Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دور الأسرى في صراع "حزب الله" وإسرائيل

تحتفظ تل أبيب بمعتقلين وجثث لمسلحين من الجماعة كوسيلة للتفاوض مستقبلاً

وجود القوات الإسرائيلية في القرى اللبنانية الحدودية يسهل تنفيذ عمليات اختطاف ضمن مختلف المناطق اللبنانية (موقع الجيش الإسرائيلي)

ملخص

يعد الأسرى في الصراع بين إسرائيل و"حزب الله" مصدراً مهماً للمعلومات الاستخباراتية، إذ تستخدم اعترافاتهم لكشف استراتيجيات الحزب وهيكليته وطرق تمويله، إضافة إلى مواقع تخزين الأسلحة، وكذلك الاحتفاظ بأوراق ضغط للتبادل مستقبلاً إذا وقع جنودها أسرى.

لا يقتصر دور الأسرى في الصراعات على كونهم أداة نفسية، بل يتعدى ذلك إلى كونهم مخزوناً غنياً بالمعلومات الاستخباراتية، إذ في سياق الصراع المستمر بين "حزب الله" وإسرائيل يمثل أسر مسلحي الحزب جزءاً من استراتيجية إسرائيل لتعزيز أمنها القومي، مستفيدة من كل معلومة يمكن أن تفكك قدرات الحزب وتحد من قوته، وكذلك اللجوء إلى تبادل الأسرى في حال وقع عدد منهم في الأسر بدل الاضطرار إلى تقديم تنازلات ميدانية مقابل إطلاقهم.

وتعد اعترافات الأسرى أداة استخباراتية تمكن الجيش المستجوب من فهم "العقلية العسكرية" للعدو وعقيدته القتالية. وقد يكشف الأسير عن خطط الجيش العدو وتكتيكاته على أرض المعركة، كأماكن التمركز وطرق الإمداد وأماكن تخزين الأسلحة، والأهم من ذلك الهيكلية التنظيمية والعقائد القتالية. كل معلومة قد يدلي بها الأسير يمكن أن تكون مفتاحاً لنجاح أي عملية مستقبلية للجيش المستجوب، إذ يتيح التعرف إلى الأساليب التي يخضع فيها العدو جنوده للتدريب، ويكشف عقائده القتالية وأدبياته العسكرية.

 

ومن الأمور الأساسية التي تسعى إسرائيل إلى كشفها من خلال عمليات الأسر أو الخطف، إمكانية مشاركة مسلحين من إيران أو العراق أو حتى من دول أخرى يقاتلون إلى جانب "حزب الله"، والهيكلية التنظيمية ومعرفة الأقسام المختلفة والمسؤولين وطريقة توزيع المهام والأدوار، مما يساعد الجيش الإسرائيلي على استهداف الشخصيات المؤثرة داخل التنظيم وإضعاف قدرته على التنسيق، وكذلك آلية التمويل وفهم مصادرها وأي أساليب يستخدمها لتحويل الأموال، مما قد يكشف عن شبكات داعمة سواء داخل لبنان أو خارجه.

وفي ظل إصرار "حزب الله" على استمرار الحرب الراهنة والتي بدأت بربط الساحة اللبنانية بمجريات الأمور في قطاع غزة، قد تعمد إسرائيل لاحقاً إلى زيادة الضغط على "محور الممانعة"، عبر إدخال أسرى الحزب ضمن صفقة تبادل الرهائن الإسرائيليين الذين وقعوا بيد حركة "حماس" إثر عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

التعتيم الإعلامي

ويسود التعتيم الإعلامي بصورة كبيرة حول مجريات الصراع في جنوب لبنان، إذ تستند المعلومات الإعلامية إلى ما تنشره الصحافة الإسرائيلية وبيانات "حزب الله" التي تتجنب الإعلان عن عدد القتلى أو الأسرى، وكذلك الإشارة إلى تقدم الجيش الإسرائيلي في قرى الشريط الحدودي بين لبنان وإسرائيل، إلا أن مصدراً أمنياً لبنانياً أشار إلى تمكن الجيش الإسرائيلي من أسر 10 عناصر من "حزب الله"، منذ بدء العمليات البرية في جنوب لبنان، ضمنهم أربعة ينتمون لقوات "الرضوان" التابعة للحزب من بينهم قائد ميداني، إضافة إلى أسر البحار عماد أمهز بعملية "كوماندوس" بحرية في البترون شمال لبنان، وكذلك أشارت معلومات صحافية إلى أسر عشرات الجثامين لمسلحين من الحزب.

 

واستناداً إلى مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي، ظهر أحد الأسرى وهو يعرف بنفسه أنه وضاح كامل يونس، وأنه كان ضمن مجموعة من المسلحين الذين كانوا يخططون للقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل، وأن باقي أفراد المجموعة هربوا خلال الاشتباكات، متهماً إياهم "بالجبن وانعدام الدين".

ولفت المصدر الأمني إلى أنه مع تقدم القوات الإسرائيلية في قرى حدودية باتت الاختراقات متوقعة، لا سيما أن الإسرائيليين باتوا في قرى جنوبية، إذ يمكن أن ينتقل عناصر منهم بسيارات لبنانية أو يتسللون إلى مناطق أخرى والعودة منها إلى داخل إسرائيل بعد قيامهم بعمليات اختطاف وأعمال أمنية، مشيراً إلى أن استمرار هذا الواقع خطر على الأمن القومي اللبناني.

استرداد الجثث

ولفت رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة العميد الركن هشام جابر إلى أن أهمية الأسرى بالنسبة إلى إسرائيل تكمن في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، لا سيما في حال وقوع أسرى إسرائيليين بيد "حزب الله"، وأشار إلى أن هناك تاريخاً طويلاً لعمليات تبادل الأسرى، "وفي إحدى المرات أفرجت إسرائيل عن عشرات الأسرى مقابل جثة واحدة لإسرائيلي"، وقال إن موضوع الأسرى بالنسبة إلى إسرائيل يرتبط بصورة وثيقة بالعقيدة الدينية اليهودية، "إذ تعد إسرائيل أن استرداد الجثث أولوية في حال سقوط قتيل أو أسير"، مضيفاً أن "قيمة استعادة الجثة تتساوى مع أهمية حياة الشخص نفسه، بهدف دفنها وفق الطقوس اليهودية"، وأوضح، أيضاً، أن المعاهدات الدولية تفرض أن يلقى أسير الحرب معاملة إنسانية وذلك منذ إلقاء القبض عليه حتى الإفراج عنه أو عودته إلى وطنه، وتحظر تعذيب أسرى الحرب، كما أنها تنص على ألا يطلب من أسير الحرب إلا اسمه وتاريخ ميلاده ورقم الهوية العسكرية.

وفي حال عدم احترام أسير الحرب قوانين المعسكر فإن اتفاقية "جنيف" تتضمن بنوداً عدة في خصوص معاقبة أسرى الحرب على أسس عادلة وإنسانية. فإذا حاول أسير الحرب الهرب فإن المادة الـ42 من الاتفاقية تقول إن استعمال أسلحة ضد أسرى حرب "وسيلة أخيرة" وإن استعمالها يحب أن تسبقه دائماً "إنذارات مناسبة للظروف".

 

مقاومة الضغوط

من جانبه، قال العميد الركن فادي داوود إن مبادئ اتفاقية "جنيف" الخاصة بأسرى الحرب، تؤكد ضرورة حمايتهم الجسدية وعدم إذلالهم بمجرد استسلامهم في ساحة المعركة، معتبراً أن عمليات أسر مسلحي "حزب الله" تجاوزت تلك الاتفاقية، "إذ أظهرت مشاهد عدة معاملة الجيش الإسرائيلي للأسرى بلا ثياب وسلاح بعد إجبارهم على الخروج من الأنفاق عراة، لفرض السيطرة وكبح قوة الأسير، مما يبعث برسالة نفسية إلى رفاقه في أرض المعركة أو من وقعوا بالأسر معه. ويقصد من هذه الأساليب تعزيز الشعور بالعجز لدى الأسرى وإضعاف الروح المعنوية لديهم، كوسيلة لإظهار الهيمنة وتقويض مقاومة الأفراد المتبقين".

وأوضح داوود أن بعض الأسرى، بخاصة الذين يمتلكون معلومات قيمة، عادة ما يكونون مدربين على مقاومة الضغوط، لكن الضغط النفسي الشديد قد يجعل المقاومة صعبة لفترات طويلة، مشيراً إلى أن الأسرى المدربين قد يلجأون إلى إعطاء معلومات غير دقيقة أو غير مهمة، بهدف كسب الوقت والبقاء على قيد الحياة لفرصة تبادل لاحقة. ولفت، أيضاً، إلى أن الجهة الآسرة عادة ما تتجنب التعذيب الجسدي الذي قد يعرض حياة الأسير للخطر قبل الحصول على المعلومات المطلوبة، مركزة على استخدام الضغوط النفسية المكثفة، إذ يعد ذلك أكثر فاعلية في كسر مقاومته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"مقابر الأرقام"

