Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جهود الجيل الشاب في الاستجابة لفيضانات فالنسيا كانت لا تصدق

غالباً ما يطلق عليهم لقب "جيل الزجاج" على اعتبار أنهم شديدو الضعف أمام المواقف الصعبة، بيد أن الشباب في إسبانيا أظهروا صلابة تفوق التوقعات وتركونا جميعاً نشعر بالخجل.

مشهد للدمار الذي خلفته الفيضانات المميتة في منطقة فالنسيا بإسبانيا (غيتي)

ملخص

لقد أثبت شباب فالنسيا أنهم أبطال وبطلات الفيضان الذي ضرب المنطقة قبل أسبوعين، جالباً معه الموت والدمار. هل قلت جيل "ندفات الثلج"؟ لقد أذهلني تعاملهم مع هذه الظروف الصعبة، سواء في غمرة الكارثة أم بعد انتهائها.

 منذ اليوم الأول للفيضانات الكارثية العارمة التي أغرقت مدينة فالنسيا شرق إسبانيا، هب لنجدتنا حلفاء غير متوقعين في مواجهة هذه الأزمة.

تصدر أبناء الجيل "زد" [الذي ولد بين منتصف تسعينيات القرن الـ20 وأوائل العقد الأول من القرن الـ21] والجيل "ألفا" [الجيل المولود بعد جيل "زد" أي من بداية العقد الثاني من القرن الـ21] صفوف المواجهة، إذ عملوا على إزالة الحطام من الطرقات والمباني والمنشآت، وتنظيف الأنقاض التي ملأت الكراجات، وفي خضم هذه الظروف الخطرة كانوا يبحثون عن الجثث المدفونة في الوحل لانتشالها.

تماماً كما في المملكة المتحدة، كثيراً ما يقلل كبار السن في إسبانيا من شأن الشباب مطلقين عليهم لقب "الجيل الزجاجي"، الذي سيتهشم وينكسر عند وقوع كارثة ما. يقولون في سرهم وابتسامة ساخرة تعلو وجوههم إن هؤلاء جميعاً سيكونون منغمسين في استخدام هواتفهم المحمولة، ولن يقووا على الإتيان بأي فعل من دون الاستعانة بفيديو على منصة "تيك توك" يوجههم ويوفر لهم الإرشادات اللازمة.

ولكن، كما تبين، يبدو أن الأجيال الأكبر سناً مخطئة تماماً في اعتقادها هذا. رأيت هذه الحقيقة بأم عيني. لقد أثبت شباب فالنسيا أنهم أبطال وبطلات الفيضان الذي ضرب المنطقة قبل أسبوعين، جالباً معه الموت والدمار. هل قلت جيل "ندفات الثلج"؟ لقد أذهلني تعاملهم مع هذه الظروف الصعبة، سواء في غمرة الكارثة أم بعد انتهائها.

أظهر المراهقون والشباب في أوائل العشرينيات من عمرهم استعداداً استثنائياً للمساعدة في الأوقات الصعبة، داحضين الانطباع غير المنصف عنهم الذي يزعم أنهم "يعجزون عن تحمل العمل الشاق". رأيتهم ينظمون أنفسهم في مجموعات، ويتجهزون بمجارف وأحذية وقفازات، ويستيقظون في وقت باكر يوماً بعد يوم كي يتوجهوا، معظمهم سيراً على الأقدام، إلى المناطق المتضررة إذ يساعدون في عملية إزالة الأنقاض التي خلفتها الكارثة، في سبيل دعم مواطنيهم في فالنسيا.

كانت ابنتي الكبرى صوفيا، البالغة من العمر 20 سنة، مشغولة يوم الثلاثاء في مساعدة زوجين في بلدة بيكانيا، ولمست قصتهما قلبها وتركت تأثيراً واضحاً فيها. أخبرتني كيف أنهما عاشا ساعة عصيبة من القلق والحيرة في انتظار أن يعرفا ما إذا كان ابنهما البالغ من العمر 14 سنة ما زال على قيد الحياة، ذلك أن الفيضانات ضربت المنطقة، فيما كان يتابع دروسه الإنجليزية في بلدة أخرى بعيداً منهما.

أخبرتني صوفيا كيف أن غرفة نوم ابنهما في الطابق الأرضي كانت تشبه إلى حد كبير غرفة نوم أختها الصغيرة: "كانت تحتوي الأثاث نفسه من متاجر ’إيكيا‘، إنما باللون الأزرق بدلاً من الوردي، ولكن الفياضانات دمرتها تماماً. كان يحب اللغة الإنجليزية، وكانت العائلة تبذل كل جهدها علها تنقذ مجموعته الثمينة من كتب سلسلة "هاري بوتر" التي اشتراها من مصروفه الشخصي.

