ملخص
ينص اتفاق باريس على أن الحكومات يجب أن تحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية
مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية تتجه الولايات المتحدة مرة أخرى للانسحاب من اتفاق باريس، الاتفاق الدولي للمناخ الذي وقع منذ ما يقارب عقداً من الزمن، نحو سياسة طاقة مستوحاة من شعار ترمب الانتخابي "احفر، احفر، احفر".
وعلى النقيض من ذلك، تبدو الصين أكثر التزاماً بالاتفاق من أي وقت مضى، إذ تبوأت مكانة قيادية عالمية في نشر الطاقة المتجددة، وتستثمر مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة الخضراء في العالم النامي، في وقت تلجأ الدول الفقيرة بصورة متزايدة إلى بكين طلباً للمساعدة في الانتقال بعيداً من الوقود الأحفوري.
ومن المتوقع أن يخيم هذا التباين الحاد بين القوتين العظميين على المؤتمر السنوي للأمم المتحدة للمناخ، المعروف باسم (كوب 29)، الذي انطلق في باكو، أذربيجان، وألقى القادة الصينيون بثقلهم الاقتصادي وراء التحول إلى الطاقة النظيفة لأسباب اقتصادية وبيئية وجيوسياسية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، "الصين مستعدة للعمل مع الأطراف الأخرى لدعم أهداف ومبادئ ونظام اتفاق الأمم المتحدة الإطاري في شأن تغير المناخ واتفاق باريس".
قيادة دبلوماسية المناخ العالمية
ويعزز فوز ترمب ما آمن به عديد من الدول بالفعل وهو أن الانقسامات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة تجعلها غير قادرة على قيادة دبلوماسية المناخ العالمية بصورة موثوقة، وفي حال مضى ترمب في سحب الولايات المتحدة من الاتفاق، فسيكون ذلك ثالث مرة هذا القرن ينسحب فيها رئيس جمهوري من اتفاق مناخي دولي رئيس.
وقال المفاوض المناخي الأميركي البارز في إدارتي أوباما وبايدن، جوناثان بيرشينغ، "الجميع ينظر الآن إلى الصين، وأعتقد أنه مع خروج الولايات المتحدة، ستتصدر الصين، لكن بطريقة مختلفة تماماً".
ترك فوز ترمب المفاوضين الأميركيين في باكو بتفويض قصير الأمد، يقودهم جون بوديستا، المبعوث المناخي لإدارة بايدن التي ستغادر قريباً، ولن يكون له أي تأثير في السياسة بمجرد تولي ترمب المنصب في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025.
ومن جهة الصين، سيرسل الرئيس الصيني شي جينبينغ نائب رئيس الوزراء دينغ شيوشيانغ، أحد المقربين منه، إلى قمة القادة التي تبدأ اليوم الثلاثاء.
وفي القمم السابقة للمناخ التابعة للأمم المتحدة، أسفرت المحادثات بين واشنطن وبكين عن اختراقات في المفاوضات، ففي عام 2015، ساعدت هذه المحادثات في صياغة اتفاق باريس نفسه، الذي ينص على أن الحكومات يجب أن تحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق درجات الحرارة ما قبل الصناعية، ويتطلب من الدول الغنية إرسال أكثر من 100 مليار دولار سنوياً إلى الدول النامية لمشروعات تغير المناخ.
وكانت استعدادات أكبر اثنين من أكبر ملوثي الغازات الدفيئة في العالم للاتفاق على الحد من انبعاثاتهما تمثل حافزاً قوياً لبقية دول العالم للانضمام إلى الاتفاق، وقضت الفرق التفاوضية الأميركية ساعات لا حصر لها في الضغط على القيادة الصينية للتحرك بعيداً من الكهرباء التي تعتمد على الفحم بصورة أسرع. ويبدو أن هذا الضغط كان له بعض التأثير في موقف الصين من المناخ، مثلما قال المتخصص في سياسة المناخ الصينية في معهد آسيا للسياسات، لي شواو.
