ملخص
يعيش النازحون في قطاع غزة من دون أي مقومات وباتت حياتهم تحت مجهر بعضهم بعضاً بعد أن توجه جزء منهم إلى مدارس "أونروا" وحولوا غرف الفصول الدراسية إلى مأوى وجزء آخر انتقل للعيش في الجامعات، وآخرون أقاموا أو نصبوا خياماً بدائية في أراضٍ فارغة أو مشاع.
على صوت تجمهر الناس حول سيارة نقل المياه الصالحة للشرب، استيقظت نرجس من النوم في غزة، مدت يدها إلى جانبها الأيمن وتناولت إسدالاً خفيفاً ولبسته، وبسرعة غادرت خيمتها تجري خلف عربات بيع المياه تزاحم الحشود علها تتمكن من تعبئة غالون بلاستيكي واحد.
لم تغسل نرجس وجهها، هي بالأساس لم تحظَ بفرصة دخول الحمام عند استيقاظها من النوم، لم تنظر إلى نفسها في المرآة ولم تقم بنشاط صباحي، وكل ما فعلته الركض عندما فتحت عينيها لتدبر مستلزمات أساسية للحياة.
150 خيمة في منطقة صغيرة
بين حشد كبير من الرجال والنساء تنعدم فيه الخصوصية تصرخ نرجس وتقول "لو أن هناك مغاسل وحنفيات في مركز الإيواء لكن الأمر أفضل بكثير من الركض والتجمهر خلف عربات نقل وبيع المياه، يلعن الحرب التي لم تنته بعد".
نرجس نازحة من شمال غزة نحو المنطقة الإنسانية، تعيش حالياً في مركز إيواء مقام على قطعة أرض، ويضم داخله نحو 150 خيمة، واحدة فقط مخصصة لعائلة السيدة، التي تواجه انعدام مقومات الحياة داخل المأوى الذي تحتمي فيه من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
عندما نزح سكان غزة من بيوتهم، توجه جزء منهم إلى مدارس "الأونروا" وحولوا غرف الفصول الدراسية إلى مأوى، وجزء آخر انتقل للعيش في الجامعات، وآخرون أقاموا أو نصبوا خياماً بدائية في أراضٍ فارغة أو مشاع، لكن بالمحصلة، فإن جميع مراكز الإيواء هذه تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية.
من دون مياه
تقف نرجس داخل مركز الإيواء، وتقول "لا يوجد هنا مكان للمغاسل والحنفيات، نضطر كل يوم إلى الركض خلف سيارات نقل المياه وتعبئة مخزون بسيط في غالونات للاستخدام الشخصي وللشرب، لو خصصوا زاوية في هذا المكان وأقاموا فيها مخزناً للمياه وحنفيات لأصبح الأمر أقل عناءً".
في خيمة أخرى داخل مدرسة إيواء، يجمع باسم هواتف أسرته والبطاريات القابلة لإعادة الشحن، ويحملها بتثاقل ويسير نحو نقطة شحن للهواتف في الشارع العمومي، تعتمد على الألواح الشمسية، ويدفع مقابل ذلك أموالاً، يقول "منذ عام نعيش من دون كهرباء، تفتقر مراكز الإيواء إلى أنظمة الطاقة، على رغم أننا نحتمي في مدرسة تابعة للأمم المتحدة ومفروض أنها مجهزة، كل شيء هنا مرهق، وبلا مقومات حياتية أساسية، نتعذب من أجل الحصول على أبسط شيء للحياة".
لا يوجد صرف صحي
بيديه المجعدتين يمسك صبحي حفاراً يدوياً ويبدأ في حفر قناة لتصريف مياه الصرف الصحي وفضلات الحمام فيها. ويقول "في منطقة المواصي لا توجد شبكة صرف صحي، هنا الحياة بدائية جداً، كل يوم أحفر قناة وأطمرها في الليل للمياه العادمة"، ويضيف "أعلم أن هذا الأمر خطر، لكن الاكتظاظ الهائل يجبرنا على مواءمة أمورنا اليومية قدر المستطاع، إذ لا نملك أي خيار آخر، صراحة بدأت الروائح الكريهة تنبعث طوال الوقت في منطقة المواصي الإنسانية وباتت عذابات الإيواء مرهقة من دون مقومات للحياة".
