ملخص
يمكن مشروع قانون مدير عام وزارة التربية والتعليم الاسرائيلية من إقالة معلم بإجراءات سريعة وبدون بلاغ مسبق بادعاء أنه "تماهى مع منظمة إرهابية". فيما يتغيب عدد كبير من الطلاب العرب الذين يتعلمون في مدارس مختلطة (يهودية وعربية)، خوفا من مواجهة أجواء قاسية ومشحونة جداً.
لم تتخيل نور (اسم مستعار) ابنة 13 ربيعاً، أن مناقشة صفية حول السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في مدرستها بمدينة بئر السبع (جنوب إسرائيل) ستقلب حياتها رأساً على عقب، وستضع مستقبلها وعائلتها على المحك، فالطالبة العربية من أبناء المجتمع البدوي، فصلت من مدرستها لمدة اربعة أيام عقاباً لها على رأيها الذي عبرت عنه خلال حصة تدريسية في موضوع الجغرافيا في صفها التعليمي.
قالت نور إنه "في غزة يقتل أناس أبرياء، بينهم أطفال، وآخرون يقتلون ويعانون الجوع وبيوتهم قد تهدمت". المعلمة الإسرائيلية الغاضبة التي اعتبرت كلمات الطالبة تحريضاً على الجيش لم تحاول تهدئة النقاش، وتركت الفتاة داخل الصف تدير المواجهة بنفسها، إلى أن جاءت معلمة عربية وخلصتها من بين زملائها الطلاب اليهود الذين شنوا هجوماً واسعاً ضدها في المدرسة وهم يرددون هتافات عنصرية، واصطحبتها إلى غرفة الإدارة وأجرت اتصالاً مع عائلتها.
وعلى الرغم من أن الفتاة تعرضت لهجوم واسع من الطلاب والهيئة التدريسية، ازداد التحريض عليها ليصل الأمر بأعضاء بلدية بئر السبع، المطالبة بطردها وعائلتها من المدينة وبسحب الجنسية الإسرائيلية منها، بل ووصلت اتصالات لعائلتها تهدد بقتل ابنتهم، الأمر الذي دفع عشرات الناشطين والأهالي في النقب للوقوف إلى جانب الطالبة، والدفاع عنها وتمثيلها أمام المدرسة والبلدية.
وفي أعقاب هذه الحادثة تغيب عدد كبير من الطلاب العرب الذين يتعلمون في مدارس مختلطة (يهودية وعربية)، خوفاً من مواجهة أجواء قاسية ومشحونة جداً في تلك المدارس، خصوصاً أن حدة الصراعات بين الطلاب العرب واليهود تزداد في المناسبات "القومية" الرسمية بشكل خاص، لا سيما "يوم الذكرى" لقتلى الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية، و"يوم استقلال" إسرائيل، وذكرى "يوم الكارثة والبطولة" (الهولوكوست) وغيرها، والتي يطلب فيها من الطلاب العرب واليهود على حد سواء إنشاد "النشيد الوطني" الإسرائيلي.
وتعد مدينة بئر السبع واحدة من ثلاث مدن مختلطة جديدة في إسرائيل، إلى جانب "نوف هجليل" و"كرميئيل".
وفقاً لمعهد "مرحفيم" لتعزيز المواطنة المشتركة، فإن 5 في المئة من الطلاب الذين يتعلمون في 42 مدرسة رسمية يهودية (مختلطة) هم طلاب عرب، وإن نسبتهم في 21 مدرسة من هذه المدارس تزيد حتى على 10 في المئة.
في حين أوضح "مركز الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست الإسرائيلي، في أبريل (نيسان) الماضي، أن 1.3 في المئة فقط من مجموع الطلاب العرب في إسرائيل تعلموا خلال 2023 في مدارس مختلطة، وهذا بعد زيادة خلال العقد الأخير بنسبة 60 في المئة في عدد الطلاب العرب الذين يتعلمون بمدارس عبرية، من بين مجمل الطلاب في تلك المدارس.
