ملخص
الخطوط الجوية البريطانية غاضبة من صانع المحركات "رولز رويس" بسبب التأخير في أسطولها من طائرات "دريملاينر"
حينما اختارت الخطوط الجوية البريطانية شركة "جنرال إلكتريك الأميركية" لتزويدها بمحركات الطائرات بدلاً من شريكتها التقليدية "رولز رويس" عام 1991، أثارت هذه الخطوة استياء كبيراً في الأوساط البريطانية، وصرّح اللورد ويليامز من إلفيل قائلاً "لا يمكننا أن نسمح لشركات كبيرة مثل ’رولز رويس‘ أن تتجاهلها شركة الطيران الوطنية الخاصة بنا"، مما يعكس حجم الإحباط والغضب آنذاك.
ومع مرور أكثر من ثلاثة عقود، يبدو أن مسؤولي الخطوط الجوية البريطانية يندمون على قرارهم بعدم قطع العلاقات تماماً مع "رولز رويس"، فالشركة تواجه مشكلات كبيرة مع محركات "رولز رويس" على متن طائراتها، مما أدى إلى موجة من إلغاء الرحلات في وجهات عدة، وكان آخرها في دالاس، المدينة التي تخدمها الخطوط البريطانية منذ الثمانينيات، وتسببت هذه المشكلات في إلغاء مئات الرحلات خلال الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى زيادة استياء الرؤساء التنفيذيين للخطوط الجوية البريطانية ورفع مستوى الغضب إزاء استمرارية هذه العلاقة مع الشركة المصنعة للمحركات.
وقال مصدر في الخطوط الجوية البريطانية لصحيفة "التايمز"، "من غير المقبول على الإطلاق إلغاء خطط سفر عشرات الآلاف من عملائنا بسبب الفشل المستمر لشركة ’رولز رويس‘، إنهم بحاجة إلى تنظيم أمورهم".
انتشار المشكلة لشركات طيران منافسة
وتنتشر المشكلة إلى شركات الطيران المنافسة، إذ يمكن الكشف عن أن شركة "فيرجن أتلانتيك" تضع اللمسات الأخيرة هذا الأسبوع على إعلانها إلغاء الرحلات بسبب مشكلات في محرك "رولز رويس" نفسه، ومن بين الوجهات المقرر تعليقها إطلاق الرحلات إلى أكرا عاصمة غانا في الصيف المقبل، بينما تأخرت عودة الرحلات إلى تل أبيب حتى نهاية مارس (آذار) 2025.
وقالت مصادر مطلعة على الوضع للصحيفة، إن هذا النزاع ظل يتفاقم بهدوء لأكثر من عام، مما تسبب بخسائر لكلا الشركتين تُقدر بعشرات الملايين من الجنيهات.
والسؤال الأهم هو هل يمكن إصلاح هذه المشكلات؟ لفهم ذلك، يجب أن نعود إلى إطلاق محرك "ترنت 1000" من "رولز رويس" لطائرة "بوينغ 787 دريملاينر" قبل أكثر من عقد من الزمن.
عادة ما تقدم شركات صناعة الطائرات لعملائها من شركات الطيران خياراً لاختيار محركات مصنعة من قبل شركات مختلفة، وبالنسبة إلى طائرة "دريملاينر"، عُرض على شركات الطيران خيار محرك من "رولز رويس" أو آخر من "جنرال إلكتريك".
تساؤلات حول متانة محرك "ترنت 1000"
لم يمضِ وقت طويل بعد دخول طائرة "دريملاينر" أولى رحلاتها التجارية عام 2011 حتى بدأت التساؤلات تُطرح حول متانة محرك "ترنت 1000" من رولز رويس، وكما هي الحال مع معظم المشكلات المتعلقة بالهندسة المعقدة، كانت المشكلات متعددة الجوانب، لكنها تركزت بصورة أساسية حول شفرات المراوح داخل المحرك.
