Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف لقن العرب الأميركيون هاريس وبايدن درسا لا ينسى؟

فاز ترمب بأكثر من 80 ألف صوت منها 50 ألفاً جاءت من العرب الأميركيين

ناخبون ينتظرون في طابور للتصويت في مدرسة لوري في ديربورن بولاية ميشيغان، في 5 نوفمبر الحالي (أ ف ب)​​​​​​

ملخص

لم تدعم ولاية ميشيغان رئيساً جمهورياً إلا مرة واحدة من قبل على مدى السنوات الـ22 الماضية، وهو دونالد ترمب في عام 2016.

على رغم نذر الخطر التي كانت تحيط بحملة الرئيس الأميركي جو بايدن في ولاية ميشيغان، ثم حملة نائبته كامالا هاريس بعد انسحاب الأول من السباق، بسبب مواقف إدارتهما من حرب غزة، إلا أن كليهما لم يهتم بحملة تصويت "غير الملتزمين" في الانتخابات التمهيدية التي كانت جرس إنذار مبكر للمرشح الديمقراطي، لكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب استفاد من أخطاء هاريس التي لم تعقد مؤتمرات جماهيرية بين دوائر الأميركيين العرب، ولم تزر معقلهم في "ديربورن" (بولاية ميشيغان) أبداً لطمأنتهم، ففعل ما لم تفعله، ثم جاءت أرقام نتيجة الانتخابات لتظهر مدى مساهمة العرب الأميركيين الضخمة في هزيمة هاريس، إذ فاز ترمب في الولاية بفارق 80641 صوتاً منها 50332 من أصوات الأميركيين العرب، فكيف حدث ذلك، وهل لقن الديمقراطيون الدرس؟


خطأ لا يغتفر

ينتشر الأميركيون العرب في عدد من الولايات الكبرى ذات الكثافة السكانية مثل كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي ونيوجيرسي وفلوريدا وتكساس ومحيط العاصمة واشنطن، لكن قوتهم السياسية الوحيدة المؤثرة لم تظهر إلا في ولاية ميشيغان التي كانت بمثابة ساحة معركة رئيسة في السباق الانتخابي، وأصبحت مع غيرها من الولايات المتأرجحة الأخرى جائزة مهمة في انتصار ترمب الحاسم، ويعود سبب التأثير العربي إلى أن تعداد الأميركيين العرب هناك يقارب 300 ألف نسمة يشكلون نحو 2.1 في المئة من سكان الولاية، وهي أعلى نسبة وجود للأميركيين العرب مقارنة بأية ولاية أميركية أخرى.
وكانت ميشيغان ولاية متأرجحة في الانتخابات الرئاسية الثلاثة الماضية، وفي كل مرة كانت الانتخابات متقاربة بصورة لا تصدق، ففي عام 2016 هزم ترمب المرشحة الديمقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بفارق 10674 صوتاً من أصل 4.8 مليون صوت، بهامش ضئيل للغاية بلغ 0.23 في المئة فقط، وكان نجاحه يعزى في ذلك الوقت إلى افتقار حملة كلينتون إلى الاهتمام بميشيغان من حيث الزيارات والدعاية. لكن بعد أربع سنوات تعلم بايدن الدرس خلال تنظيم حملته لعام 2020، إذ أنفق على الإعلانات والدعاية بصورة أكبر، وزار الولاية كثيراً في ما تبين أنها استراتيجية رابحة ساعدته في الفوز بالولاية، بحسب الباحث في مركز الدراسات السياسية بجامعة ميشيغان مايكل تراوغوت.
ومع ذلك واجه بايدن في أثناء الحملة لإعادة انتخابه في العام الحالي رياحاً معاكسة تمثلت في انخفاض معدلات الموافقة على أدائه الوظيفي، التي نجمت في الغالب عن الألم الاقتصادي المستمر المرتبط بإغلاقات "كوفيد-19". وعلى رغم انخفاض معدل البطالة بصورة كبيرة بحلول عام 2023، إلا أن المستهلكين ما زالوا يشعرون بالضائقة، وما زاد الطين بلة في ولاية ميشيغان بالتحديد أن حركة "حماس" شنت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 هجوماً عنيفاً على إسرائيل، وأعرب بايدن عن دعمه القوي لبنيامين نتنياهو عندما بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي رداً عدوانياً ومدمراً على قطاع غزة، وحتى مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين بصورة كبيرة ظل بايدن ثابتاً في دعمه، وهو ما اعتبره كثيرون من الأميركيين العرب "خطأ لا يغتفر".