ولفت المتخصص في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية خالد العزي إلى أن وقوع الجنود في الأسر يعود إلى عوامل عدة "منها قد يكون عبر إنزالات أو عمليات خطف، ومنها يعود إلى طبيعة موقع القتال من خلال مدى قوة الهجوم على الإمكانات العسكرية الموجودة، إضافة إلى قطع خطوط الإمداد اللوجيستية"، وأوضح أن المعارك الدائرة حالياً على الجبهة الجنوبية تظهر تغيراً في تكتيكات المواجهة الإسرائيلية، "إذ يواجه مسلحو الحزب أحياناً حصاراً كاملاً في الأنفاق، مما يضعهم أمام خيارين صعبين: إما القتال حتى الموت وإما الاستسلام، وقد يفضل بعض المسلحين الوقوع في الأسر كجزء من أمل لاحق بالتبادل". واعتبر العزي أن ما تسعى إليه إسرائيل، من جانبها، هو أسر أكبر عدد ممكن من عناصر "حزب الله"، لأسباب عدة، أهمها الاستعداد لاحتمال وقوع جنودها بيد الحزب، "مما يمكنها من الاحتفاظ بأوراق ضغط مستقبلية لتبادل الأسرى، وكذلك يمكن أن يوفر الأسر معلومات قيمة حول تكتيكات الحزب وعملياته، مما يتيح لإسرائيل تفادي بعض أساليب المواجهة المعتمدة وتحديد نقاط الضعف لدى الحزب، وفي الوقت عينه يمكن الاستفادة من هؤلاء من خلال تحييدهم وإبعادهم عن المواجهة ولضرب الروح المعنوية عند المسلحين الآخرين".

أضاف أن إسرائيل تحتفظ، أيضاً، بجثث مسلحين للحزب ضمن "مقابر الأرقام"، من دون الإفراج عنها، إذ لم تشمل عمليات تبادل الأسرى السابقة، جثث مسلحين بارزين مثل فرج فوعاني وأياد قصير، وفي بعض الأحيان يجري الجيش الإسرائيلي تنسيقاً مع الصليب الأحمر و"يونيفيل" لتسليم الجثث، كما حدث أخيراً في منطقة الخيام (جنوب).

واعتبر العزي، من جهة أخرى، أن "حزب الله" قد يسعى إلى إدراج أسراه ضمن أي عملية تبادل، بخاصة تلك التي تشمل الفصائل الفلسطينية، انطلاقاً من دور مسلحيه في دعم وإسناد غزة خلال المواجهات.

صفقات تبادل الأسرى

وشهدت العلاقات بين إسرائيل ولبنان صفقات تبادل أسرى عدة، لعبت دوراً كبيراً في استعادة أسرى وجثث من كلا الطرفين بوساطة دولية، بخاصة من الصليب الأحمر وألمانيا. وبدأ أبرز هذه الصفقات عام 1991 عندما أفرجت إسرائيل عن 76 أسيراً لبنانياً مقابل جثة جندي إسرائيلي.

وفي عام 1996 أفرجت إسرائيل عن رفات 123 لبنانياً مقابل جثتي جنديين إسرائيليين، وأطلق "حزب الله" سراح 25 جندياً من ميليشيات "جيش لبنان الجنوبي". وفي عام 1998 أعاد الحزب رفات الجندي الإسرائيلي إيتمار إيليا إلى إسرائيل مقابل تسلم رفات 40 من مسلحي الحزب، بينهم هادي نصرالله، نجل الأمين العام لـ"حزب الله" الراحل حسن نصرالله.

وفي عام 1999 أفرج عن خمسة من مسلحي "حزب الله" قضوا أكثر من عقد في السجون الإسرائيلية بوساطة ألمانية، بينما أفرجت إسرائيل عام 2000 عن عدد من المعتقلين من دون مقابل من الحزب.

واستمر الطرفان في تنظيم صفقات مماثلة، منها صفقة عام 2003 تضمنت تسليم جثتي اثنين من مسلحي "حزب الله" لإسرائيل مقابل زيارة وسيط ألماني لضابط إسرائيلي معتقل لدى الحزب، مما مهد لصفقة أكبر في 2004.

كانت صفقة 2004 من أوسع الصفقات، إذ شملت إطلاق سراح 23 لبنانياً، وعدد من الأسرى السوريين والمغاربة والسودانيين والليبيين و400 فلسطيني، إضافة إلى رفات 59 لبنانياً.

في المقابل تسلمت إسرائيل ضابطها إلحنان تننباوم وجثث ثلاثة جنود قتلوا في الأسر، وضمت الصفقة، أيضاً، إطلاق سراح شخصيات بارزة مثل مصطفى الديراني والشيخ عبدالكريم عبيد.

وفي عام 2006 أسر "حزب الله" جنديين إسرائيليين، مما أدى إلى اندلاع حرب يوليو (تموز). وفي عام 2008 أطلق سراح سمير القنطار، الذي لقب بعميد الأسرى اللبنانيين، ضمن صفقة شملت الإفراج عن أربعة أسرى لبنانيين، وتسليم رفات 200 من المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين، مقابل إعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين.

المزيد من متابعات