"الثلاثي الجديد" في قاعدة الصناعات الصينية
لكن كثيراً تغير منذ ذلك الحين، إذ نشرت الصين الطاقة المتجددة بسرعة أكبر مما كان متوقعاً قبل سبع سنوات، بحيث أصبح حجم إضافات الصين من طاقة الرياح والطاقة الشمسية كافياً تقريباً لتغطية نمو الطلب على الطاقة، مما يعني أن انبعاثاتها قد تكون بلغت ذروتها بالفعل، والأهم من ذلك، أصبحت قطاعات التكنولوجيا الخضراء أساساً لاقتصاد الصين، إذ يشير المسؤولون الصينيون إلى الألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، والبطاريات على أنها "الثلاثي الجديد" في قاعدة الصناعات الصينية، وهذا يعني أن مصلحة الصين في دفع التحول إلى الطاقة النظيفة أكبر بكثير مما كانت عليه في عام 2017.
وتستخدم بكين الدبلوماسية المناخية لإبراز نفوذها الاقتصادي في العالم النامي، إذ تجد أسواقاً جديدة لمصنعي الطاقة المتجددة الصينيين الرائدين عالمياً، وهذا أمر أساس بالنسبة إلى بكين في وقت يعاني منتجو الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية والبطاريات وغيرهم فائضاً كبيراً في الإنتاج، ويواجهون تعريفات جمركية مرتفعة جديدة من الولايات المتحدة وأوروبا واقتصادات كبرى أخرى. وعلى رغم انخفاض حجم الاستثمارات الخارجية الصينية بصورة حادة منذ عام 2016، فإن عدد الاستثمارات في الطاقة الخضراء تحدى هذا الاتجاه.
وقال مفاوض أميركي بارز سابق في المناخ، جوناثان بيرشينغ، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "هذه سوق تصديرية يجب أن تنافس فيها الولايات المتحدة، وإحدى النتائج المحتملة للانسحاب هي أننا نخسر هذه المنافسة."
تمويل مناخي للعالم النامي
وفي اجتماع باكو، تتمثل المهمة الأساس للمفاوضين في التوصل إلى اتفاق حول هدف جديد للبلدان الغنية لتوفير تمويل مناخي للعالم النامي بعد عام 2025، وهي مهمة حددها اتفاق باريس للمناخ، ويتمثل أحد المطالب الرئيسة من الدول الغنية في أن تتحمل الصين، التي تعد دائماً دولة نامية بموجب اتفاقات المناخ التابعة للأمم المتحدة، بعض المسؤولية في تقديم تمويل المناخ وفقاً لاتفاق باريس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، "يجب على الدول المتقدمة الوفاء بمسؤولياتها بجدية وتقديم دعم مالي قوي للدول النامية استجابة لتغير المناخ، ستواصل الصين تقديم المساعدة للدول النامية الأخرى إلى أقصى قدراتها".
فرق التفاوض الأميركية مكبلة اليدين
وحتى لو لم يفز ترمب، لكانت فرق التفاوض الأميركية تمتلك صدقية محدودة في هذا المجال، فالولايات المتحدة فشلت في الوفاء بتعهداتها السابقة لتقديم تمويل مناخي بسبب معارضة الجمهوريين في الكونغرس. وقدمت الولايات المتحدة 17.5 مليون دولار فقط لصندوق جديد لتعويض الدول النامية عن الأضرار الناتجة من تغير المناخ، مقارنة بنحو 430 مليون دولار من الدول الأوروبية.
وحتى الآن لم تقدم الصين مساهمة في هذا الصندوق، لكنها وافقت على بند يسمح للدول النامية بالمساهمة، ويراقب المحللون لمعرفة ما إذا كانت بكين ستوافق على بدء تقديم تمويل مناخي عبر الأمم المتحدة.
وقال أحد المسؤولين الدوليين المشاركين في محادثات المناخ في باكو، "في الوقت الحالي، لم تكن تصريحاتهم قوية جداً، لكن الواقع هو أن الصين تفعل الآن أكثر مما يفعله أي طرف آخر بفارق كبير".
وأضاف المسؤول "ستكون تأثيرات مغادرة ترمب للرئاسة عاملاً سلبياً ليس فقط على العمل المناخي في الصين، لكن أيضاً على العمل المناخي عالمياً... قرار ترمب بالانسحاب من اتفاق باريس في عام 2017 خفف الطموحات المناخية في جميع أنحاء العالم بعد سنوات من الزخم".