جرس إنذار

وبعد خمسة أشهر عقدت ميشيغان الانتخابات التمهيدية الرئاسية في الـ27 من فبراير (شباط) الماضي، وللاحتجاج على موقف الإدارة نظم الأميركيون العرب حركة وطنية للتصويت في خانة على ورقة الاقتراع تدعى "غير ملتزم" بدل التصويت لأي من المرشحين الديمقراطيين، بمن فيهم الرئيس بايدن.
وبالفعل أفرزت الحملة أكثر من 100 ألف بطاقة اقتراع "غير ملتزمة" في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية في ميشيغان لعام 2024، بما يمثل 13.2 في المئة من الأصوات المدلى بها، مقارنة بنحو اثنين في المئة فقط خلال الانتخابات السابقة، مما يعادل أكثر من خمسة أضعاف، ويشير إلى تنامي حالة الغضب والرفض لدعم الإدارة الأميركية لإسرائيل، واعتبر بمثابة جرس إنذار للانتخابات العامة في نوفمبر الجاري.
وكان العدد الأكبر من الناخبين من مقاطعة واين، الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الولاية، التي يقطنها عدد من الأميركيين العرب الذين يعيشون في ديربورن وديربورن هايتس وهامترماك والمناطق المحيطة بها.


تخاذل وتغافل

لم يبذل بايدن أي جهد علني للتواصل مع القادة الأميركيين العرب في مقاطعة واين قبل انسحابه من السباق أو بعده، وعندما خرج من السباق زارت هاريس الولاية 11 مرة، ونظم كبار رموز القادة الديمقراطيين حملات هناك، بما في ذلك باراك وميشيل أوباما، ومع ذلك اكتفت هاريس بعقد اجتماعات مغلقة وليست علنية أو جماهيرية مع بعض القادة العرب الأميركيين والمسلمين، فيما أشارت حملتها إلى جهود التواصل المستمرة التقليدية في ميشيغان التي شملت 375 موظفاً من حملتها على الأرض في 52 مكتباً.
وأغفلت هاريس زيارة ديربورن، وهي أكبر منطقة حضرية أميركية ذات غالبية عربية، واكتفت بلقاء خارج المدينة مع عمدتها عبدالله حمود، وهو ديمقراطي رفض تأييد أي مرشح، كما لم تلتق بمنظمي حملة "غير ملتزمين" الذين حشدوا 101 ألف صوت خلال الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، ولم يسمح الديمقراطيون لمتحدث فلسطيني في مؤتمر الحزب في أغسطس (آب) الماضي بالتحدث على منصة المؤتمر، بينما سمحوا لأسرة أميركي يهودي مختطف في غزة بالحديث، مما أثار غضب العرب الأميركيين والتقدميين في الحزب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


هجوم مضاد

في المقابل أمضت كل من مرشحة "الحزب الأخضر" جيل شتاين ودونالد ترمب وقتاً طويلاً في ديربورن، وأجرى ترمب زيارات متعددة للجماعات العربية الأميركية خلال حملة الانتخابات العامة، واستخدم والد زوجة ابنته تيفاني مسعد بولس، وهو أميركي من أصل لبناني، لغته الأم العربية، كحلقة وصل مقبولة من الشرق الأوسط، مما جعله ينجح في الحصول على تأييد عمدة هامرامك وديربورن هايتس.
وصورت حملة ترمب المرشح الجمهوري على أنه "رئيس سلام"، بينما ربطت هاريس بالحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، واستغلت الحملة المؤتمرات الجماهيرية لهاريس بصحبة عضوة مجلس النواب الجمهورية السابقة ليز تشيني، التي لعب والدها نائب الرئيس السابق ديك تشيني دوراً كبيراً في التخطيط للحروب الأميركية في أفغانستان والعراق، وأرسلت شاحنة إعلانات متنقلة تحمل عبارة "أوقفوا كامالا، أوقفوا الحروب" لتجوب أنحاء ديربورن.
وكانت نتيجة هذه الحملات أن دعا زعماء بعض الجماعات العربية - الأميركية إلى عدم التصويت لهاريس بسبب موقف الإدارة من غزة ولبنان، فيما اقترح آخرون التصويت لمرشحين من أطراف ثالثة أو التصويت لترمب.


