ملخص
إن الأزمات في أفغانستان وسوريا هي رمز لتعقيد الحروب الحديثة، بحيث القوة العسكرية ليست هي العامل الحاسم الوحيد. كذلك تلعب العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية دوراً بارزاً في تحديد مصير الحكومات والدول.
هناك أوجه تشابه واختلاف بين سقوط النظامين في أفغانستان وسوريا، ودراسة هذه الأوجه قطعاً ستكون لها دروس للمستقبل.
في الحرب على جمهورية أفغانستان، ركزت حركة "طالبان" أولاً على الاستيلاء على المدن الصغيرة، ثم تقدمت بقوة أكبر نحو المدن الكبرى وفي نهاية المطاف سيطرت على العاصمة كابول. لقد تمكنت الحركة من زيادة قواتها باستخدام تكتيكات مثل المحاصرة التدريجية وإثارة الرعب ومحاولة إقامة علاقات دبلوماسية مع دول المنطقة.
التقدم نحو العاصمة
وفي سوريا، بدأ معارضو بشار الأسد مثل "هيئة تحرير الشام"، التقدم من المناطق الريفية والحدودية. واستخدمت هذه الجماعات تكتيكات مشابهة لتلك التي استخدمتها "طالبان". إذ استولت في بداية الأمر على المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة ومن ثم استخدمت هذه المناطق كقواعد لمهاجمة المدن الكبرى. وحاولت كلتا المجموعتين "طالبان" و"المعارضة المسلحة السورية" السيطرة جغرافياً لأنهما كانتا تعلمان أن السيطرة على جزء من الأراضي كانت أداة رئيسة للضغط على الحكومة المركزية.
كان أحد العوامل في سقوط النظام الجمهوري في أفغانستان هو اعتماده الكبير على المساعدات الغربية، بخاصة الولايات المتحدة. إذ كانت واشنطن تقدم الجزء الكبير من الموازنة العسكرية والمدنية لأفغانستان. هذا الاعتماد الشديد والمفرط دفع الحكومة الأفغانية إلى الامتناع عن تعزيز قدراتها الداخلية، ومع تراجع الدعم الأميركي بعد اتفاق الدوحة، انهارت أسس الحكومة بسرعة.
وفي سوريا، اعتمد نظام بشار الأسد بشكل كبير على المساعدات الإيرانية والروسية. إذ ساعدت موسكو وطهران على بقاء نظام الأسد بالقوة العسكرية والمالية والميليشيات. والاعتماد المفرط على هذه المساعدات أدى إلى فقدان الجيش السوري قدرته على إعادة البناء داخلياً. وعندما انخفضت المساعدات الروسية والإيرانية، أصبح تقدم المعارضة المسلحة أكثر سرعة من ذي قبل. وهذا يدل على أن الاعتماد الشديد على الدعم الخارجي من دون بناء القدرات الداخلية، يصبح نقطة ضعف استراتيجية.
تآكل المعنويات
وكان من العوامل المشتركة للسقوط في كلا البلدين هو تآكل معنويات الجنود والمواطنين. وفي أفغانستان، أدى السقوط المتتالي للمدن وعدم القدرة على استعادة هذه المناطق إلى فقدان القوات العسكرية لروحها القتالية. لقد ترك العديد من الجنود والضباط مواقعهم لأنهم رأوا أن الحكومة لا تمتلك الإرادة على مواجهة قوات "طالبان" بشكل جدي.
وفي سوريا، أدت الهزائم المتتالية للجيش وعدم القدرة على السيطرة الكاملة على الأراضي السورية إلى إضعاف معنويات قوات الأسد. وتشير التقارير إلى أن بعض القوات العسكرية رفضت القتال لأنه لم يكن لديهم أمل في النصر، عدا عن أن تراجع الدعم الخارجي (الروسي والإيراني)، أدى إلى تراجع كبير في قدرات الجيش السوري على مقاومة قوات المعارضة.
وكانت الدعاية والحرب الإعلامية إحدى الأدوات الرئيسة لقوات "طالبان"، ومعارضي نظام الأسد. ومن خلال استخدام الأدوات الإعلامية البسيطة وشبكات التواصل الاجتماعي، ضخمت حركة "طالبان" انتصاراتها وضعّفت معنويات القوات الحكومية. وكان نشر الأخبار المبالغ فيها، وفي بعض الحالات معلومات كاذبة ومغلوطة، أحد الأساليب الرئيسة التي اتبعتها حركة "طالبان".
وفي سوريا، أطلق معارضو الأسد، بخاصة "هيئة تحرير الشام"، دعاية واسعة النطاق ضد نظام الأسد باستخدام وسائل الإعلام العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي. ونجحت هذه الدعاية في بعض الحالات، وتمكنت بالفعل من لفت انتباه العالم إلى الأزمة السورية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هرب الرئيس
ومن النقاط المشتركة بين النظامين هرب قادتهما. في أفغانستان، غادر أشرف غني، الرئيس السابق، الأراضي الأفغانية في أغسطس (آب) 2021 ولجأ إلى أوزبكستان. وقد سمح هذا الإجراء لقوات "طالبان" بدخول القصر الرئاسي بسهولة والاستيلاء على السلطة. كذلك أظهر هروب غني ضعف النظام الجمهوري في أفغانستان وأنه حتى أعلى سلطة تنفيذية في البلاد ليس لها أمل في مقاومة قوات "طالبان".
وفي سوريا، أظهرت التقارير أن عائلة بشار الأسد لجأت إلى روسيا، والأسد هرب أيضاً إلى موسكو.
ولعبت دول المنطقة دوراً رئيساً في تحديد مصير الحكومة والمعارضين. إذ تمكنت "طالبان" من خلال الدعم التي تلقته من باكستان وإيران وقطر وحتى روسيا والصين، من ممارسة مزيد من الضغوط على النظام الجمهوري في أفغانستان. وتضمنت هذه المساعدات توفير المأوى والموارد المالية والمساعدة الدبلوماسية.
وأما في سوريا، استفاد معارضو الأسد من دعم الدول المعادية لإيران وروسيا. وتضمنت هذه المساعدات توفير الأسلحة والتدريب العسكري والدعم المالي. كذلك تسبب تنافس القوى الإقليمية والدولية في تعقيد الحرب في سوريا.
إن كثرة الأزمات في أفغانستان وسوريا أظهرت أن الاعتماد المفرط على القوى الأجنبية وضعف تمكين القدرات الداخلية وعدم ثقة المواطنين في الحكومة وتآكل معنويات العسكر هي عوامل رئيسة في سقوط كابول ودمشق. وأيضاً لا ينبغي لنا أن نتجاهل الدور الذي تلعبه الدعاية والحرب الإعلامية في إضعاف الحكومات وتقوية المعارضة.
تعقيد الحروب الحديثة
وعلى رغم اختلاف الظروف بين البلدين في العديد من النواحي فإن أوجه التشابه بينهما يمكن أن تشكل دروساً قيمة للحكومات والأنظمة الأخرى التي تواجه تهديدات متماثلة.
إن الأزمات في أفغانستان وسوريا هي رمز لتعقيد الحروب الحديثة، بحيث القوة العسكرية ليست هي العامل الحاسم الوحيد. كذلك تلعب العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية دوراً بارزاً في تحديد مصير الحكومات والدول. وبالتالي، لمنع تكرار هذه السيناريوهات، ينبغي على الأنظمة والحكومات أن تولي اهتماماً خاصاً لبناء القدرات الداخلية وتعزيز ثقة المواطنين والحد من الاعتماد على القوى الأجنبية.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"