ويوضح صبحي أن كل التحديات التي يواجهها النازحون يفاقمها إجبار إسرائيل مزيداً من سكان غزة على النزوح، في وقت لا يجد فيه النازحون أصلاً ما يكفيهم للبقاء على قيد الحياة، ولا يحصلون على الطرود الغذائية ولا الصحية ولا الملابس ولا الأغطية التي من المفروض أنها مساعدات إنسانية.
الأمم المتحدة تعرف المعاناة
بحسب بيانات الأمم المتحدة، فإنه يوجد في غزة 1.9 مليون شخص نازح داخلياً، وهؤلاء جربوا النزوح قبل عام مما يؤدي إلى زيادة معاناتهم، نظراً إلى طول فترة مغادرة مناطقهم، كذلك فإن نزوحهم جميعاً يتكرر بمعدل مرة واحدة شهرياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعرف الأمم المتحدة أن مراكز الإيواء تفتقر إلى كل شيء، وأن مخيمات النزوح لا توجد بها مقومات للحياة. ويقول منسق منظمة الصحة العالمية أحمد المنظري "خمسة مقومات حياتية أساسية مفقودة في غزة من أصل ستة، هي الماء والغذاء والدواء وكذلك العمل وأماكن الإيواء، لم يتبق لهم سوى الهواء، وهذا مقلق جداً".
تعيش منى في مركز إيواء لا يتوافر به أي شيء، وأكثر ما تفتقده السيدة هو النظافة، تقول "تحيط أكوام القمامة بالخيم، كذلك فإن الاستخدام الجماعي للمراحيض يفاقم الوضع، ولا توجد متابعة طبية وبيئية داخل المراكز، وهذا مع الأسف يتسبب في مشكلات كبيرة".
لا طعام ولا خصوصية
أما سها فتقول إن مراكز الإيواء لا تفتقر إلى مقومات الحياة فحسب، بل لا يوجد بها طعام ولا شراب ولا مكان دافئ يقي النازحين برد الشتاء، أو مكان يحميهم من القصف والاستهداف، وتضيف "النزوح إلى مراكز الإيواء يعني أن تعيش في غرفة صفية أو خيمة صغيرة مع عدد كبير من أفراد عائلات مختلفة يصل أحياناً إلى 40 شخصاً أو يزيد، ولك أن تخيل عزيزي كيف يعيش كل هؤلاء في مساحة ضيقة".
ففي الخيمة أو غرفة الفصل الدراسي يعيش النازحون طوال يومهم، النوم والمعيشة وإعداد الطعام وتناوله، وتبديل الملابس وغسلها، إذ تتابع سها "أحياناً تفصل بعض العائلات الغرفة بما يتوافر من قماش وهنا تنعدم الخصوصية، فالجميع يعلم عنك كل شيء، موعد تناولك الغذاء ونومك ومرضك ومشكلاتك العائلية، وكيف تعامل أبناءك... إنها الحياة تحت المجهر".
تقييد المساعدات
تقول مدير الاتصالات في "أونروا" إيناس حمدان، إن "دخول المساعدات البطيء هو سبب معاناة النازحين، إضافة إلى مساحة المنطقة الإنسانية الضيقة. أعداد النازحين الكبيرة أدت إلى خلق بيئة غير صالحة للحياة"، وتختم الحديث بقولها "مدارس الإيواء مثلاً قدرتها الاستيعابية 1000 فرد، لكنها اليوم تضم خمسة أضعاف قدرتها، هناك 155 منشأة تابعة لنا، بلغ عدد النازحين فيها نحو مليون ونصف المليون نازح، التعامل مع هذا العدد الكبير مرهق بخاصة في ظل تحكم وتقييد إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية والغذائية إلى غزة".