وكانت شركة "بوينغ" قررت أن طائرة "دريملاينر" ستستخدم محركين بدلاً من أربعة محركات كما في طائرة "جامبو 747" التي حلت محلها، ولهذا، استنفدت "رولز رويس" كل إمكاناتها الهندسية لجعل شفرات المراوح قوية بما يكفي لتوفير القوة اللازمة لدفع طائرة تحمل 330 راكباً على مدرج الإقلاع.
في حين تعادل القوة التي تتعرض لها الشفرات أثناء الإقلاع تعليق تسع حافلات لندن عليها، لذا بذلت "رولز رويس" جهداً في إعادة ترتيب سبائك المعادن على المستوى الذري لضمان متانتها.
لكن المشكلة كانت أن شفرات محرك "ترنت 1000" بدأت تتدهور بسرعة أكبر من المتوقع عندما تتعرض لمواد ملوثة من البيئة، مثل التلوث أو الرمال التي تلامس الهواء عالي الحرارة، وتفاقمت المشكلة عندما تبين أن سلامة الشفرات تأثرت أكثر بسبب تصميم غير موائم لفتحات التبريد.
هناك أيضاً مشكلة أخرى تتمثل في المحرك، لاحتوائه على عدد أقل من الشفرات مقارنة بالنماذج السابقة، أدى إلى حدوث ما يُعرف بـ "التردد الرنيني" مع أجزاء أخرى من المحرك، مما أضعفها.
في ما بعد جرى إطلاق ترقيات وإصلاحات، مما كلف شركة "رولز رويس" مليارات الجنيهات الإسترلينية، وأدى إلى انخفاض أسهمها إلى أدنى مستوياتها في حوالى 10 أعوام بنهاية عام 2019، ونظراً إلى الضعف التاريخي للمحرك، لا يزال محرك "ترنت 1000" يتطلب صيانة أكثر انتظاماً حتى يومنا هذا.
وتكمن المشكلة الحالية في مواجهة شركة "رولز رويس" اليوم صعوبة في الحصول على قطع غيار لازمة لإجراء هذه الصيانة، مما أدى إلى تراكم الطائرات العالقة في حظائر الصيانة، وتفيد مصادر من شركات الطيران بأن نقص قدرات "رولز رويس" على إجراء الصيانة هو أيضاً جزء من المشكلة، وهي ادعاءات تنفيها شركة "رولز رويس".
وقال مصدر في الخطوط الجوية البريطانية "نحن من أكبر مشغلي محرك ترينت 1000 في العالم، ولم نرَ حتى الآن من رولز رويس أي شيء يمنحنا الثقة بأنهم يفهمون مدى الضرر الذي تسببه هذه المشكلة لنا، لذا نحتاج بصورة عاجلة إلى رؤية رولز رويس تتحمل مسؤولية هذه الأزمة وتقدم خطة مقبولة تتضمن تخفيف الآثار، وإجراءات واضحة، وجدولاً زمنياً معقولاً يسمح لنا بوضع جدول طيران مستقبلي بثقة."
ورد متحدث باسم "رولز رويس" قائلاً "بصفتنا مؤسسة، نتخذ إجراءات حاسمة ونتحرك بسرعة لإعطاء الأولوية للموارد اللازمة لتقليل التأثير، ونظراً إلى القيود الحالية في سلسلة التوريد، فإن هذا يمثل إحدى أهم أولوياتنا."
وقالت الخطوط الجوية البريطانية إنها اختارت إلغاء الرحلات بصورة استباقية "لأننا لا نعتقد أن المشكلة ستحل بسرعة".
ومن المتوقع أن تضاعف شركة "فيرجن" عدد طائراتها من طراز "دريملاينر" المتوقفة عن الخدمة العام المقبل بسبب مشكلات مماثلة، وفقاً لمصادر.
"حزمة تعزيز المتانة"
ولا تقف "رولز رويس" مكتوفة الأيدي، إذ عينت الشركة 50 موظفاً للعمل مع الموردين لمعالجة النقص، بل تقدم مخزوناتها الخاصة من المواد الخام لهم لتسريع الإنتاج.