ربما اعتاد هؤلاء الشباب رؤية مشاهد السيارات المقلوبة والمباني المتهدمة افتراضياً خلال ممارسة الألعاب الإلكترونية، ولكنهم يواجهون الظروف القاسية على أرض الواقع بقوة مثيرة للإعجاب. تراهم ينقلون الأثاث، ويجرفون الوحل اللزج الذي ملأ المكان برائحته النتنة، فيما الموت يحيط بهم من كل جانب.

ابنة أخي، فيوليتا، البالغة من العمر 17 سنة، التي تطوعت مع مجموعة من أصدقائها لمساعدة الناس في بايبورتا (حيث رشق السكان ملك وملكة إسبانيا بالطين أثناء زيارتهما هذا الأسبوع) أخبرتنا أنها سمعت شرطياً يخرج من مرآب ويتوجه إلى زميل له قائلاً: "يا إلهي! المكان يفيض بالجثث هنا!".

ولما كانت جثث كثيرة، سواء للضحايا من الناس أم الحيوانات النافقة، ما زالت مغمورة في المياه الراكدة، أصبحت الرائحة الكريهة الآن شديدة الوطأة وبات خطر الإصابة بأشكال من العدوى حقيقية واقعة. غير أن أبناء "الجيل الزجاجي" يضعون أنفسهم أمام التهديدات، من دون أي تردد، من أجل إخوانهم، وينجزون المهمة التي كانت الحكومة بطيئة جداً في تنفيذها.

 

كانت الاستجابة الأولية للكارثة بطيئة وكارثية وفوضوية، ولم يصل الجيش ورجال الإطفاء إلا في الأيام الأخيرة لتنظيم عمليات الإنقاذ ووضع الإجراءات المناسبة بعد الكارثة، ومع ذلك تقرر إبقاء المتطوعين المتحمسين بعيدين من المناطق المتضررة.

زار ابن أخي رودريغو، البالغ من العمر 21 سنة، ومجموعة أصدقائه في الجامعة مدينة مختلفة كل يوم. وتوجهوا الأربعاء إلى ماساناسا، وقرروا المخاطرة متجاهلين كل القيود المفروضة. أرسل لي لاحقاً رسالة قال فيها: "حالفنا الحظ بوجود شرطي لطيف سمح لنا بالمرور". ولكنه يجد الحواجز مرهقة: "في يوم واحد عملنا معاً كفريق وانتهينا من تنظيف منزلين لسيدتين مسنتين. كانت السلطات ستستغرق أسابيع قبل إنجاز هذا العمل".

ترعرع هؤلاء الشباب في فالنسيا على قصص أجدادهم عن فيضان "غران ريادا" (الفيضان العظيم) التاريخي الذي اجتاح وسط فالنسيا عام 1957 وأودى بحياة 81 شخصاً، وكان السبب وراء تحويل مجرى نهر توريا إلى جنوب المدينة. لم يتخيل هؤلاء الشباب قط أنهم سيواجهون كارثة بالحجم نفسه، بل أكبر منها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد ساعات من العمل المضني، في كشط الوحل من المنازل، وإلقاء الأجهزة الكهربائية المدمرة في الشارع أو توزيع المواد والمستلزمات الأساسية للسكان المتضررين من الفيضانات، يرجعون إلى منازلهم، وقد غطى الطين أجسادهم، ودب الألم في أوصالهم، من دون أن تفارقهم الصدمة بأن الحياة على الجانب الآخر من النهر ما زالت تسير بصورة طبيعية فيما يقاسي الآخرون كارثة مهولة.

أشعر بفخر عميق تجاه بناتي، وأبناء عمومتهن، وأصدقائهن، وزملائهن في الصف، وكل الأشخاص الآخرين الذين تطوعوا عن قناعة من تلقاء أنفسهم دونما حاجة إلى أي شكل من الضغط أو الإقناع. بل على العكس، كان من الصعب كبح حماستهم وتفانيهم. حتى أنهم ضحوا بدراستهم، إذ ألغت الجامعات الحكومية الفصول الدراسية، ورفض طلاب الجامعات الخاصة حضور المحاضرات كي يتمكنوا من التطوع. "نحن الأكثر قدرة على المساعدة"، قال لي أحد طلاب الطب البيطري في السنة الثالثة، مضيفاً: "قدرتنا الجسدية تسمح لنا، أكثر من أي شخص آخر، بإنجاز العمل الشاق المطلوب، لذا دعونا نتولى هذه المسؤولية".

كن واثقاً من أن هؤلاء الشباب من سكان فالنسيا سيعودون باستمرار يوماً تلو الآخر، ما داموا قادرين على مد يد العون، وما دامت الظروف تستدعي تدخلهم ومساعدتهم.

كاثرين دولان صحافية بريطانية انتقلت إلى إسبانيا منذ 20 عاماً. زوجها من فالنسيا، ولديهما أربع بنات.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات