ملخص
بعدما كان دونالد ترمب ينادي شي جينبينغ بـ"صديقي" باتت العلاقة بينهما تظهر اختلافاً كبيراً عما مضى، لا سيما في ظل التوترات الاقتصادية والسياسية المتزايدة.
اعتاد دونالد ترمب أن ينادي شي جينبينغ بـ"صديقي"، لكن الزعيم الصيني لا يبني علاقات "صداقة". وقد افتقرت تهانيه الرسمية إلى الرئيس الأميركي المنتخب إلى الدفء بصورة ملحوظة.
لقد عبرت واقعية شي الوحشية عن نفسها عند انتشار "كوفيد-19"، ثم تفرج على الحروب تختبر العزم الأميركي. والآن من المقدر لهذين الرجلين البالغين الآن السبعينيات من عمريهما أن يديرا أهم علاقة في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلفية كل منهما خلفية متميزة. ولد ترمب في أسرة تتمتع بثروة، وولد شي في أسرة تمتلك سلطة، لكن الحياة دللت ترمب في حين قست على شي. بينما كان ترمب الشاب نجم الحفلات في مانهاتن، كدح شي في الجبال وعاش في كهف لسنوات بعد طرد والده من الحزب الشيوعي خلال حملة تطهير. وأثناء مراهقته تعرض للضرب والسجن والتهديد بالقتل.
كثيراً ما صعب على الزعيم الصيني ودائرته الداخلية "فهم" ترمب، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه لا شيء في تجربتهم الخاصة أعدهم للتعامل معه. من ناحية، أحب الصينيون ترمب في عهده الأول لأنهم رأوه عاملاً من عوامل الفوضى، يزرع الشكوك في الديمقراطية ويضعف تحالفات أميركا. ومن ناحية أخرى يكرهون ترمب في عهده الثاني للسبب نفسه – هو عامل من عوامل الفوضى، لكن أسلوبه الذي لا يمكن توقعه يوقع الأعداء في حيرة ويمنحه القوة.
هذا ما يزعمه أتباع ترمب في الأقل، وما يجعل شي جينبينغ حذراً لأن شخصيته تشكلت في فوضى الثورة الثقافية. هو يكره الفوضى. تؤكد الدبلوماسية الصينية على المواقف المعدة سلفاً وتلاوة الخطابات عن ظهر قلب وعدم الخروج عن النص أبداً. وهذا ليس ذا فائدة كبيرة في مواجهة مرتجل لا يلتزم القواعد.
في المرة الأخيرة اعتبر شي وخبراؤه الرئيس الأميركي الـ45 خصماً صاخباً، لكنه متفاعل يقول ما لا يفعل. كانت اجتماعاتهما وجهاً لوجه هادئة، بيد أن شي محاور صعب يميل إلى التحدث بالشعارات عند مقابلة القادة الأجانب. لقد علمته عقود من الزمن أمضاها في الانضباط الحزبي في صفوف الحزب الشيوعي أن يبتعد عن الطابع غير الرسمي العفوي. حتى عندما يحاول أن يبدو لطيفاً، يبدو متكلفاً.
في المقابل اقتنع ترمب بموهبته الخاصة في إقامة علاقات مع الرجال الأقوياء. لا شيء في سجل شي جينبينغ أعده لصخب نيويورك الكامل. لقد أوقع ذلك "الإمبراطور الأحمر" وحاشيته في حيرة.
شهد الناس الذين حضروا إلى مارالاغو موكب شي يدخل مسرعاً جالباً الرجل الذي كثيراً ما كان ماركسي الهوى إلى عشاء فخم استضافه ترمب في المنتجع الذي بناه ليليق بقطب أعمال.
خلال احتساء المشروبات، جرب ترمب بعض المزاح العائلي لكسر الجليد مع شي وزوجته، المغنية الشهيرة بنغ ليوان.
سأله عن ابنته الجميلة، في إشارة إلى الابنة الوحيدة للزوجين، مينغزي، التي درست في جامعة هارفرد، ثم عادت على مضض إلى الوطن. قال شي: "أوه، لقد افتقدناها كثيراً. لذلك كان عليها أن تعود إلى الصين". انتهى موضوع النقاش.
بدوره طاف شي بترمب في المدينة المحرمة، إذ حكم أسلافه الإمبراطوريون الصين عندما كانت أعظم قوة على وجه الأرض لقرون من الزمن سبقت ولادة الجمهورية الأميركية.
تظهر صورة غريبة ترمب وزوجته ميلانيا يقفان في مقابل السيد والسيدة الأولين في الصين في فناء مزخرف، وبدوا جميعاً كمن يتمنون لو كانوا في مكان آخر. وبدا ترمب كمن يعاين عقاراً يرغب في شرائه.
من الناحية العملية، سيترك الاثنان تفاصيل السياسات لفريقيهما. وبينما لا يزال فريق ترمب في تغير مستمر، سيرشح الصينيون الأيديولوجي العزيز على شي، وانغ هونينغ، الذي يتخيل نفسه خبيراً في الديمقراطيات المتحللة، ومجموعة من المتخصصين في الاقتصاد.
لا يمكن أن تكون الأخطار أكبر من ذلك. يعد ترمب برفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 60 في المئة، وهو وعد يدب الرعب في قلوب بعض مؤيديه في وول ستريت. ويتحدث عن الحصول على تريليونات الدولارات كتعويضات من الصين بسبب مسؤوليتها عن الجائحة.
على صعيد الإجراءات الواقعية، يمكن للصين الرد على رسوم ترمب الجمركية باستهداف الشركات المدرجة في قائمة "فورتشن 500" المنكشفة على سوقها. ومن المرجح أن تمنع تصدير المعادن ذات الأهمية التكنولوجية للتعويض عن الخسائر المترتبة على القيود الأميركية المفروضة على أشباه الموصلات. وتشمل خياراتها العدوانية بيع بعض سندات الخزانة الأميركية البالغة قيمتها 775 مليار دولار والسماح لقيمة عملتها بالتراجع في مقابل الدولار.
في نهاية المطاف، تريد بكين إبقاء آلة التصدير الخاصة بها عاملة. سيشكل ذلك تضارباً في المصالح لإيلون ماسك، الذي يصنع سيارات "تيسلا" الكهربائية في الصين، ومن المقرر أن يؤدي دوراً رائداً في إدارة ترمب الثانية. قد لا يرغب أغنى رجل في العالم في حرب تجارية.
أما في ما يتعلق بالحرب الحقيقية، يردد ترمب نظرية "المجنون" التي بلورها ريتشارد نيكسون، والتي تقول إن المرء يبقي خصومه على قلق إذا اعتقدوا أنه قد يستخدم القوة بالفعل.
في المرة الأخيرة، حقق ترمب انتصارات قليلة لا يمكن إنكارها – الحفاظ على السلم حول تايوان، وتقييد الصقور الصينيين، وإقلاق بكين أكثر من حلفائه.
هذه المرة، ثمة دور أيضاً لكل من فلاديمير بوتين والديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ أون. كان ترمب لطيفاً معهما في الماضي. لكن شي جينبينغ هو الذي يسميهما الآن "صديقي العزيزين".
© The Independent