وقال متحدث باسم الشركة المصنعة للمحركات "لقد كان لهذه التغييرات تأثير إيجابي بالفعل، فحتى الآن هذا العام، زدنا من إنتاج سلسلة توريد محرك ’ترينت 1000‘ بمقدار الثلث، مما وفر مزيداً من المكونات وقلل من الوقت الذي تقضيه المحركات في مراكز الصيانة والإصلاح (MRO)".
وأضاف المتحدث "نعلم أن الطلب سيزداد في المستقبل، لذا خصصنا استثمارات إضافية هذا العام لضمان قدرتنا على تلبية ذلك الطلب، من خلال توفير بعض القدرة الموقتة للتعامل مع الزيادة، مما سيتيح لنا مضاعفة قدرتنا على الصيانة والإصلاح بحلول عام 2030 تقريباً، وسيسهم هذا في إجراء الصيانة المجدولة، مثل تلك المتعلقة بأسطول الخطوط الجوية البريطانية من محركات ’ترينت 1000‘، بأعلى قدر ممكن من الكفاءة".
ومع ذلك، يتمثل الهدف الطويل الأمد في تقليل حجم الصيانة التي يحتاج إليها محرك "ترينت 1000"، مما يزيد ما يعرف في الصناعة بمدة بقاء المحركات "في الجناح"، ويُعد هذا الأمر مهماً بطبيعة الحال لشركات الطيران التي تحقق الأرباح عندما تكون الطائرات في الجو، كما أنه مهم بالقدر نفسه لـ"رولز رويس"، التي ترتبط عائداتها بالأداء التشغيلي لمحركاتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولمعالجة هذه المشكلة، تنفق "رولز رويس" مليار جنيه إسترليني (1.2 مليار دولار)، على "حزمة تعزيز المتانة" لمحرك "ترينت 1000"، التي وصلت إلى المراحل النهائية من التصديق من قبل إدارة الطيران الفيدرالية وهي هيئة تنظيم الطيران في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تزيد هذه الحزمة مدة بقاء المحرك على الطائرة بأكثر من الضعف، كما ستوفر تحسينات أخرى زيادة إضافية تصل إلى 30 في المئة، بحسب ما ذكرت الشركة.
ومع ذلك، أعربت مصادر في الخطوط الجوية البريطانية عن شكوكها في رؤية أي تحسينات في الخدمة قريباً، وقال أحد المصادر "يجب على ’رولز رويس‘ التوقف عن تقديم الأعذار وإلقاء اللوم على مشكلات سلسلة التوريد وتمرير التأثير على شركات الطيران، وبدلاً من ذلك يجب أن تركز على تقديم حل سريع وموثوق لمشكلة من صنعها".
واعتباراً من الصيف المقبل، ستتوقف الخطوط الجوية البريطانية عن الطيران إلى البحرين للمرة الأولى منذ أكثر من 90 عاماً، وألغت رحلاتها المباشرة إلى الكويت للمرة الأولى منذ أكثر من 60 عاماً.
ويأمل المسؤولون التنفيذيون في الشركة أن يعودوا إلى هذه الوجهات قريباً، وإلا قد تتجه مزيد من شركات الطيران حول العالم إلى تجاهل "رولز رويس".
تسببت الأزمة في إبقاء ست طائرات من أسطول الخطوط الجوية البريطانية المكون من 41 طائرة "دريملاينر" على الأرض، وتمكنت الشركة من التكيف مع هذا الوضع في الأشهر الأخيرة عبر استخدام طائرات احتياطية من أسطولها من طائرات "بوينغ 777".
لكن هذا الخيار أصبح محدوداً الآن، إذ إن طائرات "777" تعد أقدم بكثير بمتوسط عمر يبلغ حوالى 20 عاماً مقارنة بسبعة أعوام لطائرات "دريملاينر"، وفقاً لموقع "بلين سبوترز"، ومع زيادة استخدام هذه الطائرات، بات من الضروري أيضاً إخضاعها للصيانة الروتينية وتوقيفها لفترة من الوقت.