذلك فإن كلفته أقل بكثير من البناء العادي، علاوة على ربح الوقت نظراً إلى أن المنزل المبني بالخشب يمكن أن يكون جاهزاً للاستخدام في غضون شهر ونصف الشهر، مع ضمان من المؤسسة المنشئة بـ50 عاماً".
غلاء المواد الأولية المستوردة
ويثير الغندري جملة من الإشكاليات في هذا القطاع الجديد والواعد في تونس، من بينها عدم وفرة المواد الأولية وأيضاً غلاء أسعارها، لافتاً إلى "الزيادات المستمرة في الأسعار من دون مبرر، مما يؤثر في دراسة المشاريع، علاوة على نقص اليد العاملة على رغم توليه تكوينهم على هذا النمط من البناء مجاناً في المؤسسة".
ويدعو الدولة إلى "دعم هذا القطاع من خلال وضع سياسات عمومية تعتمد الطاقة البديلة، إضافة إلى تقليص الضرائب وتشجيع التونسيين على الإقبال على البناء الإيكولوجي ودعم مشاريع السياحة الإيكولوجية التي تعتمد إنشاء وحدات سكنية من الخشب".
ويستخدم المستثمرون في قطاع البناء الإيكولوجي مواد عدة من بينها الخشب والطوب (نوع من التربة) في عدد من المناطق، وقوالب للبناء مستخرجة من الرمل في الجنوب التونسي، وهي كلها مواد طبيعية مقتصدة للطاقة وصديقة للبيئة تعتمد العزل الطبيعي والتهوئة الطبيعية.
فرض البناء الإيكولوجي في مؤسسات الدولة
ويؤكد المتخصص في التنمية المستدامة والتصرف في الموارد والبيئة والمناخ عادل هنتاتي في تصريح خاص أن "البناء الإيكولوجي يوفر الطاقة ويقتصد في المياه ويحمي البيئة، بينما البناء العادي يستنزف الموارد الطبيعية من مياه ومواد أولية أخرى، كما يسهم في تكدس نفايات البناء وسط عدم القدرة على التصرف فيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن "وزارة التجهيز بادرت في تسعينيات القرن الماضي إلى نشر ثقافة البناء الإيكولوجي، إلا أنه لم ينتشر بصورة كبيرة لتعلق التونسيين بالبناء العادي على رغم كلفته"، داعياً الدولة إلى "التشجيع على البناء الذي يحترم البيئة، ويقترح فرض هذا النمط من البناء على المنشآت العمومية وإلزام مقاولات الدولة البناء المقتصد للطاقة والصديق للبيئة".
ودعا هنتاتي المهندسين المعماريين إلى "إرشاد التونسيين للبناء الإيكولوجي لأنه أقل كلفة وأكثر احتراماً للبيئة".
ثقافة جديدة صديقة للبيئة
وفي السياق، يقول المهندس المعماري منصف العبيدي في تصريح خاص إن "المهندس المعماري يشجع على استخدام مواد البناء الإيكولوجية، إلا أن ثقافة التونسي في البناء متعلقة بالمواد المعروفة، ولا يُقبل بالصورة المطلوبة على البناء الإيكولوجي"، داعياً إلى "وضع حوافز للمستهلك من أجل الإقبال على هذا النمط الجديد من البناء".
ويلاحظ من خلال تواصله اليومي مع التونسيين أن ليست هناك دراية كافية بمزايا هذا النمط من البناء، لافتاً إلى أن الفكرة الرائجة هي "عدم صلابة وديمومة هذا النوع من البناء"، ودعا الجهات المعنية بالتنمية المستديمة إلى "نشر ثقافة جديدة تعتمد المحافظة على الموارد الطبيعية وتستثمر المتاح من هذه الموارد وتحافظ على حقوق الأجيال المقبلة".
ويعتبر أن "البناء الإيكولوجي ضرورة ملحة أمام ما تواجهه تونس من تغيرات مناخية"، مطالباً الإدارة التونسية والبلديات بتعزيز التعاون مع المهندسين المعماريين لتطوير هذا القطاع ومشدداً على أهميته البيئية وأيضاً الجمالية علاوة على كلفة صيانته المتدنية مقارنة بالبناء العادي.
ويعول العبيدي على الزمن لتتغير ثقافة التونسي في التعاطي مع البناء الإيكولوجي.
البناء بالخشب يفتقد القوة والصلابة
في المقابل، يرفض سمير السعيدي صاحب شركة مقاولات متخصصة في البناء هذا النمط من البناء بالخشب، ويعتبره "دخيلاً على التونسي ولا يتماشى وثقافة التونسيين ولا يتناسب مع طبيعة المناخ في البلاد"، ويضيف أن البناء العادي "يعتمد أساسات صلبة من الحديد والأسمنت تكون قادرة على مقاومة العوامل الطبيعية، بينما البناء بالخشب يفتقد إلى الصلابة وقد يتلاءم مع جهات دون أخرى، ولا يمكن أن يكون بديلاً عن البناء العادي".
ويقر السعيدي بأن البناء العادي يستنزف الموارد الطبيعية من المياه، ويخلف كميات هائلة من الفضلات، إلا أن التونسي لن يستغني عنه، مشيراً إلى أن الخشب يمكن استخدامه في بعض الديكورات الصغيرة في الحدائق، أو في الفضاءات الخارجية للمنازل، لكن لا يمكنه أن يصمد كثيراً في وجه التقلبات المناخية التي تشهدها بلادنا.