قانون جديد
بموازاة ما يتعرض له الطلاب العرب في المدارس المختلطة، يعيش المعلمون العرب حالة مماثلة من التضييقيات، إذ صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة، قبل أيام قليلة على مشروع قانون يسمح لمدير عام وزارة التربية والتعليم الاسرائيلية بإقالة معلم بإجراءات سريعة وبدون بلاغ مسبق بادعاء أنه "تماهى مع منظمة إرهابية" أو "نشر مديحاً أو إعجاباً أو تشجيعاً لعمل إرهابي ، كذلك يسمح مشروع القانون لوزير التربية والتعليم، بالإيعاز بمنع تحويل ميزانيات إلى مدارس بادعاء أنه "تجري فيها أو يسمح فيها بمظاهر "تماثل مع عمل إرهابي".
وأيد هذا القانون الذي طرحه عضوا الكنيست عميت ليفي من حزب "الليكود"، وتسفي فوغيل من حزب "عوتسما يهوديت"، ويستهدف المدارس العربية والمعلمين العرب في إسرائيل، 55 عضو كنيست وعارضه 45. فيما زعم ليفي أن مشروع القانون "يستهدف البنية التحتية الأقوى للإرهاب وهي التعليم". وأنه "يضمن تربية طلاب إسرائيل على العدالة والعلوم والرأفة، وليس على الإرهاب والظلم والبربرية."
وبحسب فوغيل، الذي يرى أن المعلم في جهاز التعليم هو أحد أكثر المؤثرين في الأولاد وأبناء الشبيبة، فإن غاية المشروع "التيقن من ألا يستغل معلم تأثيره لقيام طلابه بنشاط إرهابي وألا تؤيد المدرسة ذلك." وكان النص الأصلي لمشروع القانون يقضي بإلزام وزارة التربية والتعليم بأن تحول سنوياً قائمة ببطاقات هويات جميع المعلمين في إسرائيل، والقدس، إلى جهاز الامن العام الداخلي "الشاباك"، إلا أنه تم شطب هذا البند إثر معارضة الجهات المهنية والأمنية. لجنة متابعة قضايا التعليم العربي داخل إسرائيل، التي أكدت أنه من دون سن هذا القانون بالإمكان فصل معلمين بعد اتهامهم أو الاشتباه في أنهم "يدعمون الإرهاب".
ورأت اللجنة أن القانون الجديد سيوسع إمكانية فصل معلمين من دون توازنات، بهدف تخويف وإسكات المعلمين العرب ومنعهم من التعبير عن أي موقف سياسي، واعتبرته خطوة إضافية من سياسة ممنهجة لإخضاع المجتمع عامةً والعربي خاصةً على عدم طرح أي فكر نقدي يتعارض مع الفكر السائد والنهج العام.
كما أشارت إلى أنه خطوة إضافية ضمن سياسة كم الأفواه والملاحقة في كافة الميادين وإحكام السيطرة على جهاز التربية والتعليم بشكل عام. ووفقاً لبيان اللجنة فإنها ستعمل بالشراكة مع جمعيات حقوقية لدارسة إمكانية تقديم التماس قانوني بشأن هذا القانون.
ملاحقات السياسية
لم يتوقف الأمر عند الطلاب والمعلمين العرب في المدارس، فمع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، بدأت الجامعات الإسرائيلية كذلك بالتعامل مع عشرات آلاف الطلبة الفلسطينيين بتوجس، وفصلت العشرات منهم بسبب تضامنهم مع الفلسطينيين في غزة، حيث واجه الطلبة العرب بعد تصوير منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ملاحقات من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة وجلسات تأديبية في الجامعات، ومن ثم نقلت ملفاتهم إلى الشرطة التي شرعت بحملة ملاحقة واعتقال مكثفة بحقهم، بتهمة دعم الفصائل الفلسطينية المسلحة.
وحسب رصد مركز "عدالة" الحقوقي شددت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قبضتها على فلسطينيي الداخل بموجب أنظمة الطوارئ، وذلك عبر القمع، والتنكيل والاضطهاد والملاحقة وتجريم العمل السياسي، والاعتقالات والتوقيف والتحقيق لدى أجهزة المخابرات، والمحاكمات التي شملت المئات، وكذلك فرض عقوبات مشددة بالسجن الفعلي لسنوات طويلة على العشرات بتهمة "التماهي مع الارهاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أصدرت عشرات أوامر الاعتقالات الإدارية (اعتقال بلا لائحة اتهام) بحق طلاب عرب في الجامعات الإسرائيلية. ووفقاً للمركز، أحيل أكثر من 96 حالة لطلاب عرب في الجامعات والكليات الاسرائيلية لإجراءات تعسفية ومثل 84 طالب وطالبة، من 25 مؤسسة أكاديمية لإجراءات عقابية بزعم "دعم الإرهاب" بسبب تعبيرهم عن تضامنهم مع أهالي قطاع غزة أو حتى بسبب مشاركتهم آيات من القرآن.
