ملخص
قبل يومين خرجت وسائل إعلام إسرائيلية، ومنها صحيفة "يديعوت أحرونوت" و"القناة 12"، بعناوين واضحة مفادها بأن محاولات جدية يتم العمل عليها لإيقاف الحرب في الجبهة الشمالية وبأن هذه المحاولات قد تفضي إلى وقف موقت لإطلاق النار، مدته أسابيع قليلة.
لكن الإعلام بدا أنه أقل حماسة من قبل، وكذلك اللبنانيون، ربما لقناعة واقعية بأن هذه المبادرة ستسلك طريق أسلافها، وهذا ما حصل بالفعل.
لم يعد أحد في لبنان يصدق فعلاً أي تسريب إعلامي، لبناني أو إسرائيلي، يتحدث عن قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل و"حزب الله"، وهذا الشك لم يأت من عبث.
فخلال أشهر قليلة، بدا في أكثر من محطة أن الاتفاق على إيقاف الحرب كان قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق، حتى أن البعض اعتبر أن صفحة الحرب طويت في زمن المصالح الانتخابية والعسكرية، ونشرت قبل أسابيع قليلة مسودة اتفاق عمل عليها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، قرأ كثيرون تفاصيلها جيداً وتداولوها، إنما بقيت بعد ذلك مجرد ملف مذلل بكلمة "Draft" .
وكذلك في سبتمبر (أيلول) الماضي، طرح الفرنسيون مبادرة وافق عليها الأميركيون ووقعت عليها مجموعة كبيرة من الدول منها دول عربية، وأعلن لبنان خلالها موافقته تماماً على تطبيق القرار 1701، وكانت الأجواء توحي بأن إسرائيل في طريقها للموافقة أيضاً، ولكن الحرب استمرت، وبقيت هذه الجهود مادة إعلامية شغلت اللبنانيين لأيام قليلة لا أكثر.
التكرار ممل حتى في زمن الحروب
اليوم يتكرر المشهد نفسه، إنما بحماسة أقل، فالتكرار ممل، حتى في زمن الحروب المشتعلة.
قبل يومين خرجت وسائل إعلام إسرائيلية، ومنها صحيفة "يديعوت أحرنوت" و"القناة 12"، بعناوين واضحة مفادها بأن محاولات جدية يتم العمل عليها لإيقاف الحرب في الجبهة الشمالية وبأن هذه المحاولات قد تفضي إلى وقف موقت لإطلاق النار، مدته أسابيع قليلة.
لكن الإعلام بدا أنه أقل حماسة من قبل، وكذلك اللبنانيون، ربما لقناعة واقعية بأن هذه المبادرة ستسلك طريق أسلافها، وهذا ما حصل بالفعل. إذ تبين اليوم أن لا مبادرة حقيقية وكل ما طرح كان جس نبض إسرائيلي على وقع تصعيد الميدان، وما أكد الأمر كلام وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس إنه "لن يكون هناك وقف لإطلاق النار ولا توقف في الضربات ضد الحزب، ولا فترة راحة له، حتى تتحقق أهداف الحرب".
كذلك قام رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي تزامناً مع الحديث عن مبادرة "جدية"، بالموافقة على توسيع العملية البرية في جنوب لبنان.
في المقابل، نفت الصحافة اللبنانية ومسؤولون أي كلام عن اتفاق مرتقب، بل أكدوا أن هوكشتاين نفسه لم يعد بعد بأي جواب إلى بيروت، فيما يرفض الجانب اللبناني وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن خلفه "حزب الله" الشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار.
مفاوضات بالدم والنار
تكرار الحديث عن وقف إطلاق النار في لبنان، يذكرنا بما حصل في قطاع غزة منذ سنة وشهر تقريباً. فهناك حاول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عبر زيارات متكررة وصلت إلى 11 زيارة، أن يقنع الجانبين، أي إسرائيل وحركة "حماس" بوقف لإطلاق النار، وتكررت أكثر من مرة عبارة "تقدم في مفاوضات القاهرة حول غزة"، لكن النتيجة كانت أن المفاوضات فشلت والحرب استمرت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبدو أن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو يعتمد التكتيك نفسه بين الجبهتين، على رغم اختلافهما تماماً. فهو مصر على التفاوض بالدم والنار على وقع تصعيد كبير، أكده الميدان الذي شهد توسيع نطاق الضربات الإسرائيلية في لبنان التي وصلت إلى عكار في أقصى الشمال والعبادية في عاليه شرق بيروت، ناهيك عن ضرب الضاحية الجنوبية لبيروت ظهر أمس الثلاثاء بـ 13 ضربة خلال نحو ساعة فقط.
فيما يقول متابعون إن نتنياهو يتعمد الإيحاء بأنه جاد في ملاقاة الجانب الأميركي للوصول إلى تسوية، لأكثر من سبب، أولاً حتى لا يظهر أمام المجتمع الدولي بأنه غير مبال بالجهود التي تبذل أو أنه المعرقل لوقف الحرب، كما أنه لا يريد "إغضاب" الإدارة الأميركية الحالية حتى لا يتوقف الدعم الأكبر له خلال الأسابيع المقبلة، وهو بالتأكيد لا يريد حسم أي جبهة في الشهرين المقبلين، أي قبل 20 يناير (كانون الثاني) موعد تنصيب الفائز بالرئاسة دونالد ترمب وتوليه رسمياً مهامه الرئاسية، وهو الذي وعد علانية بأنه سيوقف الحرب في المنطقة فور عودته للبيت الأبيض.
كما أن رئيس حكومة إسرائيل يفضل أن "يهدي" أي اتفاق في لبنان أو في غزة للإدارة الآتية وليس الإدارة الراحلة، باعتبار أن هذا الاتفاق سيرسي معالم العلاقة بين تل أبيب وواشنطن مستقبلاً.
في المقابل، وكما فعل في غزة، رفع نتنياهو سقف شروطه "التعجيزية" لوقف الحرب في لبنان بشكل يستحيل أن يوافق عليها الحزب، ومنها توسيع صلاحيات القوات الدولية والتدخل العسكري الإسرائيلي في الجنوب اللبناني من دون الحاجة للتنسيق المسبق وغيره، ما يعني حكماً أن الوصول إلى اتفاق في الوقت الراهن مهمة مستحيلة.
ثابت وحيد ومتحركات كثيرة
وفي الوقت الضائع بين الشوطين، يبدو أن التصعيد الميداني هو الثابت الوحيد وسط متحركات وخطابات كثيرة وكذلك مناورات سياسية.
فهدف تل أبيب الأكبر من جبهة لبنان هو إبعاد خطر "حزب الله" عن الحدود وعودة مستوطنيها إلى الشمال، لكن الحقيقة أن الحزب لا يزال يشكل تهديداً للداخل الإسرائيلي مع استمرار إطلاق الصواريخ وبالتالي الهدف الأكبر من الحرب لم يتحقق بعد، إن لم نفترض أن الهدف الحقيقي والفعلي هو إنهاء الحزب تماماً كحالة عسكرية في لبنان.
هذا في المدى القريب والمتوسط، أما إذا نظرنا أكثر إلى المدى البعيد فنرى أن حسم الحرب قد يطول إلى خريف 2025 وتحديداً إلى شهر سبتمبر المقبل موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة المقبلة، وبالتالي الحسم قد يحدث قبل هذا الموعد بفترة قريبة، ربما قبل أسابيع قليلة. فهذه الانتخابات ستكون الاختبار الأكبر والمصيري لمصير نتنياهو السياسي وهو الذي سيسعى لاستمرار الفوز بحربه في غزة ولبنان لاستثمار هذا الفوز في الانتخابات المرتقبة.
بين حرب غزة وحرب لبنان أمور مشتركة وأخرى مختلفة تماماً، ومما هو مشترك بين الحربين "تكتيك" نتنياهو في مفاوضات وقف إطلاق النار، القائمة على مساعٍ "إعلامية" حثيثة في الظاهر لوقف الحرب وتصعيد ميداني في الكواليس لتحقيق مزيد من "الانتصارات".