ثمن التجاهل

دفعت هاريس ثمن تجاهلها للناخبين العرب والمسلمين، ففي حين هزم ترمب في عام 2016 هيلاري كلينتون بفارق أقل من 11 ألف صوت، فاز هذه المرة على هاريس في ميشيغان بأكثر من 80 ألف صوت، أكثر من 50 ألف صوت منها من أصوات العرب الأميركيين، وهي خسارة مريرة بكل المقاييس، إذ تحكم الولاية حاكمة ديمقراطية بارزة، هي غريتشن ويتمر، وسعت حقوق التصويت خلال السنوات الأربع الماضية. ولم تدعم ولاية ميشيغان رئيساً جمهورياً إلا مرة واحدة من قبل على مدى السنوات الـ22 الماضية، وهو دونالد ترمب في عام 2016.
ومع ذلك كان مستوى الدعم في مدينة ديربورن أقل من مستوى الدعم العام لترمب، إذ دعمت المدينة المرشح الجمهوري بنسبة 42 في المئة في مقابل 40 في المئة لهاريس، فيما حصلت جيل شتاين زعيمة "حزب الخضر" التي تصف حرب إسرائيل في غزة بأنها "إبادة جماعية" على أكثر من 15 في المئة من الأصوات، ويشير ذلك إلى الكيفية التي انقلبت إليها أصوات المدينة رأساً على عقب، ففي الانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2020، فاز بايدن بنسبة 69 في المئة من أصوات المدينة في مقابل 30 في المئة حصل عليها ترمب.
وترددت أصداء قضية الحرب في غزة في ولايات أخرى أيضاً، إذ يشير مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، وهو أكبر مجموعة للدفاع عن المسلمين في الولايات المتحدة، إن شتاين فازت بنسبة 53 في المئة من الأصوات في استطلاع رأي أجري على 1575 ناخباً مسلماً تم التحقق من هوياتهم، وفاز ترمب بنسبة 21 في المئة وهاريس بنسبة 20 في المئة.

فشل أوسع

وتشير استطلاعات الرأي عند خروج الناخبين من لجان الاقتراع في ميشيغان إلى بعض الأفكار حول التحديات التي واجهتها هاريس في حملتها التي استمرت ثلاثة أشهر، إذ تقول الخبيرة الاستراتيجية الديمقراطية أميشيا كروس إن فشل هاريس في الانتخابات يعود لعوامل عدة، إذ كان الاقتصاد القضية الأولى في ميشيغان، كما الحال في جميع أنحاء البلاد، لكن تصويت العرب الأميركيين والمسلمين ومخاوف الهجرة لعبا أيضاً دوراً كبيراً.
وعبرت كروس عن استيائها من عدم قضاء هاريس مزيداً من الوقت في ميشيغان، كما انتقدت الطبقة الاستشارية للحزب الديمقراطي لاعتمادها بصورة مفرطة على استطلاعات الرأي بدلاً من المنظمين المحليين، مشيرة إلى أن "الاستماع إلى الناس على الأرض سيكون دائماً أكثر أهمية من التوقعات التي رأيناها".
أما ليكسيس زيدان، وهو ديمقراطي ومؤسس مشارك للحركة الوطنية للأصوات غير الملتزمة في ديربورن، فيرى أن الديمقراطيين فشلوا في القيادة، قائلاً: "إنه أمر مرهق ومخيف ومحبط، لأنه لم يكن لزاماً أن يكون الأمر على هذا النحو".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات