ملخص
بعدما كانت عنوان ثراء وتنوع في المشهد الإعلامي السمعي في تونس تدهورت وضعية عدد من الإذاعات الخاصة بسبب انحسار سوق الإعلانات وعدم وجود آليات أخرى لتمويل هذه المؤسسات.
خسرت الخريطة الإعلامية السمعية الخاصة في تونس ثلاث إذاعات، ويتهدد البقية المصير ذاته، وهي تكابد من أجل الاستمرار في البث.
بعدما كانت عنوان ثراء وتنوع في المشهد الإعلامي السمعي في تونس، تدهورت وضعية إذاعات خاصة كثيرة بسبب انحسار سوق الإعلانات وعدم وجود آليات أخرى لتمويل هذه المؤسسات.
لغاية عام 2011 كانت السلطة في تونس تحتكر الإعلام السمعي - البصري، ومنحت فقط خمسة تراخيص لبعث إذاعات خاصة لبعض الشخصيات القريبة من السلطة، ووجد حينها أربع إذاعات وطنية مركزية، وخمس إذاعات محلية، تخضع جميعها لإشراف الدولة.
بعد 2011 شهد الإعلام السمعي طفرة هائلة، وتأسست إذاعات خاصة وأخرى جمعياتية، وتكونت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي - البصري التي تمنح التراخيص لإنشاء الإذاعات بصنفيها الخاص والجمعياتي، كما تعمل على تعديل المشهد السمعي والبصري في البلاد.
وفيما لم يشهد الإعلام العمومي ظهور إذاعات جديدة عدا إذاعة "بانوراما" التي تعيد بث بعض المضامين الإذاعية من الإذاعات المحلية، لجمهور تونس الكبرى التي لا يصلها بث الإذاعات المحلية، بلغ عدد الإذاعات الخاصة 21، إضافة إلى 10 إذاعات جمعياتية، وهي إذاعات محلية متخصصة، لغايات غير ربحية، وفي خدمة المصلحة العامة، علاوة على عشرات الإذاعات التي تبث على الويب.
وبدا المشهد الإذاعي وقتها متعدداً ومتنوعاً، إلا أن عدداً من الإذاعات لم تكن قادرة على مواجهة التحديات المالية، بخاصة أن سوق الإعلانات تتحكم فيه مجموعات نافذة. وفي غياب هيكل ينظم هذا القطاع، استأثرت إذاعات بعينها خاصة منها التي تبث على كامل تراب الجمهورية، بالحيز الأكبر من سوق الإعلانات، وتتقاسم بقية الإذاعات تلك العائدات.
اليوم، وبعد انحسار سوق الإعلانات وحال الركود الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، أغلقت عديد الإذاعات الخاصة، بعدما تراكمت ديونها وعجزت عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه الديوان الوطني للإرسال الإذاعي (مؤسسة عمومية)، كما أنها لم تعد قادرة على تسديد أجور أعوانها.
فما واقع الحال بالنسبة إلى هذه الإذاعات اليوم؟ وما أسباب تدهور وضعها المالي؟ وما الحلول الممكنة لتجاوز هذه الصعوبات؟
سوق الإعلانات وحدها لا تكفي
خسرت الخريطة الإعلامية السمعية الخاصة في تونس ثلاث إذاعات، ويتهدد البقية المصير ذاته، وهي تكابد من أجل البقاء على قيد الحياة.
ويؤكد رئيس نقابة الإذاعات الخاصة كمال ربانة في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن "وضع الإذاعات الخاصة لم يتحسن منذ 10 أعوام لأنها مرتبطة بالوضع الاقتصادي في البلاد وتعيش من الإعلانات"، مطالباً بنصيب تلك الإذاعات من مساهمة التونسيين فيما يعرف بمعلوم الإذاعة والتلفزة الذي تحتكره المؤسستان التابعتان للدولة، لافتاً إلى أن "المتلقي في كل أنحاء العالم يدفع مقابل الخدمة الإعلامية التي تقدمها إليه الإذاعات والتلفزيونات، بينما لم يتم تغيير التشريعات في تونس".
وفي غياب الدعم العمومي تعتمد الإذاعات الخاصة في تونس كلياً على سوق الإعلانات بينما تواجه المؤسسات الاقتصادية صعوبات مالية ما أثر في التوازنات المالية لتلك الإذاعات.
ودعا ربانة إلى "توزيع عادل للإعلانات العمومية من خلال بعث وكالة وطنية توزع الإعلانات على مختلف المؤسسات الإعلامية الخاصة والعمومية"، لافتاً إلى أن "حال الإذاعات الخاصة التي تبث على نطاق وطني، أفضل بكثير من بقية الإذاعات، وتستأثر بالنصيب الأكبر من سوق الإعلانات في تونس، لأن صاحب المنتج يفضل إشهار بضاعته في إذاعة تبث على كامل تراب الجمهورية، وهو ما تسبب في متاعب كبيرة لبقية الإذاعات الخاصة".
إغلاق ثلاث محطات
ويردف رئيس نقابة الإذاعات الخاصة أن "أعوان بعض الإذاعات الخاصة من صحافيين وتقنيين وعاملين، لم يتلقوا أجورهم منذ نحو ثمانية أشهر، وهو ما يعكس عمق الأزمة المالية التي تفتك بتلك الإذاعات المهددة بالإفلاس والغلق، بينما تكابد بقية الإذاعات من أجل الاستمرار في البث". وأشار إلى أن "المعضلة الكبرى تتمثل في معلوم ديوان الإرسال الإذاعي والتلفزي البالغ 100 ألف دينار سنوياً (33 ألف دولار)، وهو مبلغ لا يتماشى وقدرة الإذاعة مالياً، مطالباً بتخفيضه وتحديد معلوم قار في حدود 30 ألف دينار (10 آلاف دولار) سنوياً"، وطالب الدولة بأن "تعفي الإذاعات الخاصة من 50 في المئة من الديون المستحقة لديوان الإرسال الإذاعي، وإعادة جدولة بقية الديون".
وتوجد اليوم في تونس 10 إذاعات خاصة خمس منها تبث محلياً وخمس أخرى وطنياً، وتشغل جميعها نحو 500 شخص بين عمال وصحافيين وتقنيين، ويتلقى صحافيو وأعوان الإذاعات الخاصة التي تمر بصعوبات مالية أجوراً ضعيفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التخفيض من عدد الأعوان
من جهته يؤكد عمر النقاز مدير إذاعة خاصة في تصريح أن "تقلص إيرادات الإعلانات أثر بصورة مباشرة على الإذاعات الخاصة، التي أصبحت تلجأ إلى التخفيض في عدد أعوانها من أجل أن تستمر في البقاء"، لافتاً إلى أن الإذاعة التي يعمل بها تشغل 45 موظفاً بين صحافيين وتقنيين.
ويضيف النقاز أن "بعض الإذاعات الجمعياتية تخلت عن اختصاصها المنصوص عليه في رخصة البث، وأصبحت إذاعات عامة تتطرق لكل المواضيع، وتزاحم الإذاعات الخاصة في مجال جغرافي ضيق، وهو ما عمق أزمة الإذاعات الخاصة"، محذراً من "تدهور وضع القطاع في حال لم تتدخل الدولة لإنقاذه"، ولفت إلى ضرورة تعديل نسبة الأداء على القيمة المضافة للإذاعات الخاصة باعتبارها تقدم خدمة عمومية بالتقليص من 19 إلى 7 في المئة.
صندوق دعم وسائل الإعلام
وللحيلولة دون إفلاس هذه المؤسسات يقترح هشام السنوسي العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في تصريح خاص، إحداث "صندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وجودة المضامين"، يقوم على اقتطاع نسبة من الإشهار إضافة إلى مساهمة الدولة وأصحاب المؤسسات الإعلامية، بما يمكن من إنتاج مضامين ذات جودة والمحافظة على استمرارية الإذاعات الخاصة التي تعد مكسباً لا يجب التفريط فيه.
ويحذر السنوسي من "نتائج سقوط بعض الإذاعات في الإشهار المقنع والمضامين المبتذلة بسبب حاجة تلك المؤسسات الإعلامية إلى المال على حساب المضامين الجيدة، وقد تحولت بعض الإذاعات والتلفزيونات الخاصة إلى سوق لبيع السلع بدل تقديم خدمات إعلامية".
ويدعو العضو السابق في هيئة الإعلام إلى "إيجاد حلول جذرية تحمي المضامين الإعلامية من الانزلاق، وتحافظ على المسؤولية المجتمعية لوسائل الإعلام"، مشدداً على "أهمية إحداث هيكل يعمل على تعديل وسائل الإعلام السمعية البصرية".
يذكر أن وفداً من المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، التقى في الفترة الأخيرة عدداً من صحافيي إحدى الإذاعات لبحث الوضعية الاجتماعية الصعبة التي يمر بها الصحافيون في المؤسسة والذين لم يتحصلوا على أجورهم منذ نحو ثمانية أشهر مع غياب التغطية الاجتماعية، وحمل رئيس النقابة، زياد الدبار، المؤسسة، وباقي الشركاء، مسؤولية تدهور الوضع في المؤسسة.
والتقت لجنة المالية في البرلمان الأسبوع الماضي رئيس نقابة الإذاعات الخاصة كمال ربانة، وتلقت منه جملة من المقترحات لرفعها إلى سلطة الإشراف من أجل إيجاد حلول عاجلة لهذه المعضلة.