في حين أشار تقرير حقوقي صادر عن "منظمة القانون من أجل فلسطين" إلى أن سياسة اعتقال طلاب الجامعات الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، واستخدام سلطة الدولة "محاولة لدفعهم للعدول عن إظهار هوية جماعية علناً عن طريق التخويف والإرهاق والإكراه في محاولة لفصلهم تماماً عن هويتهم الفلسطينية."
مقاطعة عالمية
في المقابل، نشرت القناة "12" الإسرائيلية، أن الجامعات في إسرائيل تشهد موجة مقاطعة غير مسبوقة للأكاديميين فيها منذ بداية الحرب على غزة، وصلت إلى أكثر من 300 حالة مقاطعة، ووفقاً لمعطيات لجنة رؤساء الجامعات التي نشرت قبل أيام، فان 50 حالة تقريباً من الجامعات والأكاديميين الإسرائيليين أبلغوا برفض نشر مقالاتهم العلمية، كما تم إلغاء حوالى 30 محاضرة لأكاديميين إسرائيليين، ورفض نحو 30 من الأكاديميين الأجانب إلقاء محاضرات في مؤتمرات علمية وأيام دراسية نظمتها جامعات إسرائيلية. كما رصد 30 حالة إلغاء أو تعليق تعاون في الأبحاث أو بين جامعات إسرائيلية وأجنبية وتبادل طلاب.
وشملت هذه المقاطعة للجامعات الإسرائيلية الكثير من الكليات والمجالات العلمية، بينها التاريخ والحقوق وعلم الآثار والدراسات اليهودية والثقافات والعلوم الطبيعية والهندسة. ووفقاً للجنة، فإن بلجيكا سجلت أعلى عدد من حالات المقاطعة لأكاديميين إسرائيليين وصلت إلى أكثر من 40 حالة شملت الغاء 15 منحة أكاديمية، ورفض إصدار توصيات وتقارير لباحثين إسرائيليين وتجاهل رسائل خطية أو شفهية منهم، تلتها الولايات المتحدة مع تسجيل أكثر من 35 حالة مقاطعة، ثم بريطانيا مع أكثر من 20 حالة، وهولندا أكثر من 15 حالة مقاطعة، كما سجلت إيطاليا أكثر من 10 حالات مقاطعة في أعقاب مبادرة أطلقها اتحاد الأكاديميين فيها.
وبحسب القناة، فإن رئيس طاقم مكافحة المقاطعة الأكاديمية في لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية، عمانوئيل نحشون شلنغر قال، إن "المقاطعة الأكاديمية هي أحد التحديات المركزية التي تواجهها الجامعات الإسرائيلية، منذ 7 أكتوبر، في الحلبة الدولية."
وأضاف، "ظاهرة المقاطعة الأكاديمية تتصاعد بشكل كبير إثر الحرب وتهدد باستهداف المكانة الأكاديمية الإسرائيلية، في أي جانب." مؤكداً أن مكافحة هذه الظاهرة تكمن في" تشكيل طاقم عمل في لجنة رؤساء الجامعات للعمل بأدوات قانونية ودولية ووسائل أخرى من أجل تقليص ظاهرة المقاطعة الأكاديمية ضد مؤسسات وباحثين إسرائيليين قدر المستطاع ".
من جانبه، قال الأكاديمي والمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي لصحيفة "الغارديان" البريطانية، أن "المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل التي بدأت عام 2005 كجزء من حملة المقاطعة BDS لم تكن تستهدف الأفراد الإسرائيليين، بل المؤسسات فقط."
وأضاف، "اليوم حركة الاحتجاج الطلابية التي بدأت في الولايات المتحدة وتنتشر الآن في جميع أنحاء العالم الغربي، عززت قدرة الطلاب على حث أعضاء هيئة التدريس على الانضمام إليهم ونجحوا في قبول مطالبهم كلياً أو جزئياً".
استعدادات صارمة
في أعقاب الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين التي انطلقت من جامعة كولومبيا منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وامتدت إلى كثير من الجامعات حول العالم وأسهمت بشكل ملموس في عزلة إسرائيل وجامعاتها، بدأت جامعات أميركية مع بدء العام الدراسي الجديد باتخاذ إجراءات أكثر صرامة من ذي قبل، حيث أحاطت إدارة جامعة "كولومبيا" المساحات الخضراء في الحرم الجامعي بأسلاك شائكة، وأعلنت لطلابها عبر رسالة بالبريد الإلكتروني في يوليو (تموز) الماضي، أنها تخطط لتنفيذ نظام الحرم الجامعي "المرمز بالألوان" الذي يقيد الوصول إلى الأنشطة داخل الحرم الجامعي.
كما أعلنت إدارة جامعة "فيرجينيا" أنه بموجب قراراتها الجديدة، لن يسمح بأي أنشطة خارجية بين الساعة 02:00 و06:00 وذكرت أنه لا يمكن لأي خيمة لا تستخدم في الأنشطة الجامعية أن تبقى في أرض الجامعة لأكثر من 18 ساعة، مع منع النوم في الحرم الجامعي من منتصف الليل وحتى الساعة 06:00، في حين قررت إدارة جامعة "بنسلفانيا" منع التخييم والتظاهرات الليلية داخل حدود الجامعة "حرصاً على سلامة الطلاب والموظفين.
وأوضحت أنه يجب تبليغها بالفعاليات المقرر عقدها في الحرم الجامعي قبل 48 ساعة على الأقل. وذكرت أنه لا يمكن استخدام الأجهزة العالية الصوت مثل مكبرات الصوت إلا بين الساعة 17:00 و22:00 خلال الأسبوع الذي تستمر فيه الفصول الدراسية.
بينما ذهبت جامعة "كيس ويسترن ريزيرف" للقول إنه يجب الحصول على إذن خطي من الإدارة للاحتجاجات التي يزيد عددها على 20 شخصاً وتتجاوز الساعتين واشترطت أن تكون التظاهرات بين الساعة 08:00 و20:00، مع عدم السماح باستخدام الألعاب النارية ونصب الخيام وعرض الصور والفيديوهات على المباني. بدورها، دانت رابطة أساتذة الجامعات الأميركية السياسات الجديدة التي تتبعها الجامعات ضد الاحتجاجات السلمية واصفة إياها "بالقمعية" وذكرت أن الإجراءات المتخذة "تقوض حرية التعبير وتثني الطلاب والأكاديميين عن المشاركة في الاحتجاجات والمظاهرات". مؤكدة أن معظم هذه القرارات "فرضت بشكل أحادي من قبل إدارات الجامعة دون استشارة أعضاء هيئة التدريس".
من جهتها، قالت منظمة "رابطة مكافحة التشهير"، إحدى أهم المنظمات اليهودية الأميركية المؤيدة لإسرائيل، في رسالة لأنصارها "إنه وقت مخيف أن تكون طالباً يهودياً". وطالبت فيها "بعدم إخضاع الطلاب اليهود لخطاب معادٍ للسامية ومنحهم الشعور بالأمان والدعم في الحرم الجامعي." ومع بدء العام الدراسي أطلقت المنظمة حملة "ليس في الحرم الجامعي الخاص بي" لتمكين الطلاب وأولياء الأمور والخريجين من الدعوة إلى التغيير، وتحديد الإجراءات التي يمكن للمدارس اتخاذها لتنفيذ معايير السلامة.
دولة "برصاء"
وأوضح استطلاع "مؤشر السياسة الإسرائيلية الخارجية لسنة 2024" الذي أجراه معهد "مِتفيم" (مسارات) ونشرت نتائجه أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، أن ثمة تراجعا حادا في تقدير الجمهور الإسرائيلي لوضع إسرائيل الدولي ومكانتها العالمية، من متوسط 5.03 نقاط في العام الماضي، وهو التقييم الأدنى منذ العام 2014، إلى متوسط 4.31 نقاط في العام الجاري، أي التقييم الأدنى خلال العقد الأخير. كذلك، يصف 70 في المئة من الجمهور الإسرائيلي وضع دولة إسرائيل الدولي في الفترة الحالية بأنه يتراوح بين "سيء" و"غير جيد"، بينما تعبر أغلبية 57 في المئة عن قلقها وتخوفها من أن تتحول إسرائيل إلى "دولة برصاء" منبوذة في المجتمع الدولي أعقاب استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وحيال سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية.